Alef Logo
الآن هنا
              

رموز من لبنان : الشاعر سعيد عقل

صالح الرزوق

2014-12-03



لا أستطيع أن أجد مدخلا مناسبا لشخصية إشكالية مثل سعيد عقل، فالضوضاء التي كانت حوله جعلت منه رمزا معبودا للبنانيين و لا سيما في فترتين من تاريخهم الحديث.
في حقبة النأي بالنفس حين كانت المارونية هي الفلسفة الأقوى و الاتجاه الشعبوي الذي له رصيد حضارة تبحث عن طريقة للصعود و الاتصال.
و أقصد بذلك قبل الحرب الأهلية ، في الفترة الذهبية للسياحة و نشر المعارف بأقل قدر ممكن من الرقابة. أضف لها صناعة المصارف و إيداع الأموال.
كانت الشخصية اللبنانية في تلك الايام كوزموبوليتناتية ذات هوية مركبة. قابلة و مانحة. بمعنى أنها مكان حاضن لشتى الاتجاهات. و قد شجع ذلك الشعر على وجه الخصوص للاحتفال بعناصر مشتركة من النفس كالإحساس بالجمال و كل ما من شأنه إذكاء الرغبات و ليس العواطف.
و في هذا الجو احتفل سعيد عقل بينابيع السحر الأخاذ للطبيعة و لا سيما عناصر في شخصية لبنان و في المقدمة رمز الجبل و البحر.
و استفاد من هذه الخواص و استطاع أن يعمم و أن يسقط، و أن ينقل المشاهد و المناظر بواسطة الخيال و التراكيب إلى الذاكرة.
ليس من السهل أن تتذكر شعريا. و لا سيما بمنظور الذات. و لو استعدنا تاريخ الشعر العربي نجد أن الذكرى هي للتمهيد فقط. و لا سيما في الوقوف على الأطلال للتهيئة و التمكين. لخلق فاصل غنائي في النفس.
أما عند سعيد عقل فالقصيدة كلها برهة للوقوف على الأطلال. إنه حين ينظر بعين قلبه و خياله للطبيعة الفاتنة التي يعشقها و تذوب فيها كل جوارحه تنشأ أمامه ذكرى حجاب مقلوب.
فينسى الحاضر و يتصل بالماضي.
ينسى الواقع السياسي بكل منغصاته و مخالفاته و يقف أمام معارف و حضارة الماضي.
و لذلك كان في معظم الحالات يلجأ لتخصيب الأفكار و الصور بالرموز و الأساطير. فالجبل استعارة تدل على المقاومة و الثبات. و الوادي مجازيا هو الحفرة الوجودية التي يسقط فيها أبناء هذا الجيل.
و كما يبدو لي كانت رموزه مادية بمستوى رموز الشعر الجاهلي الكلاسيكي. و تقرأ المحسوس بالملموس. كما في تشبيه امرئ القيس لليل بموج البحر.
و لذلك كان الغرام في قصائده حسيا. بحرضه الليبيدو و تعبر عنه الجوارح.
بعبارة أخرى إنه حب غير رومنسي. و ضبابي. الذات فيه هي مضمون و موضوع القصيدة.
و كل من يقرأ أشعاره ينتبه أن قلبه لا يدق. و لكن أحاسيسه تستيقظ و ذهنه يعمل. و هذه الحالة الشديدة الالتزام بقانون و أخلاق العقل تعيد تركيب شخصية الطبيعة بمدلولاتها الاستراتيحية.
فالذات تنتقل من مستوى السلوك الشخصي و تجربة الأفراد إلى مجال و فضاء الجماعة و الذهن المنتج.
***
أما الحقبة الثانية ، بعد حرب 1975 و انتشار الميليشيات في عموم أرجاء لبنان فقد ساهمت بتوطين فكرة سعيد عقل. و توطينه هنا بمعنى استضافته.
لقد أصبحت قصائده و مثلها قصصه و مسرحياته الشعرية نوعا من الدعاية لاعادة الاعتبار لما هو ضائع. للجسم المفقود. لأجزاء من الواقع فقدنا الاتصال أو الارتباط بها.
و هكذا خرج الشاعر من مضمار التروبج للاستجمام و الصور التي تماهي ما بين المرأة و الطبيعة و ما بين لبنان و الخصوبة إلى مضمار الوطن المغدور به.
و إذا كان في بداياته يعتقد أن ( الدنيا امرأة - و المرأة العظيمة هي الطبيعة ) كما ورد في كتابه المبكر لبنان إن حكى( المجلد 3 من الأعمال الكاملة ص 22 ) يرى و هو في شيخوخته أن ( الأباة يغويهم السيف ، فيستقبلونه بالصدور ) كما ذكر في قصيدته فخر الدين الثاني( ص 21 من مجموعة كما الأعمدة ، المجلد 6). و في هذا الجو تجد وفرة من صور الحروب المستعرة كقوله في نفس القصيدة: سالت الأرض بالخيول ( ص 29) أو قول: تزرع الراي خافقات (ص 29).
إلى أن بقول في قصيدته المشهورة( سائليني):
خطها صيد أباة غصبوا
حقهم، و الحق غصب أو حمام (ص 75 من كما الأعمدة المجلد 6).
و بكل تأكيد إن الفرق واضح بين الكمون و الليبيدو، و بين النرجسية و التهور. ففي الحالة الأولى تأخذ الرجولة معنى مانحا بينما في الثانية تأخذ أبعاد شخصية انتحارية و مغتصبة.
و لا شك أن الإسقاطات فوق شخصية سعيد عقل هي أوسع من معانيه.
لقد تحولت شخصيته لاستعارة أو مجاز سياسي مثلما تحولت أجزاء من لبنان في قصائده لاستعارات حضارية.
و إذا كان لا بد من أمثلة أصبحت قصائد الشاعر دعوة إلى لببنة البلاد. و هذا بحد ذاته إقرار بالتحسس و انتباهة اللاوعي أن شيئا من الأنا الأعلى يتعرض للخطر و الانقراض.
و هكذا بدأت رموز تحمل معنى التحدي و المواجهة تبرز على السطح مثل الصخرة، الحجر، نجوم معلقة في السماء.
و في هذا المنعطف السياسي المهم أيضا دخلت لشعره صور قيامية مع صوت عنفي و تدميري. يتكلم علنا عن فلسفة المربعات و الدوائر المغلقة. و من ذلك قوله في قصيدته المعروفةالتي تنشدها فيروز (لي صخرة):
إن كنت من غير أهلي لا تمر بنا (ص 7 من كما الأعمدة، المجلد السادس).
و قوله:
غني أحس الوجود
غبارا على ملعبي ( ص 12 من قصيدة على شاطئ الذات، المجلد السادس).
و كأنه يعيد للأذهان عنتريات الشاعر الجاهلي الذي قال:
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا
و أرى أن نرجسية سعيد عقل عمياء و ذهانية. و لا يدانيها شيء غير نازية هتلر. مع الاحتفاظ بالفرق بين مبالغات الشاعر و منطق السياسة.
و لا يفوتني هنا التأكيد على طبيعتها الفيتيشية. فقد تعلقت قصائد الشاعر بجزئيات هي كناية عن شموليتها دلاليا.
و رافق ذلك هجرة بالأفكار من المدينة كمركز للانتاج المعرفي إلى القرية و كأنها عاصمة لذات تتعرض للذوبان.
إن استبدال المركز بالأطراف لا شك هو نوع من إنكار الصورة الراهنة للواقع و محاولة للبحث عن البدائل.
و لذلك انتشرت في أشعار سعيد عقل صور و ألوان الطبيعة الحية و لكن غير العاقلة. الصور الجامدة لأيقونات رمادية كئيبة أضفى عليها مخاوفه.
لقد كانت الأيقونات و لا تزال من لوازم العبادة و للتوسل أو التوسط بين المتناهي و اللامتناهي. و عودتها بهذا القدر للقصائد المعاصرة و التي اختتم بها حياته ليست دليلا دامغا على رومنسيته و لكنها قرينة على تأصيل حاسة الخوف و الرعب مما يحصل. و لتحصين الذات مما يضمره لها الواقع من شرور و خطط مبيتة.
إنها طريقة ميتافيزيقية للاحتماء و لبناء شخصية من فوق الواقع للبنان كما يرغب به الشاعر. لبنان الرموز.

حلب / تشرين الثاني 2014










تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow