Alef Logo
يوميات
              

نوبل السلام لأقباط مصر

فاطمة ناعوت

2014-06-28

أهبطُ الدَّرَجَ الحجرىَّ الضيق حتى قاع المغارة المظلمة. يا إلهى! ها هنا، قبل ألفى عام، هبطتْ صبيةٌ جميلة تحمل على ذراعيها طفلاً صبوحاً، لتختبئ من جنود غلاظ يرومون قتل الصغير! فكانت تلك الصخورُ الحادة أكثر حنواً وعطفاً من قلوب رجال يتكاثرون على فتاة وطفلها. أخرجُ من الجهة المقابلة للمغارة لأجد بئراً عميقة، هى التى روت ظمأ الصغير وأمَّه، والشيخ الذى رافق الرحلة الشاقة. لستُ فى بيت لحم، حيث كنيسة المهد، التى شهدت ميلاد الطفل النبيل، ولا أنا فى القدس العتيقة، حيث طريق الآلام وكنيسة القيامة، اللتان شهدتا الصبى يافعاً بعدما كبر. لست فى تلك المدن التى أنجبت الصبية الطهور وطفلها الذى سيغدو رسولاً للسلام والمحبة «يجول يصنع خيراً»، إنما أقفُ على أرض بلادى «مصر»، فى كنيسة المغارة المقدسة بمصر القديمة.

اليوم ذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر هرباً من هيرودس الحاكم اليهودى الفاشى، الذى قرر قتل عيسى الطفل خوفاً على مملكته فى فلسطين.

من بيت لحم بفلسطين، إلى دير المحرَّق بقلب مصر فى أسيوط، ارتحلت العذراء المُطوَّبة «مريم»، أطهر نساء العالمين، تحمل طفلها، وتمتطى حماراً، ويسير جوارها الشيخ يوسف النجار دليلاً وحامياً لتلك العائلة المقدسة التى طوَّبت أرض مصر من شرقها إلى جنوبها: رفح - العريش - الفرما - سيناء - تل بسطا - الزقازيق - مسطرد - سمنود - البرلُّس - سخا - وادى النطرون - المطرية (شجرة مريم) - عين شمس - الفسطاط (بابليون) بمصر القديمة، (حيث أقفُ الآن) - المعادى - قرية البهنسا - سمالوط - جبل الطير - بلدة الأشمونين - ديروط - القوصية - قرية مير - ثم دير المحرَّق، الذى استقرت به العائلة ستة أشهر، ثم جبل درنكة بأسيوط، لتبدأ رحلة العودة إلى فلسطين.

كم مصرياً يعرف مقام مصر الرفيع؛ تلك الأرض التى لم يخترِ اللهُ سواها لتستقبل هذا الوليد الجليل، وأمَّه الطاهرة، اللذين حماهما اللهُ -تعالى- من نخْسِ الشيطان، وطوَّبه بالسلام عليه: {يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}، وكانت أرضُنا الطيبة لتلك العائلة المقدسة: {رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}؟

لماذا أنا هنا؟ لأحتفل مع رموز مصر الوطنية فى الإعلام والفكر والأدب والثقافة والسياسة والفن بذلك اليوم التاريخى؛ أول يونيو، بذكرى تشريف العائلة المقدسة أرض مصر، هو العام الثانى الذى خرج فيه الاحتفالُ من الحيِّز المسيحى إلى الحيز المصرى الوطنى الأوسع.

وهنا أناشدُ المسئولين وصنَّاعَ القرار بأمرين؛ أولاً: أن يغدو هذا اليوم، ١ يونيو، عيد وطنياً تحتفل فيه مصرُ كلها بذلك الحدث التاريخى الفريد، ولنعطه اسم: «عيد السلام»، بما أن السيد المسيح هو رسول السلام. والأمر الثانى: أن تنظم وزارة السياحة رحلاتٍ دوريةً للمصريين والسياح تقطع مسار العائلة المقدسة من رفح وحتى دير المحرق.

ولهذا إيجابيتان؛ أولاً: تنشيط السياحة الراكدة وضخ أموال تُصبُّ فى خزانة الدولة. وثانياً: مكافحة الجهل الذى نعانى منه كمصريين بتاريخ مصر القبطى المميز الذى يعرفه العالمُ ونجهله نحن، بسبب العنصرية المريضة التى تخلط العقيدة بالتاريخ والدين بالسياسة، فأفسدت علينا كل شىء وزوَّرت علينا معارفنا.

وفى الأخير، أتبنى الدعوة الكريمة التى نادى بها أستاذى المفكر الكبير د. مصطفى الفقى، بالمطالبة بمنح أقباط مصر المسيحيين جائزة نوبل للسلام. ومَن سواهم يستحقونها وقد أثبتوا عاماً بعد عام، وعقداً بعد عقد، وجيلاً بعد جيل كم هم وطنيون يذوبون عشقاً وتضحية من أجل مصر وشعبها؟ مَن سواهم تحمَّلوا سخافات
المتطرفين وبذاءاتهم، فما منحونا إلا المحبة والغفران والتسامح؟ وطوبى لك يا مصر، يا موطأ أقدام الأنبياء الأطهار، منذ فجر الإنسانية!


جريدة الوطن
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow