Alef Logo
ابداعات
              

نص / بحبرٍ مغشوشٍ وقلمٍ مُدَبَّبٍ وسميك

نصار الحاج

2006-06-04

خاص ألف
في ميدان الأمم المتحدة
وسط الخرطوم
تماماً عند الشّجرة التي تُحاكُ على ظلها نبوءات الرّمل وتقارير الكرة وونسات اليائسين من شُحِّ المواصلات
كتبتُ على المفكرةِ التي أشتريْتُها من محلات كتبِ الأرض مقاطع من سيرةِ الليلةِ الفائتة .

كان ذلك بحبرٍ مغشوش
وقلم مدبَّبٍ وسميك

1.

في الطريق الذي عبّدتهُ الفتياتُ للإحتفال بيومِ الطِّفلِ، أسيرُ بعلبةِ الحلوى واوراق الورد
كهدايا لعابرين محتملين . أشربُ الماء من زيرٍ متسخٍ في الرّصيف
ليس من أمْرٍ يخفِّفُ الحرارة غير هذا الماء الغريب .


2.

الشارع الذي يقود الفرقة الموسيقية نحو صالة المكتبة القبطية أغلقتهُ الدّورية خوفاً من مظاهرةٍ تُطيحُ بالأغنياتِ التي فرّخَتْهَا حناجر المنشدين في حضْرةِ الحاكم الوحيد.
هذا،
حينما طاردَ الليلُ الجديد في السودان أجمل الأغنيات وحوّل الجامعاتِ إلى ثكنات، ظلّ الطلاب العصاة يغنون في المسرح المجاور بصحبةِ مطربين خارج رغبةِ النظام .

3.

كنّا في إنتظار المغنِّي الجميل . صديقتي التي ضاعت منذ تلك الأيام أو بعدها بقليل، تُخفي رأسها بين فخذيها، تُصَفِّرُ بأصبعين ناعمين وشفتين جذّابتين .
كان رنين الصوتِ أنثوياً عالياً،
ذُعِرَ الحاضرون ولم يتَبينُوا صاحبة الصوت النّدي.
هيَ
دون أن تُعدِّلَ جلستها في كرسي الخيزران الذي تشاركني الجلوس عليه،
ضَحِكَتْ بنشوةٍ ورفضتْ تدريبي كيف أُصَفِّرْ .

4.

إعتذرتُ لصديقتي الأخرى التي هاتفتني هذا الصباح عن مرافقتها لكنيسةِ المدينة، لأن أقمصتي لم تكن لائقة بهذا الحضور الأنيق
ذهبتْ وحدها واهدتني وردةً حينما قابلتها في حافلة الطلاب وهي تلوّحُ للعابرين بإبتسامةٍ خضراء .
كانت قد كتبَتْ على تنُّورتها
صباح الخير أيها العالم .

5.

الذاكرة مُتْعَبَةٌ جداً
ضلَّلَتْها الطائرات التي عبرت سحائب الخريف
ومشت على أسلاكِها
صافراتُ الإنذار التي أطلقتها ماشيةُ الليلِ في حاراتِ ام درمان.

6.

بين ليلةٍ ومطرْ . يسكنُ قلبٌ شرختهُ العشيقات بالهروبِ الطويل وأوصدتْ بابهُ إمراةٌ إلتقيتها صدفةً في الاسافير.

7.

النّافذة مفتوحة على الشارع
والمدينة
صارت تُطعمُ العاطلين عن العمل بالسرقةِ من حاراتِ الفقراء .
القميص الذي إشتريتهُ البّارحة أختفى فجاةً من خزانةِ الملابس.
على الطريق آثار أقدامٍ مشوّهة
كأنّما رسمَتْهَا ماعزٌ في الليل
في أول منعطف ضاعت الآثار في طريق الأسفلت .

8.

غداً، سيراني الخفرُ عارياً، والنساء الخجولات يرسلنَ نظراتهن نحو الحائط
الاطفال يغنّون بالبهجةِ ذاتها التي يعيشونها عند قدومِ بائع الإيسكريم .

9.

هذا القلب المُتْعَب
غنّى كالطّيرِ
تحت هطول المطرِ السافر
ومشى في رملِ الحارات
يرسمُ رائحةً لبلادٍ هربتْ من رعدِ الليل .

10.

الروحُ
تسافر
تهجرُ غرفتها في بيتِ الأحزان
تسكتُ خائفةً من سربٍ يأكلُ ذاكرةَ الناس .

11.

وحدها التفاصيل
على قبعةِ الوقت تمضي بكاملِ فوضاها
تُريقُ النسيانَ كريشةٍ ضيَّعها النسرُ في السماوات التي طافَ بها
في المزارع التي قطفَ العصافير من سنبلاتها
وحدها التفاصيل تعيشُ حيّةً في الذاكرة.

12.

الحبرُ لم يعُد كافياً لزحزحةِ الغُبارِ من جهةِ الرّيح التي ترافقُ الكتابةَ عن سيرة الممراتِ والأزقةِ والنوادي والحاناتِ والعراكِ في أبواب الحافلات
كما لم تَفُتْنِي الإشارة
كان ذلك بحبرِ مغشوشٍ
وقلمٍ مدبًّبٍ وسميك
ودفتر شربَ الشمس دون رأفةٍ من ظهيرةِ الخرطوم

13.

وأنا مشغول بتدوين هذه الحكايات
تاخرت على صديقتي التي ضاعت مني منذ سنوات

ربما الآن تأكلُ الفُولَ وحَبَّ البطيخِ
في حديقةِ الحيوانات بعدما أفرغتها السلطات من سكانها
وكنّا على خُضْرًتِهَا نجلس كل صباح.

14.

لا بأس
رُبّما أكتب في المرّة القادمة وقائعَ أكثر تفصيلاً .



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

النيلُ يعشقُ القمر وأنا في الأدغالِ أُفتشُ عن مرفأ

22-تموز-2011

قصيدتان

12-تموز-2006

نص / بحبرٍ مغشوشٍ وقلمٍ مُدَبَّبٍ وسميك

04-حزيران-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow