Alef Logo
يوميات
              

إنهما عينان تسقطان من البكاء

جيلان زيدان

خاص ألف

2013-10-09

أنا هنا في ماسبيرو يا بابا, رأيتكَ في التلفزيون الموضوع على الطاولة الزجاجية يمين الباب, بينما دخلتُ الغرفة المكيّفة في استقبالٍ أنيق. اصطحبني من البوابة أ. محمد النوبي وصخب النجاح طنينٌ يكبر عني. رأيتك ترفع العلم فوق تلِّ رملٍ مصريّ تستردُّه لمصر بغرسك عصاه في أعلى قمته من قبل 30 عامًا في مثل هذه الأيام.. ما زلتَ تورّث النجاح لنا يا بابا وقتا بعد وقت, وكأنك تعمّدت أن تقول لي أوّل دخولي: (يا بت, مش هتكبري على أبوكي, احنا الاتنين نجحنا.. شايفك شايفك.. ادخلي تعالي).

لم أقصد أبدًا أن أغضبكَ. لم نجد غير هذه الشجرة الداكنة, تستفزنا لون العصارة منها المدرور, لنُشهد شامبليون على بداياتنا المشفّرة. زينات مهترئة تصل الأغصان ببعضها. الخريف في جزءٍ ما.....
هو بجانبي. قلبي بجانبه, نلعب جالسين في صمت "عسكر وحرامي". أبحث عن الأمان بينهما في اللعبة,
ماذا لو سرقني يا بابا هذا الحرامي وخبأني عن العسكر؟ ألن أكون أيضًا في أمان؟؟
يتدلّى عصبي من يدي حين يمسكها, أمرّر ليمينه قلبي من يسراي, ونمضي... أحبه يا بابا.

لم أدْعُك لأية فعالية من الفعاليات المقامة لي مؤخرا, أعرف أنك لن تأتي. كلمة مبروك تظل ناقصة "واحد" على الدوام. لم يتركني محمد لحظة واحدة, كان في ظلّه العكسر الذي حماني والحرامي الذي سرق قلبي ولم يهرب. لكن اتصال أبيه أول النهار به أبكاني ولم أحتمل إلا انجرافا يشدّني للأسفل ويُسقط الدمعات بجوفي. الصراحة كنت منتبهةً للكحل قبل التصوير وإلا وقعتْ كارثة بسيلانه مع البكاء.
تذكرتُ مكالماتك الدولية لي في مشاويري. وصوتك رفيقي. تذكرتُ العائلة. التي لم نعش. تذكرتُ البيت الصوريّ في المسمى. الشوارع. وتواريخي المبعثرة كلهااا..
تذكرتك: (ربّ إني أسكنتُ من ذرّيتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عن بيتك المحرّم, ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) وأنت على باب الشقة تقولها في يومٍ صيفيّ لازم المرور من كل عام.
أستحي أن أحضنك. فتقبّلني قبلتين أوافق عليهما. وحضن خفيف, أوارب منه جسدي الفارغ واقفا.
حيث تهرول كل أحشائي خلفك دون وقعٍ ملفتٍ على السلم, وأنت تصلّي على سيدنا محمد بصوت مرتفع, كان يُخجلني من الناس وأنا صغيرة..
النصائح السنوية: خدوا بالكو من بعض. عليّ أن أُبقي على رصيدي أعلى من ثلاثة جنيهات طيلة الوقت؛ لأتمكن من الرنّ عليك. وأحيانا أفضّل كتابة قصيدة عن تكليمك فترة محادثتك لنا. ساءت القصيدة.
كم أنا غبية يا بابا, لم أنجح بما فيه الكفاية في حياتك؛ لأفرحك بما تستحق عينك أن ترى.
وما زالت ذنوبي توخزني ؛ ربما, لأنها آلمتك ولو سرًّا عنك.
وأفراحي تنطفئ في عزّها؛ لأنها بَعدك بالضرورة.

بالأمس وأنا صاعدة السلّم, وجدتُ رجال العمارة ينظّفون الحديقة بمساعدة عمّال, ويعلّقون فروع النور في المدخليْن. ربما هو فرح إحدى بناتهم. حتى لو قرر محمد الزواج مني يومًا, سأتفق معه على أن أعلّق لمبة واحدة في المدخل. أو أترك نور الطرقة مضاءً هههههههه كفاية...
اضحك يا بابا؛ لأني بكيت كثيرا. وداخليًّا, ونفسيًّا, ودمويًّا, وها هو سائق الميكروباص في طريق عودتي ما زال يمدّني بالمزيد من المناديل الورقية المعلّقة في رأس سيارته من الأعلى الداخل, دون أن يدري فيما بكائي. دون أن يعرفك!
ويقول لي: الأستاذ اللي ركّبك ده جنتل ومؤدّب أوي.
ابتسمتُ.
-قالّي: الأجرة كم؟ قلتله خمستاشر. قالي: بس؟؟؟؟؟

لا تبتئس, فأمّي تقرر الآن إكمال مشوارك مجبرة على رغبتها. أضحك مع صحباتي حين أتلقّى نغمة هاتفي قصيرة, أفهم وأقول لهنّ: "أمي مسافرة عشان ترنّ عليا".
أصبحتْ عصبية جدا. وتضربني في هذه السن. أصبحت أكثر موتا في المطارات والبلاد الغريبة....
لماذا لا تنقطع عني إذ لا أراك؟
كيف أراك يا بابا! ولو لثانية واحدة.. واحدة.. واحدة.. وبعدها اختفِ كما أنت.
ثانية واحدة لأخبرك بكل ما جرى لي, وأتوقّع كل ما سيجري لاحقا فيها. فهي فرصتي الوحيدة.. والأخيرة.. فرصتي التي لن تأتي أبدًا.
___


3 تشرين 2013



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

فريدة إلى الآن

09-تشرين الثاني-2014

فريدة تحديدا

01-تشرين الثاني-2014

على كلّ جانب لنا ... ألف قصة بلا موت ...

26-تشرين الأول-2014

من الورقي ياسين للثائر عمر

19-تشرين الأول-2014

جيم فاء راء

08-تشرين الأول-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow