الله ... الأزلي في عقل الفاني ـ 2 / 3
خاص ألف
2013-03-26
"المسيحيون نور العالم، المسلمون خيرُ أمةٍ أخرجت للناس، اليهود شعب الله المختار".
في كل دين يقفُ أتباعه على مسافةٍ قريبة من الله وكأن الله خصّهم عن سواهم من باقي البشر ..
هذا إذا ما اتبعنا الإثنيات المنتشرة أو أديان الشرق الأقصى ( الأرضية ) ...
على هذا الموقف في أي ميثولوجيا كانت، تقف العلافة المتبادلة بين الله والمؤسسة الدينية كوسيط أو طريقة للعلامة بين الناس والمطلق.. من هنا جاءت الكثير من البحوث في دراسة الدافع الديني أي أن الدين هو دافع من دوافع الإنسان في استمرار حياته الخاصة والمتميزة عن باقي المخلوقات الأخرى.
وتعود هذه الدراسات في إرجاع الدافع الديني إلى عدة عوامل:
1 ـ جانبا الثواب والعقاب كمحرك أساسي في سلوك البشر وتصعيده إلى أعلى درجاته في جوهر الوجود.
2 ـ الصدام الطويل مع الطبيعة في فهم ظواهرها واستمرار البقاء ...
3 ـ تطور العامل الروحي بمرور الزمن .
4 ـ العقل السببي حول مفهوم خلق الكون .
وغير ذلك من العوامل التي ارتكز عليها الكثير من الباحثين إلى إرجاع الله والميثولوجيا إلى دافع في بنية الإنسان. ولكن نالت هذه الدراسات الكثير من الانتقادات، أقلها كأنْ يقال ــ عن مجتمعات لا تفهم معنى الله ولا وجود لأي ميثولوجيا فيها إضافة إلى عمر الحضارات القديمة التي لم تشكل مفهوم الله أو الدين، أي حيّز في وجودها أو ثقافتها .
فتصور الإنسان للماورائيات لا يرقى إلى أبعد من مائة ألف سنة .. وقد يظهر التاريخ حتى لدى السومريين 2300 ق. م . ومحاولة الشعراء والعلماء استعادة تاريخ بلادهم القديم، فكتبوا قصصاً عن بداية الخلق والميثولوجيا (أساطير كطوفان عمر الجنة وخرابها عقاباً لأهلها عن ذنبٍ ارتكبه أحد ملوكهم).
وفي ذاك الوقت كان هناك تعدد للآلهة، عدا عن أن السومريين هم أو من آمن بالحياة الثانية بعد الموت حيث اُكتشفَتْ مقابر أثرية لملوكهم، دُفنَ معها أفراد الحاشية وبعض الأموال والحلي ..
ثم أخذ عند البابليين من بعدهم التراث الديني يبدأ بمسيرة تطوره وتغير شكله لدى باقي الحضارات؛ فالمصريون القدماء يؤمنون بالحياة الثانية بعد الموت، ولديهم اعتقادٌ قاطع أن كل مخلوق يحمل روحاً هي صورة مصغرة عنه تظل سعيدة ما دام جسده محفوظاً من الفناء، لذلك عمدوا إلى تحنيط الميت وبناء المقابر الآمنة لحفظ جسده ( الأهرامات ).
وفي كثير من الدراسات التي تنحّي الجانب العقلاني في الرد على الوجودية الملحدة تبدأ بطرح:
هل رأيت أثراً بدون مؤثّـر ؟
وإذا رأيتَ هذا الأثر ولم ترَ المؤثر، فهل من المنطقي أن نقول لا وجودَ لمؤثر لهذا الأثر ؟!..
فالعقل بالفطرة يرى ضرورة وجود صانع للكون، ثم يأتي بعد ذلك دور السؤال:
ـ إذا كان الصانعُ موجوداً فلمَ لا نراه ؟!
ويأتي جوابٌ في هذا السياق :
ـ إن كثيراً من الأشياء موجودة ولا نراها... فالهواء موجودٌ ولا نراه، والقوة في الأسلاك الكهربائية موجودة ولا نراها، والعقل في الإنسان موجودٌ كذلك يُكررُ السؤال نفسه !
ومن قال أن كل شيءٍ موجود يجب أن نراه..؟
حيث يقول سارتر في كتابه " الوجودية مذهب إنساني ".
وكتب دوستويفسكي يقول ( إذا لم يكن الله موجوداً فإن كل شيءٍ يصبح مسموحاً ).
من هنا تنطلق الوجودية، فالإنسان متروكٌ لا يعتني به أحدٌ!، لأنه لا يجد لا في نفسه ولا خارجها شيئاً يتمسك به ويتعلق بأهدابه، إلى أن يقول " فإذا كان الله غير موجود فإننا لا نجد أمامنا قيماً تُسيّر تصرفاتنا وتجعلها شرعية ".
وأيضاً يُضيف سارتر في كتابه "الوجود والعدم" :
ـ هناك تناقض ضمني في الفكرة التي تقول ( بوجود كائن يستمد وجوده من نفسه ).
وفي كتاب الغثيان له :
( كل موجود يولد دون مبرر، ويعيش بسبب ضعفه وخوفه، ويموت بفعل المصادفة )َ...
ثم يأتي كيرك جارد بالقول "إن كان من التجذيف إنكار وجود الله، فمن التجذيف الأفظع أن نأتي لنثبت له وجوده".
إن المسائل الشائكة في تقاطعاتها وقراءاتها المختلفة سواء لدى البشر العاديين أو الباحثين تنتقل من المفاهيم المجردة إلى شخصنتها وطرق التعامل معها تتداخل الكثير من مفاهيم البشر الإنسانية وتعاملها مع المادة المجردة ...!
فمَ هو مستوى هذا التصوّر الإنساني لكائن موجود .. اسمه الله ..؟
هل له حيّز من المكان؟،
ها يجلس على كرسي ويراقب وأيضاً يأخذ صورة الملك؟،
يعاقب ويكافئ ويترقّب ...؟!
مع أن الكثير من الأعراف الدينية تذهب بالقول إلى أن الله عصي عن الفهم والتصوّر، وهي في الوقت ذاته تحثّ على التقرّب منه ومعرفة ماهيته ..!
بل وتذهب إلى امتهان القضية والتفرغ لها
ـ ما بين الطبيعة البشرية وحقيقة الوجود والنزعة البشرية
في التفكير إلى ما يجب أن يكون .. كان مفهوم الله كتجريد فُـصلَ عن الدوافع الذاتية والحاضر لوجوده ليصبح حقيقة أو بحثاً أو ثقافةً ينصب عليها الجنس البشري...
فالجدلية التي تتناول بأن " العالم هو انعكاس للتصور العقلي، أم أن التصور العقلي هو انعكاس للعالم المادي".
تأتي بهذا الديالكتيك بين أن الله هو إسقاط للعقل البشري أم أن العقل البشري يستقطب فكرة الله عبر وجوده، وهي انعكاس للعقل الكوني الذي يتجلى في ماهية الله .
إن الذهاب نحو الإيمان بالله أو عدمه بالفكر الإلحادي ينتمي إلى ذات الطبيعة العقلية في التفكر بمفهوم المطلق، ولكن الآليات السيكولوجية وزاوية المنطق هي من تحدد الموقف نحو الإيمان أو الإلحاد، فطبيعة الإنسان القلقة ومستوى المنطق في معالجة الأمور قد تجد في الإيمان توازناً نفسياً والكثير من الإجابات عن تساؤلات الوجود أو تأخذ منحى شكاك بأخذ أشكال إلغاء فكرة الله وربما تطلق صفة الوجودية هنا أو العلمانية وما إلى هنالك من الغطاء المنطقي الذي لا يتعرف بها كظواهر تتطلب التفسير والفهم.
هذا إذا ما التفتنا إلى ثقافة المجتمع الدينية التي تصبغ الأفراد بمستوى الإدراك الروحي وعملية الضبط الاجتماعي التي يمارسها الدين ..وإلى أكثر من ذلك في استخدام السياسة للدين في عملية إدارة شؤون الدولة وسلوك الأفراد. فثقافة المجتمعات ومعتقداتها عامل أساسي في طريقة الإدارة والضبط ؛
فما بين توظيف الدين وجوهره بمعنى الأيديولوجيا التي يحملها وتوافقها مع الجانب الروحي والأخلاقي والتنظيم الاجتماعي، شرخٌ كبير في طبيعة الدراسة والبحث العلمي، فلكل منهما لغة مختلفة، فتوظيف الدين من قبل السياسات لا يدخل إلا في حالة المنفعة والسيطرة .
فالتوجه إلى فصل الدين عن الدولة لم يأتِ إلا في حال تغير أطوار الدولة وعمرها، وهذا ما يوضح إلى أن الدين كان مصدراً للسلطة وإدارة البلاد..
ـ إن تناول مفهوم الله بين المُقدس والبحث الموضوعي هو بحد ذاته إشكالية، فهذا الشرخ بين المؤمن والملحد يجعل من طبيعة التوجه تبايناً واضحاً يأخذ شكل الشيء وحده إذا ما تطرقنا لمفهوم التزمت وأشكال العداء والحروب التي كان وقودها الدين.
عموماً أن طبيعة البشر في التعامل مع معطيات الواقع والمفاهيم المجردة بحسب الكثير من الدراسات التي تناولت مستويات الإدراك والوعي البشري نقول: بإعادة إنتاج الأفكار بمعنى أن المفاهيم الإنسانية لا تموت، بل يعاد خلقها وتناولها من جانب آخر قد يكون تراكمي وقد يكون فيه منطقاً أبستمولوجياً بمعنى إنهاء المفاهيم القديمة والمجيء بمستويات إدراك جديدة.
فتاريخ مفهوم الله لدى البشر واختلاف المؤسسات الدينية في إدراكها للمطلق وتفسيرات الوجود تدل على سياق إعادة إنتاج الأفكار، وتغني من طريقة فهمنا في آليات التفكير بين الذات والموضوع.
هوامش:
رمضان لاوند / وجودية ووجوديون /
فراس السواح / دين الإنسان /
08-أيار-2021
18-نيسان-2020 | |
23-تشرين الثاني-2019 | |
02-كانون الأول-2017 | |
10-حزيران-2017 | |
20-حزيران-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |