Alef Logo
المرصد الصحفي
              

المثقفون السوريون.. أمراء حرب أم قادة ثورة

سامر محمد اسماعيل

2015-01-19

المثقفون السوريون.. أمراء حرب أم قادة ثورة


سامر محمد اسماعيل

في الحديث عن فعالية المُثقف في الوضع السوري، لا بدّ من الإشارة إلى ظاهرة الاصطفاف الحدي، والمواجهة العنيفة، التي ميّزت المُثقفين السوريين، يقول الناقد والشاعر السوري ياسر إسكيف ويضيف: «كصورة مُظهّرة عن الموقف السياسي تجاه الحدث السوري، ذلك الاصطفاف الذي أظهر، بوضوح، حجم المفاجأة التي أبداها هذا المُثقّف حينما انتبه إلى أنَّ هنالك رأياً لا يتطابق مع رأيه، فبدأت معزوفة التخوين المُتبادلة وفق ثنائية: الوطن – الشعب الثورة. وبات الفعل الثقافي أكثر جرأة في إعلان انحيازه للسياسي، بل وفي إشهار التماهي وإضاعة الهوية والجوهر، وصار الحديث عن أيّة فعالية للمثقف، في الوضع السوري الراهن، هو حديث عن ممارسة خارج حقلها - يعلق إسكيف ويضيف: إن السلطة، عبر عرّابي ثقافتها، ترفض الاعتراف بأن رأيا آخر يُمكن أن يكون حقيقة، وإن كان فهو رأي يُجانب الصواب. الشاعر محمد دريوس يعقب على كلام ياسر إسكيف بالقول: «من حسنات الأحداث العنفية السورية - إذا كان لها حسنات تذكر - إعادة الاعتبار للمثقف السوري على الصعيد الشعبي بالدرجة الأولى، فبالرغم من عدم فاعليته الأساسية في القرار السياسي أو القرار العسكري؛ وانعدام تأثيره المحرك، إلا أن الجميع بدأوا في مساءلته والاستئناس برأيه في ما جرى وما سيجري، القاعدة الشعبية العريضة التي كانت تستأنس برأي الضابط والمسؤول المدني الكبير، الحزبي أو غيره، أصبحت لا تثق برأيهم أو على الأقل تعتبرهم معلّبين وتعتبر آراءهم آراء سلطوية لا يتوجب الوثوق بها، وأنها لا تحمل حتى جزءا صغيرا من الحقيقة».
حتى على الصعيد السلطوي، بدأ النظام أيضاً بالالتفات إلى دور المثقف في المجتمعات، وإن اتسم هذا الالتفات بالكثير من محاولة خلق المثقف الخاضع للسلطة أكثر من كونه مثقفاً متمرداً أو ذا رأي مستقل - يعلق دريوس. جزء كبير من المصالحات الوطنية التي يجري تطبيقها في بعض أماكن الصراع، في ريف دمشق ومدينة حمص، تمت بالاستعانة بهذا المثقف بالذات، الجاهات أو الزعماء التقليديون للعائلات الكبرى أُبعدوا لمصلحة نوع من المتعلمين أو المثقفين غير ذوي الاختصاص في سياق المصالحات التي تتم».
السؤال هنا: هل يعيد المثقف السوري بيع نفسه لسلطة ظالمة كما فعل منذ خمسين عاماً؟؟ هل يعيد رهن نفسه لمصلحة خطاب خدمة القضية عبر خدمة السيد الضابط»؟
عصا موسى
الناقد ياسر إسكيف يرجع الأمر إلى أنه «إن كان من فعالية ممكنة، ليست الصمت بالتأكيد، فهي عمل المُثقّف على مشروعه الخاص، شرط أن تكون روح الحس التاريخي حاضرة لديه دوما رغم قتامة اللحظة، وشبه استحالة أي تصوّر يمكن تشكيله عن المُستقبل». لكن السؤال عن دور المثقف في الأزمات، مفرح ومحزن في الوقت عينه - يقول الروائي جورج حاجوج شارحاً رأيه: «مفرح لأنه يشفّ عن اعتراف بدور المثقف في الشدائد والملمات، ومحزن لأن هذا الاعتراف غالباً ما يأتي متأخراً، ذلك يعني أن هناك تغييباً ـ تارة متعمَّداً وتارة غير متعمَّد ـ لدور المثقف وفعله. على أية حال، هذا لا يلغي ولا يعفي المثقف من أن يتنكّب مسؤولياته في هذا السياق، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمتلك عصا موسى السحرية، ولا يستطيع أن يكون منقذاً وحيداً.. في الأزمة السورية، يُسجّل الروائي حاجوج للمثقفين السوريين: «مواظبتهم ضمن ما هو متاح وما تسمح به الظروف، على التمسك بالكلمة والفكر والإصرار على اعتبارهما خشبة خلاص لكل هذا الخراب والفوضى.. عروض مسرحية وسينمائية وتلفزيونية ومشاركات في مهرجانات محلية وعربية ودولية وحصد أكثر من جائزة.. إصرار على طباعة الكتب في مختلف أشكال الأدب والفكر.. تأسيس ملتقيات شعرية وأدبية في أكثر من مدينة وبجهود شخصية وبعيداً عن أي ارتهان أو دعم.
النيران التي أُطلقت بخبث ودهاء على المشهد الثقافي السوري وصنّاعه خلال الأزمة، ربما استطاعت أن تصيبه في هذا الموضع أو ذاك.. ربما استطاعت أن تضع بعض العصيّ في دواليبه، لكنها بكل تأكيد، لم تستطع أن توقفه أو تعطله.
قد يبدو للوهلة الأولى أن المثقف السوري غائب عما يحدث في وطنه، وأن لا صوت له أمام صوت الرصاص الذي يطغى على كل شيء. يعقب الناقد نذير جعفر ويضيف: «المتأمل في حقيقة ما يجري من زواياه المتعدّدة؛ سيرى أن ثمة أدواراً متباينة للمثقفين السوريين؛ منها ما يمثل رافعة لقوى الإرهاب والظلام مضفياً عليها شرعية ثورية بوصفها مخلّصا من نظام الاستبداد! ومنها ما يلتزم الصمت مناورة للحفاظ على أمنه الشخصي؛ مدعياً أن الطرفين المتصارعين من أرومة واحدة.
لقد كشفت الحرب الأقنعة التي كان يتستر خلفها المثقفون في السلم - يشرح نذير جعفر رأيه هنا معقباً ويضيف: «لقد تميز المثقف المتجذر وعياً وصلابة ورؤية وتجاوزاً للنزعات ما قبل الوطنية عن المثقف النخبوي الأكاديمي الهش الذي لم يتخلص من طائفيته أو مناطقيته أو عشيرته! وهذا ما يفسّر هروب هؤلاء المثقفين النخبويين من سوريا ولجوءهم إلى الإمارات والسعودية وقطر وتركيا بوصفها واحات للديموقراطية!» يوضح نذير جعفر «ان بعض هؤلاء المثقفين دعا علانية في الفضائيات إلى قيام دولة سنية في سوريا في مواجهة الدولة الشيعية في العراق».
دور المثقف العربي
حين التنقيب عن دور المثقف علينا أن لا نغفل دور المجتمعات العربية؛ فالمثقف بكل الأحوال جزء من هذه المجتمعات، لكن للأسف نحن ننتظر من عدة أشخاص التأثير في الشعوب، دون أن ننتبه ماذا تفعله المجتمعات مع السلطة بالمثقف - يقول الشاعر لؤي ماجد سلمان ويضيف: «المثقف موجود لكنه للأسف مغيب من السلطة والصحافة، والمجتمع، فالسلطة تريد أن تجره من ياقته صوبها، والمؤسسات الإعلامية تابع أمين، غيبت المثقف وصدّرت الفنان الممثل والمغني كواجهة ثقافية، فلم تُعن بالمفكرين، مع إدراكنا وإدراك هذه المؤسسات أن الهوة التي تفصل بين الممثل والثقافة كبيرة للغاية، فلو تابعنا ما عرضته شاشات الفضائيات من كتّاب وشعراء ومفكرين منذ بداية الربيع الزائف نجده صفراً، بينما خصصت الواجهة لنجوم التمثيل والغناء والرقص وصدّرتهم كحالات ثقافية».
يعقب الشاعر لؤي سلمان ويضيف: «لم نشاهد أي تضامن حقيقي مع أي مثقف سواء في رفض تهميشه وإقصائه، أو حتى التضامن معه بشراء كتبه، فالأزمة ليست أزمة مثقف.. إنها أزمة شعوب ما زالت الصورة تبهرها. غير أننا لم نهتم لدور العواصم النواة التي كانت تصدّر الثقافة للعالم.. بغداد، القاهرة، دمشق؛ ولم نسلّط الضوء على العواصم البديلة والجديدة التي أخذت هذا الدور بقوة المال وجعلته ينصاع صاغراً لحاجاته وتوجهاتها، أو يشارك في التحريض على القتل، المثقف اليوم لا يحمل في جيوبه إلا البارود والخوف والفقر، منهم من تحول إلى داعية ديني أو محلل سياسي بالترهيب أو الترغيب، متعامياً عن دوره الرئيسي في المجتمع الذي نبذه أصلا ولم يهتم لوجوده».
قصف تمهيدي
الشاعر والإعلامي عصام التكروري يقول: إنه للإجابة على دور المثقف السوري في الحرب التي تُشن على بلاده سأعتمد بالدرجة الأولى على تعريف المُثقف لدى ادوارد سعيد كما جاء في كتابه (تمثلات المُثقف)، فالمثقف برأي صاحب (الاستشراق) هو الفرد الذي مُنح قدرةً على تمثيل رسالة.. وتجسيدها والنطق بها أمام جمهور معين ومن أجله.... هو شخصٌ لا ينزعُ إلى تهدئة الأوضاع بل يرهنُ وجوده كلَّه للشعور النقدي الذي يجبره على عدمِ القَبولِ بالصيغِ السهلة أو بالأفكار الجاهزة أو بالبراهين التي تتساوق مع ما يعتقد به الطرفُ المُهيمن ويمارسه، ولديه الاستعداد لأنْ يجهر بموقفه هذا»، بتقدير التكروري أن هذا التوصيف للمثقف ليس إلا إعادة صياغة لتعريف (المثقف العضوي) لدى غرامشي. من هنا يطرح عصام التكروري السؤال التالي: «هل عرفت الساحة الثقافية السورية خاصة والعربية عامة مثقفين من العيار الذي طرحه إدوارد سعيد وغرامشي؟ الإجابة تبدو صعبة لأننا إذا أجبنا بالنفي فسنبخس الكثير من الأسماء حقها، أما إذا كان الجواب بنعم؛ فإننا سنواجه مشكلة تحديد السبب الكامن وراء صعود ظاهرة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله ( دينياً أو سلطوياً) من منطلق أن المثقفين العضويين هم خط الدفاع الأول عن كل القيم الهدّامة لمجتمعاتهم بذات القدر الذي يمكّنهم من أن يكونوا رأس الحربة لكل المشاريع السياسية والعسكرية التي تخدم مصالح دولهم» ويتابع التكروري موضحاً: مثلا، مقابل أعمال فرج فودة وصادق جلال العظم والصادق النيهوم التي حذّرت من التطرف والإرهاب ـ وتمّ تغييبها من النظام الرسمي العربي ـ كانت هناك كتابات فوكوياما وهنتغتون وبريجنسكي التي احتفى الجميع بها ليتبين اليوم أنها كانت بمثابة قصف تمهيدي سبق (الحرب على الإرهاب) والتي في حقيقتها هي (حرب تمكين الإرهاب)».
الكاتب فادي زيفا لديه رأيٌ آخر حيث يقول: «إنما فسدت الرعية بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء. لقد لعب المثقف السوري دور (القطّ الغائب) عن ساحة الصراع مفسحاً المجال للفئران لتقود عملية الخراب، متذرعين بحجة أن الشعب هو صاحب الكلمة العليا متمترسين كل في خندق مصلحته أو حزبه أو قبيلته لكي لا أقول (طائفته). متجاهلين أنّه لكي تنتصر لا بدّ لك من قائد شجاع حكيم يدير حربك ولا أقصد بالحرب هنا مقارعة السواطير وأزيز الرصاص بل حرب الفكرة، بصراحة لم أعد أعي ما الفرق بين المثقف والخطيب ولا بين القائل والمجيب، حين نصل إلى هذا الدرك من الإسفاف وهذه الدرجة من الاستخفاف فلا عتب على الأميين ولا حجّة». برأي الكاتب زيفا أنه «يجب أن يعود المثقف إلى ثقافته والشاعر إلى قافيته والراوي إلى راويته؛ تاركين للشارع نزاعه ومنصرفين عن تحريضهم له، فالديوك لا يطول عراكها حين يغيب المتراهنون».
أسئلة الهوية
يجول دوماً في خاطري سؤالٌ حول سبب النظرة جدّ السلبية لا بل الهازئة والمحقِّرة التي يحملها السواد الأعظم من أفراد مجتمعنا تجاه «المثقف» أو أقلّه تجاه الصفة، أي صفة المثقف - يتساءل المخرج السينمائي جود سعيد ويضيف: «تميل غالبية الناس لاعتبار (المثقف) شخصاً ثرثاراً ومنظّراً وترسم له صورةً تبسيطية فتراه سكيراً بلحية يتأبط صحفاً كثيرة ويدخن الغليون أو السجائر الوطنية ولا يتحرّك من خلف طاولة المقهى إلا لخلف طاولة الحانة! ويعتبر أغلب الناس في مجتمعاتنا ذات الأغلبية المسلمة (المثقف) شخصاً منحل الأخلاق ومرتهناً دوماً للسفارات (رغم تدخينه للسيجارة الوطنية) أو شيوعياً كافراً، أما نعت المثقفة فصار في حوارات الناس أشبه بالشتيمة».
هذه الصورة شبه الثابتة، منذ انهيار الكتلة السوفياتية وانهيار التيارات اليسارية والقومية في مجتمعنا وخلو الساحة لفضائيات البترودولار ومشايخ الاعتدال وغير الاعتدال، أضيف إليها في نظر الجمهور صورة جديدة لمثقف جديد - يعقب المخرج جود سعيد ويقول: «لقد بات من السهل تسمية أي كان مثقفاً ما دمنا لا نعي معنى الكلمة. أكثر قبولاً بالنسبة لها من ذلك القديم (الفاشل – المفلس)، إنهم نجوم الشاشة ومعرفة الاستهلاك، محركو الرأي العام الجدد، كاتبو شعارات الميادين والساحات، مناضلو صفحات التواصل الاجتماعي»...
هل أبالغ في هذا؟ يتساءل المخرج سعيد مجدداً ويجيب: «لست أظن ذلك وخير دليل هو أن توقف بعض الناس في الشارع عشوائياً وأسأل من هو (المثقف) وستدهشك الإجابات وربما تصب أغلبها في خانة توصيف صاحب كتاب أبراج على أنه مثقف كبير؛ أو جعل مدير صفحة فيسبوك صاحب رؤىً لبناء غد الوطن!! من هنا فإن سؤالاً كبيراً يجب أن يُطرح، هل يعرف عامة السوريين مثقفيهم؟ هل تأثروا برؤاهم؟ هل وقفوا عند مطالعاتهم للأزمة في البلاد؟ الجواب وبجرأة: لا. العلاقة شبه مقطوعة».
انقسم المثقفون السوريون كما كل مكونات المجتمع - يضيف جود سعيد: «تراشق المثقفون بكل أنواع التهم ووصلوا حد الإلغاء والإقصاء؛ وطبعاً هم عاجزون عن تحريك حجر واحد في الشارع! فشيخ من هناك ومطرب من هنا أقدر على تحريك الجمع بكلمتين مباشرتين تداعبان حلمه بالنصر؛ فمن المثقفين من أدرك هذه المأساة واحتفظ لنفسه بنفسه؛ أو بقي يحاول في دائرته وظلّ أميناً لمشروعه غير العنفي حكماً، ومنهم من أفصح عن حبه للسلطة وانتقل مباشرة لممارسة بغاء السياسة بالمال الأسود ورمى كل روادعه الأخلاقية والمعرفية وتحوّل ميكافيلياً بامتياز». ويلفت سعيد إلى أن «هناك نقطة أخيرة يجب عدم إغفالها وهي أن كثيراً من المثقفين تم تحويلهم لسلع في نشرات الأخبار لتحمية الشوارع (مخاطبتها بما تريد أن تسمع) وشد عصبها".


عن جريدة السفير.





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

وجوه نزيه أبو عفش حول مائدة العشاء الأخير

16-حزيران-2018

سعد يكن: المايسترو

30-نيسان-2016

الوشم في مواجهة ذهنية التحريم الجسد العربي مكتوباً ومقروءاً

07-كانون الأول-2015

المثقفون السوريون.. أمراء حرب أم قادة ثورة

19-كانون الثاني-2015

.. الطلبة كبش فداء ورشة مسرحية سورية لم تبدأ بعد!!

19-كانون الثاني-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow