الشرق الأوسط: أزلية المأزق
خاص ألف
2013-04-19
يمثل الشرق الأوسط خزاناً للأزمات المتدفقة خلال مراحل التاريخ المختلفة، فإن عدنا إلى حقب قديمة يمكن لنا أن نتعرف على حروب وأزمات كثيرة مر بها هذا الإقليم الجغرافي، لعدة أسباب أهمها موقعه الاستراتيجي المتوسط بين كبريات الإمبراطوريات والحضارات (اليونانية – الساسانية) ولاحقاً (الرومانية – الساسانية) والتي كانت في حالة صراع ملتهبة على السلطة، وعلى طرق التجارة القديمة، التي كانت تمثل العمود الفقري لهذه الحضارات. وصولاً إلى تاريخ مليء بالأزمات والحروب إبان حكم الإسلام، الذي حاول فرض نسق فكري جديد في المنطقة برمتها أضاف إلى ما هو موجود أصلاً من تناقضات تناقضاً إضافياً يتمحور ويتمركز حول الدين. هذا الإقليم استمر كمنطقة عائمة على بحر من التجاذبات والشروخات المجتمعية – البشرية – والسياسية والاقتصادية والجغرافية.
وتأكيداً على حالة التأزم هذه أشار هنتنغتون في معرض كتابه صدام الحضارات لما لهذا الشرق من أهمية جيواستراتيجية في ميزان التوازنات السياسية الدولية، وكذلك في ميزان المصالح الاقتصادية بين القارات الثلاث القديمة عموماً ومنطقة آوراسيا (أوربا وآسيا) خصوصاً.
فإذا تناولنا جغرافية هذا الشرق، فسنرى بأنه مكتنفٌ دوماً بصراعات واضحة وفجة، وأخرى خفية وضمنية، صراعات تتمحور حول السلطة كما يحدث الآن في سوريا، وصراعات تتمحور حول الوجود كالقضية الكردية بعموميتها والقضية الفلسطينية، وصراعات تتمحور حول النفط والثروات كما هي الحال بين إيران ودول الخليج العربي والدول الصناعية الكبرى، وأخرى تتمحور حول الدين وهذه أخطرها. وكنتيجة للتداخل بين كل هذه الصراعات وتعدد أسباب التأزم، تداخلت بعض الصراعات مع بعضها وامتزجت لتنتج أنماطاً جديدة، كالصراع على السلطة والصراع الديني في سوريا، والذي استحال إلى صراع جديد أكثر تعقيداً من أي نوع آخر. وأسباب ذلك عديدة، أولها بنية النظام الأمني المخابراتي الذي هيّأ الأرضية الخصبة لنمو مثل هذا التعقيد ليكون هو الخيار المطروح والوحيد فقط أمام كل من يثور أو يفكر بالثورة عليه، ومحاولات النظام منذ بداية الاحتجاجات السليمة بصبغها بطابع طائفي، وسلخها من صفة العفوية التي كانت تتصف بها بامتياز، إلى جانب العديد من السياسات التي مارسها النظام في محاولة منه جر الثورة إلى مطبات يتمكن من خلالها المناورة والتفاوض مع المجتمع الدولي للوصول إلى صفقة تُطبخ على نار هادئة ضماناً لرموزه التي أوغلت في قتل الأبرياء ظناً منه أنه قد يتمكن من وأد الثورة على الطريقة الإيرانية إبان الثورة الخضراء في الجمهورية الإسلامية. إلى جانب الممارسات السياسية الساذجة للمعارضة السورية بكافة تشكيلاتها والتي فشلت في تمثيل الثورة على المستوى السياسي ما أدى إلى قصور في مسار الثورة على الصعيد العربي والإقليمي والدولي. كل هذا السياق أدى ببوابة الشرق الأوسط على طرفي آوراسيا لأن تعيش صراعاً متجذراً ومتخماً في عمق المجتمع السوري، نرى نتائجه الآن، وليس أمام الكثيرين سوى أن يتحسروا لما آلت إليه الأحداث.
والسؤال إلى متى يمكن أن يستمر خزان الأزمات هذا في ضخ وتصدير تناقضاته وممارستها بالواقع الفعلي؟!، وهل يمكن أن يتصور أحدٌ أنه من الممكن أن يعاد بناء هذا الشرق بمبادرة من ذويه، وليس بمعايير دولية مفروضة كمشروع الشرق الأوسط الكبير، على أساس من المساواة والديمقراطية والتي لا بد لها أن تكون الحل الأمثل والأنجع لمثل هذه التركيبة الصفائحية المتقلبة في جانبها البشري والجغرافي وأن يعاد ترتيب التوازنات الجيواستراتيجية انطلاقاً من مصلحة الشعوب وتحقيقاً للسلم والاستقرار الإقليمي والدولي الآن وفي المستقبل.
21-1-2013
كاتب سوري
08-أيار-2021
09-كانون الثاني-2021 | |
15-آب-2020 | |
16-أيار-2020 | |
26-تشرين الأول-2019 | |
15-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |