Alef Logo
ابداعات
              

شعر / بولونيزات أخرى

منذر المصري

2006-04-08

ها قد عادت ( ألف ) وها أنذا عدت أنشر بها ما لا يمكن لي نشره في أي مجلة أدبية أخرى! العدد كم ؟ تاريخ متى !؟ إذا نكشت في مكتبة غواصتي المعتمة الرطبة الغارقة التي لم أحضر إليها إلاّ كتب الشعر والرسم والموسيقى، وبحثت عما أحتفظ به وأحرص عليه من أعداد ألف، لأستطعت أن أعرف.
ولكني لن أفعل، لأنه في( ألف ) لا حاجة للتوثيق، هي تصدقك وقراؤها يصدقونك، فأنت ... ألف. وقتها نشرت ثمان قصائد أو سبع أو تسع، لا أذكر. أذكر أنها نشرت بشبه احتفاء حقيقي بها. فقد أخرجها وخطط عنوانها أحمد معلا مع رسوم لأعضاء جنسية غامضة في الفراغات الواقعة بينها، على صفحتين متقابلتين بدون فاصل وعلى نحو مائل، من الزاوية اليسارية العليا إلى الزاوية المقابلة، اليمينية السفلى.
أما لماذا قمت بتسميتها بولونيزات، فلأني أولاً كتبتها في بولونيا، عندما كنت مبعوثاً على حساب الأمم المتحدة وذلك لمدة ستة أشهر، شتاء عامي 1978-1979 وبشكل شبه ميكانيكي كان لي أن أسميها هكذا، تيمناً بتلك المقطوعات الموسيقية التي خص بها الموسيقار البولوني شوبان والمسماة بذات الاسم! إلا أن بولونيزات كانت تعني لي دائماً الفتيات البولونيات!! اللواتي كان همي معهن، ومع نفسي أن اثبت أني لست مصاباً بعقدة الشرقي تجاههن وتجاه الغرب عامة!! وهذا أظن حماقة أخرى يطول شرحها، لأني في تفكيري هذا كنت أثبت العكس كما أرى الآن.. وللحقيقة أن أبين أن بعض البولونيزات التي نشرت في ألف تضمنتها مجموعتي الشعرية ( مزهرية على هيئة قبضة يد ) التي صدرت عام 1997 عن دار الريس في بيروت، مثلها مثل قصيدة ( ساقا الشهوة) التي صودر كتابي (داكن) من قبل وزارة الثقافة السورية بسببها، خشية احتجاج بعض الناس على نشر أشياء كهذه. ولكن لم يحتج ولم يعترض أحد ولم يمنع كتاب ( مزهرية .... ) رغم أن عدة مقالات نقدية قد تنبهت للجرأة الزائدة في هذه القصائد، لا في سوريا ولا في أي دولة عربية أخرى.
البولينزات الأولى:
---------
1- وَجهي... ذو المَساءِ الباكِر
*
ذاتَ مَساءٍ باكِرٍ
كُنتُ أَجوبُ سُوقَ مَدينَةٍ صَغيرَةٍ
في شَمالِ أُوروبا
يُصاحِبُني بِصَوتٍ مُرتَفِعٍ نِسبِيَّاً
مَطلَعُ أُغنيَةٍ راقِصَة
لَم أُبطِل سَماعَها في كُلِّ مَكان
خِلالَ إقامَتي القَصيرَة
في هَذِهِ المَدينَة .
/
كُنتُ أُصغي إلى فَمي
يُرَدِّدُها عَن ظَهرِ القَلب
دونَ أَن أُدرِك مَعنى
كَلِمَةً واحِدَةً مِنها
عِندَما أَوقَفَني شُرطِيَّان
تَأَكَّدَ لي مِن رائِحَةِ كَلِماتِهِما
أَنَّهُما
مَخموران .
/
راحَ الأَوَّلُ يُحَملِقُ في وَجهي
والثَّاني في صُورَةِ
جَوازِ سَفَري
ثُمَّ أَعطى الثَّاني للأَوَّلِ جَوازَ سَفَري
وأَعطى الأَوَّلُ للثَّاني وَجهي
فَصارَ الأَوَّلُ يُحَملِقُ في صُورَةِ
جَوازِ سَفَري
وصارَ الثَّاني يُحَملِقُ في
حِذائي .
/
( كُلُّ شَيءٍ عَلى ما يُرام
أَيُّها السَّيِّدان
أَرجو أَن يَكونَ كُلُّ شَيءٍ عَلى ما يُرام
أَيُّها السَّيدان
الصُّورَتانِ مُتَطابِقتانِ كَما تَرون
الشَّارِبُ هُوَ هُوَ
وَلِحيَتي الَّتي أَطلقتُها مُنذُ شَهر
لِحُسنِ الحَظّ
حَلَقتُها البارِحَة
أَمَّا الأُغنيَةُ الَّتي سَمِعتُموني أُرَدِّدُها
بِصَوتي المرتَفِعِ نِسبياً
بِسَبَبِ البَرد
فَهي إحدى أُغنياتِكُم
نَعَم صَحيحٌ أَنِّي لا أَفَهَمُ
كَلِمَةً واحِدَةً مِمَّا تَعنيه
وَهَذِهِ لَيسَت جَريمَة
فالموسيقى - كَما يَقولون-
لُغَةُ الشُّعوب
وَلَكِن
وَلَكِن وَجهي ...
وَجهي
ذو المَساءِ الباكِر ) ..
ـــــــــــــــــــ
2- ما عَدا القِلادَةَ الذَّهَبيَّةَ والنُّقود
*
بِالطَّبعِ أُحِبُّكِ يا دوري
وأُقسِمُ باليَسوعِ وَأُمِّهِ
وأَبيهِ مَن كانَ يَكون
لِتُصَدِّقي يا دوري .
/
بِالطَّبعِ أُحِبُّكِ يا دوري
أَعطَيتُكِ قَلبي
وَنِصفَ ثَمَنِ بُوطِكِ الإيطالي
فَماذا تُريدينَ أَكثَر
لِتُصَدِّقي يا دوري .
/
أُحِبُّكِ أُحِبُّكِ يا دوري
وسوفَ أُلقي بِنَفسي مِنَ النَّافِذَة
كَما فَعلتِ أَنتِ لِتَوِّكِ بِباقَةِ الزُّهور الذابلة
الَّتي أَحضَرتُها لَكِ
لِتُصَدُّقي يا دوري .
/
كُلُّ ما لَدَيَّ أُعطيهِ لَكِ يا عُصفورَتي
كُلُّ ما لَدَيَّ لَكِ وَحدَكِ يا قِطَّتي
ما عَدا قِلادَتي الذَّهَبَيَّةَ
فَهيَ ذِكرى مِن أُمِّي
و ما عَدا النُّقودَ يا دوري
فَلَيسَ عِندي مِنها
الكَثيرُ الكَثير
كَما تَظُنِّينَ يا دوري ..
ـــــــــــــــــــ
3-ضَجَّةُ الضَّوء
*
لا خَبطَةُ البابِ مَرَّتين كَي يُغلَق
ولا فَرقَعَةُ الضُّحكات
الَّتي لا يُمكِن الإمساكُ بِها
ولا صَريرَ السَّرير
ولا حَتَّى الحَشرَجات
بَل الضَّوء
ضَجَّةُ الضَّوء هيَ ما أَيقَظَ آندي .
/
( مَن هَذا الرَّجُلُ الغَريبُ يا أُمِّي ! )
( إنَّهُ لَيسَ غَريباً يا آندي
إنَّهُ عَمُّكَ الَّذي حَدَّثتُكَ عَنهُ يا آندي
قُلْ لَهُ هالو يا آندي )
( هالو يا عَمّ
...
ولَكِن مُنذُ مَتى يا ماما
تَنامينَ مَعَ الأَعمام ؟ ) ..
ـــــــــــــــــــ
4- نَظراتٌ موجِعَة
*
بَعدَ أَن استَيقَظَ آندي
وَرَآني
لَم يَكُن هُناكَ شَيءٌ في العالَم
تَقولُهُ أَو تَفعَلُه
يَستَطيعُ أَن يُعيدَهُ إلى النَّوم
أَو يوقِفَهُ عَنِ الصُّراخ
حينَ تُطفِئُ تريزكا
الضَّوء .
/
لا ساعَةَ اليَدِ الفُوسفوريَّة
ولا النُّقودَ ولا القُبُلات
ولا الأَكاذيب
استَطاعَت أَن تُسبِلَ النَّظَراتِ الموجِعَةَ
الَّتي راحَ آندي يَرميني بِها
وَهوَ يَشهَقُ بِكامِلِ جَسَدِهِ .
/
وَحينَ غادَرَت تيريزكا الفِراش
لِتُحضِرَ لَهُ مِنَ المَطبَخِ كوباً من اللَّبن
قامَ فَجأَةً
وراحَ يَجمَعُ بِيدَيهِ الصَّغيرتَين
قِطَعَ النُّقودِ المَعدَنيَّة
وَهوَ يَنظُرِ لي
مُبتَسِماً ..
ـــــــــــــــــــ
5- شَفَتا ماغوشيا الفَريزيَّتان
*
تُؤَلِّفُ شَفَتا ماغوشيا الفَريزيَّتان
فَماً مَطَّاطِيَّاً زَلِقاً
لا تَقدُرُ ماغو
عَلى الحَياةِ يَوماً واحِداً
بِدونِهِ
فَبواسِطَتِهِ
تَأكُلُ
وَتَشرَبُ
وَتُدَخِّنُ
وَتُرَطِّنُ بالإنكليزيَّة
وَتُقَبِّلُ
وَتَعَضُّ
وأُمورٌ أُخرى
لا يَليقُ
ذِكرُها .
/
قَهقَهَت ماغوشياً صائحَةً
وَهي أَيضاً
تُقَهقِهُ وَتَصيحُ
بِفَمِها :
( لَم أَكُن أَعرِفُ مِن قَبل
أَنَّ لِلرَّجالِ السُّود
عِظاماً سَوداء ) ..
ـــــــــــــــــــ
6- جاطُ فَريز وقَضيبُ كاكاو
*
لَستُ أَسوَدَ
أُنظُري
هَذا ظَهرُ يَدي
وهَذِهِ قُماشَةُ تَنُّورَتِكِ الكُحليَّة
لَوني
إن كانَت أُمُّكِ تَعرُفُ ما تَقول
حَليبٌ مَعَ الكاكاو .
/
وَأَنتِ لَستِ بَيضاء
أُنظُري
هَذِهِ إليَتُكِ
الَّتي لَم تَر يَوماً شَمساً حَقيقية
وَهَذا غِطاءُ السَّريرِالمُتَّسِخُ البَياض
لَونُكِ
إن كُنتُ ما زِلتُ أَعرِفُ ما أَقول
حَليبٌ مَعَ الفَريز .
/
وَلَكِن مَهلاً
اِفتَحي ساقيكِ قَليلاً
إن كُنتُ لَم أُصَب بِعَمى الأَلوانِ بَعد
فإنَّنا هنا
جاطُ فَريز
وَقَضيبُ كاكاو ..
ـــــــــــــــــــ
7- قُرُنفُلَةٌ سَوداءُ عابِقَة
*
أَلَم تَلحَظوا تِلكَ الفَتاةَ الشَّقراءَ المُمتَلِئة
التي كانَتَ طَوالَ فَترَةِ الظَّهيرة
قابِعَةً عَلى البار
وَهي تُغَطِّي رُكبَتَيها
بِباقَةٍ مِنَ أَزهارِ القُرُنفُل ؟ .
/
لا !
حَسَناً دَعوني أُخبِرُكُم
كانَت هُناكَ فَتاةٌ شَقراءُ مُمتَلِئَةٌ قَليلاً
تُغَطِّي فَخذَيها بِباقَةٍ كَبيرَةٍ مَنَ القُرُنفُل
وَهي تَقبَعُ وَحيدَةً عَلى البار
اقتَرَبتُ مِنها وسَأَلتُها :
( هَل تَستَطيعينَ يا آنِسَة
أَن تَبيعيني بَعضَ هَذِهِ القُرُنفُلات ؟ )
أَجابَت الفَتاةُ مُبتَسِمَةً :
( وَهَل يُريدُ السَّيدُ شِراءَ
بَعضِ القُرُنفُلاتِ الحَمراءِ أَمِ البَيضاء ؟ )
( الحَمراء ...أَحَسَبُ أَن رائِحَتَها أَقوى ! )
أَجَبتُ وَأَنا أَنحَني فَوقَها
أُريدُ شَمَّ رائِحَةَ القُرُنفُلات
ازدادَت ابتسامَةُ بائِعَةِ القُرُنفُلِ اتِّساعاً
وَقالَت وَهي تَدفَعُني عَنها بِلُطف :
( آسِفَة
لَيسَ لقُرُنفُلاتي الحَمراءِ رائِحَة )
( ماذا !
قُرُنفُلاتٌ حَمراءُ وَلَيسَ لَها رائحَة !
في بلادي لا يَجِدونَ سَبَباً
لِيَزرَعوا قُرُنفُلاً كَهَذا
بالتَّأكيدِ أُفَضِّلُ شِراءَ قُرُنفُلاتٍ بيضاء
ذاتَ رائحَة )
ضَحِكَت الفَتاةُ وَقالَت :
( آسِفَةٌ مَرَّةً أُخرى
قُرُنفُلاتي البَيضاءُ أَيضاً
لَيسَ لَها رائَحَة )
فَقُلتُ حين ذاك: ( إذَن لا بَأَس
إذا سَمَحتِ
أَريدُ شِراءَ ثَلاثَ قُرُنفُلات
حَمراءَ أَم بيضاء لا يَهُمّ )
قالَت الفَتاةُ بِجِدِّيَة :
( عَلى السَّيدِ أَن يُحَدِّد
لأن لِكُلِّ لَونٍ سِعر
وسِعرُ ثلاثِ قُرُنفُلاتٍ حَمراء
ثلاثونَ زووطي
أَعلَمُ أَنَّهُ سِعرٌ مُرتَفِعٌ جِدَّاً
وَلَكِنِّي لا أَستَطيعُ
أَن أَبيعَ ثلاثَ قُرُنفُلاتٍ حَمراء
بأَقَلِّ مِن ثَلاثينَ زُووطي )
( أَمَّا البَيضاء ؟ )
قاطَعتُها بالسُّؤال
( أَمَّا البَيضاء ... ) نَظَرَت إلَيَّ بُرهَةً
ثُمَّ أَكمَلَت : ( ثَلاثُ قُرُنفُلاتٍ بَيضاء
سِعرُها لأَجلِ السَّيِّدِ اللَّطيف
أَيضاً ثَلاثونَ زووطي )
عِندَها قُلتُ مُتظاهِراً بنَفَاذِ الصَّبر :
( لِماذا بِرَبِّكِ
كُلَّما سَأَلتُكِ عَن القُرُنفُلات مهما كان لونها
تَسأَلينَني الحَمراءُ أَمِ البَيضاء
وَأَنتِ أَوَّلُ مَن يَعلَم أَنَّهُ لا يوجَدُ أَيُّ فَرق لعينٍ
بَينَهُما؟ )
غالَبَت بائعَةُ القُرُنفُلِ ضُحكَتَها
وَهيَ تَقول : ( كانَ علَى السَّيد
أَن يَكونَ ذَكيَّاً
وَيسأَلَ هَذا مِنذُ البِدايَة
فالقُرُنفُلاتُ الحَمراءُ عَدَدُها عِشرون
وَقَد تَسَلَّمتُها مِن صاحبِ مَخزَنِ الزُّهور
لأَقومَ بِبَيعِها عَلى حِسابِه
أَمَّا البَيضاء )
وَهُنا بالكادِ استَطاعَت أَن
تَلتَقِطَ أَنفاسَها
وَفَد سَقطَت في نَوبَةٍ شَديدَةٍ مِنَ الضُّحك
باقَةُ القُرُنفُلِ عَن فَخذيها العارِيَين
( أَمَّا ...
البَيضاء ...
عِشرونَ ...
تَسَلَّمتُها ...
صاحبِ مَخزَنِ الزُّهور ...
بَيعِها )
ورُحتُ أَضحَكُ بِدَوري مَعَها
مُغتَنِماً الفُرصَةَ السِّانِحَةَ
لأُحيطَ خَصرَها بِساعِدي .
/
لَقَد كُنتُ أَعرِفُ الطُّرفَةَ مِن قَبل
ولَكِنِّي رَغِبتُ أَن أَمضي بِها
إلى حَيثُ لا تَستَطيعُ
هَذِهِ الكاذِبَةُ اللَّعوب
الَّتي لَم تَكُن بائعَةَ قُرنفُل
ولَم تَكُن شَقراءَ
وَلَم تَكُن حَتَّى مُمتَلِئَة
أَن تَجِدَ مَفَرَّاً مِن أَن تَبَيعَني
وَلَو فَقَط قُرُنفُلةً واحِدَةً
مُقابِلَ تِلكَ الضُّحكاتِ الصَّاخِبَة
وزُجاجَةِ النَّبيذِ الحُلو
الَّتي كَرَعناها سَوَيَّةً فَوقَ الفِراش
ولَم تَكُن حَمراءَ
أَو بَيضاء
بَل يا لِلغرابَة !
قُرُنفُلَةً سَوداء عابِقَةَ الرَّائحَة ..
ـــــــــــــــــــ
البولونيزات الأُخرى:
-----------
8- تُدخِلُ إصبَعينِ في خاتِمِ بُنصُري
أَصابِعُها
الَّتي كانَت تُؤلِمُها
كُلَّما قَرَعَت بابي .
/
أَصابِعُها
الَّتي لَم يَخلُقها الرَّب
إلاَّ لِيُرينا مِقدارَ ما يَستَطيعُ
فِعلَهُ مِنَ الرِّقَّة .
/
الَّتي كانَ يَحلو لَها
كُلَّما وَضَعتُ يَدي فَوقَ يَدِها
المَمدودَةِ عَلى غِطاءِ الطَّاوِلَة
أَن تَقضي الكَثيرَ مِن الوَقت
لِتُريني
كَيفَ تَستَطيعُ أَن
تَنتَزِعَ خَاتِمي مِن بُنصري
ثُمَّ تُدخِلَ فيهِ إصبَعَينِ مِن
أَصابِعِها .
/
أَصابِعُها الرَّقيقَةُ الهَشَّة
الَّتي كانَت تَعتَقِدُ أَنَّهُ يَحُقُّ لَها
في أَيِّ مَكانٍ
وَفي أَيِّ وَقت
أَن تَقتَحِمَ بِها فُتحَةَ سِروالي
لِتُخرِجَ قِطي بابو كما كانت تسميه
مِن مَكمَنِه
وتَشُدُّهُ حَتَّى تَكادَ
أَن تَنزعَه ..
ـــــــــــــــــــ
9- حَقيقَةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَنِ الرِّجالِ السُّود
*
( اِسمَح لي أَن أُناديكَ بِدونِ لَقَب )
قَالَت أُمُّ ماغوشيا
وَهيَ تَرفَعُ حاجِزَ التَّكلِفَةِ بَينَنا .
/
( والآنَ
دَعني أَقولُها لَكَ صَراحَةً
وَأَرجو أَن تَفهَمَ عَلى نَحوٍ طَيب ما أَعنيه
بِأَنَّكَ لَستَ مِن ذَلِكَ النَّوعِ مِنَ الرِّجال
الَّذينَ أُحِبُّ أَن أَرى ابنَتيَ الوَحيدَة
تَخرُجُ بِرُفقَتِهِم ) .
/
( أَظُنُّني يا سَيِّدَتِي
فَهِمتُ جَيِّداً ما تَعنينَه
وأَستَطيعُ أَن أَخَمِّنَ
أَيَّ نَوعٍ مِنَ الرِّجالِ تَظنينهُ أنا
ولَكِن اسمَحي لي بسُؤالِكِ
وَأَرجو أيضاً أَن تَفهَمي عَلى نَحوٍ طَيبٍ ما أَعنيهِ:
هَل تَقولينَ هَذا
كمُجَرَّدِ كَلامٍ سَمِعتِهِ
أَم عَن تَجرِبَةٍ شَخصيَّةٍ
حَدَثَت ... مَعَكِ ؟ ) .
/
أَجابَت السَّيِّدَةُ مُتَلَعثِمَةً :
( نَعَم ... نَعَم
إنَّها حَقيقَةٌ مُؤَكَّدَة
الجَميعُ يَعلَمُ
الجَميعُ يَعلَمُ
...
الرِّجالُ السُّود
لا يَعمَلُونَ شَيئاً
سِوى
قُضبانِهِم ) ..
ـــــــــــــــــــ
10- أُمُّ ماغوشيا تُحِبُّ الشُّوكولا
*
كانَ هُناكَ وَسيلَةٌ وَاحِدَة
قادِرَةً عَلى مُساعَدَتي
في أَن تَقِفَ السَّيَّدَةُ شيفاسكايا
في صَفِّي
وَتَرضى بِي صِهراً مُؤَقَّتاً
يَبيتَ بَعضَ اللَّيالي المُتَقَطِّعَة
في غُرفَةِ ابنَتِها ماغو
دونَ تَهديدي بالطَّرد
عِندِما تَصِلُ السَّاعَةُ إلى
الثَّانِيَةَ عَشَرةَ ليلاً
وَهيَ أَن أُثبِتَ
ما يُشاعُ عَنِ الكَرَمِ العَربي
بِبُرهانٍ مَلموس
وأُحضِرَ لَها الكَثيرَ
الكَثيرَ مِنَ الهَدايا .
/
زُجاجةُ النَّبيذِ لَم تَكُن فِكرَةً طَيبَة
فَأُمُّ ماغوشيا
نُزولاً عِندَ أَوامِرِ الأَطُباء
قَد أَبطَلَت شُربَ الكُحولِ مُنذُ سِنين
أَمَّا القِلادَةُ الهِنديَّةُ
فَهيَ أَصلَحُ للفَتياتِ مِنها
للسَّيداتِ المُتَوسِّطاتِ السُّن
قالَت
وكَذَلِكَ حُزمَةُ الأُسطواناتِ
وباقاتُ الزُّهورِ الرَّخيصَة
جَميعُها تَقَبَّلَتها
عَلى مَضَض .
/
حَتَّى اكتَشَفتُ وَلَعَ السيَّدةِ شيفاسكايا
بالشُّكولا
فَرُحتُ أُحضِرُ لَها تِباعاً
قَوالِبَ الشُّوكولا عَلى أَنواعِها
حَتَّى وَفَّقَني اللَّه
بِعُلبَةٍ كامِلَةٍ مِن البَسكويت
المُغَطَّسِ بالكاكاو
ماركَةِ شوكو برينس الشَّهيرَة
أَخَذَتها الأُمُّ مُتَحفِّظَةً كَعادَتِها
ووَضعَتها عَلى الطَّاوِلَة
وِلَكِنَّها لَم تَستَطِع بَعدَ تَناولِ
القِطعَةِ الأُولى مِنها
أَن تَمنَعَ لِسانَها مِن لَحسِ شَفَتَيها
مَرَّةً ومَرَّتين
وَهيَ تَقول :
( مونذير ... أَنتَ
أَميرُ شوكولا
حَقيقي ) ..
ـــــــــــــــــــ
11- شَراشِفُ بَيضاءُ نَظيفَة
*
بَعدَ أَن وَدَّعتُ ماجدا
الَّتي جَعَلَتني ثِيابُها الأَجنَبَية
أُصَدِّقُ أَنَّها
ابنَةُ سَفيرِ بولونيا في إيطاليا
كَما أَخبَرَتني
مُرافِقاً إيَّاها
كَما تَقتَضي الأَعرافُ الدُّبلوماسية
حَتَّى مَوقِفِ الباص
عُدتُ بَعدَ لا أَقَلَّ مِن ساعَة
قَضيتُهما مُتَسَكِّعاً هُنا وهُناك
لأَجِدَ صاحِبَةَ البَيتِ
واقِفَةً عَلى السُّلُّمِ
تَنتَظُرُني
وهي تَشُدُّ بِيَدَيها القويتين
عَلى الدَّرابزونِ الحَديدي
وكَأنَّها تُريدُ خَلعَهُ مِن مَكانِه :
( اسمَع
اسمَع
مَن قالَ إنَّكَ مُقابِلَ هذهِ النُّقودِ القَليلَة
الَّتي يدفعونها عنكَ كإيجار
تَستَطيعُ أَن تَفَعَلَ في بَيتي ما تُريد
لا أَسمَح
لا أَسمَح
لا أَسمَح
أَن تُحضِرَ لي مِنَ الشَّارِعِ
ساقِطات
يُلَوِّثنَ بِمُؤخَّراتِهُنَّ القَذِرَة
شَراشِفي البَيضاء ) ..
ـــــــــــــــــــ
12- الأُرثوذوكس لَيسوا مَسيحِيِّين
*
كانَت تَصِلُ إلى مَسامِعي
وكَأَنَّها أَصواتٌ مُبهَمَةٌ في حُلُمٍ
أَو هَمَساتُ بَشَرٍ يَتَدَبَّرونَ في الخَفاء
مَكيدَةً ما .
/
تَنَبَّهتُ إلَيها مَرَّاتٍ عَديدَةٍ
ولَم أُبالِ بِها
فَقَد كانَ مِيعادُها يَأتي في
السَّاعَةِ الأَخيرَةِ مِنَ لَيل وارسو القصير
وكانَت توقِظُني وتُنيمُني
بِذاتِ الوَقت .
/
يَوماً كانَ لا بُدَّ أَن يَدفَعَني الفُضولُ
لأُغادِرَ فِراشي
وأَمُدَّ رَأَسي مِن شِقِّ الباب
فأَرى شَبحينِ مُعتِمين
تَبَيَّنتُ بٍِمُساعَدَةِ شَمعَةٍ صَغيرَةٍ
ثُبِّتَت عَلى حافَّةِ الرَّفّ
يَمسَحُ ضَوؤها الخافِتُ
وَجهَهيما
بِطَبَقَةٍ رَقيقَةٍ مِنَ الزَّيت .
أَنَّهُما صاحِبَةُ البَيتِ وأُمُّها العَجوز
راكِعَتانِ أَمامَ أَيقونَةِ العَذراءِ والطِّفلِ
تُتَمتِمانِ بالصَّلَوات .
/
عِندَ الفُطورِ
قُلتِ لِصاحِبَةِ البَيتِ مُتَودِّداً :
( تَعلَمَينَ يا سَيِّدَتي أَنِّي مُسلِم
ولا أريدُ أن أخفي عليكِ شيئاً كهذا
ولَكنَّ جَدَّتي لأَبي
كانَت مَسيحِيَّةٌ أُرثوذوكسيَّة )
أَجابَت السَّيِّدَةُ المُؤمِنَةُ
دُونَ أَيِّةِ رَغبةٍ بالإساءَة :
( عَفواً يا سَيِّد
الأُرثوذوكس لَيسوا مَسيحيين ) ..
ـــــــــــــــــــ
13- خَنزير نَعَم ... يَهودي لا
*
بَعدَ أَن أَنهَينا مُناقَشَةً حاميَةً
عَن السَّلامِ في الشَّرقِ الأَوسَط
لَم نَصِل بِها إلى شَيء
كُنتُ فيها أَنا وريكاردو زيبر
عَلى طَرَفي نَقيض
لا لِشيءٍ سِوى لأَنَّي عَرَبي
وَهوَ يَهودي
فإذ بِهِ
رَغمَ دِرايَتِهِ بمُحاولاتي المكشوفَة
لتَجاهُلِه
يَقطَعُ طَريقيَ ويُخاطِبُني وَجهاً لِوجه :
( قَد أَختَلِفُ وقَد أَتَّفِقُ معَكَ
حَولَ كُلِّ ما قُلتَ
هَذَهِ لَيسَت مُشكِلَة
وأَن تَرُدَّ عَلى ما أَقولُهُ
دونَ أَن تَنظُرَ إلَيّ
ولَو نَظرَةً عابرة
فهَذَهِ أَيضاً لَيَسَت مُشكِلَة
وَلَكِن ما لَم أَستَطِع فَهمَهُ هو :
لِماذا كُلَّما أَرَدتَ أَن تَقولَ شَيئاً
تَقومُ عَن مَقعَدِك
وتَقولُهُ واقِفاً ! ) .
/
نادِراً
ما يُتاحُ لي أَن أُسافِرَ خارِجَ البِلاد
وأَلتَقي بِغُرباء
ولَكِنَّي كُنتُ مُوفَداً إلى بولونيا
عَلى نَفَقَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَة
لأَحصَلَ على شَهادةِ الدُّبلوم
في التَّخطيطِ الإقليمي
وَقَد اختَرتُ لِكُرهي بالتَّخطيط
بكافَّةِ أَنواعِه
أَن أَقومُ بِتَسجيلِ انطِباعاتي
عَنِ الحَياةِ في وارسو !
الأَمرُ الَّذي تَتَطَلَّبَ مِنِّي
أَن أُقابِلَ الكَثيرَ مِنَ النَّاس
ريكاردو زيبر الَّذي كانَ
مُوفَداً مِثلي بِذاتِ المَعهَد
اليَهوديُ الوَحيدُ الَّذي تَعَرَّفتُ عَليه
بَينَهُم
وَلَم أَعرِف في حَياتي
يَهُودِيَّاً آخَرَ
...
وأَحبَبتُه .
/
أَرسَلتُ لَهُ عَن طَريقِ برهانيه
الجالِسِ عَلى مَقرَبَةِ مَقعَدينِ مِنِّي
ثُمَّ باكو
ثُمَّ تشيبو الَّذي يَجلِسُ بجانِبِه
وَرَقَةً كَتَبتُ عَليها :
( يَهوديٌ خَنزيرٌ مِثلُكَ )
أَعادَها لي
مُباشَرَةً
وَقَد كتَبَ عَليها :
( مَن يَهودي ! ) ..
ـــــــــــــــــــ
14- سَجَقٌ مَقليٌ مَعَ البَيض... للفطور
*
لَم أَنَم جَيَّداً
واستَيقَظتُ في اللَّيلِ مَرَّاتٍ كَثيرَةً
آخِرَها في الخامِسَةِ فَجراً
كَما لَو أَنَّني
مُزمِعٌ عَلى سَفَر .
/
قَليتُ سَجَقاً مَعَ البَيض
وَازدرَتُ فِطوري
وأَنا أَهِزُّ رَأسي
...
أَستَطيعُ أَن أَجِدَ حُلولاً لِكُلِّ مَشاكِلي
مَهما تَعَقَّدَت
وَلَو سَيِّئة .
/
مُنذُ أُسبوعَين لَم تَصَلني رِسالةٌ مِن أَحَد
اليومُ وَصَلتني
دَفعةً واحِدة
رِسالَةٌ مِن أَخي ماهِر
ورِسالَةٌ مِن ثَناء صديقة صديقتي
وأُخرى مِن مَرام
ورِسالَتانِ مِن مُصطَفى
خَمسُ رسائلَ مَختَلِفَةٍ في كُلِّ شيءٍ
تُشبِهُ أَصحابَها في اختِلافهم في كُلِّ شَيء
ماعَدا شَيءٌ واحِدٌ
هُوَ أَنَّهُم
جَميعَهُم
مُحبَطون ..
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في عدم الحاجةِ للموت

20-تموز-2019

السيرة الضاحكة للخوف!

30-أيلول-2017

: هل كلّ السوريين في الخارج خائنون وفي الداخل موالون

03-أيلول-2016

وقت بين الرماد وحديقة قصر الماء في (سيت)

10-تشرين الثاني-2010

منذر يرد.. الشعر العربي الآن لا شيء يموج على صفحته، ولا شيء يغضّن جبينه.

18-كانون الثاني-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow