الله ... الأزلي في عقل الفاني ـ 1 / 3
خاص ألف
2013-03-03
كثيرون من يحبون الله ويخافونه ــ لا تصدقهم، من يخاف من شيء لا يحبه ــ على هذا الاقتباس يقف تناقض بين طبيعة البشر وسعيهم نحو المطلق حين يتفقون على تسمية الله.
فإذا كان الله هو المطلق، فإدراكاتنا له هي حتماً نسبية، وتختلف حتى في الاعتقاد الواحد له ولو كانت حتى من ذات الدين أو المذهب، أو حتى في البديهيات الأساسية لأي مؤسسة دينية كانت.
يشكل مفهوم الله الجدل الأكبر والأقدم لدى تاريخ الحضارات، ولو كان هناك الكثير من الاختلاف على التسمية أو الجوهر أو طقوس العبادة والتواصل معه. حيث تختلف القراءات إذا ما تناولنا فكرة الله من واجب الإيمان أو الدراسة أو الجوانب النفسية والثقافية كالطمأنينة الروحية والسلام الداخلي. حتى أن العالم النفسي ( كارل غوستاف يونغ ) كان قد أصدر دراسة بعنوان " رجل الدين أم العلاج النفسي" فهذا العنوان بحدّ ذاته يُظهر أثر فكرة الله والإيمان في الجانب السيكولوجي، لا بل ويذهب إلى مقارنة الفاعلية بين العلم والله وأثره في توجه وسلوك الجنس البشري؛ إن اليقين في الله لدى الجموع يشبه تماماً ما يحاول إثباته العلم أو الدين في سعيهما إذا ما افترضنا أنهما على خلاف، وهو محاولة الدين لأن يكون عالماً ومحيطاً بالموجودات، ومحاولة العلم إلى أن يكون لاغياً للظواهر الميتافيزيقية.
إن العقل السببي في طبيعة تفكير البشر يؤدي إلى الكثير من الفرضيات. فأنا مثلاً حين يجابهني شخص بسؤال ــ من أوجدك؟ .. فمن البديهي المحاولة عن تبرير لهذا الوجود، أو إجابة لهذا السؤال لا أن لا أعلم ... أو لا يهمني، عداكم إذا ما كان الجواب أنه الله أو العودة إلى نظرية داروين في التطور أو الانفجار الكوني الأعظم ...إلخ. وحتى هذا السؤال هو بالأساس نتاج العقل السببي، إلى غير ذلك من التفسيرات التي توافق سيكولوجيا الفرد وثقافة المجتمع.
تواصل بين العقل الشكّاك والروح الواثقة
لا بدّ من ذكر الفروق بين مستويات التواصل لدى البشر، فالناس عموماً يخضعون لقوانين جسدية واجتماعية وفكرية وروحية.. إن ما أود قوله في هذا الصياغ ليس عابراً في صيرورة البحث التراكمية ولا أريد حتماً الذهاب نحو فكرة إثبات وجود الله أو ألغائها.
إن تناول فكرة الله تأتي في عدد كبير من المباحث المختلفة:
ــ هل هو اختراع عقلي وإسقاط بشري ؟
ــ هل هو موجود حقاً ؟
ــ هل هو ثقافة الضرورة ؟
ــ أم أنه نتاج العقل السببي لدى البشر؟
الله .. كلمة تقارب مفهوم المطلق وتنسجم مع توافق البشر الجمعي، ولكن بإمكان الجميع الاختلاف عليها وتناولها من زاوية تكوينه الخاصة، فهو إرضاء للروح وثقافة، واستطاعة إيمان، كذلك بحثاً هاماً انصبَ عليه الكثير من الفلاسفة والعلماء.
وهذه جملة من إدراكات بعض العلماء والفلاسفة حول فكرة الله.
يقول ديكارت ( إني لأتصور هذه المشابهة المتضمنة لفكرة الله بعين الملكة التي أتصور بها نفسي، أي أني حيث أجعل نفسي موضوع تفكيري، لا أتبيّن فقط أني شيء ناقص، غير تام، ومعتمد على غيري ودائم النزوع والاشتياق إلى شيء أحن وأعظم مني، بل أعرف أيضاً وفي الوقت نفسه أن الذي أعتمد عليه يملك في ذاته كل هذه الأشياء العظيمة التي أشتاق إليها، والتي أجد في نفسي أفكاراً عنها، وأنه يملكها لا على نحو معيّن أو بالقوة فحسب، بل يتمتع بها في الواقع وبالفعل إلى غير نهاية، ومن ثم أعرف أنه هو الله ).
ويختصر " كانط " بشكلٍ تصويري عند هذا السياق ( لو كنت ضفدعاً لفكرتُ ضفدعياً ولأني بشر أفكر بشرياً).
وتظهر عبارات أنيشتاين أيضاً ربطاً لعلاقة عالمٍ كهذا بالله، حيث لديه كتاب بعنوان" إن الله لا يلعب النرد " وعبارة أخرى رددها في أواخر حياته حين قال ( إن الله داهية، لكنه غير مؤذ ).
ويذهب ستيفن هوكينغ وهو من أهم العلماء الفيزائيين الذين أحدثوا قفزات هائلة في القرن المنصرم.. ( لم يعد هناك حاجة لأن يكون الله موجوداً ). وهو لا يتردد بأن يكون العلم بديلاً عن الله، حيث بات يقدم أجوبة واضحة في سرّ الوجود وخلق الكون.
ولكن إذا ما نظرنا إلى طوائف أهل العلم على اختلاف تخصصاتهم، نجد معظهم يجمع بين العقلانية وضدها، فهم علماء في تخصصاتهم ــ باسم العقل والعقلانية والفكر العلمي، لكن منهم من يؤمن، ومنهم يتجه نحو الداروينية، ومنهم من أضاف بصمته وقراءته الخاصة لمفهوم الله.
على العموم.. ثمة دهشة تأخذنا لاتفاق البشر في نواحي العالم على البحث عن فكرة الخالق أو حتى الإيمان بها أو دراستها.
ونحن لا نخشى أن نقول بأن الحافز الديني الذي يملكه الإنسان هو جزء من الكائن الواعي كأي صفة أخرى من خصائصه؛ فإن وجود هذا الحافز أو الدافع الديني هو برهان عند الكثيرين على قصد العناية الإلهية، وهو لا يقل شأناً عن عقل الإنسان المادي الذي يكمن فيه كونه الحساس.
إن أي ذرة أو جزء atom or ndecule لم يكن له فكر قط، وأي اتحاد عناصر لم يتولّد عنه رأي أبداً. وأي قانون طبيعي لم يستطع بناء كاتدرائية. ولكن كائنات حية معيّـنة قد خُـلقت تبعاً لحوافز معينة في الحياة، وهذه الكائنات تنتظم شيئاً تطيعه، جزيئات المادة بدورها، ونتيجة هذا أو ذاك، كل ما نراه من عجائب العالم. فما هو هذا الكائن الحي ...؟؟
هل هو عبارة عن ذرات وجزيئات؟ أجل . وماذا أيضاً ؟ شيء غير ملموس، أعلى كثيراً من المادة لدرجة أنه يسيطر على كل شيء، ومختلف جداً عن كل ما هو مادي مما صنع منه العالم،
لدرجة أنه لا يمكن رؤيته ولا وزنه ولا قياسه. وهو فيما نعلم ليست له قوانين تحكمه.
إن( روح الإنسان هي سيدة مصيره)، ولكنها تشعر بصلتها بالمصدر الأعلى لوجودها بعيداً عن تسمية الله أو نظريات العلم في تفسير الوجود. وقد أوجدت للإنسان قانوناً للأخلاق لا يملكه أي حيوان آخر ولا يحتاج إليه، فإذا سمّى أحد ذلك الكيان بأنه فضلة لتكوينات المادة، لا لشيء سوى لأنه لا يعرف؟! بأنبوبة الاختبار، فهو إنما يزعم زعماً لا يقوم عليه برهان.
إنه شيءٌ موجود، يُظهر نفسه بأعماله، وبتضحياته، وبسيطرته على المادة، وعلى الأخص بقدرته على رفع الإنسان من الضعف والخطأ إلى الانسجام مع الإرادة الحرة.
إن وجود الإنسان على ظهر الأرض هو بالنسبة للانهائية وقت جد وجيز. ونقصه الحالي ليس إلا حادثاً في تطوره من مجرد تكوين مادي إلى ما يمكن أن يكونه.
وعلى الرغم من السعي الدائم لتقديم أدلة على وجود الله أو الجدل الكبير في الفكرة ذاتها تبقى هناك أسئلة مفتوحة تتناولها الكثير من الدراسات:
ــ من أدرانا أن لدينا هذه الفكرة عن كائن كامل لا متناه.
ــ من أدرانا أنها فكرة عامة : بمعنى أنها موجودة عند جميع الناس، ونحن نرى أناساً لا يشعرون بها، وحضارات لا تتطرق إليها، وكيف تُـفسّر ظاهرة الإلحاد في العالم.
ــ بما أن فكرة الكامل هي فكرة العلّية فليس هناك تناقض في إنكارها، لأن قانون العلية ليس قانوناً منطقياً.
كذلك في محاولة الرد على العلمانيين والماديين في الكثير من الأطروحات كأن يقال مثلاً لا يمكن للعلم أن يدحض مفهوم الله، فأحد اعترافات العلم عن نفسه بأنه لا يكتمل، حيث أنه يعلن وفاته في هذا الكمال.
ونحنُ لسنا على ثقة من أن الأشياء التي نتصورها تصوراً شديد الوضوح والتمايز هي جميعاً حقيقية إلا لأن الله كائن أو موجود، وأننا لسنا متأكدين من أن الله كائن أو موجود.
إلا أن البشر يتصورون ذلك بوضوح وتمايز شديدين، وذلك بترميزه بين الأشياء التي نتصورها في الواقع تصوراً واضحاً جداً بين الأشياء التي نتذكر أننا تصورناها فيما سبق بوضوحٍ شديد...
ذلك لأنه أولاً نحن على ثقة من أن الله موجود أو ليس موجوداً استناداً لأننا نوجّه انتباهنا إلى الحجج التي تثبت توجهنا في هذا المجال الذي نحن نكون فيه موقفاً من الله.
هوامش:
ــ بحثكَ عن الله / د . ريتشارد أ. بينت
ـ دراسات وجودية / رينيه ديكارت
ــ الله يتجلّى في عصر العلم / كريسي موريسون / ترجمة: محمود صالح الفلكي
08-أيار-2021
18-نيسان-2020 | |
23-تشرين الثاني-2019 | |
02-كانون الأول-2017 | |
10-حزيران-2017 | |
20-حزيران-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |