Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

أيام الضباب و يوم الإثنين / قصة كاي نيوبورغ ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2014-03-11

لم يفكر بيتر بحظه حتى الآن.

واقيات النوافذ المواربة، التي تبعد عن وجهه حوالي إنشات ، كانت ملوثة بالدم، و حينما شعر بالحر يلهب رأسه، علم أنها دماؤه.

إنه لا يستطيع أن يتذكر كيف وصل إلى هذه الحالة ولا يعرف على وجه اليقين أين هو. المشاهد الطبيعية الممتدة أمامه من خلف الزجاج المكسور تترك لديه الإنطباع أنه في سيبيريا أو في باحة بيته الخلفية.

تذكر بيتر سوندرا. كانت تجلس في المقعد الأمامي من سيارة شيفي التي يمتلكها والده و ركبتاها مطويتان و تستند بهما على صدرها و أصابع قدميها الحافيتين متمسكة بحافة السيارة البنية. توقفا في سوق البلدة حيث يشتري بيتر خضاره بعد انصرافه من المدرسة. تقاسما علبة " ميلكي واي " و قطعة من السكاكر.

سألته سوندرا:" لو بإمكانك أن تتحرك بحرية مطلقة أي مكان تختار؟".

لم يخطر شيء من ذلك على بال بيتر من قبل. إلى أي مكان يمكنه أن يذهب عدا هذا المكان.

" لا أعلم. ماذا تفضلين أنت؟".

قالت من غير تردد:" إفريقيا".

نظر إليها، كانت تنظر من النافذة للخارج. فقال:" إفريقيا؟ و لكنها واسعة جدا. لا أعتقد أن هذا الجواب مقبول".

" أردت أن أشاهد حمار الوحش و الزرافة على الطبيعة و ليس وراء القضبان في حديقة للحيوانات. أردت أن أراها في موطنها الطبيعي".

تخيل بيت سوندرا و هي تسير على رؤوس أصابعها بقدميها الحافيتين فوق الأعشاب البنية الطويلة، و المنظار يتدلى من حول رقبتها، و تحاول الاقتراب بحيطة و حذر من قطيع حمير وحش تلتهم الأعشاب.

" هذا شيء مبهج. أحب أنا أيضا زيارة إفريقيا".

" عليك أن تفكر بجواب آخر للسؤال. لا يمكنك أن تسرق إجابتي".

كان بيت يعتبر أن رده هذا تشابه في طريقة التفكير و ليس سرقة. و لكنه قال:" ما رأيك بجبل. جبل شاهق. ربما قمة أفريسيت".

" هل أنت متأكد؟ هل أنت مقتنع؟".

" طبعا".

بدأ الضباب يغلف النوافذ مع ارتفاع الرطوبة في هواء الليل. كتبوا له رسائل قصيرة بأناملهم على النوافذ و سرعان ما كانت تختفي.

تساءل: ماذا تفعل سوندرا في هذه الأيام؟. مؤخرا سمع أنها انتقلت إلى بورتلاند أو سيتل أو شيء من هذا القبيل. غادرت مع أمها المدينة بعد وفاة والدها بحادث سير.

قال المارة:" ذلك الطريق سيء في الليل. على أحدهم أن يتصرف حيال ذلك".

و لكن كل الناس في المدينة يعرفون الحقيقة. لقد فقد والدها وظيفته. أصبح بلا مصداقية و دون مستوى التوقعات. شيء من هذا النوع. فاعتزل الناس. و في إحدى الأمسيات بعض هبوط الضباب الكثيف ذهب و لم يعد أدراجه للبيت.

قال المحقق:"لم يتألم. حصل كل شيء في لمح البصر. بسبب السرعة الفائقة لم نحدد من ضربه، أو بماذا ارتطم".

بعد تلك الحادثة أوصل بيت سوندرا أمام باب بيتها بالسيارة الشيفي. و في صباح يوم الإثنين التالي لم تحضر للمدرسة. و لكنه لم يتوقف عن مشاركتها الحلم بإفريقيا. كان يعتقد دائما أن سوندرا غريبة. لها ميول غريبة. و يرفد ذلك عينان سوداوان و شعر فاحم. و ها هي تحلم الآن بإفريقيا.

سمع بيت المطر و هو يضرب سقف السيارة. و ازدادت برودة الطقس. و لم يتمكن من تحريك يده لتعديل علبة التحكم بالحرارة. هل كان يرتدي حذاءه؟. لا يستطيع أن يتذكر. كيف تطورت تلك الحكاية؟. هل مات والد سوندرا بالتو و الساعة؟ و لم يشعر بالألم؟. كيف دفعه حظه ليصل إلى هذه الحالة؟ ليكون في البرد و السكون و الوعي المشحوذ و المتنبه.

لو أنه نجا مما هو فيه، كيف سيواجه الآخرين؟ ربما ينتقل إلى سيتل أو بورتلاند و يبحث عن سوندرا. لقد مضى على الحادث إثنان و عشرون عاما. ترى هل ستتذكره؟.

في صباح يوم الإثنين الماضي، نادى رئيسه عليه و استدعاه إلى مكتبه. و كل ما سمعه منه كان شيئا تافها عن إعادة ترتيبات في الشركة. و لم يستمع جيدا لبقية الكلام. كان ذهنه يعود للبدايات. يوم بدأ العمل في هذه الشركة. كان حظا سيئا. فقد رشحه لها زميله في السكن من أيام الدراسة في الجامعة. و تابع مع إجراءات التوظيف. و بعد تسع سنوات من العمل الشاق حاز على أربع ترقيات، و كان يعتقد أنه التحق بالركب في هذا العالم من ذيله و ليس من رأسه. كان تابعا طوال الوقت.

لقد سافر إلى كل أرجاء العالم الذي حل فيه الاقتصاد العالمي محل فكرة العائلة. حتى أنه زار إفريقيا، و لكنه لم يتصادف أن شاهد حمار وحش و لو لمرة واحدة.

و لا يوجد أي حلم مهما كان كبيرا يستطيع أن يبدل من ظروف بيت الآن. و حينما بدأ الضباب ينتشر على زجاج النافذة، حاول أن يقرأ ماذا خطت يداه، و لكن حينما صوب عينيه على السطور، تلاشت الكلمات.

و لاحظ بيت أن الضباب تحول لغلالة حمراء. كان متأكدا أن عينيه تنزفان.

ثم سمع صوت المذياع،و تبادر لذهنه: يا لها من ثرثرة بلا معنى و تأخر وقتها.

اقترب شكل غامض من وراء النافذة التي يغطيها الضباب و أصبح قرب وجه بيت. نظر إليه ثم قال:" تماسك.. سنجد طريقة لنخرجك من هنا".

كاي نيوبورغ Kay Neuburg : كاتبة أمريكية معاصرة. تعيش في ريشفيلد / ويسكونسون. متزوجة . تعمل على الانتهاء من كتابة يومياتها.

الترجمة من مجلة كورتلاند ريفيو - عدد 47. أيار 2010.































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow