عقولٌ نيّرةٌ اجتمعتْ، فكانت مسوّدةُ دستور. شعبٌ متحضرٌ وافق على المسوّدة، فكان دستور. الدستورُ عادلٌ، كما أمرنا اللهُ بالعدل، فلا يَجرمنّنا شنآنُ قوم على ألا نعدلَ، فعدلنا، لأنه أقربُ للتقوى. فلا فرق بين امرأة ورجل، ولا بين مسلم ومسيحى، فالجميع أمام الدولة ووظائفها سواءٌ، مثلما أمام القانون سواء. لكن ثمة رجلا يكره العدلَ، فدفعه شنآنُ قوم على ألا يعدل، فظلم. أعلن هذا الرجلُ مرارًا أنه يبغضُ المسيحيين! ودعا الناس إلى بُغضهم! وحثّ المسلمين على تجفيف أنهار المودة والرحمة والمحبة التى تجرى بينهم وبين إخوتهم المسيحيين منذ قرون، زاعمًا أن الله قد أمر بهذا! حاشاه أن يأمر ببغض أو شقاق، وتعالى عن ذلك.
أعلن هذا الرجلُ أن لديه مستندات تثبت تزوير الإخوان فى الانتخابات التى أفرزت لنا قيحَ مرسى وعشيرته. ولماذا لم يتقدم للإبلاغ؟ لأن شخصًا كان قد أبلغ فاعتقله مرسى! وإذن، صاحبنا، «الرجل»، يخشى من السلطان الظالم، فصمتَ عن قول الحق!
هل خمنتَ اسمَ الرجل؟ نعم، أصبتَ. هو الداعية الإسلامى الكبير، ونائب رئيس الدعوة السلفية، الأخ ياسر برهامى الذى عصى أمرًا إلهيًا فى آية قرآنية كريمة، وخالف حديثًا نبويًا شريفًا. الآية هى: «ولا يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقربُ للتقوى». فمنعه شنآنُ (كراهية) المسيحيين من العدل، فظلَم، ورفض تولّيهم الوظائف السيادية، مخالفًا أيضًا بذلك الدستور الذى ارتضاه المصريون. وأما الحديث النبوى فهو: «إن من أعظم الجهاد كلمةَ حقٍّ عند سلطانٍ جائر». منعه رعبُه من مرسى (أو حبُّه له) أن يبلغ عن التزوير!
ألم يتعلّم بعد السيد برهامى أن المواطنين أمام الدولة سواءٌ، كما ينصُّ دستورُنا، شاء من شاء وأبى من أبى؟!؟! وأنه ليس قيّمًا على عقيدة أحد ولا إيمان أحد؟! وأنه أسدٌ علينا وأمام مرسى نعامةٌ؟! ألم يعرف بعد أنه متناقضٌ وبرجماتى يغير كلامه حسب الموقف والمصلحة؟ ساند مرسى رئيسًا، والتهمه معزولا! كتب دستور الإخوان الفاشى، وبعد سقوطهم حاول تسميم دستورنا، وبعد إخفاقه رضخ، وتباهى بإصبعه المغموس فى فوسفور الاستفتاء، ثم ينقلب عليه الآن محاولا هدم أهمّ أركانه وأخطرها: العدل، والمساواة بين كل أبناء مصر، دون النظر للنوع أو اللون أو العِرق أو اللغة أو العقيدة؟
شكرًا لمن قدّم ضده بلاغًا للنائب العام يتهمه فيه بخرق الدستور. وشكرًا لكل مسيحى جسور سوف يترشح للرئاسة أمام السيسى وصباحى لنرسم لوحة حضارية. وشكرًا لكل امرأة جسور ستترشح بعدما مهدت الطريقَ قبل عامين المثقفةُ النبيلة «بثينة كامل». شكرًا لكل من يحارب العنصرية ويؤسس لدولة القانون والعدالة والديمقراطية التعددية بعد ثورتين عظيمتين. أولئك فقط مَن يستحقون الانتماء لدولة عظيمة، اسمها مصر.
[email protected]