Alef Logo
ضفـاف
              

دمى (سبهان آدم) المتوحشة

نديم الوزة

خاص ألف

2016-01-06

لم يكن عملي النقدي يتحدّد من خلال علاقاتي بالأشخاص، أو بالفوائد الماديّة التي يمكن أن أجنيها من خلاله، لأنّ هذا التحديد كان سيفقدني متعة العمل، و يحوّلني إلى مروّج بضاعة لا أكثر. و كان هذا هو حالي أيضاً حين قرّرت الكتابة عن الفنّ التشكيلي، إضافة إلى ما أكتبه عن الشعر و الرواية و أشياء أخرى على هامش تجربتي الشعرية. كانت لديّ رغبة عارمة بدخول المعارض الفنية في صالات دمشق العديدة، القديمة منها و الجديدة، و لكن لم يكن لديّ المسوّغ العرفي لأفعل، مسوغ يرضي الفنان و صاحب الصالة اللذين يهمّهما بيع اللوحات أكثر من أيّ شيء آخر، بينما أنا في حال لو أهداني أحد ما لوحة لم يكن لديّ جدار لائق لأعلقها عليه. حسمت الأمر كما هو عادتي باختلاق مسوّغ ذاتي هو الكتابة عن المعارض. و هكذا بدأت باستكشاف عالم أحببته عن بعد، و أردتُ اختبار ذائقتي به، و كيفية تذوقّي له، و على ما يبدو لقيت مقالاتي الفنية صدى طيباً، فنشرت حوالي عشر مقالات، بعيداً عن سوق الفنّ و علاقاته الشخصية و في جريدة محلية و لا يكاد ما تمنحه مقابل الكتابة لديها يغطي نفقات المواصلات لحضور المعارض و ثمن الحبر و الورق المبذول من أجل ذلك. في هذه الأثناء تعرفت على سبهان آدم و أغرتني حكايته الفنية، فكتبت عنه مقالاً هو من إحدى المقالات العشرة المذكورة، أتوقع له من خلالها مستقبلاً لافتاً، و بسبب مجانيتي في الكتابة و استثارة حواراتي معه لعزيمته في العمل -كما كان يقول- كان غالباً ما يخرجني من عزلتي للجلوس في مقاهي دمشق و التسكع على أرصفتها فور قدومه إليها من محترفه في الحسكة، بينما أنا أستمتع بحكاية تطوّره الفني و انتشارها العالمي نسبياً. وكان ذلك يحدث على الرغم من تضاقينا سوية من قضية المقارنة بين الفنان و الشاعر، و أيهما له الصدارة، و الأهمية، و الأكثر طرافة في واقع لا يعترف بكليهما، و إن كان سينحاز له – للفنان بمردوده المادي بالأحرى- في النهاية.

خلال مرور عدة سنوات من تعرفي على لوحة سبهان آدم و تطوّرها، توصلّت إلى نتائج مهمة في استكشافاتي الما بعد حداثوية لعمله، و مع ذلك أردت أن أؤصله، و بالفعل وجدت ميزتين أساسيتين ينفرد بهما هذا العمل على الأقل فيما شاهدته من لوحات بشكل مباشر، أو من خلال كتب اللوحات لمختلف الفنانين في العالم، وهما اللون و الخطّ، ولقد كتبت مقالاً مركزاً حول ذلك، نشر في جريدة فنون الكويتية و جريدة القدس العربي اللندنية، و لكن تجاهلت تماماً ترداده المتكرّر و الملّح أمامي للقيمة الأدبية أو الثقافية لما يقوم به. بل حدث شيء على العكس من ذلك تماماً و لاسيما بعد أن دعاني إلى منزله الجديد في دمشق القديمة، و بينما هو يشرح لي كيفية شرائه و تحديثه و فرشه كنت أسارع في إرواء ظمأي من دنّ الويسكي الذي يتوسط مكان جلوسنا، و فجأةً لفتت انتباهي دمى الطيور التي كان يشتريها أثناء تسكعاته و بحضوري أحياناً و كنت أستغرب ذلك، وفجأة خطرت لي مقارنة بين خيوط هذه الدمى و خطوط لوحاته، و شعرت بنوع من الإهانة لما بذلته من جهد للتأكيد على كونها خطوط مبتكرة ناتجة عن مختبره الشخصي و تجريبه الشاق و المؤلم، و ليست محض محاكاة لدمى صينية رخيصة الثمن، و أغاظني أكثر من ذلك أنّني بدأت أتخيّل ملامح من وجهه تبرز لي بين الحين و الآخر من لوحات شخوصه.

ما أثار دهشتي حقيقة أنّني احتجت لعدة سنوات لأتوصل – و هذا ما يهمني هنا- لاكتشاف أنّ هذه المحاكاة في لوحاته، و المفترضة من قبلي في لحظة سكر، هي عمل عبقريّ بحدّ ذاته، لأنها تأويل دلالي و لا تنفي أبداً أصالة خطوطه و الجهد المبذول لابتكارها. و هي بذلك لن تشكّل مفتاحاً واضحاً لأدبية شخوصه و دلالاتها الثقافية و حسب، و إنما تفسيراً مقنعاً لشرائه للدمى بينما كان ثمنها سيوفّر لنا مزيداً من سندويشات الشاورما التي كنا نتناول القليل منها بسرعة من أمام مطعم الريان أو مطعم الصحي في شارع العابد و بلا شبع. و هذا إن بدا عابراً، و بلا أثر، إلا أنه قد يكون دلالة إيحائية بسيطة على تضحيات الفنان و علاقاتها التبادلية بين اللوحة و الواقع.

و ربما امتداداً لهذه العلاقة يبدو أنني لم أشبع من قراءة لوحات سبهان آدم حتى الآن. و لذلك كتبت ما كتبته، أو ربما يعود ذلك لأنّ الواقع الذي نعيشه –نجن السوريين- حالياً، أخذ بمحاكاة شخوصها الذين رأيتهم قبل أربع سنوات و أكثر، شخوص إضافة إلى حضورها الجمالي الراسخ في الوجدان و الذاكرة بآلفتها المشوّهة، المتوحشة، و البلهاء، ها هي في الواقع يقودها سيرك إرهابيّ من العزلة و العدمية و الهباء.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

دمى (سبهان آدم) المتوحشة

06-كانون الثاني-2016

الصراع المأساوي في الشرق الأوسط من خلال "أساطير رجل الثلاثاء" لصبحي موسى

19-كانون الأول-2015

عض الهواء 3

16-كانون الأول-2015

عضّ الهواء 2

08-كانون الأول-2015

عضّ الهواء

30-تشرين الثاني-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow