Alef Logo
ضفـاف
              

جذور التصوف / م. أ. خان ترجمة :

صالح الرزوق

خاص ألف

2013-07-18

فرض الله الجهاد على المسلمين و أكد على مواصلة القتال حتى يصبح الإسلام - الدليل العالمي و المكتمل المؤهل لقيادة البشرية - الدين الوحيد على وجه البسيطة ( القرآن 2: 193). فقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم و عليهم الطاعة و الانصياع و تطبيق فرض الجهاد - و هذا يعني ضمنا أن يَقتلوا أو أن يُقتلوا خلال حياتهم - ليفوزوا بالجنة ( القرآن 9 : 111 ). و عليه إن الله يغفر لمن مات في الجهاد، و يعتبره شهيدا ، و يمنحه مكانا خاصا به في الجنة ( و لا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء و لكن لا تشعرون). ( القرآن 2: 154).
لقد حض الله المسلمين على أن لا يتخذوا من " الآباء" و الأبناء و من " إخوانكم " و من " زوجاتكم" و " عشيرتكم " و " أموالا اقترفتموها " و " تجارة تخشون كسادها " و " مساكن ترضونها " أولياء هي أحب لهم من " سبيل الله " ( القرآن 9:24).
و سبيل الله يشتمل على الصلاة و الصيام ، إلخ. و بشكل مخصوص الجهاد. و ذلك لنشر الإسلام كدين لا ثاني له على وجه الأرض. و بعد الهجرة للمدينة، حيث صدرت تعاليم الله بخصوص الجهاد، دخل النبي محمد و جماعته من الفدائيين بشكل أساسي في دائرة جهاد عدواني و عنفي، و تضمن ذلك الغزوات و الحروب ضد الكفار، و بغاية إقامة دولة إسلامية مستقلة و قد عاشوا جوهريا من ريع الغنائم. و كان الفوز بالشهادة خلال الحروب الجهادية تشريعا أصدره الله تعالى ( القرآن 2: 154) ، و يعتبر ذلك بدوره أفضل طريقة لفتح أبواب الجنة: الدافع المركزي لكل أفعال المسلمين في الحياة الدنيا. و عليه كل من يموت في تلك الحروب المقدسة يحصل على كنز لا يقدر بثمن: إنهم يصبحون شهداء و يكسبون بطاقة مجانية و مباشرة لدخول الجنة الإسلامية.
و كانت الرغبة بالشهادة، خلال السنوات و العقود الأولى من الإسلام، تستقطب عددا كبيرا من المتطوعين لمهنة الجهاد لضمان مكان في جنة النعيم الإسلامية - حيث تتوفر العذارى الحور العين ( بنات ذوات مقل سود و صدور عارمة) تقدمن الجنس لمن أيدهم الله بروح منه ( القرآن 44: 51- 54، 78:31-33 ) - فبالشهادة يتطهر هؤلاء المجاهدون من الروابط الاجتماعية و القرابية و من النوازع التي تتحكم بحياتنا في الحياة الفانية و يهبون أنفسهم بشكل مطلق لسبيل الله.
لقد أصبح نمط معيشتهم إلى حد ما " طهرانيا " - من غير مداخلات اجتماعية و مخصصا للصلوات ، و بشكل أساسي، لاغتنام الفرص للجهاد في سبيل الفوز بالجنة. و هذا تقريبا هو الاتجاه العام لإغناء بصيرتنا بالحياة في بواكير الإسلام، و التي رسخها النبي محمد، بتوجيهات من الله، في رحاب سكنها أتباعه المؤمنون.
و كان من المفترض في العصر المبكر للإسلام و لا سيما في أيام النبي محمد، على كل المسلمين الذكور الذين بلغوا العمر المناسب لحمل السلاح و من هم بحالة بدنية طيبة أن يشتركوا بالحملات الجهادية. و مع انتشار الدولة الإسلامية بسرعة و حصولها على اعتراف دولي، بدأت الدولة بتعبئة المجاهدين بصفة جنود نظاميين يتقاضون رواتب من الحكومة. آخرون ألهمتهم روح الجهاد فقط لنيل الشهادة و الجنة، فوهبوا أنفسهم للتطوع في القتال خلف أهداف شرعها الله. و يمكن أن نقول عن هؤلاء المتطوعين الجهاديين، إنهم متحمسون أو مغامرون، و قد اعتادوا على الجهاد كلما سنحت الفرصة لشن حرب ضد الكفار. و كانوا يحصلون على رواتبهم، ليس من وزارة المالية، و لكن من دفوعات الزكاة - و التي يكون إنفاقها حصرا على المهمات الدينية.
و أصبحت المشاركة في الزحف المقدس أيضا جزءا من الغبطة التي تحكم حياتهم. فبعد أن فتح محمد بن القاسم جبهة جديدة للجهاديين المظفرين في شمال شرق الهند و بلغ تعداد الجيش 6000 عسكريا عربيا تدفق تيار من " المغامرين و المتحمسين للفتح و التعبئة " إلى أرض السند و جاؤوا جميعا من الأراضي العربية التي جرفها طوفان جيش بن القاسم ( 1).
و باتت الرغبة بالشهادة قوية جدا بين المسلمين المؤمنين الذين ارتحلوا مئات الأميال باتجاه الأراضي الأجنبية للمشاركة بالحروب الجهادية. و قد كتب دانييل بايبس يقول: " و لهذا السبب رحل حوالي 20000 من المتطوعين مسافة 1000 ميل في عام 965 من إيران إلى سوريا، مغتنمين الفرصة لقتال بيزنطة". و جندت الامبراطورية العثمانية الغازية المسلمين من الأراضي البعيدة و أرسلتهم في أسراب للجهاد ضد المسيحيين في البلقان ( 2 ).
بعد الاندفاعة الأولى، أصبحت البعثات الجهادية أقل تواترا بالقياس لما سبق. و سكن المتطوعون الأحياء، الفاتحون، الذين وهبوا أنفسهم لله و الحياة غير المادية ، في أكواخ على الثغور أو في خطوط حصينة على الجبهة، تدعى الرباطات. و كان يحدوهم الأمل لحيازة فرصة للشهادة، في عمليات حربية ضد الكفار انطلاقا من نقاط تمركزهم القريبة. أما المتطوعون الجدد الذين يبحثون عن فرصة لكسب الشهادة فقد تابعوا الانضمام لهذه العصبة المرتاحة نسبيا من الفاتحين. و تواصل وجودهم على طول مناطق المرابطين في الأندلس ( إسبانيا ) حتى القرن الرابع عشر (3).
و لذلك حمل هؤلاء الغزاة - أيضا اسم المرابطين، و هذا يعني تقريبا " رجال جاهزون على الجبهة " ، و قد انتظروا في تلك النقاط العسكرية، مستعدين للعمل و الرد على نداء الجهاد، و أحيانا يطول استعدادهم لحقبة طويلة. و لكن بسبب قلة فرص الجهاد و لأنهم بعيدون عن عائلاتهم و مجتمعهم، فقد تأقلموا على نحو متزايد مع العزلة، و إلى حد ما مع حياة الرهبنة. و كانت حياة بعضهم قد أصبحت باضطراد في حالة عطالة و سكون و بلا عنف.
لقد تمسكوا بالعروة الوثقى و تعاليم الله و ابتعدوا عن الحياة العامة، و تحول نمط حياتهم بالتدريج إلى استعراض غير عنفي و يفتقر للجنس، و يشبه الحياة في الأديرة المسيحية و البوذية.
و مع مرور الوقت، تحولت هذه الجبهات الجهادية إلى معابد مقدسة، و كما قال السير هاملتون جب " إنها ( المرابط = جمع رباط ) و قد اقترنت مع نهوض الحركة الروحية الباطنية في الإسلام ( أي الصوفية )... و فيما بعد، تم تفسير الجهاد ليشمل النضال الباطني و الروحي ضد الإغراءات المادية " ( 4 ).
و هكذا ظهرت من داخل بعض المكونات الخاصة للمرابطين نبوءات تقف خلفها رؤية غير عنفية و سلمية للحياة، و قد استقرت هذه الرؤية بالتدريج. ثم انطلقت شرارة الدعوة للانسحاب من المجتمع، و تجنب الرفاهية و الانغماس بالملذات. و عن ذلك كتب عمر الدين يقول:" كان هدفهم تجنب كل ما من شأنه تعويق الروح و منع تطورها "(5). و مع الزمن، حمل أتباع هذه الأطروحة السلمية اسم المتصوفة، و هم بالتعريف من انسحب من الحياة العسكرية. و أصبح المرابطون الآن مشهورين بالتنسك غير المادي و الرهبنة و حض المتطوعين من المؤمنين على اتباع نظام ديني و إيماني في الحياة ( 6 ) كما ذكر بينجامين والكير.
و قد تأسس عدد من طبقات الصوفية على مبادئ الرهبنة. و كتب المتصوفة الكبار المدائح في فضل الجوع و تبنوا قيم التشرد ( الفقراء ) و المعتزلة المتدينين ( الدراويش). و تطوع عدد قليل منهم بسلوك هذا النمط في الحياة، و تخلوا عن متع العالم - الثراء، و الشهرة، و المهرجانات، و النساء، و الصحاب، و عوضا عن ذلك بحثوا عن التواضع و العمومية لحد الدخول في فقدان الهوية الشخصية، و الجوع، و التوحد، و العزلة - و حتى أنهم رحبوا بالذل و التبخيس كطريقة من طرق تقوية الروح و لم يعترفوا بالرقابة و الفكاهة ( 7 ).
و يمكن أن تقول إن لبوادر الصوفية جذور في الأرثوذوكسية الإسلامية ذات التوجه الميليشياوي. و قد خرجت، كما قال عمر الدين، أيضا بصورة ردة فعل " ضد نخبوية العقلانيين و الفلاسفة التي شقت الطريق لسبل غير إلهية في إحكام قبضتها على مفهوم الطبقات" ( 8). لقد دفع الخلفاء العباسيون الثقافات ( العرب ) إسلامية إلى الخلف و تبنوا الأساليب و الأخلاق الجاهلية التي سادت في حضارة الفرس قبل الإسلام ( ثم ابتلعها الإسلام و أودعها في معدته) " مع أنها كانت تشجع على العطالة في الأخلاق". بالعكس من ذلك إن الفلاسفة " آمنوا بحكمة أفلاطون و أرسطو " و ليس بالأنبياء. و يضيف عمر الدين قائلا: لقد فتح النشاط المعاكس لهذه الميول الطريق " لأطروحات الصوفية التي بنت أسس و قواعد حراكها على القرآن و حياة النبي و الصحابة". و بالعودة لعمر الدين إنه في المراحل المبكرة " من التطور، لم يكن الفرق واضحا بين الصوفية و الإسلام ( يقصد الإسلام الأرثوذوكسي ). حتى أنهم أكدوا ، في أطروحتهم، على بعض الحقائق الإسلامية و بشكل أكثر تعصبا ( 9 ) و لكن غضوا البصر عن حقائق أخرى.
فيما بعد، تحولت بعض تيارات الصوفية بشكل دراماتيكي، و عارضت الشكل الجامد للأرثوذوكسية الإسلامية و التي أصبحت مجموعة من الطقوس و الاحتفالات، و لا ترضي الاحتياجات الوجدانية للروح إلا بنسبة محدودة. و انشقوا عن الطريق الأرثوذوكسي الأصلي و اعتبروه طقوسا خارجة على قانون ضوابط الشريعة. " و أدنى درجات التطور الروحي للأفراد. لقد تطورت تصاميم عبادات و حياة الصوفية لتدل الشخص على طريق رحلة باطنية و عبر أشواط متلاحقة تبدأ بالقانون و تنتهي بالحرية، تنطلق من الأرثوذوكسية و تصل إلى التنوير، من معرفة النفس إلى انقراض ( فناء ) مطلق الذات في مطلق الله " (10). و هكذا انفتحت بالتدريج بوابة مشرعة لطوفان من البدع و التحريفات التي دخلت لبناء أطروحة المتصوفة، و وصل بعضها لحد الهرطقة، و التجديف، و تجاوز الرسالة الإسلامية. و في غضون هذا الوقت، وصل بعض المتصوفة المنشقين إلى أطروحة توحيد غير إسلامية ، دمجت الخالق مع الإنسان و كل المخلوقات و ذلك في كيان مفرد. و الواحدية بالمعنى الإسلامي الكلاسيكي عبارة عن أطروحة قدوس ديني - تبشر بالانهماك بالذات، و الاعتناء بالذات، و الفناء بالذات. و هذا تجاوزا يقود إلى اتحاد الفرد بالله.
في هذه المرحلة من التطور لم يكونوا يرغبون بوجود وسيط يدلهم على الطريق ( أي النبي) و كذلك لم يرغبوا بوجود كتاب لتسجيل القوانين ( أي القرآن). و تقريبا تخلوا عن كل الطقوس التي فرضها الاسلام الأرثوذوكسي و الشريعة: الصيام، الصلوات، الحج و الطواف و سوى ذلك. و حملوا في المجتمع الإسلامي يحملون اسم المرتدين - أي الخارجين على الشريعة أو الإسلام. أما الإمام الغزالي ( توفي 1111)، فقد اعتنق التصوف و أدخله لتيار المجتمع الإسلامي الأساسي، و كتب عن أهداف الصوفية قائلا " إنهم - المتصوفة - عملوا على تحليل كل جوانب حياة النبي. فاعتزاله في غار حراء للتعبد لفترة محددة من الزمن كل عام، قدم مثالا و درسا للصوفية للانسحاب من المجتمع.
إن الإشراقة و الفناء بالذات سلوك جاء من عادة النبي ، و هي الانقطاع عن العالم في الصلاة. و الجوانب الروحية في التصوف تقوم على بساطة الحياة التي سار النبي على هديها.. لقد كان يغسل ثيابه، و يصلح حذاءه، و يحلب ماعزته، و لم يملأ بطنه حتى الشبع في أية مناسبة.


هوامش:


1- Elliot & Dawson, Vol. I, p. 435.
2- Pipes (1983), p. 69 .
3- Gibb, p. 33 .
4- Ibid.
5- Umaruddin, p. 61.
6- Gibb, p.33 - 34 .
7- Walker, p. 305.
8- Umaruddin, p. 58 – 59.
9- Ibid, p. 62.
10- Walker, p. 304.
11- Umaruddin, p. 59 – 60.




* الترجمة من كتاب الجهاد الإسلامي للكاتب م . أ. خان . منشورات آي يونيفيرس iuniverse. عام 2009. و الكاتب باحث يعمل محررا لموقع مؤسسة عين على الإسلام ( إسلاميك ووتش ).


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow