Alef Logo
يوميات
              

أفتح عيني كي أرى أمي

ماجدة سيدهم

خاص ألف

2015-03-21

الولوج إلى الداخل محفوف بمرتفعات اليقظة والوخز، لذا اعتدت تنسيق الأشياء كل يوم بشكل أقرب للنمطية ، أمام مغطس الغسيل أرقب حركة أصابعي وأنظف حفاضة الصغير ، الماء الساخن جيد للغرض هذا ،تلك الحفاضة تسرد تفاصيل لا نقوي علي احتمالها ، لها ذاكرة شرسة ، تواجهني ،لا أبالي، أو هكذا أتوهم ، سأهرب من مطاردة الذاكرة إلى الاهتمامات اليومية كيلا أتهاوى وأسقط فوق مرآة أمي ، أنزوي بعيدا عن صوتها بينما غفرانها المتلاحق يشك حلقى ، يلاحقني توسل خفي أحسه في سلامها ألا تغادر طفولتي صدرها، وأهرب أكثر إلى اهتماماتي الخاوية ، لا بأس من عاملة للمنزل تساعدني كل يوم ،" لا وقت لدي يا أمي .. لا وقت " ،شكرا لدعاء أمي فلدي كل الإمكانيات المريحة لكن الزحام يعيق مكانا لسيارتي، اترك صغيري لديها وحين عودتي من العمل غالبا ما أعود أيضا بوجبة غذاء شهية أو تعدها هي بتوابلها المميزة من أجلي " لا وقت يا أمي لدى.. لا وقت " ، سأهاتفك مساء اليوم، المناسبات الاجتماعية واجب ولا ينبغي التقصير فيه " لا وقت يا أمي لا وقت "، وأهرب من ذاكرة المواجهة ،الماء على يدي ساخن و المسحوق زلق ،سقطتُ و تهشمت مرآة أمي فأرطمت عيني بالتفاصيل ،هذه هي أمي ليس لها أيه إمكانيات لكنها تفرد العجين لتطعم جوعنا بخبز حنانها ،توقظنا كل صباح برائحة الحليب الطازج وتجدل بالترتيب ضفائرنا الستة ، توصينا باشتباك أيدينا عبور الطريق بتأن وأيضا في إجاباتنا ،البنات لا يرفعن أصواتهن ولا يكلمن غريبا في الطريق ، يخفين بالحياء عن أبيهن وأخيهن مواعيد دورتهن الشهرية ولا يبحن للغرباء بأسرار بيوتهن .

مرة افتعلت مرضا كي أرى ماتفعله هذه المرأة بعد توديعنا كل صباح ، الزمتني سريرها الذي لم نكن ننعم به إلاّ إذا مرضنا وتحسدني الباقيات " يابختك هاتنامي في سرير ماما " خرج جميعهم وأيضا عادت أمي لتوها من السوق ، برنامج ربات البيوت وموسيقاه المميزة تتيح لأشعة الشمس المرح في أرجاء البيت بينما على الشرفات المشمسة تتثاؤب أغطيتنا ،رائحة الطعام تنمو من مطبخها المرتب والبسيط ، لا تمتلك موقدا حديثا بينما بهار طنجرتها يثير بزوغ الحنين والشهية ، صوت الغسالة العادية يبعث الشعور بالإجهاد والمرارة ،وبلاط الأرض يفوح باللمعان ، ارقبها بعينين شبة مغمضتين كي لا يفتضح أمري وأسألها في سري : "ماما إنتي تعبانة ؟" تجفف حرارة الشمس ماء ملابسنا المغسولة ولا تنسى موعدها الأسبوعي لتتابع مدارسنا ، تحب جيرانها ويأتمنها على الأسرار ، مر الوقت وعاد كل شيء إلى مكانه ، لا أتذكر مرض لها أو تقصير أو قيلولة أو ضجر لكنها تحيك ملابس العيد وأيضا زفافنا ، تقطف من ربيع عمرها وتزرع ودرات في أثوابنا وبالفرح تزين كعكات العيد وحلوى أعراسنا ، تنسج قزح خيوطها بلوحات الكنافاة الحية بجدران البيت ، تحيك وتطرز قيامة الألوان بملاءات أسرتنا وهي تؤكد على تفوق أملها في نجاحاتنا كل عام ، تنهمك بكيّ ملابس أبي ولنا أيضا وتطمئن بترتيب حقائبنا بعدما تزيل بصمتها عن أحذيتنا ما تعلق من غبار ، وفى الأخير تسرد قصصها الجذابة وتؤكد لنا أن العذراء مريم أم حنون ، تمسد بيدها غطاء نومنا ، مازال على مسامعنا تتردد تلاوتها " انتبهن لبيوتكن وأزواجكن، تدبرن بحكمة عيشتكن "، غادرنا غرفتنا وخلفناها وحيدة ، يقولون هذه سنة الحياة ، ومازالت كل مساء تمسد بيديها أغطية أحلامنا على أسرة فارغة بينما عبر النافذة ترقب تجمعنا لديها كل عيد ، الطعام كما الأمس مازال ساخنا والماء بيدي ساخن ساخن يا أمي أحرق قلبي وأدمع عيني " كيف يا أمي فعلت كل هذا وكان لديك الوقت لتبتسمين " ..

تباعدت المسافات ولم ينقطع حبلك السرى، لكن سامحني يا أمي ظننتك لا تتعبين ولا تنهكين ما دمت بصمت لا تشتكين ، سامحيني يا أمي كم من مرات أقبلت إليك وتجاهلت توسلا بعينك أن أضمك ، أن أبقى دقائق أكثر فمازال الكلام بفمك مترددا وأتعجل أنا أمري " لا وقت لدي ..يا أمي.. لا وقت " فتتلمسين لي في كل مرة كل العذر وبالأمل تنتظرين الوقت القادم ، من شرفتك تلوحين لي ،تلحقني تمتماتك بالسلام ودمعات خجلى ترجوني الاّ أغيب ولم أسال عما يجول بقلبك وعما يحزنك أو يفرحك وعما تعتريك من خوف وفقد في كل الأيام الوحيدة " لا وقت لدي يا أمي.. لا وقت " الآن عرفت سرك ولماذا كل ربيع تقبلين منا الهدايا وأنت بالمرارة تجتهدي و تبتسمين ،هو ذاته اليوم الذي أوجعك فيه رحيل أمك ولازلت لحضنها تشاقين ، سامحيني يا أمي عن كل الوقت الذي خذلت فيه كل توقعاتك ، سامحيني يا أمي عن عطب قلبي وخشونة روحي حين كنت أملي عليك تعليمات الدواء والطعام ودونما سلام أنصرف ..فلا وقت لدي لأذهب معك في فسحة لم تبح رغبتك بها ، سامحيني حين كنت أنتهرك في خطوك واتعجلك حين تتعثرين، وحين واريتك عن الأصدقاء خجلا من رقة حالك وسذاجة سؤالك ، سامحيني يا أمي لم أطلعك بكل أخباري ونجاحاتي وأسفاري ومناسباتي وحين سؤالك عني أغضب " ماما سأكلمك لاحقا " ، سامحيني يا أمي الوقت الآن كله متاحا .. لكن هل من عالمك البعيد تسمعيني ...!سامحيني يا أمي .. سامحيني ..!



*قلبا مؤدبا هبني يا الله وروحا طيبة جدد في داخلي كي أعطي أمي كل الحب الذي أحببتني وكل الإهتمام الذي أوليتني ... ماما كل السنة وأنا أحبك أكثر ..!





تعليق



mmomiss

2016-07-06

I thought I should give it a shot!mmomiss http://weheartit.com/mmomiss

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الروح يمكنها أن تتألق في الصلاة أو البار أو عند المضاجعة 1/ 4

09-تشرين الثاني-2019

قد نرحل يا صديقي

22-كانون الأول-2018

نساء بلا حيض

09-حزيران-2018

انطلقت الشحرورة وما غرب الصباح

10-أيلول-2016

نصان

16-تموز-2016

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow