Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

الحلم بالطيران/ سيلين نوتون ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2016-02-20

أصاب الحلم بالطيران أوليفير بالاضطراب. كانت تسميه إسقاطات وهمية. قال لها هذا هراء. وفي هذا الصباح حينما شعر بتلك الاضطرابات الداخلية نتيجة أنه يحلق فوق سريره و ينطلق من السقف نحو سماء الصباح، حاول أن يكبت نفسه بكل قدراته الممكنة حتى استيقظ مع رجفة، كأنه سقط من الأعلى و ارتطم بسريره.

مد يده إلى الآي باد الموجود على رف قرب السرير. و انقلب على طرفه، و لامس الشاشة واستقر الجهاز على منطقة ممزقة من الغطاء. شاهد رسالتين في بريده، إحداهما حول دكتوراة بالمجان، و التي ذهبت مباشرة إلى بريد المهملات، و الثانية جاءت منها. كانت قد وصلت قبل ثلاثين ثانية، بلا صفير- كان دائما يغلق الصوت في وقت الإخلاد للنوم- لقد وصلت لحظة استيقاظه كأن هناك تخاطرا بينهما نبهه ليستيقظ في لحظة استيقاظه. لكنه لا يؤمن بالتخاطر. ذلك هو مجالها. و كل تلك الاتصالات التي حاولت أن تشرح له مزاياها بالمنطق: النقل بالفضاء، تحريك الاشياء عن بعد..لم يكن يؤمن بها إذا سمعها من شخص آخر فهي برأيه لغو، لكن لدى إيلا قدرات جذابة في رفض الاحتكام للفكر العقلاني أو قوانين الفيزياء في قناعاتها المبنية على الخيال الواسع.

كانت تقول له:"عقلك مغلق. لو فتحته قليلا، ستتسع المجالات أمامك، و تتعرف على احتمالات جديدة، و طرق مختلفة في الوجود..".

وفي الختام، بدأت باكتشاف بعض تللك المجالات و الإمكانات المختلفة- في العالم المادي، و الذهن، و البعيدة عنا بعد باي تاون في تكساس، و ليس بعد الفضاء الخارجي في المجرة الكونية.

قالت في أحد الأيام و هي تقفز من السرير و تقف بجانب النافذة في شقتها و التي تغطيها ستارة موسلين ناصعة:" هيا تعال معي".

تذكر جماليات جسمها الأبيض كالحليب، و شعرها البني المتموج ينسدل على كتفيها، و علاوة على ذلك، الحنين اللانهائي في عينيها البنيتين الساحرتين. إنهما لا تعكسان المصاعب بل المتعة فقط، و البراءة و الرغبة العميقة بالحياة، و هي أشياء تعجبه في النساء.

ثم أضافت" يمكننا أن نغامر معا، مثل بوني و كلايد، أو روبين هود و العذراء ميريان..".

مال بكوعه و رفع أحد حاجبيه.وقال:" يا إيلا، ناهيك عن أن أول ثنائي عصابة و الآخران عاشا تقريبا كل حياتهما في غابة شيروود، لست مقتنعا بمطاردة العالم بحثا عن واحدة من أفكارك، هذا ليس أنا، و تعلمين ذلك".

تنهدت و نظرت من النافذة، كان ضوء الفجر يحيط بجسمها العاري و يزيد من بهائه، وانتابه الشعور أنها صناعة إلهية. و في تلك اللحظة، حينما استدارت نحوه و لمعت أشعة الشمس من ورائها لدرجة اضطر معها أن يحمي عينيه بيده، و خيال الموسلين ألقى أشكالا تشبه أجنحة تمتد من ظهرها حتى السقف، فكر أوليفر أنها ليست بحاجة لوسائط النقل التقليدية. يمكنها أن تطير بسهولة إلى باي تاون، في تكساس، أو نوتنغهام، أو أي مكان في صفحة السماء. و لكنها في النهاية، طارت بالخطوط الجوية الأميركية. حصل ذلك قبل شهرين و ثلاثة أيام قبل الآن.

لم يحاول أن يمنعها. كانت إيلا روحا حرة. و من هو ليقف في طريقها؟.

نظر في الساعة: ٧،٠٣. لا بد أنها تجاوزت الواحدة صباحا حيث هي الآن، و هو وقت متأخر قليلا للاستيقاظ و كتابة رسالة إلكترونية في ليلة عطلة الأسبوع.

قرأ عنوان الرسالة:"مرحبا، هل أنت مستيقظ؟".

و ضغط على النص.

كتبت تقول:" شهران في باي تاون فترة طويلة جدا. أضف لذلك، لقد فصلوني من عملي".

هز أوليفر رأسه بطريقة والد يتعامل مع ابنته المحبوبة لكن العنيدة. الفصل من العمل وضع خطير. كيف سيبدو ذلك في أوراق سيرة حياتها؟. قال في سره: إيلا المسكينة. لماذا تصعبين و تعقدين حالتك؟.

ثم تابع القراءة.

" أخبرتك عن العمل الذي حصلت عليه في مكتب شركة المعونات- إنه حافل بالبؤر المزعجة، و متوسط عمر الموظف حوالي فوق الـ ٤٧. و لذلك استعملت الكومبيوتر وتقدمت بطلب عمل في محطة تلفزيون فوكس. إنه ستيفن فوكس. و لكن أعتقد أنني لم أكن بكامل وعيي.

و انتبهت لخطأي قبل غمضة عين من إرسال الطلب بالبريد، و مع ذلك كان الوقت قد تأخر. لقد انطلقت الرسالة تلقائيا. و بعد لحظة أصبحت بلا قدرات للتحكم بظروفي. هذا ما حصل ببساطة. و هم هنا بلا اتحادات و نقابات، كما تعلم.

كان الناس الذين أعمل معهم طيبون بما فيه الكفاية. و لكنهم غالبا يعقدون حفلات لهو و غناء مع جوقة الكنيسة. و هذا لا يرضيني. فهو ليس بجوي. و في الخميس الماضي اقتحم الحفلة شخص طيب يحمل بيده خوذة دراجة نارية و بعد أن قدم الطرد، بدأ بالدردشة حول لهجتي و أشياء من هذا القبيل، هل تتصور ماذا بعد ذلك؟. لقد طلب أن أرافقه بمشوار!. و بما أنه الأفضل في البلدة و لا يوجد شيء آخر أمامي، وافقت".

قاوم أوليفر رغبته بإغلاق الكومبيوتر بنفحة غامضة من العناد. ليس اللغة الأمريكية الدارجة التي تسللت لكلامها هو الذي أثار حفيظته- مع أن هذا وحده غير مقبول و حري به لو لفظت كلمات مثل "كله"، " رائع"، أو " صاحب" بلسانه أن يعاتبها بشدة. إنه ليس فقط الكلمات الأمريكية القليلة هو الذي قاده ليلوي شفته و يجعد أنفه بامتعاض، و إنما الصورة التي ارتسمت في ذهنه عن إيلا و هي بين ذراعي شاب إسكوتلاندي له لكنة تكساسية و معه دراجة ضخمة من نوع هارلي دافيدسون هو الذي أقلقه. لقد شعر بالمباغتة من الغيرة التي فاضت في أعماقه، ربما هذا هو مصدر الألم الذي حفر في أمعائه، أو لعله كان بحاجة ليتبول. ترك الآي باد بالمقلوب على السرير و تحرك إلى الحمامات. وماذا خطر له؟.

تلك الفراشة الفاتنة سوف تجذب الرجال الناجحين و الوسيمين و سوف يندفعون نحوها بالتأكيد؟ لقد تكلموا عن ذلك حتى قبل أن ترحل.

قال:" من المحتمل أن تلتقي ببارون نفطي أو جمهوري ثري و تستقرين"، ضحك كلاهما، لأنهما يعلمان أنه لا يوجد احتمال أدنى من هذا القران بالنسبة لإيلا.

ولكن ها هي، تسمح له بوضوح أن يعلم أنها تواعد أحدا و ليس هذا فقط- تريد أن تشرح له حتى أدق التفاصيل، والتفاهات المؤلمة قليلة الإحساس. ألا تراعي و لو للحظة مشاعره و أنه قد لا يرتاح لفكرة علاقتها مع رجل آخر؟. هذا الشاب سائق الدراجة- الأرعن.. هل هو الشخص المرشح لينعم بطعم شفتيها الرقيقتين كوردة و الطازجتين كلما تحسس انحناءات جسمها الذي يذوب بين ذراعيه بسعادة ممتعة... فكر أوليفير قليلا لو أنه يمحو هذه الرسالة من جذورها...

يمكنه أن يدعي أنه لم يستلمها، أو أن يلوم فلتر المهملات.. و لكن كلا، فكر بشكل آخر، يمكنه أن يتصور ردة فعلها . لو الصور مزعجة لن يتوانى عن إخبارها. و سيدفعها لتستوعب أنه لا يتوقع منها أن تعيش كراهبة. إنما ليس عليها أن تبدو بحالة فاضحة، وعليها أن تحترم مشاعره قليلا. ربما يجب أن يتصل بها لاحقا، و يشرح لها لماذا ليس من المناسب أن تشاركه بتفاصيل حياتها الغرامية. عاد إلى السرير، و استلقى على جانبه و تابع من حيث توقف.

قرأ ما يلي:" هل تصدق أنه أخذني للصلاة".

تقريبا قهقه أوليفر بأعلى صوته.

" اسمه جوش و كان دافئا جدا، و انسجمت مع الجو فورا، و لكن بعد ساعتين من امتداح الرب و الاستماع للحضور و هم يلهجون بألسنتهم، طلبت منه أن يقودني إلى المنزل".

قال:" و لكن ستفقدين المباركة".

"أعلم ذلك، و لكن لا أشعر أنني على ما يرام. ربما في المرة القادمة". و كنت أعلم أنني أكذب عليه،و هكذا قادني إلى البيت، و كما تعلم لم يطبع على جبيني حتى قبلة : ليلة سعيدة!. لم يكن هذا مناسبا في أول لقاء كما قال لي. و خمن ماذا أيضا- لقد كان بكرا بلا تجارب جنسية سابقة. كان يحتفظ بنفسه للزواج كما أخبرني. و لم أستوعب ما يقول. أخبرني: لا يجب على أتباع المسيح البسطاء إغواء البريئات من أمثالي مع أنني أحزم واقيات الحمل في دراجة هارلي دافيدسون. هذا يشبه الخطأ في الترويج لبضاعة للبيع".

آه، لقد أحسن التصرف بدراجة هارلي، ابتسم أوليفر و هو يتعجب. لكن إيلا لم تفلح مع ابن تكساس الوسيم. لقد عاملها بطريقة صحيحة. و بما أن الأمور تطورت بطريق غير متوقع، ومع أنها آلمته بما يكفي خلال علاقتهما العاطفية المنتهية، فقد تعادلا، ضربة مقابل ضربة لئيمة.

تابعت تقول:" عموما وصلت لنتيجة أن باي تاون ، بكل تأكيد، ليس المكان الذي أشارت إليه بوصلتي الروحية، ولذلك الطرد من الوظيفة شيء مقبول في الواقع. إنه قدر يعطيني دفعة لأتابع إلى الأمام.

لقد فتح لي الباب لأغادر في هذه الأمسية، و قد انسحبت و اشتريت لنفسي شاحنة تخييم قديمة. لم أحضر إلى أمريكا لأشعر أنني لست راضية و كل الأشياء المضجرة الأخرى التي تصنع تسعين بالمائة من حياة الناس، و أنا سعيدة الآن بسبب الطرد، لأنه حان وقت العشرة بالمائة المتبقية كي تبدأ. سأغادر إلى كاليفورنيا بعد غد، و سأتوقف في أية محطة أشعر أنها لي و آمل أن أشاهد مشاهد مبهجة على الطريق.

أتمنى لو كنت معك في الفراش الآن.

محبتي، إيلا".

أعاد أوليفر الآي باد إلى مكانه على الرف و استلقى على ظهره، و حدق بالسقف. غيرته التي تصاعدت في صدره كانت من غير أساس. و لكنه يعلم مصادرها. بالنسبة لشخصين على اختلاف بكل شيء، كانت علاقتهما الغرامية مدهشة. كيف يمكن لإنسانة بعمر ٢٣ عاما أن تتورط بعلاقة لها حساسية عالم آخر يؤمن بالروح المجردة. لقد صعب عليه تفسير هذه الحالة. لقد دفعته ليشعر بالرضا، و لكن الممتزج بالنور الإلهي، هذا شعور سريالي و له جوانب متسامية- وهو مثل تلك الأحلام المباركة بالطيران، مشحون بالقلق.

و تذكر اللحظات النارية معها، كل جماليات الالتحام بها. تلك الذكريات رفعته لمستوى جديد من الامتنان الحسي، امتنان يرفع الغرام المادي و يضعه مؤقتا بجانب كل آلهة هذا الكون.

وفوق ذلك، منذ أن رحلت، وجد أوليفر عودته إلى واقعه مريحا بشكل غريب.

أشرقت شمس الصباح بضياء خفيف، و لكنها لم تعد قادرة على إعمائه. أصبح يرى الأشياء بوضوح أكبر، و قد أحب ذلك.

لمست صدره يد يعرفها و غطاها بيده. تحركت و زحفت نحو ذراعيه.

"كم تبلغ الساعة؟".

"تقريبا السابعة و النصف".

مد يده إلى تحت الوسادة و قدم لها رزمة.

"ماذا فيها؟".

"افتحيها".

جلست و فكت الرزمة.

"ألماسات! كم هي جميلة يا أوليفر، هيا ساعدني لارتدائها من فضلك؟".

قال:" عيد سعيد"، و ربط القفل و طبع قبلة على قذالها.

ابتسمت. كم أنت ممتاز يا عزيزي أوليفر. بعد كل هذه السنوات لا تزال رومنسيا و طيب القلب.



سيلين نوتون Celine Naughton: كاتبة من براي في إيرلندا. تعمل في الصحافة. تعيش جنوب دبلن. و الترجمة من جريدة آيريش تايمز. عدد ٢ كانون الثاني. ٢٠١٦


















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow