سيكولوجية اتخاذ القرار
خاص ألف
2013-05-12
إن عملية صناعة القرار هي جزء أساسي من حياة الأفراد الشخصية والمهنية. فبعض القرارات التي يتخذها الفرد أساسية وهامة ومعقدة، مثل القرارات المتعلقة بدخول الدولة في حرب ومثل قرار اختيار شريك الحياة، وبعض القرارات بسيطة مثل ماذا نلبس اليوم، أو ماذا سنتناول على الغذاء. ولكن جميع القرارات تتطلب إعمال الفكر ومعالجة المعلومات ولكن بدرجات متفاوتة. ومن المنطقي أن يأخذ التفكير بالقرارات المتعلقة بالأمور الهامة وقتاً أطول من التفكير بالأمور البسيطة أو السطحية، على الرغم من أن ذلك قد لا يكون صحيحاً في بعض الأحيان.
إن القدرة على اتخاذ القرار ومتابعة خطوات تنفيذه تنمي لدى الفرد الإحساس بالإثارة والتشويق، وتضفي على حياته الحيوية والنشاط. وبالرغم من أن القرار عملية عقلية، إلا أن النظام القيمي والاتجاهات تشكل دوافع موجهة لما يصدر عن الفرد من قرارات. وقد يتردد الفرد في عملية اتخاذ القرار عندما تنتابه مشاعر الخوف من الفشل، أو مخاوف ندم ما بعد القرار. وتؤثر صحة الفرد النفسية تأثيراً كبيراً في قدرته على اتخاذ القرارات. فالأشخاص الذين يعانون من الضغوط والتوترات النفسية ومشاعر الحزن والاكتئاب، يفقدون الحيوية والاهتمام بالحياة، وبالتالي يفقدون القدرة على اتخاذ القرارات، وكأنما يصابون بحالة من الشلل العقلي.
فالصحة النفسية والنضج العقلي محدّدان هامان لقدرة الفرد على اتخاذ قرارات معقولة، وقدرته على المخاطرة، وتحمل مسؤولية قراراته الخاطئة، وما يترتب عليها من عواقب سيئة أحياناً.
إن هذه العملية من التعقيد بمكان بحيث تحتاج إلى الكثير من الخطوات والمراحل؛ وتتطلب الإحاطة والتعامل مع العديد من القضايا الشخصية والمهنية والإدارية؛ والحصول على معلومات وتوليد أفكار حولها؛ وتقييم هذه الأفكار وتحديد المخاطر والمكاسب التي تبنى عليها؛ واختيار أحد البدائل المناسبة؛ ثم تنفيذ القرار ومتابعته.
القرار في اللغة العربية هو ما قرّ عليه الرأي من الحكم في مسألة ما، ويُنظر إلى عملية اتخاذ القرار على أنها عملية عقلية واعية ومركبة، يتم من خلالها اختيار أحد البدائل بهدف الوصول إلى حل مشكلة ما.
يتشابه مفهوم اتخاذ القرار ومفهوم حل المشكلات ويتداخلان، ما دفع العديد من الباحثين إلى الدمج بينهما (جروان وياغي، 1999). فيعرّفه البعض بأنه: اخيتار لأحد البدائل المتوفرة للوصول إلى هدف أو معالجة المشكلة. واتخاذ القرار مرحلة تتطلب خطوات تمهيدية تسبقها، وهي خطوات ضرورية من أجل إنضاج القرار الذي يتم الوصول إليه. كما أن الفرد الواعي والصحيح نفسياً يتأكد من سلامة قراره من خلال تتبع نتائجه، وتحديد الآثار التي تبنى عليها، ومن ثم تقييم هذا القرار.
إن القرار الذي يتخذه الفرد في موقف معين يحدد المسار الذي سيسلكه أو مجموعة الاستجابات والإجراءات التي سينفذها للوصول إلى هدف أو حل مشكلة تواجهه. ويمكن أن نقول بأن معظم تصرفات الأفراد ناتج تلقائي للقرارات التي يتخذونها، فعندما يواجه الإنسان موقفاً أو وضعاً يتطلب سلوكاً ما، فإنه يقوم بعملية تحكيم عقلي يتوصل من خلالها إلى اختيار أنسب السلوكات والإجراءات؛ التي تقود إلى آثار إيجانية أو تجنب العواقب السلبية غير المرغوبة أو كلاهما معاً.
يرى البعض من الباحثين بأن عملية اتخاذ القرار هي عملية إصدار حكم. كما يعرّفه هاريسون: اتخاذ القرار عملية تنطوي على إصدار حكم باختيار أنسب السلوكات في موقف معين. وأن هذه العملية تتم بعد الفحص الدقيق لكل البدائل المتاحة والممكنة والتي تقود إلى تحقيق الأهداف.
واتخاذ القرار مبني على الأحكام التي يصدرها الفرد، ويتعلق بتقويم البدائل جميعها؛ وذلك في ضوء تحديد النواتج والآثار الإيجابية والسلبية لكل منها وإعطاء وزن لكل ناتج؛ أي تحديد أهميته. كما تتم عملية اصدار الأحكام على البدائل في ضوء قابلية كل منها للتنفيذ وفي ظل ما يتوافر لها من إمكانات وما يعترضها من عقبات.
إن عملية اتخاذ القرار تتمحور حول العديد من الخصائص:
- إن عملية اتخاذ القرار هي إحدى خطوات عملية صناعة القرار، إذ تسبقها كثير من الخطوات التمهيدية التي تشكل أسس القرار الرشيد.
- يتكون القرار من عدة عناصر هي:
- متخذ القرار: وهو شخص لديه مهمة تحتاج إلى تنفيذ أو مشكلة تتطلب حلاً ولديه نظام قيم واتجاهات واهتمامات ودوافع ورغبات في تحقيق الأفضل، ومخزون من الخبرة والمعرفة ومصادر معلومات وقدرات عقلية ومهارات تفكير محدّدة.
- هدف أو أهداف: يسعى الفرد إلى إنجازها.
- ظروف أو أوضاع: تحيط بالفرد، بعضها مساندة وبعضها تشكل دوافع وعقبات وبعضها مطالب وحاجات.
- مسارات فعل أو بدائل: يمكن للفرد أن يختار منها.
- توابع وآثار: تبنى على تنفيذ الحل الذي يتم اختياره.
- إن عملية اتخاذ القرار عملية عقلية تكون أحياناً عميقة ومعقدة ومركبة، وبخاصة عندما يكون القرار هاماً. يتضمن تحليل المشكلة؛ واستشكاف جوانبها؛ والوصول إلى أهداف يسعى الفرد إلى تحقيقها؛ ثم جمع المعلومات حول المشكلة وطرق الحل من مصارد مختلفة. وكل هذا يتطلب طلاقة فكرية، ومرونة تلقائية وأصالة في التفكير. إنها عملية إبداعية واضحة تتطلب ممارسة التفكير التباعدي الإبداعي.
- إن عملية اتخاذ القرار مهارة عقلية يمكن تطويرها لدى الأفراد. فهي عملية متعلمة، إذ يمكن تدريب الفرد على كيفية اتخاذ القرار الرشيد، من خلال تدريبه على التفكير النقدي، والحساسية للمشكلات، والتخطيط ورسم الأهداف، وتطوير قدرات البحث والاستكشاف والاستقصاء.
- إن عملية اتخاذ القرار تمتد عبر الزمن وتتصف بالاستمرارية. فهي مرتبطة بعوامل حدثت في الماضي ولكنها تستحضر في الحاضر من خلال مجموعة من العمليات العقلية المتلاحقة والهادفة، وتمتد في تأثيرها إلى المستقبل، وخاصة مع القرارات المهمة في حياة الفرد.
- إن عملية اتخاذ القرار ذات طبيعة تطورية متغيرة. بمعنى أن المشكلة ذاتها في تغيير مستمر مع تقدم خطوات اتخاذ القرار، وقد تتفرع إلى مشكلات فرعية، وعلى الفرد التعامل مع هذه التغيرات بصورة مستمرة للوصول أفضل قرار.
كل هذه الخصائص تتطلب بدورها حسب العديد من الباحثين (جراون، ياغي، روبرز، هاريسون) توافر بعض الخصائص والمميزات التي لابدّ من وجودها لدى الفرد، حتى يستطيع من اتخاذ القرار الفعّال. أهمها:
- الخبرة: فالأقدمية في العمل أو في أي مجال آخر، تجعل الفرد يتعرض لسلسلة طويلة من خبرات النجاح والفشل. فيجمع قدراً واسعاً من الأنماط السلوكية المتنوعة والملائمة. إلى جانب تحول عملية اتخاذ القرار إلى شكل من أشكال التلقائية أو الروتين في حال مواجهة مشكلات من نفس النوع.
- القدرة على تقييم المعلومات بحكمة: وتعتمد على عقلانية الفرد ونضجه وقدرته على التعليل والمحاكمة العقلية. وهذه القدرة تتعلق بازدياد العمر في الكثير من الأحيان، ويظهر ذلك من خلال قدرة الفرد على اختيار المعلومات الحرجة، وتحديد أهميتها وتقييمها، كما تظهر من خلال تقدير نتائج القرار وآثاره. ويستخدم صانع القرار الحقائق والآراء والمعرفة العامة سواء كانت منسقة أو غير منسقة، لتشكيل عدد وافر من المعتقدات التي يتم تقييمها وتحديد أهميتها النسبية، ثم تصبح جزءاً من عناصر القرار.
- الإبداع: وهو قدرة صانع القرار المتفردة في تجميع الأفكار والمعلومات من أجل الوصول إلى قرارات جديدة ومفيدة. فهو يستطيع أن يستخدم قدراته الإبداعية في رؤية جوانب من المشكلة قد لا يستطيع الآخرون رؤيتها.
- المهارات العددية: امتلاك مثل هذه المهارات أمر ضروري ولابدّ منه من أجل التوصل إلى قرارات فعالة في الكثير من الأحيان. وذلك يعني القدرة على استخدام الأساليب الإحصائية والتحليلات الضرورية في البحث. وتشكل هذه التقنيات أدوات تساعد الفرد وخاصة الإداري على تقييم البدائل إحصائياً وبشكل موضوعي.
وتتأثر عملية اتخاذ القرار بالعديد من العوامل، التي تسهّل الوصول إلى قرار سليم يترك آثاراً إيجابية في حياة الفرد ومستقبله، ويمنحه مزيداً من التكيف والسعادة. والبعض الآخر يمثّل عقبات تعترض متخذ القرار وتمنعه من التفكير بوضوح والتصرف بحرّية. وهذه العوامل تتراوح ما بين العوامل المتعلقة بالفرد وخصائصه العقلية وجوانب شخصيته النفسية وخبراته. والعوامل الاجتماعية التي تخص البيئة الاجتماعية المحيطة والتي يتم اتخاذ القرار في سياقها. إلى جانب العوامل الثقافية والتي تتضمن العادات والتقاليد الاجتماعية ومنظومة القيم والأفكار السائدة، والمعايير التي تنظم العلاقات بين الأفراد. ويضاف إليها الإطار الزمني الذي يحدث فيه القرار. ومدى تعاون الأطراف المشاركة في تنفيذه، وأسلوب عرضه عليهم من قبل صانع القرار. وللمساعدة في نجاح القرار لابدّ من التأكيد على بعض العناصر الضرورية لاستكمال آلية اتخاذ القرار الفعّال:
- الدقة الموضوعية والمنهجية العلمية في الوصول إلى المعلومات وجمع البيانات.
- واقعية القرار وقابليته للتنفيذ.
- توفّر الوقت لتنفيذ القرار.
- توزيع الأدوار والمسؤوليات على الأشخاص المناط بهم تنفيذ القرار.
- احترام القرار والتمسك به ومتابعة تنفيذه بشكل جاد، وتوفر النية لإنجاحه.
تمر عملية اتخاذ القرار بالعديد من المراحل التي تربطها علاقة ديناميكية، إذ يمكن لمراحل مبكرة أن تعود وتظهر مرة أخرى في المراحل المتقدمة أو اللاحقة. لذا فهذه المراحل متفاعلة مع بعضها، كما أن المراحل اللاحقة قد تُظهر الحاجة للعودة إلى المراحل السابقة.
1- التعرف على المشكلة: أي الإحساس بالمشكلة والشعور بوجود نقص يحتاج إلى إكمال؛ أو خطأ يحتاج إلى إصلاح؛ أو مهمة تحتاج إلى إنجاز؛ أو هدف يحتاج إلى تحقيق؛ أو وضع يتطلب الخروج منه. ويمكن أن تكون المشكلات شخصية متعلقة ببعض جوانب حياة الفرد، أو تكون مشكلات تتعلق بالمهنة.
2- تحديد المشكلة: أي توضيحها وتحليلها وبيان أبعادها أو مكوناتها الأساسية، ويتضمن توضيح أساسها وحجمها وأسبابها وأهميتها وقوتها.
3- تحديد الأهداف: هي الغايات التي يسعى صاحب القرار للوصول إليها.
4- جمع البيانات: وهي عملية الحصول على بيانات ملائمة تتصف بالدقة والثبات. ويعد توفّر هذه البيانات أحد أهم مدخلات عملية اتخاذ القرار.
5- تطوير البدائل لمسارات سلوكية: أي الحلول التي يتوقع متخذ القرار أنها ستؤدي إلى تحقيق الأهداف، ويستحسن الوصول إلى أكبر عدد منها، فكلما زاد عدد هذه البدائل، زاد احتمال الوصول إلى بديل مناسب، كما أن كثرة عدد البدائل يجعل من عملية اتخاذ القرار نشاطاً عقلياً راقياً وذو معنى.
6- تقويم البدائل: أي اختيار أحد البدائل الذي يحقق أكبر قدر من المنفعة، وأقل قدر من الضرر والخسائر. إذ إن البدائل المقترحة ليست جميعها مناسبة أو بنفس درجة الجودة من حيث ما يتبعها من آثار وما لها من مزايا وعيوب.
7- اختيار البديل المناسب: أي استبعاد عدد كبير من البدائل من خلال عملية تمحيص وتدقيق وتقويم نقديّة. وذلك بالاعتماد على الخبرة والمهارة والحكم السليم.
8- تنفيذ القرار وتقويمه: تمثل المرحلة الأخيرة من مراحل عملية اتخاذ القرار، وهي ثمرة هذه العملية، إذ لا قيمة للقرار إذا لم يتم تنفيذه. كما أن عدم التنفيذ يجعل الوقت الطويل الذي كرّس له والجهد الكبير الذي استثمر فيه يضيعان سدى. وتبقى الفائدة من تنفيذ القرار ناقصة إذا لم تتم متابعته وتقييم آثاره وتحديد درجة نجاحه. فلابدّ أن تتم مراقبة نتائج القرار ورصد التغييرات التي أحدثها تنفيذه. وقد يكون فشل القرار في إحداث التغييرات المرجوة ناجماً عن سوء الاختيار أو سوء التنفيذ.
وتختلف القرارات من حيث نوعها إلى قرارات مبرمجة وقرارات غير مبرمجة، فالمبرمجة هي قرارات يتخذها الفرد لمواجهة أوضاع أو مشكلات روتينية متكررة. ويطوّر الفرد – وبخاصة الإداري – عادة مجموعة من الإجراءات الروتينية والتقنيات والقواعد التي يستخدمها لمواجهة هذا النوع من المشكلات والمواقف. أما القرارات الغير مبرمجة فيتم اتخاذها بهدف مواجهة مشكلات غير روتينية وغير متكررة، أو اتخاذ قرارات ضرورية لحل مشكلات قليلة الحدوث أو جديدة من نوعها، أو مشكلات معقدة ومتفرعة أو ذات أهمية بالغة.
وهناك أيضاً القرارات الاستراتيجية والقرارات التكتيكية، فالاستراتيجية تتخذّ لمواجهة مشكلات هامة وحرجة وذات تأثير بالغ في حياة متخذ القرار، أو في أوضاع المؤسسة التي يديرها. وتتميز بأنه يصعب التراجع عنها لدى اتخاذها. أما التكتيكية فهي القرارات التي يتم اتخاذها من أجل تنفيذ القرارات الاستراتيجية، وقد يتطلب تنفيذ قرار استراتيجي واحد اتخاذ عدة قرارت تكتيكية.
والنوع الأخير من القرارات هو القرارات الفردية والقرارات الجماعية، فالفردية هي القرارات التي يتخذها فرد واحد دون أن يشترك غيره في اتخاذه. وهذا لا يعني أن لا يستشير غيره، أو لا يستعين بالآخرين في جمع المعلومات والبيانات. أما القرارات الجماعية فهي القرارات التي يشترك بها أكثر من فرد، إذ قد يسهم عدد من الأفراد في مراحل صناعة القرار المختلفة. ولكن المهم أن يتم اختيار البديل الملائم من قبل أكثر من شخص، إمّا بالأغلبية، أو بالاتفاق أو بالإجماع. وعامة فالقرارات الفردية أقل أهمية من القرارات الجماعية سواء في حياة الفرد أو المؤسسة.
خاص ألف
المراجع: منصور، غسان: دراسات في علم النفس المعرفي، منشورات جامعة دمشق، ط2، 2010، سوريا.
08-أيار-2021
09-كانون الثاني-2021 | |
15-آب-2020 | |
16-أيار-2020 | |
26-تشرين الأول-2019 | |
15-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |