Alef Logo
ابداعات
              

قصة / متوقفاً عن نفسه

اسماعيل الرفاعي

2006-04-24

في الصباح دسّ السم لجميع كائناته.. طوق سماءه العالية بالأسوار، وتوقف عن نفسه.
جفف عينيه من الوميض، عروقه من الدهشة، مسح وجهه عن المرآة...
و لعله ابتعد عن المسافة، اختصر دواته على مسودة مرتبكة، ورشق حروفه على حائط من القش والطين. أو ربما اقتصر على الكون، حين تملى إبهامه، وحاول أن يطارد نفس سيجارة..
الدوائر المتلاشية مررت ريحاً عاتية، الحروف الأخيرة حملت أطراف حديث عن الحب.
ومراراً تعثر في الأسئلة، وتوهم أن السماء فوق رأسه، وأن رأسه فوق كتفيه. وأنه سيغري طائر الشعر بنظرته الساهمة.
حاول اقتفاء نفسه، تحجرت ملامحه، عرف أن حكمة بوذا في ضحكته.. وأن السهر وردي قُتل في عامه الثامن والثلاثين. وأنه يكبر السهر وردي بعدة شهور ، وأن حياته باءت بالفشل، وأنه لا ذريّة لمحيي الدين ابن عربي، ولا نسل للأنبياء.
قال أنها دار الفناء.. وأنه أبقى على نفسه، وقال أنها دار الشقاء.. وأنه بكى على نفسه، وقال صحا الولد على شيبه، وقال أنها كانت تتكور على نفسها، وأنها تتدثر بغطاء من صنع يديها، وأنها تنام على صوفا من المعدن و وسادة ناعمة، وأنها تفيق على صليل الروح، وقال أنه لا سبيل إلى وصف عينيها، وقال في عينيها سيرتها، وقال لم يبق الحزن على شيء.. وقال أنها دار بلاء وابتلاء، وقال طار الفتى عالياً، نام على غيمة، وفاق على غمة، وقال أنها دار الندم، و قال أنها بذرة العدم، وقال أن روحه جفّت، وقال أن خطاه كفّت، وقال أنه تعين عليه هذا الجحيم، وقال ما تبقى شيء، وقال أنه توقف عن كل شيء.
في المساء أطفأ السراج عن حارته القديمة ، كي يستريح الأموات والأحياء..
جرى على لسانه حديثٌ ذو شجون.. أسرف في الشراب..استعاد نفسه لبرهة.. وجاز حنينه وهو يتلصص إلى عدة أعوام سابقة. وكان على يقين بأنها دورة من دورات الخمر.. لكنه أسلم نفسه لنشوة قصيرة.. وضحك ضحكة من القلب.
بعد الكأس العاشر، أسقط العالم من حساباته، تبلورت جوهرة الخمر.. دخل طور الحكمة،
سحب نفساً عميقاً من سيجارته.. وتجلّى.
أولاً.. اعتذر عن هفوة القلب الأخيرة، واعتبر الشعر زلة في اللسان.. و ضاق ذرعاً بالموسيقى التي تحيطه، فاستأذنهم بأغنية حزينة.. دارت به الدنيا واختلطت عليه الوجوه والأمكنة.. جفف لسانه من الكلام، وعاد إلى بيت أهله، كان التنور مسجوراً، ورائحة الخبز الحار، وأثر الطحين، وطيف الأموات والبخور.. وكان الفطور العائلي، و سهرة القنديل والمدفأة.
ومن الصور التي تخطر على باله ..فيلم أنّا بافلوفا وحلقة النار التي تحيطها وهي ترقص بقرية مصابة بالطاعون .تلعثم صديقته ليلى وعذوبة النمش الخفيف على خديها، والقبلة الأولى التي أوقعت بها على السرير.الوميض العميق والحزن الكبير في عيني أمه، وحكايتها عن ست الحسن وسن الغول. و أشياء أخرى عديدة.. كالميدالية التي تلقاها من نضال، وعبارة ابنة القلب في قصيدته الأولى، ولعبة البوراكو مع صاهود، نفس خديجة على الطعام، كلماته القديمة المحفورة على درج البيت، حذاء عصام البالي، وصندوق طه الأخضر.
بعد قليل لمح أحد الحاضرين دموعه، فاستعاده بسؤال عن الجدوى، وحديث عن آخر القتلى، ابتسم.. حاول أن ينهض، شعر بدوخة في الرأس، ونار في باطن القدم.
قال أنه غيض من فيض، وأنه ذهب إلى آخره وما من شيء، وأنه ذهب إلى سواه وما من شيء.
وقال أنه ولد في ليلة عاصفة، وأنه رأى في ليلة عاصفة، وأنه قال في ليلة عاصفة، وأنه صمت في ليلة عاصفة. وقال أنه ما رأى سكينة قط، وما رأى زينة قط، وأن لا به، وأن لا عليه، لكنه أراد ما أراد، فانتهى إلى ما انتهى إليه.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقاطع من قصيدة طويلة / هذا إن امتد بي العمر

01-نيسان-2008

جنوب لبنان بوصلة الأرض

06-أيلول-2006

شعر / شرفة الكون

07-أيار-2006

قصة / متوقفاً عن نفسه

24-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow