Alef Logo
ابداعات
              

نساء بلا حيض

ماجدة سيدهم

خاص ألف

2018-06-09

* سرنا أربعتـُنا، اثنتان خلف الأخريين ، أو قل دمعتان خلف ضحكتين ، كانت همهمات الرطوبة تخاصر حرارة المواسم المرهقة لنصبح تباعا مأوى لرقصاتِ الملح المسكوب في لزوجته ،لا بأس، هنا وسط المدينة والشارع الممتد معطر بالمشاوير، تبهرنا الفاترينات المولعة بالإثارة والمطرز فساتينها بدانتيلا عارضات اللدائن المشدودات ، الجسد المنزلق إلى فوهته ،القوام الصاعد إلى دعوته ودلال التمايل ما بين إيماءة المرمر وإغفاءة البوحِ .. تبوح ، وكل ما يلف بخصرهن جميل ومثير حتى وإن كان ورقا أسمنتيا وأجمل ما فيهن أنهن حافيات ، يبدو أنهن وحدهن من استطعن أن يحققن حلم الحريم العربي الذي أنهكنا ونزفنا فيه مشاويرَ من الثرثرة والمقاطعة والنضال ولم نبلغه بعد ، فسقطنا في حماقة الشعارات والشجب والإدانة ، غير أن الأمر هنا يبدو في غاية البساطة ، إذ تحررت كلية تلك اللدائن من كل عري بدءً من غطاء العقل وحتى أخمصه ، يا الله ما أيسره هذا التحرر، كنت أعلم أن كل منا وقفت تحلم بمثل هذا الجسد المذهل إلى حد التوحش حتى وإن كان جبسا - الجسد الأول للأنثى - بعد أن تلطخت خريطتنا وتشوهت بفعل عوامل التعرية والتغطية معا فضلا عن ما تجاوزته حِميات الرشاقة حدود الامتلاء والتفريغ المتوالي ..
فجأة وبينما كنا نسير توقفت منا ابنة آشور، المدعوة ملوية ( معبد أثري بالعراق - كنا ننادي بعضنا برموز ومدن بلادنا ) وسقطت لتوها في ضحك خفيض، وبعمق سحيق كمن هوى عليها بغتة مس من برق شيطاني ،هذا الشيطان مخترع البهجة في أوانها ،عاشق المرح في الأماكن التي ندعوها محرمة ومغلقة وممنوعة ليثير حضوره تميزا ودهشة مغرية ، يضفى على العتمة زهوا وبريقا لا ينطق به و لا تقو عليه حشود الآلهة المتراكمة على نوافذ الفتنة و الجمال ،هكذا يفعل غير المعقول في المكان المعقول ويمارس اللائق في الوقت غير الملائم ،كمن تنتابه موجة ضحك مثلا أثناء صلاة عزاء ، تـُرى هل في هذا يكمن سر رونقه وسحر جاذبيته ومنطقه المدهش .. ربما...! وربما أشياء أخرى كثيرة ..!
نعود لملوية وقد إنحشر فيها اللسان لفرط الضحك فتدحرج عن رئتيها هواء الشهيق المتلعثم في زفيره ،وقد أحالها إلى ضحكة جنية ، وما كدنا نلتفت إليها نستطلع ما أصابها حتى أخذت عدوى الضحك مستقرا إلى ثلاثتنا ، كيليوبترا ،غدا مس والحمصية أما صديقتنا أم درمان لزمت مرضها ..
رحنا نبحث في تلا فيف الفراغ الحميم عن ساتر يلفنا عن أعين المارة بعد أن تحولنا إلى كتله منبعجة و مرتعشة لفرط الضحك وقد بلل الارتباك سراويل حشمتنا ، تواءمت لنا حشرجات الصوت ، تداخلنا في بعضنا ،نرمم آثار حرج تهدل عن أنوفنا ، تماسكت قليلا الغدامسية فينا ،وبصوت عصره ضحك مكتوم : يا بنات سنفتضح حتما ،انتبهن ، نحن وسط الشارع والمارة يرمقوننا بدهشة وتقزز..
جاهدت (ملوية ) نفسها قليلا : فقط ..أود أن ..أسأل...إلى... أين ..نحن ذاهبات..؟..ولماذ ا.. ولماذا ، وما أن أنهت مخرج جملتها بتعثر شديد حتى انتبهنا فجأة وتبادلنا معا النظرات : حقا من قذف بنا إلى هنا وكيف سرنا هذا المشوار وماذا نريد ..؟ فأصابتنا حصبة الضحك المتراكم ..

بتهكم : العفاريت بنات الجنية ..أولاد السحلية ..هي التي خطفتنا رغما منا .. حلقت بنا فوق أسقف طناجرنا ..على جناحها الأبيض والمكسور وألقت بنا..وفجأة وجدنا أنفسنا هنا في قلب خريطة هذا التشابك المريع من سحر الموديلات والفاترينات
بينما تجفف عن زوايا عينيها مرح لدموع سألت : أمكسور جناحها العفاريت أيضا مثل سائر الحريم ..
- فقط حريم العفاريت الناطقة بالخرس الاورجوانى والمتحدثة شبقا بلغة الغائب وتدين بكفرنا ..

- خراب لكن يا بنات...نذرع الشارع والتاريخ منذ وقت- وفقط تذكرتن الآن فقط لماذا وأين ومتى جئن للتسوق هنا .! ألم تتوسلن لي ومنذ وقت مناهضات إلى الخروج معا للتبضع ..؟
- ألست الغدامسية فينا صاحبة الوطن وتعرفينه عنا أما نحن فغرباء أقصد لقطاء ..
- مثلكن غريبة أيضا في وطني .. هيا هيا استقمن الآن ، الضحك هكذا يعيبنا ..
** تجلدنا ،اعتدلت انبعاجات قاماتنا ،هندمنا كشكشة هندامنا وجففنا آثار موت ساخر مبلول بأصابعنا ،تنحنحنا تأهيلا لرغاوى الكلام المعتقد انه مهم وجاد ..

- بنات عن حق لسنا في حاجة للشراء أو الاقتناء.. ولسنا في عجلة من شيء قالت وهي تتنفس التأني : قدر حاجتنا للهرب الطاهر والتسكع الشريف ومراوغة الأسعار المرتفعة والواطئة ، والتلصص على عورات الموضة المحتشمة.. وبمكر لطيف وذي مغزى غمزت بطرف عينها وأضافت : ونسترق النظر على الأرصفة هنا وهناك ونقارن فيما هو أجود وأفضل. .في الخامات طبعا ..؟ !
- حقا نفهمك حق الفهم ولا نشك بسوء النية في براءتك إطلاقا ... قلن بتما كر
- ياهوووو أنظرن يا بنات بتمهل دون لفت النظر –يمينكن – قامة ورشاقة ما كل هذا الجمال ، اللعنة على خاماتنا من جوخ وصوف ووبر ،أما الطيف هذا فمن حرير وعقيق وعطر

- اسمعن يا بنات - هذه فرصتنا الثرية .. فلنقتنصها.. من سنوات لم نخرج بمفردنا وعلينا أن نستمتع بها حتى نهاية الممنوع ، المتعة الآن لنا هي في الانطلاق .والانحراف عن كل خطوط الطول والعرض والحمراء والسوداء ، اليوم لنا للركض بلا هدف بلا قيد أو التزام ، ما رأيكن الآن لو اختبرنا حلمنا الذي طالما اشتهيناه في أحاديثنا معا ..أن نبوح ، نختبر أن نكون نحن ولسنا ما نحن عليه..؟ ،وبانفراج حالم وقد أخذت ملامحها بعضا من الجدية المشوبة بعذوبة أنثى مناضلة تابعت : نكون وحدنا.. نفرغ أذهاننا ونلقي أثقالنا ونكون عرايا من طعم الانحدار ونكهة الأوهام ..بلا شوارب الفلفل البارد..وتوابل الإنهاك الحار..بعيدا عن ملح الحزن المبكر ومنظفات الجرح المتقيح و...
انتبهنا : كفاك ، خطيئة لك. أنت تقذفين بنا ثانية إلى المطابخ وخزانة الحبوب والبهار ..
- يا له من انحراف مجيد.. فهذا إثمي الأول ، اختراق حماقة الطاعة والانحناء المكروه ، بلا زحام أو تلصص بلا ماكياج أو نقود أو مسكنات .. يا لها من متعة
- بلا خطايا ولا اعتراف ، بلا التزام أو بخور .. نعم نعم لنختبر البوح .. يالها من متعة
ساخرة : اللعنة لنا ..إذا نحن الآن نسوان كجوال ،حليقات الحزن ..عاريات الظهر..بلا أقراط بلا عري ،بلا غش أو صلوات..خالي فمنا من مرارة اللحم النيئ ..وطعم الأسف لنا هو رماد الأعياد - هكذا يا بنات سنخسر الوعد بالجنة
بتحفز واحد : ولا نريده ، الى الجحيم كل الوعود وكل الفراديس و كل الأنبياء وكل الأمهات
-أنا نبية
- وأنا أم الأنبياء
-انا حمصية
- وهل هذا الدين الحمصي جيد ..
- لا بأس منه .. فهو يسمح للنساء بتناول الفطور والفستق والإنجاب والاهتمام بكل أعباء الحياة الشاقة بلا كلل أو شكوى أو تضرر فهو يحيلك من أنثى مفعمة إلى سيدة ضالة
بدهشة وإعجاب ساخر : اللعنة كل الأديان تقود إلى الموت الواحد والتي تؤمن بخروج الأنثى من دائرة الأيمان لتهتدي طريق جحيم النساء العذراوات ..

توددت إحدانا واقتربت كأنها تطلعنا على خبرٍ دسم : أتعلمن يا بنات.. مـَن يحيا مثل قهرنا ويصمت ملء موتنا لن يرَى النعيم الأخير.. يعني الخسارة متكاملة ومتقنة
بادرنا متتاليات: وما أروعها خسارة ،احتراق في الأسفل ينتظر، واشتعال في الأعلى ينادى .
-أظن نوايانا كلها منحرفة أقصد مستقيمة جدا ..
بدهشة مندفعة :وهل في الجحيم سنرى الشيطان ..!
بثقة : sure.. و يا لها أيضا من مفاجأة مدهشة ألسنا يا بنات نستحقها حقا ...؟
بتهافت خبيث : طبعا طبعا نحن دائما في تلاوة ذكره، نستعيذ مه احيانا و نلعنه و ننتهره مع مطلع كل صبح وكل وجع ومع كل دخول إلى أي عتبات حتى دورات المياه نستعيذ منه دون مبرر
- وأحيانا نستعين به كما في دخول العروس لفراشها الاول ..
- لاشك انه مذهل الخارقة فلا ننكر أن نباتات النضج المستحيل يزرعها هو ونقول أنها نبت شيطاني .. ومتى دللنا أطفالنا نلحقهم بالشياطين والفكرة المدهشة ننعتها بالجهنمية، والسحر والاختراق و الجمال والإبداع وكل ما هو مميز حتى الشعوذة تنسب له ..ما أحلاه سرد ..؟ بلا شك انه سيمتن لنا جدا ..
لكن الشيطان أول من تمرد وقال لا قرأت هذا مرة لذا في الأغلب لن يقبلنا وقد تورمت فينا الطاعة
. - بنات ..انتبهن لحظة .. ماذا لو صارت المفاجأة الساحقة في الأعلى ووجدنا في الأخير أن الله هو الشيطان ..
اندفعت مهللة : ما ألعنك يا ابنة الطين والنار.. ما أروع شيطانك ، ياللروعة الأمر وما أثراها surprise ، هكذا أصبح الأمر أكثر إثارة وفاعلية ، أغلب الظن أننا سنعشقه بحرية وبلا رشوة أو رياء أو طقوس ومراسم .، وأخير سنتعرف على هذا الساحر الوسيم
- اقسم بالله حينها سألتزم بديني بحرية وبعشق سرمدي لا بداية له ولا منتهى ، وأخيرا يا حريم سنعرف كيف نصلي وسنفهم لماذا دونما قيد أو ثرثرة ،كم هي جهنمية تلك الفكرة ..
في تردد غير واثق قالت : أعتقد يا بنات أن حوارنا هذا بداية التخريف والانزلاق في المحظور وفيما لا يجوز ..
أخري : أحتى التخريف أيضا أصبح مسيجا ومحظور ...!
وأخرى : لا شأن لك إذن معنا واعتقدي كما تشائين أغلقي أذنيك ولتستقر عتمة أصابعك في مسامعك ، لكن بشأن الله لا تقلقي ، فهو لا يمتلك مثل عقلنا الأخرق ولا أفكارنا البلهاء ، أغلب الظن أنه يتلصص علينا الآن و يمتعه هذا ويثير بهجته جدا بل سيبادر باحترامنا وإجلاله لنا لأول مرة ....
- اجل ، بل وقد يبارك هذا الخرق والانحراف، ألستن معي في ذلك يا بنات ..؟ إنها لحظة النور التي ينتظرها منا منذ دهر مضى بعد أن كاد يصدق فينا خرسا أبديا ،كم يمقت رياءنا ،وكم يسعده هراؤنا كم يشتهي حوارا صادقا منذ أحدث شقا في وجوهنا وصنع صوتا ،هذا الفم الذي بات لا يمارس غير آثام الصمت القويم وحين يتفوه يـُحدث تلعثما مشوها أو تشدقا عقيما ..مسكين أنت يا الله..
- آن الآن أن ننطق ، نبوح ..نصرخ ..نخالف مرة.. نخترق مرة ، ونختبر مرة مذاق الرفض وطعم الملح ..انظرن يا بنات إلى الأعلى ..أراه طيبا.. باسما.. يصفق لحس جديد منا يخترق السماء
- يبدو أن الرفض كان بوابة الخلق الأولى لذا داهمته الفكرة الملتهبة باتساق عجيب ، أليس و منذ البدء أيضا رفض الصمت و الانصياع لذا شطر كتلة السواد واخترع كل التفاصيل المروعة وكانت الأنثى – لذ اعتقد أنه صفق لنفسه ورقص وصاح مهللا هذا هو الأحسن
- إذا الرفض كان مشتركا بين الله والشيطان وربما هما وجهان لصرخة واحدة
- يكفي هذا يا بنات ، هيا الآن ..لا ضرورة من هدر فرصتنا في الثرثرة دون جدوى والتنقل ما بين المحلات لمجرد التسكع ..ماذا لو ذهبنا إلى مكان ما- مقهى مثلا نحتسى معا مشروبا ما أو نتناول حلوى الثلج ..
- مهلا مهلا ..لا يجوز هنا أن تجلس نساء في مكان عام ويشربن حتى ريقهن أو يتقيأن بوحهن ..
-عجبا ، بينما من مكملات وصايا الجرذان أن نتجرع خمر الحموضة في بارات الساحات القزمة. .لكن يبدو علينا الاّ نتجشأ حتى بالامتعاض ..عجبا من أمرها أوطان تلحق بنزفنا أينما حللنا ..
- ذيل الكلام أنه لا يوجد هنا ما تشتهين ، هيا.. هيا نسير على متكأ تعثرنا
- وهل هناك ما يمنع السير على ساحل الله إذا ..؟
- أ جنت هذه المرأة أم تجلط الفهم في بقايا عقلها ..؟ اخبروها يا بنات وكأنها هبطت علينا مستجدة من بلاد الفرنجة
وضعت أحدانا يدها على كتف رفيقتها تهمس لها بسخرية :سأخبرك أنا يا فتاة ، ساحل الله يتنزههُ الله ..أما نحن يا أنثى.. نسير على الحبل دون قطعه ..نجوس العجين ولا نجعده ..نسير ونتغرب مقلوبا
وعكسا كي يصبح الأمر كله محبوبا ولائقا وصراطا مشدودا.. أما ساحل الله وحدائقه ومتنزهاته وحتى أزقته ومقاهيه وخطاياه فهيهات يا فتاتي هيهات ، كل هذه وأكثر صُنف من أجل الرجال فقط و أيضا لبعض النساء اللواتي ( باقتضاب ساخر بصقت داخل صدرها ) اللهم احفظنا اللهم احفظنا...!! ..
- احلمي إذا بطول قامتك وأقل بكثير.. وليتك عن الحلم تنصرفين ..يكفينا هنا صفعة عيشنا وصدمة الحياة بكاملها ..
بألم قالت : لكن الحياة لم تصفعنا..، فقط نحن من كن غبيات وحمقا وات ، لم نختر.. لم نفهم ..لم نعترض.. لم نتذوق ولم نخطئ لذا لم ينضج الحب فينا بعد ..نحن خلاصة طفح الأقدار المعصومة من الجدل وبنات أمهاتنا المشوهات ذوات الفم المختون ووشم التنهد على الوسائد المبتلة فراغا.. على حصير التقاعد علمنا الطائر الكسيح لغة القيء وكيف نحلق ليس لأبعد من سقف حذائنا – بينما صوب إلى ربيعنا نصل موسي برؤيا العين الفزعة ورحنا بالخرس نتلو خلف دراويشنا تباعا أن الحب إثما وضلالة حتى وإن كان حلما ..
.
- انتهى الأمر كله يا بنات - وكفاكن بؤسا ، فلم يعد لدينا أي متسع لغير الغصة ، ويا للأسف ما ورثناه من أقصي طموح لنا ادركناه فيما بعد أنه كان وهما كبيرا .
-. بصقا على تمائم كل الأمهات البوم ..
- بل بصقا علينا نحن الغبيات ..حافظات عفن اللغو
- سؤال لنا ، أين نحن من كل هذه الحياة الممتدة الروافد والنبوءات .. ما ذا نعرف.. وماذا اتقن ..ماذا تعلمنا .. وماذا نضيف ..من أنا ومن أنت ولماذا نكسر كل المرايا الآن ....؟
- كفاكن ثرثرة ، لم يعد يجدي الأمر بعد هذا العمر .. و هيا الوقت منا ينكمش ..
صار صمت ..
* سرنا أربعتنا حلمان خلف ضحكتين ، تشابك فينا الحنين المتدفق من بلل أصابعنا ، تذكرنا يوم أن تدفقنا على التوالي من جعبة الاغتراب ، بعد أن خلفت كل منا حنينا ،حلما ،.حبا ..صورا ،طرقات ، نبضات ،وعودا وقصاصات وتوقعات جمعيها أهدر وخذل من أجل بضعة قروش ، ومن أنين الساعات مر الكثير ، وكل ما ادخرناه من عطش لا يكفى لسد جوع تجرعناه وعمر تسرب خلسة منا ، تسلل كلص غيمة دون أية ذكرى لعشب ملون أو لوعد أخضر.. بحثنا عنه ، توسلناه ، لكنه الآن لم يتعرف على تجاعيدنا

- العمر كالفأر يمرق في لحظة عين
-الفأر نستطيع القنص والإيقاع به ..فسبحانها تلك الورقة اللزجة ،هذا الاختراع السحري.. ليتها تصلح مع الزمنِ والعمر الفار منا ، أتخيل لو أعددت لنفسي مفاجأة فأضع إحدى تلك الورقات اللاصقة خلسة منى بجوار مرقدي الأعزل - وفى الصباح الباكر تفاجئني وقد التصق بها عشرون سنة مضت. .
-ما سحر تجليكن هذا النهار..! فما أروع استحلاب المرح من ثدي الزمن الضامر ..
- قلب الزمن من رصاص أشعث ، وريشته العرجاء مصابة بالعمى ، تصنع القبح بأصابع لا تخطئ ، وحلقه يبتلع غض الأحلام والشباب والقهقهات والرقصات.. لا يكل ولا يشيخ ولا ينتابه دورات نحر الحليب ..
- للأسف نحن من يكل و يُجرح ويُؤسف عليه ، نحن من يُختزل وتره .. ومرحه.. وموته .. ويُخذل في صميم عشقه ويتهاوى حزنه في بقايا جسده ..وبلا مأوى يـُلقى بنا على قارعة شمس تجيد فن الاشتعال حيث تجف أيامنا دون نتوء يتذكرنا ..
.

- ما الذي اعترانا يا بنات ، قبل الحين كنا نضحك ، الآن بتنا على مرأى من تضامن الأسى الحريمي ..
* تقاربنا ،بلطف تحسسنا بحيرات الوجع القديم فتعانقت فينا شطوط الانتظار الدافق بفعل لمس الوجع ، تكشف عن تجاعيد كل الرغبة وكل الإمكانية، ودموع لنا متأهبة للانطلاق .. بل وأخذت مسربها بتمكن وهدوء ..
* كانت دائما الألفة مسامرتنا ، نقطُن أربعتنا (ملوية –حمص- كيلو بترا - أم ردمان)ذات البناية لدى الغدامسية ( الخامسة ) والتي تقاسمنا ذات الحلم وتشاطرنا أنين التطلع ، صار افتقادنا يجتمع كل عشية على طقس الشاي الدرناوى ( درنة مدينة ليبية ساحلية خلابة ) المعطر بالنعناع الضاحك تارة ,والتفاح المطارد تارة والزهر الآسر وعنفوان البرقدوش في كاسات أخرى، خبز التنور لصيق فحم عطشنا ،عشيق بياض حليبنا ، كانت لديها نكهة مميزة في اجتذاب ملامح ارتعاشه بمحاولاتنا للتماسك ، واحتواء خوفا لدينا وقلقا ما يقفز من بؤبؤ صمتنا.. حيث رحيق الحزن مزاوج جل الضحكات ..
* رحنا نتابع تسوقنا ، نخرج من محل ونلج آخر، نجذب هذا وبلا هدف ننتقي آخر - نقيس ونجرب ونتخيل ونجذب آخر تلو الآخر، اقتربت إحدانا ووقفت أمام عرض للملابس الداخلية علق بمهارة حاذق على الجسد الأبيض البلاستيكي ، تمعنته جيدا وابتسمت ..مرت بأصابعها كمن تلوح مودعة وتحسست المشد الصدري : يا عيني ما أروعك.. .! ..
.
بهمس اقتربت إحدانا منها : أتشترينه ..؟!
ضحكت : لا، مكانه هنا أفضل بكثير ليحتفظ برسالته النبيلة والشهيدة على ضريح الحياة ..
التفتنا وقد لفت انتباهنا عروض الملابس الداخلية النسائية المثيرة - تركنا ما كان بأيدينا وبهدوء تقاربنا من حوارهما الهامس ، أغلب الظن انه يتعلق بأمر مثير يخص تلك القطعة المبعوثة حية على صليب الجسد البلاستيكي المشنوق هذا ، و حول طاولة عريضة للملابس الداخلية الحريرية كان هناك اتفاق ضمني بيننا على اقتناص مساحة البوح والمرح ، تبادلنا فيما دهشتنا تلك القطع الرقيقة التي تكاد لا تكون أكثر من خيط واحد مفكوك ، كأننا أمام متسع ٍ تلخصت خريطته في خط واحد فقط هو خط العمق وما بين الضحك المرقع بالتماكر اللطيف تناثرت القطع أو المعزوفات المتصاعد رنينها ما بين أحمرات وأصفرات ...ألوانات ..ساتانات ..دانتيلات..ذات الثقب والمثقوب على نفسه.. والمسكوب على آخره.. الجريء منها والخجول. الآثم منها والمغفور له .. شفافات..فيونكات وI love you ، here ، naw ،و جميعها تفضي إلى التسبيح بحمد النبي المنتظر وفارس الخرافة ، وسبحان من طرز من شرنقة القز كل هذا الابتهال والمغفرة لنسير فيه دربا من الاختراق والجنون، نمحى فيه آثام الخيط الواحد الأحد ، هذا الخيط العائق دون الوضوء كل حين .. وغرقنا في موجات مختنقة من ضحك متلاحق كادت تسقطنا أرضا ، تشبثنا بأعمدة الأرفف وطاولات العرض نجاهد وقوفنا ليس حفاظا على الشكل العام بل لاختلاس مساحة للتنفس ..
أمسكت بإحدى قطع المايوه الحريرية و قبلته ثم تفحصته جيدا : كيف يلبس هذا يا بنات ..!
- هذا ليس لنا، نسج فقط من أجل النسوان ..هل أنت نسوان ..؟
- يا ألله على الجمال وما أدهاك أيها الخيط الواحد الأحد لتمتلك كل تلك القدرة الساحرة لسرد تاريخ الخلق في لحظة جحيمية ، تسرد فيها تفاصيل وحكايات وأساطير لا تكف عن المزايدة والبداية من جديد ..
كانت تغالب ضحكها : أشك أنها ملابس داخلية بهذا النحول لكنها في الأغلب مقتطفات ..
- حقا كم أثبت هذا المقاس الحريري المختصر أن خير الصراخ ما تقلص منه ودل وأرشد ..
تماكرت : اللعنة عليك - على أي أمر بالضبط تلمزين ...! ..
قالت ساخرة وهي تتحسس القطع المتناثرة: إلى ذاك الطريق الذي يصعد بنا إلى أعلى سماوات جبال الروح ويهبط بوميضنا إلى أسافل الجحيم
- لن اخرج معكن ثانية، أنتن بالفعل متجاوزات .. متجاوزات ..
- أووه ..أغضبت إذا يا معقل حكمة الحريم..؟! كل الحق لك.. ومن تلال فراغ رؤوسنا نعتذر لك ، هلم نقبل رأسها المعقم يا بنات ..وتفاقم الضحك فينا إلى حد الشره
- أما إن رغبت العودة فلن تجدي بالبناية غير عزلة صديقتنا "أم درمان " تغتسل المسكينة بحناء الصندل والبخور في طاعة العارف بأمر فحولتة ليفتخر كل مرة بنزيف فك خيوط حجاب تناسلها العتيد ...
- تعسة أم درمان تعاني كثيرا إثر كل عملية تضييق ولا تقو على فتح فاها
* انزلق الحوار منا في مسرب هستيري بفعل الضحك المتداخل في اختناقه ، ومازلنا داخل ذات المحل
-ما كل هذا الحرمان يا بنات ، هل تشترون مثل هذه الملابس ..الأندروير..؟!
تصحح لتوها أخرى لنا بينما راحت تغالب ضحكها بضغط مخذول : وار war وليست وير wear فهي معركة فاصلة بين قوات الصبر والشريك البطيخ أي الرقى أي الدلاع ..
- لكن أولادنا صاروا كبارا ..
- هذا على اعتبار أن الأمور فبلا كانت عطرة ..
-أبدا..
- -عن نفسي.. أحب شراء وارتداء هذه الملابس من أجلي أنا ..إن لبدنك عليك حق بدنك هذا وأين هذا الحق ..؟ أنت تخادعين نفسك ، أخذ صوتها منحى السخرية والتهكم وتابعت : ثم ما الفائدة يا أنثى من ارتداء كل هذا السحر وهذا الكلام المباح تحت دكنة رداء الخرافة هذا والذي رصعنا غباره فوق اجسادنا طقسا قميئا ، راحت تواصل سردها بينما كادت تتلعثم في ضحكها : و..و.. ثم كل هذا الحرير والنعومة من أجل.. رجل .. واحد فقط . يا له من ظلم بين وإثم لا محل له من الغفران .. تعالت حدة الضحك
- يا بنات نحن في محل وبات مظهرنا لا يليق ..
- الم تسمعينها كيف تبوح وتتجاوز..!
- لا شك أنه اقتراح جيد منها ، لكن بالحق خسارة فادحة أن يختفي سحر تلك القطع المذهلة تحت تلال السواد الذي نرتديه وعلينا نقترح هل نخرج بهذا الأندر على مسطحات الملأ أم نرتديه أعلى همومنا الغبراء ، أم نرفعه شعارا " هنا كانت تقطن أنثي مثلا أو نموت نموت ويحيا الأندر أو بالروح والدم نفديك يا أندر على سبيل المثال "
- أحلم بشيء ..
- فضفضي يا امرأة مشكوك في موتها فهو يوم الفضفضة القاتل
- أحلم بانمحاء القانون والدين معا .فقط لمدة نص ساعة ..
بدهشة ساخرة : أووو ..وهل هناك قانون أودين ولا نعلم بهما..!
- اللعنة عليك لا تقاطعينها.. توجهت أحدانا متحفزة : أكملي وتابعي يا أختاه وشقيقة البؤس المزدهر ، نضمن لك انمحاء الأثنين وإلى المنتهى ،لكن ماذا ستفعلين وتخترعين إضافة لموتنا.. ؟
- سأنطلق عارية،
كدنا لفرط سخرية المفاجأة والاختناق نتهاوى وفي تلعثم واحد :عارية ..! وهل ظننت أن ما نحمله فوق أكتافنا من عقم هذا السرد يعنى أننا نرتدي ، الأمر ليس أكثر من خيبة هوت على زماننا من فوضى الظلمة ، جثمت فوق رؤوسنا وأرواحنا وكشفتنا بالكلية اننا حقا عراة ..
- ليت الكارثة في هذا الجسد الملغم والمفعم عتمة فقط ، بل في ضمور المسمى عقلا
- العقل الضامر والجسد الملغم وجهان لرؤية واحدة تكمن في انعدامها ..أنه لا رؤيا .. لذا بتنا تماما عراة ، من العري نحن عرايا.. من الرداء نحن عرايا.. من الحزن.. من الحلم.. من الإحساس بالأمان عرايا.. من أسمائنا عرايا، من الطعم الذي لا نخطئ نكهته ورائحة الترقب الأكيد من الموت نحن عرايا ..
- عرايا من الحيض، من المطر واللمسة المختلفة ،من لحظة الانتباه لتستقيم غفواتنا ، عرايا من إصبع يشير لنا بالوثوب فنعتلى مسارحنا ونرقص.. من صفير الريح في أرحامنا، من مصافحة الاختطاف إلى أبعد زوايا الجنون، عرايا من شعلة المفاجأة التي تفهمها وسائدنا، عرايا من لغة النطق وهجاء الرفض، عرايا بثقل غطاء الفهم وطعن كل ما يخالف، عرايا من نسيم الستائر وشفافية الجوارب الحريرية وهدهدة أربطة الخصر وقلائد التبغ المعتق بالأعناق ،عرايا من حلوى الضحك المعصور على شفاهنا، عرايا من تلاوات العشق وصلوات اكتمال القمر، عرايا من نغم الوجد في أعيننا ينادى شتى الحيوات فيلبى له العواء ،عرايا عرايا ..
- كفاكن.. كفاكن هذيا ،أنتن بهذا تسكبن جذور الوخز في عري أرواحنا وتزايدن أيضا بآلامنا المنكفئة مزايدة غير عادلة

همست : أتصدقونني ..ما أحببت قبلا ..
- وماذا يعني هذا أيضا ..؟
بتهكم أزاح من حده أسى نال منـاّ فأوضحت إحدانا : هذا ..هذا .. يعنى بطيخ
- اللعنة علي يومكن ..انتن مثيرات للحزن الناهض بسردنا الأخرق.. ورغم ذلك.. أراني أتفوق عليكن ..تنحنحت : أنتن بطيخ أما أنا فبرقوق
شاركتنا الثالثة وكاد يسقطها قصف السخرية : الخيبةُ لكن ، أنا أمتاز عنكن كثيرا جدا، أنا ..أنا ..مانجو..
*علت موجات الضحك بلا توقف، كلا ّ أنه إعصار يطيح بكل حروف الالتزام والوقار، التصقنا برابعتنا والتي تعمدت أن لا تتورط أكثر معنا ربما لأنها من أهل المدينة ويعرفها البعض ، مقاومة بشدة بوح ضحكنا ،وهمسنا بالاقتراب منها : وأنت أيها الجميل المتعالي -أين موقعك في علبة الكومبوت المشكلة هذه أأحببتِ يوما أم أيضا مثلنا بطيخ ..؟!
أجابت وقد تظاهرت بالجدية : أرجوكن لا تقتربن مني ،ولا تنسين أننا في مكان عام- وبتنا محط أنظار واشمئزاز كل النسوة المارات بنا ، وعلى كل حال أنا بالتحديد بالتحديد ..ملوخية
- يا له من نهار مأساوي يومض بكل الألوان التركوازية الضاربة إلى الأسود المضيء ،حالة عزيزتنا شأن أوطاننا ، بل ومقطوع منها كل خبايا الرجاء
تجاهلنا نظرات وسباب بعضهن أننا غير مصونات
قالت إحدانا : لأمر محسوم يا بنات ..من ارتدى قبلا قد ارتدى وقضى الأمر، فعلى أي شيء نثرثر ونجادل الآن .. وهل جل مأساتنا في تلك الملابس الحريرية الصغيرة ..! ثم يا بنات ماذا يعيب في ما نرتديه الآن ..؟ وهل ثمة قيمة أن نفكر أو نحلم أو نموت حتى..! لا أحد يحس بنا ، تساوت الأمور جميعها ما دامنا بلا نبض ، ثم لا بأس على ما آلت اليه أمورنا الآن .. نظرنا إليها و اكتفينا بسخرية عدم التعقيب .. .
**مرت اللحظات في طول عمر مضي كسيحا ، وما اختلسناه من مرح ليس أكثر من مقاومة المواجهة العنيفة مع جروحنا .. مع تراث عسف بمواسم الاخضرار قبل أن تنبئ بالازدهار ، مواجهة هي أشبه بسوط مضفور بالقسوة والشراسة ، بلا هوادة يركض خلف جوعنا - يعرف أين تقطن منابع القيح ، يلاحق أقدمنا أن لا تخطو ثانية دون أن ينزع عن أعيننا أجفان كُحلت بالارتخاء - ويبث جام الضوء في براثن الموت كي يحيي اله َالغضبِ الضامر . لكنها حتما المواجهة ، ولفرط المعاناة المهملة خُذلت وتوارت في تلا فيف تراث أمهاتنا عن الاختباء المعصوم والجناح المبتور
تهدل صوتها ، وبدا بلل لامع في مساحة الرؤية : أبوح لكن وجعا وأسفا : كم أتوق وكم أتمنى في سر قلبي . وكم أحلم وأنتظر كل حنين، بملء أيامي الهاربة وزمني اليابس.. بمن يأتي في غفلة ومن قبري يقيم موتي .. يحضنني. .وإلى صدره يضمني بشدة وبين ذراعيه يحيلني عصيرا
صمت ساد بيننا .. تسلل الحزن مداعبا سرا قويا لنا و اعترفنا تباعا: و لست وحدك فما أحوجنا لمن يحينا من موتنا ..
- بادرت : كفاكن ليتنا يا بنات ما نقترب من مواجعنا بهذه القسوة ،نحن لا نحتمل ..
- وانا أيضا أحلم وأتحرق انتظارا بأن يأتي من يعرفني وسط هذا الخراب ويسأل عنى.. باسمي يناديني ..يلمس أحلامي .. يدرك صوتي واختزالي، يرفع عنى عناء وحدة لا تنقرض ، اكتشف معه أين يفيض مسرب الضوء ، يعيد لي اليقين أني أنا ولست غيري وأكتشف لأول مرة جسدي
- لكن.. لكن.. أليس في الأمر من خيانة ...؟
بحدة : أي خيانة .. كفانا تعاسة واختباء ، لنتصارح يا بنات مرة ولنمزق الأقنعة ، دعينا من وهم المأثورات المتورمة قيحا والتي لا يحتملها ولا يقتنع بها حتى عقل نملة سوداء، تلك الأقاويل التي أودت بحياتنا وأيامنا إلى كل هذا الانحدار المتتالي من الأسى ، ما نتنفسه ونعيشه الآن هو حقا فعل الخيانة من مصدرها الصخري العتيق
-أؤيدك ومعك كل الحق ، ثم أن الخيانة يا آنسة.. ألست آنسة أيضا على ما أعتقد أم خانني الظن ..!!
-- شأني مثلكن جميعا، رغم أبنائي الثلاثة.. ما زلت بكرا
- حتى وإن أنجبنا خيرة القوم وشيوخ القبيلة وابتكرنا في ذلك سلالات المعجزة سنظل أيضا عذراوات ما دمنا نعيش صحراء العقم
- ما أمر وأسهل من هتك الجسد وصلبه عاريا من كل طهارة - تحت ناموس الأحجية وفوهة التهديدات التي لشريعة طاعة العيب ، لذا كان من المستحيل أن نهب أرواحنا لمن لم يبحث عن نصفه الأنثوي فينا ، يؤمن بنا ، يلتحم بكياننا فيبعث فينا الإنسان ..
- إذا يا حريم الخيانة تجوز على الأحياء وليس على أموات مثلنا ..
- يقينا نحن نخون أنفسنا وهذه أتعس الكبائر، بواخزات الصمت .. نخون ، بألاعيب البوح المتواتر مع غفلته ..نخون ، بمغادرة طعم المرح عن أعناقنا ..نخون ، بالصلب فوق لحدنا بحجه أننا قربان الإله الصغير والكبير أيضا ..نخون، متى سقط خمر اللهفة عن بريق مواسم الحنين وهربت عن ضفائرنا جدائل العطر المختلف. .نخون، متى فقدت أصابعنا ملمس التشابك الحميم والعزف على وتر الشطر الأجمل .. نخون ، ونخون ما لم ينتعش جوعنا رقصا تحت موسيقى المطر، متى هرب عن إنصاتنا قزح الرائحة النامي على حرف الركض لينتشي ويتوهج صراخنا هناك أيضا .. نخون وألف مرة نخون، عندما تتحول حروفنا إلى أرقام و يتبدل شغف المواعيد إلى التزامات غاشة.. نخون، متى صار البكاء وشم على صدر الأجنة .. نخون و فرغت عبادتنا وقصائدنا من الخشوع لجموح العطر وصرخة الرياح و انقلابات المواسم ..نخون، متى أرضعنا صغارنا عث ما تجرعناه...وسقيناهم أن الحب وجه آخر للإثم وأن الخفاء لا يراه الله فلنفعل إذا كل الشرور أيضا هنا نخون ونخون ..
-أكملت بوجع : نعم جميعنا خائنات .. يوم سمرنا وجودنا على خشبة زيف التضحيات وأهدرنا عمرنا كذبا ، وأنفاقنا جل أيامنا في الطريق المصمت ، يوم امتثلنا الخوف والانصياع تحت وطأة صدأ الأقدار الصبورة ورحنا نتقن خداع حقيقتنا كي نتوسم مكافآت الأيام الوهمية- وتراجعنا كثيرا في مواجهة وتصحيح ايامنا ،لذا كانت الخيانة خطيئة مع أنفسنا وأطفالنا و الحياة و الطبيعة بأسرها بل خيانة خنا الله ذاته، ويا لفداحة الخبر.. أنه من فضائل الخيبة أن أحدا لا يشعر بنا ولا يعي معنى ما نبوح ..
- يا بنات، أنا أكبركن حزنا وأكثركن عارا.. الرجال جميعهم مثل الواحد ،لا يعنيهم في نهاية الأمر غير ذاك الثقب التعس حتى وإن كان ثقب الأوزون ..فعن أي شيء تتحدثن إذا
- لكنا نتحدث عن الحب الذي نفتقد والذي يوما لم نعشه .. أما الجنس فمهدور دمه على اغتراب والتزامات الأسرة – الحب يحيي أما الجنس وحدة إهانة تطعن كياننا
فاح من الجرح الرطب بعض التجلط المنزلق ، اقتربت إحدانا من أخرى في حميمة : ماذا دهاك أتبكين...!
- خسرت حياتي ..لا أريد العودة.. أريد أن أهرب ..بعيدا ..بعيدا ..لا أعرف إلى أين ..لكن فقط أريد أن أركض وأظل أركض إلى أقصى بقاع الفراغ إلى أبعد من فضاء التيه ..
-وأنا أيضا ..
- وأنا ..
- بنات ماذا دهانا ..؟
- أما أنت ، هنيئا لك ، فالأمر لديك لا يتعدى الفكاهة والسخرية .. حيلة رائعة للتكيف
تلقت الأخيرة الصفعة بقوة .. شاطرة منتهاها.. كاسرة هشة صلابتها ليسقط لتوه عنها صخب تجلدها ..مسحت بكفيها أسى دم عينيها : لا تكوني بي قاسية إلى هذا الحد ولا يخدعك نزف مزاحي وقبح تماسكي .. فأنا صدقيني أكثركن طعنا وخيبة ..كم من عمر لي سقط . منحنية.. متهالكة مندثرة .. الهث كل الوقت ولا أدرك لحظتي .. أتماثل الثبات أمام مسؤوليات تتعاظم كل الوقت وداخلي يذوب.. مرآتي لم تعد تعرفني ،تسألني كل اقتراب : من أنتِ ..!! أبحث في تفاصيل كل صباح وكل أنين عن ذاتي ..عن مكاني ..عن عمري ..أصابعي وصوتي وحلمي الذي لم يتبقى منه سوى الوهم ، أهرب إلى ليل عزلتي الوحيدة أنازل هول محاكمتي.. تصفعني الحقيقة .. أغمض وميضها ..أمزق ملامحها.. أنزع دمها .. أثقب عويلها كي تصمت وعن ملاحقة ضجيج روحي أتوسلها أن تكف تكف.. لكنها الحقيقة. .الأقوى منى، حينها ..أغمض أنا عيني وأذهب أعيد ترتيب بعضي كما يجب أن تكون الأمنيات ، أفتش عن قلبي ونبض وجدي ، وأحلم وانتظر مع كل طرقة باب.. بين صفحات الجريدة وكل رشفة فنجان.. بين أوراق المخيلة ، في عيون المارة ..في صوت الزحام ونداء الباعة.. في ثنايا ملابسي وكل عطر التقطه صدفة.. أردد لنفسي ربما هنا أوهناك ، ربما هذا أو ذاك ، قد يأتي في الغد أو...!! ويبيت الأمر كله محض انتظار

- أعتذر منك.. فما أدركت عمق عارك ..! ..
جففت دمعاتها : لا تقلقي بشأني ..بالعدل انقسم الجرح بيننا وبالصلب تقدمنا طواعية كفداءً موجع
- حقا يا بنات ، تعددت النساء ..تكالبت الطعنات .. توارت الأمنيات .. تفرقت التعاسة والحلم فينا واحد -أتعلمن حقيقة ما نفتقده ؟ التقدير
* فاض ملح عينيها و التمعت وجنتاها : دعوني مثلكن أبوح أن يباغتني أحدهم و يسرقني والى آخر النزف يعتقلني ..حيث متسع البكاء ،حيث غابة الاغتسال ،أتطهر من خوفي .. من أمي . من دمى .. ،كم أتمنى أن أتذوق طعم المكان ،طعم الموسيقا ا وطعم الغابات .هناك يحررني . يفض غبار ذاكرتي ونسياني ويخترعني من جديد . أريد.. قاطعتها : كفى.. كفى، ماذا دهانا يا بنات ؟ نرثى حالنا وكأن لا عزاء ولا فرح لنا ، تأخذنا الآن دهشة الناس منا ...
- تُعاودين تهددين بالناس مرة اخرى ..ملعون تاريخ الناس وقبر الناس وسرد الناس ،ما نحت دربنا وشوه جمالنا ونحر حياتنا غير عقم الناس .. دعينا نبوح مرة واح
- ما كل هذه الخشونة التي صارت لنا هل نتخاصم ..؟، هيا بنا الآن وأنهين عبث الكلام ،
- وماذا بعد يا بنات وماذا بعد...!
-- لا شيء ..
- ماذا تعنين ..!! .
- ابدا .. اكتشفت أننا لسنا ناقصات عقل أو دين لكنا بالحقيقة ناقصات حياة ..
-هيا يا بنات الأمر لا يحتمل كل هذا الفزع والأسى كل النساء هكذا .. هيا هيا الآن.. فهناك من ينتظرنا ويتوقع منا المزيد ..!
- وماذا عنا إذا ..هل توقفت حياتنا عند هذا البتر..! هل أصبحنا في تعداد الحمقى دون أن ندري أو ننتبه أو نواجه ونعيد مسار حياتنا
- أتعنين ان نهجر بيوتنا ومسؤولياتنا ..؟
مر صمت لدقائق حتى كسرت السكوت إحدانا وقد تمثلت البطولة والدعابة
: ولكن لنثق أيضا أننا رائعات.. ورغم كل هذا علينا يا حريم ألاّ نفقد ثقتنا في ذواتنا كي لا نتعثر و نصل إلى حافة هذا الارتباك ، فمن يمتلك مثل ثراء صدقنا وعمق تجربتنا بلا شك دربه يختلف، إذ لا سبيل له غير أن يمنح كل ما له وبكل الحب لأسرته دون أن نتوقع أي امتنان أو تقدير .. أعتقد أن في هذا أيضا قدرا كبيرا من السعادة ..ماذا دهاكن ..أراكن صامتات ..!!
-- رغم أنك تلقين محاضرة أخلاقية وهمية ،تافهة ورغم أن فاقد الشيء لا يمنحه ..،إلاّ أنك إلى حد كبير بالواقع أصبتِ
- هي أيضا الحياة المليئة بالمفاجآت السارة حتما ستغمرنا يوما بلطف لا حدود له ..، أليس في هذا الترقب الجميل دعما لنستمر بصلابة ..
- أتعلمن يا بنات .. لولا صداقتنا هذه لوقعنا جميعنا في حلكة لا منتهى لها.. هيا.. هيا لننس الأمر كله ، أين ضحكاتنا والتي غمرتنا منذ قليل ..؟
- على فكرة سنحتاج كل وقت لمثل هذا البوح فهو يشددنا جدا ..
** دفعت كل منا نقودها و حملنا أكياس ما ابتعنا ، خرجنا و سرنا خطوات بطيئة حتى بددت إحدانا بغنائها ضباب شجن كاد يعترينا ، تُحفِزنا نشاركها الغناء : دا حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا يضمنا ، تقاربنا جدا ..تحاضنا سويا ورحنا نسير طريق عودتنا عدة أمتار أخرى.. ثم توقفنا.. كانت ابتسامة واسعة تطل ملامحنا ..فَتحت كل منا كيسها البلاستيكي وأمسكنا بالقطع الحريرية الصغيرة ذات الخيط الواحد بشتى الألوان ... تبادلت عيوننا ملخصَ الحكاية الطويلة إلى منتهى صدق اللحظة لندخل في غابة فارهة من الضحك من جديد ..بادرت إحدانا : أتعلمن يا حريم ، رغم كل هذا.. مازلنا نمتلك أجمل الضحكات وأعذب أحاسيس لن تنضب أبدا ، صدقوني هذا ما يميزنا ويدعم سر قوتنا ويثرى الجمال فينا .. أليست هذه كلها ما تفتقدها الكثيرات جدا غيرنا.. أنظرن حولكن لتدركن كم نحن رائعات ..نبيلات ، أومأنا بدورنا بالتأييد والإعجاب والزهو بأنفسنا وقلنا : نعم نعم ..ليست بالملابس الداخلية وحدها تحيا النساء ..
- اعترضت: أنتن تهوّن من الأمر بينما هو بالغ الخطورة.. هذا أشبه بمن يرتق رماد حلم لا يكف عن إثارة غبار الوخز كلما واتته الفرصة ،هذا ليس أكثر من حياة خاسرة ..
- بترفع ومرح : لكنّا أيضا متميزات، أو هكذا يجب أن نعتقد ونصدق فليس ثمة طريق آخر .
قذفنا بالقطع الناعمة الملونة مبعثرة عاليا قطعة تلو الأخر، تطايرت إلى فضاء أرحب تلحقها صيحات صاخبة صاخبة صاخبة
أغلقنا أبواب السيارة، ومن النوافذ الأربعة لوحنا لقطعنا المحلقة عاليا بفرط ضحك ، انطلقنا نتنفس شيئا من برودة الارتياح ، أدخلت بدورها السي دي في مأمنه ..و بهدوء متصاعد رحنا نغنى : أنا قلبي دليلي قاللى هاتحبى ..
قاطعتنا : بنات أمن الممكن أن نلتقي يوما بالحب
- لسنا على يقين من هذا ..غير أن ما نتيقنه الآن أننا معا نغنى

- واصلنا : دايما يحكيلى وبصدق قلبي .. قلبي دليلي
تصاعد النغم منا يناجي سحابات في لون زخاتنا.. يضفر المرح فينا ويمتزج بتفاصيل ملامح دمعة عذبة.. لا يراها ولا يفهمها غيرنا ،تجلدنا بعض الشيء واصلنا :
شايفااه ااه في خيالي ،
سمعااه ااه بيقولى
يا حياتي تعالي تعالي تعاااالي
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الروح يمكنها أن تتألق في الصلاة أو البار أو عند المضاجعة 1/ 4

09-تشرين الثاني-2019

قد نرحل يا صديقي

22-كانون الأول-2018

نساء بلا حيض

09-حزيران-2018

انطلقت الشحرورة وما غرب الصباح

10-أيلول-2016

نصان

16-تموز-2016

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow