Alef Logo
يوميات
              

للفن اسمان فقط مغير ومتغير

رشا الصالح

خاص ألف

2013-07-20


))الفن دوماً مؤرخٌ لحياة الشعوب ، دون أن يكون مجرد تدوين للأحداث ،بل سيرة ذاتية للروح في مشاعرها ومواقفها الإنسانية، وما تفاصيل المكان والزمان غير إطار لا أكثر (( ألبير كامو.


ومن هنا انطلق من غمرة الأحداث الثورية الكبيرة التي تشهدها ويشهدها مسرح حياة الشعوب وخاصة العربية، وماتحمله وجدانياتهم من تفاعلات وانفعالات ترسم الملامح الأولية لوجه التاريخ المعاصر، ومن صلب الحدث سأركز على الفرد المحور فيها و أخص بالذكر منهم، الفرد الفاعل الفنان، الذي هو الممثل الرئيسي على هذه الخشبة إلى جانب الأفراد إخوته في المضمار، والذي ينطلق من قلب الحدث حاملاً باقته الحسّيّة مستقطراً دمَ المعاني الإنسانية، مرتجلاً إيقاعاً صريحاً لأوقات مميزة لا تتكرر البتة، مجسّداً عملاً يخدم النفوس ويلامس دقات القلوب، ويترجم هيجان الأفكار وصيرورة المشهد، محاولاً تطوير محتويات الرؤوس من مكنونات ومسلمات جاهزة مسبقاً، نتيجة للإرث الثقافي والديني والاجتماعي والسلطوي الحاكم لها، حيث يعمل على إعادة قولبتها بجانب جمالي، مسمّياً الأشياء بمسمياتها الإسقاطية الواضحة أو الرمزية، مستخلصاً رؤيته التحديثية من قلب معاناة الشعوب، ليشكل نتاجاً فنياً ثورياً يُضاف إلى مكتبة التاريخ كرصيد فعلي أزلي إلى جانب الرصيد الواقعي الذي أنتجته التصارعات والمناهضات والحروب والحركات الشعبية الثورية أيّاً كانت صفتها .
فالفنان الحقيقي مسكون دوماً في الثورات، لا ساكن فيها، أيّاً كان ممثلاً، شاعراً، قاصاً،أو رساماً .. كاتباً سينمائياً وغير ذلك من مسارات الفن؛ وكل ما يندرج تحت مسميات الفن بتعريفه الواعي، فهو القادر على التهام الوجود ومكنوناته واجتزائاته وآلامه، مخمراً تلك المعاناة و الابتهالات والاحتياجات التراكمية لأبناء جيله مستلهماً منهم موضوعاته، معالجاً لها، مقدمها ثمرة جمالية وفكرية لمتلقيه الحاضرين في زمنه وبعد زمنه أيضاً؛ فهو العنصر الحركي والحراكي الذي يجلس فاعلاً على مائدة مسيرة الثورات، ليأخذ لقيماته منها، وبنفس التوقيت، يُشعل فتائل نيران الأرواح الحرة، التي تدين الظلم والتهميش والإبادة والوحشية وترتقي بالإنسان من مرحلة كونه عدد يحصى أو لا يحصى، إلى جعله كياناً تستمع الأكوان لصرخته، وتعترف بإنسانيته. صرخته الأقوى من كل رصاصات الأرض، فتمتدحه وتحلف باسمه الأزمان. وبذلك يعمل الفنان على إخراج واقعه من الثبات، مُحركاً مصيره ومصير الأقدار .
ليصير الفن ثورة، والثورة فن... فهما وجهان لعملة واحدة، جاعلة الثائر الفنان سائل و مسؤول، فاعل، وليس بنائب فاعل.

ــ مطالب بالكثير حتى لو كان مطلوب. فمن موقع هذا، يناشده جمهوره أبناء شعبه، وزملاؤه في المسير، بأغنية جديدة تلهب الساحات، وبقصيدة فريدة تنصت لها كل الآذان، وحكاية تسرد جديدهم.. وشريط سينمائي يؤرق الأجهزة السياسة، وتلهث وراءه السلطات؛ ويستجديه فنّه وجمهوره، ألاّ يتوانى ثانية عن تحقيق حلمه بمدح ثورات الشعب، وتطلعاتهم نحو الحرية والعدالة، ليكون هو حراً فقط، وحراً معهم ومنهم.


يقول -فريدريش شيلر .( الفن ابن الحرية (
وكذلك ليوجه بفنه صفعة قاتلة للطاغي أينما كان وأينما وجد، تهز عرشه وتنزله من على كرسيه الأبدي، وتسقط بطانته بكل ألوانهم ومقاييسهم .فهو الوحيد الذي يمتلك سلاحاً فريداً من نوعه، ألا وهو أدوات التعبير والإحساس المرهف، والذي يعتبر من أقوى وأفتك الأسلحة في الميدان، مؤدياً دوره النضالي السلمي، مُغيّراً صيرورة الأحداث، صانعاً المستقبل، مُعَبـّراً عن إرادته و إرادة الشعب بصناعة الحياة .
والأمثلة عبر التاريخ كثيرة .. (فالفنان التشكيلي بيكاسو، استطاع في لوحته الفنية الشهيرة (غرنيكا )، التي وصفت المجازر والطغيان حينما قصفت المدينة بالطائرات الألمانية، عام 1937أنْ يُوجه أصابع الاتهام والإدانة لكل طاغية يفعل فعلته، وكأنه رسم لكل المناطق والشعوب التي تعرضت للظلم وأهوال الدمار، ناقلاً رسالته ومشاعره عبر هذه اللوحة الخالدة!.

وهاهو الشاعر نيرودا الذي كتب ديواناً كاملاً عام 1973 يحمل عنوان: (التحريض على إبادة نيكسون )،محرضاً على الثورة التشيلية،متخلياً عن الجمال اللفظي للكلمات، صريحاً بكلماته، مذكراً بقوة الشعر وطاقته على التدمير والبناء.

ولاننسى طبعاً الشابي ودرويش، وغيرهم كثر، إضافة إلى الرصيد الفكري والبصري، السينمائي المميز، الذي وصف الثورات و عَبّرَ عن معاناة الشعوب .

ومن هنا لا يكون الفنان أبداً بمعزل عما يحدث، فقد يخسر روحه لقاء رأيه، فيغدو شهيداً للثورات، يقدّم حنجرته التي غنى بها، ويده التي رسم بها ألوان المستقبل وشعارات التنديد والاستنكار، ويفقد عينيه التي صورت بكاميرا الواقع مقتطفات النضال.. إذ تهب له الثورة خلوداً لاسمه، ومعاهدة للمضي خلف نهجه ومتابعة الحلم .

وبالمقابل، إن الفن لا يكون بعزلة عن الفنان نفسه، فهو أيضاً إنسان له فرحه وغضبه، وعشقه واعتباراته الشخصية ، الذي في كثير من الأحيان يلام عليها حينما يعبر عنها في خضم هذه الأحداث، وهذا ما يسيئ له ويجعله في حالة من التناقضات التي تجذبها إليه الاذهان السطحية، ناسية دوره الاستراتيجي وصنيعه التفاعلي، جاعلة إياه يدخل القيد ذاته الذي نادى بكسره، ليتعب من جديد، مركزا على مقدرته على التغير الاجتماعي البنيوي لهذه الأذهان، وقد يفشل مرات ومرات، ويتخلى عنه، وتنبذه بعض الفئات..! ولأنه حقيقي، عليه ألا ييأس من كافة المحاولات آخذاً بيد من هم بحاجته فعلا. إضافة لذلك، تشهد الثورات كثيراً من الأخطاء القاتلة التي تحاول نسف ما بناه!، وقد تتغير مساراتها وتوجهاتها، وتتحول من مطالب محقة في الأرض، إلى حالات عنفية، وإلى شعارات تأويلية تقتل الثورة ذاتها، وتغرق الحجر والبشر في بحور من الدماء .

فيعمد الفنان على إدانة هذه الفعائل، داعياً من جديد لثورة على أخطاء الثورة، ونخبها السياسة التي أصبحت مهمتها إصدار التفسيرات والتأويلات، والتخوينات من غرف الفنادق، بعيدة كل البعد عنه وعن زملائه في الوقائع..!


النخب الساسية هذه، أثبتت فشلها الذريع، وعجزها الفعلي عن فهم المضمون الفكري والذهني والتناقضات الإيديولوجية لاحتياجات شعوبها، فهي تعيش في حالة من التغريب والنكران الباطني للمعرفة الحقيقة، والذي يسعى الفنان الحقيقي بالتالي، فك شرانق غاياتها في السلطة والمناصب، حاملاً صليبه بحثاً عن خلاص من كلا الظلمين، ظلم الديكتاتور، وظلم النخب هذه، والذين هم أشباه الديكتاتور؛ مُذكراً بأنه فقط، المرآة الحقيقة العاكسة للواقع واحتياجاته، وبأنه هو الفن باسمه الثاني المتغير .













تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

للفن اسمان فقط مغير ومتغير

20-تموز-2013

غواية الروح معزوفة الأفلام الصامتة

26-حزيران-2013

فيلم آلام المسيح (The passion of the christ) إدانة للعنف وتجسيد للصراع العقائدي الإيدولوجي

15-حزيران-2013

أعنية المجر الانتحارية Gloomy Sunday

06-حزيران-2013

دونك

11-نيسان-2013

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow