Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

الهجرة والشتات والمنفى في الرواية / هايكي هارتينغ ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2016-04-23

صالح الرزوق

تنشط مصطلحات الهجرة والشتات والمنفى بعدة صيغ متنوعة: موضوعية ونظرية وتاريخية ونقدية وذلك لقراءة الرواية العالمية المكتوبة بالإنكليزية في القرن العشرين. فمعانيها تتقاطع وتتداخل بدرجة من الدرجات، إن هذه المصطلحات الثلاثة تهتم بالتصورات الثقافية والسياسية التي ينتجها الفرد والجماعة، وهذا بالضرورة خطوة لا بد منها لعبور الحدود الوطنية والجغرافية والنفسية. وتعتبر سرديات الشتات والمنفى والهجرة في عدة مواضع إعادة تفكير وتركيب تصوري لصفة أساسية تضفي الشرعية على مثل هذه المفهومات على صعيد الهوية والتاريخ والذاكرة والمكان.

من ناحية الموضوع تستكشف هذه السرديات الأفكار التقليدية والمعاصرة عن الوطن والتشرد، والإنزياح من المكان، والانتماء الثقافي والوطني واللانتماء. وتعكس تاريخيا موجات هجرة كاسحة تركت علامة على القرن العشرين كان قد تسبب بها انكسار الإمبراطوريات الأوروبية والتبدل في جيوبوليتيكا المستعمرات السابقة التي حازت على الاستقلال، وكذلك صعود العولمة. إن الأعمال السردية المتنوعة ابتداء من قصص مافيز غالانت وانتهاء بروايات روميش غانسيكيرا يمكنها استيعاب واحد أو أكثر من هذه المصطلحات والأحداث.

على أية حال، يمكن للشتات والهجرة والمنفى أن تصنف بشكل عام في واحد من أشكال النقد الثقافي، وهذا غالبا يأخذ دور مصطلح متحرك يغطي الآثار المختلفة للحركات الشعبية واسعة النطاق الناجمة عن القضاء على الاستعمار والاستعمار الجديد، وترسانة الحروب الأهلية أو العالمية، والجوع، ونزع الملكية، والعنف السياسي، والتحديث، أو الكوارث البيئية. لذلك إن الكتاب والنقاد والمثقفين بعد الإستعماريين يصرون على نحو مضطرد على استعمال متميز لهذه المصطلحات وينادون بقراءة حذرة للأساليب التي يؤثر فيها معنى كل من العرق والأقليات العرقية والجنوسة والطاقة والطبقة على السياق السردي لمختلف أنواعه. ويبين التثبيت والاستمرارية كيف تتقاطع هذه المفهومات فيما بينها وتدعم بناء معاصرا للهوية والاختلاف وتشكيل الأمة على المستوى الثقافي، وروح المواطنة العالمية على مستوى الممارسة والتطبيق وبمصطلحات خاصة ومحددة.

أضف لذلك، إن خصوصية هذه المصطلحات تبقى مستترة باستمرار بواسطة أصولها الإنجيلية السائدة والمشتركة. في الإصحاح الثالث من كتاب التثنية ينبه موسى شعب إسرائيل ويؤكد أن من لا يحرص أن يعمل بكلمات هذا الناموس يبدده الرب في جميع الشعوب من أقصى الارض إلى أقصاها، وتعبد هناك آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك من خشب وحجر"*. ولو ترجمنا ما سلف بقراءة تفكيكية سوف يتبين أن الشتات يرتبط إيتمولوجيا بالكلمة الإغريقية speiro التي تعني "انتشار البذور". والضمير dia يقابله (over). والانتشار بالقوة سوف يعني إذا أنه مفصول عن وطنه الأصلي أو الموعود. وعليه سوف يكون منقولا إلى حالة منفى تشتتي، وهذه عقوبة مخيفة ترتبط ضمنا بالتجوال والهجرة، وهذا بدوره سيبدل من السلوك الاجتماعي، والتصرفات الثقافية والأخلاقية إلى أن يترك أثره على الشخص المنفي.

في الواقع، إن المنفى الشتاتي كما يصفه سفر التثنية ينطوي على قلق عصبي، وضائقة عقلية ونفسية "الشك والخوف". والمخاطر، و" قلب مرتجف وكلال العينين وذبول النفس ". وكذلك إنه يتسبب بتجزؤ ما يبدو سابقا محموعة متآزرة ويشرذمها بشكل ضعيف اجتماعيا وسياسيا ويتبع ذلك الحنين للماهية الواحدة. وفي الناحية الأدبية، إن حالة المنفى أو الرحيل غالبا ما تقترن بحنين نوستالجي للعودة إلى الوطن الأم، وهذه ظاهرة أساسية يعمد المنفي لإضفاء طابع رومنسي عليها بحيث أن المكان يتجمد في دائرة زمانية، الأمر الذي يقود لمزيد من الوهم عند العودة.

إن الذي استمر مرتبطا بتصوير المنفى في الأدب هو بنيته الفعالة ومنطقه: والمشاعر العميقة بالخسارة والتشرد. مع ذلك، بينما كانت الملاحم الهوميرية تؤسطر تجربة المنفى باعتبار أنها رحلة استشفاء بطولية ثم عودة، كان الكتاب الحديثون وكتاب أواخر الحداثة مثل جيمس جويس وجورج لامنغ وجين رايس وديريك والكوت قد أكدوا على غموض وتاريخية التجارب العشوائية للمنافي. ففي (رحلة في الظلام، 1969، 1934) قدمت رايس رواية سيرة ذاتية عن الهجرة من الكاريبي إلى لندن. حيث أنه تولد عند الراوية آنا مورغان حين وصولها إلى إنكلترا شعور"كما لو أن ستارة أسدلت، لتخبئ كل شيء عرفته. كانت كما لو أنها ولدت تقريبا من جديد".

من جهة إن بداية الرواية تقدم وعدا للسرد الحداثي عن المنفى على أنه إمكانية ببداية جديدة تتجاوز مجال التاريخ. ومن جهة ثانية، إنها تعطي إشارة عن انقطاع في قانونية وهوية آنا العاطفية. والناحية الأخيرة تتشكل على نحو مضطرد من إحساسها بالفرق الثقافي، والإزاحة، والتشرد. وتصوير الرواية للمنفى يكون معلقا بين مجازين إثنين: الولادة الثانية والإجهاض. واستعمال رايس المجاز يلفت الانتباه إلى التلامس بين السرديات الحداثية وما بعد الحداثية في شأن الهوية والمنفى.

بينما الاختيار الخاص للاستعارة يشدد على الظلم الاجتماعي في مسألة السلطة التي يتعرض لها المؤنث المنفي من المحيط الاستعماري. إن الاستعارة الثقافية أو الروحية للولادة الثانية عبارة عن حكمة تقليدية بها يتم إضفاء طابع درامي على الآثار التحويلية للهجرة والمنفى وهذا شائع ومعروف في روايات توني موريسون وجامايكا كينكايد وسلمان رشدي. إن الحكمة من العوائق والانكسار على أية حال تبين الطريق التي بها يتعرض لها المنفي فيزيائيا وماديا وكأنها جرح، وبالحرف الواحد كأنها منقوشة على الجسد، ورحلة سوداوية تقوده إلى الموت.

والأهم من ذلك أنها تشير على وجه الخصوص لخبرات جنوسية عن المنفى. وبدقة: إنها تدل على خسارة الإنسان واكتشافاته الجنسية. وفي الواقع، إن صدمة المنفي من الوطن والجسد واللسان الأم، يقود للسقوط في بنية ظاهراتية من أهم خصالها المجاعة والتمييز العرقي والعنف الجنسي الذي تتكون منه خبرات الشخصيات الأساسية في شعر ونثر المنفى مثل الأدباء الزنوج ومنهم بيسي هيد (نذكر: مشكلة السلطة، 1974) وجون رايلي (اللإنتماء، 1985)، وبين أوكري (أحداث في المعبد، 1986) وبوشي إيميشيتا (مواطن من الدرجة الثانية، 1974)، وتسيتسي دانغاريمغا (ظروف عصبية، 1989) وديون براند (لمن لا يهمه الأمر وقصص أخرى، 1989).

لقد شغل المنفى، بصفة موضوع وتحت جنس سردي، مركزا أساسيا إن لم يكن محددا في كتابات ما قبل وبعد الحرب للعالمية الثانية. ومع أن النقاد يميلون للتمييز بين المنفى الطوعي (المرتبط بالمجتمع الأدبي الأمريكي المتشرد في باريس بين الحربين) والمنفى الداخلي والديني والجنسي والسياسي والثقافي، كانت هذه الأشكال من المنافي بين أدباء ما بعد الاستعمار تتقاطع وتتضمن استجابة معقدة لتجربة الإمبراطورية الاستعمارية وما أعقبها. وفي رواياته وكتبه النقدية، يقر جورج لامنغ الباربادوسي (من باربادوس) أن "تكون في المنفى يعني أن تكون على قيد الحياة". وفي نفس الوقت إن المنفيين هم حالة مضادة تتضافر ضمنها " تعقيدات" ولا سيما " إذا كان للمنفي.. نقطة ارتباط كولونيالية".

بسبب اقتلاعه من جذوره بآليات التجارة الإمبريالية كان المنفي " منفيا عن اسمه" في التاريخ والثقافة واللغة ولذلك إنه لا يجد خيارا غير الهجرة. وما أن تعاد موضعته في مركز الميتروبول يتوجب عليه أن يعبر عن نفسه من خلال علاقات ثنائية طرفاها الذات والآخر. وفي الواقع إن تعرضه للتمثيل الرمزي القائم على التفرقة العنصرية والعرقية التي يتبناها التيار الأساسي في المجتمع الأبيض، يرى المنفي نفسه وكأنه آخر ويبقى ممزقا بين قطبين: الانتماء واللانتماء. هنا وهناك، الهامش والمركز، وكل ذلك يشدد على التأجيل النهائي للوصول، الذي نفهمه بمعنى تطور ونضوج الإحساس بالوطن الذي يمكنه احتواء التعددية والتناقضات الثقافية. وتوفر بواكير لامنغ (المهاجر 1954)، وسام سيلفون (أهالي لندن الوحيدون، 1956)، وأما عطا عيدو (أختنا كيليجوي، 1977) وأوستين كلارك (نقطة لقاء، 1967) تأملات مفصلة حول تناقضات المنفى في القضاءات المدينية للندن وتورنتو مع التركيز على تأثيرات ثقافية ونفسية لعنصرية النظام كان قد عانى منها المنفيون الكولونياليون مع تصوير احتياجاتهم للتأقلم مع بيئة ترفضهم طبقيا. هذا بالإضافة لتجزيء السرد هنا والخبرات والتجارب اللغوية بضوء لغة ذات طابع كريولي مشحونة بقدر أقل من الحالة بعد الحداثية المشروطة التي يحملها المنفي بالمقارنة مع انزياحه الثقافي عن المكان أو إعادة توطينه مجتمعانيا وقدراته على البقاء.

كان شكل وتجربة المنفى والهجرة التي تصف بشكل دقيق الوضع الخاص وحالة الشخصيات الخيالية قد حاز على تحليل معمق في مقالة مؤثرة لإدوارد سعيد هي "تأملات في المنفى" (2001) كما يعتقد كتاب ما بعد الحرب العالمية الثانية الذين ينتمون للإمبراطورية البريطانية السابقة. يصر سعيد أن المنفى موجود في علاقة دياليكتيكية مع مفهوم الأمة، وهذا يحتل موضعا مركزيا في سرد الهجرات والشتات. ويعمل ديالكتيك الأمة والمنفى على ما يسميه شارلز تايلور " سياسة التعرف" وهذا يؤثر على تضمين المنفى ضمن أو إستبعاده من شخصية وطنية متماسكة نوعا ما في داخل البيئة المحيطة.

وحالة الأمة لا تقدم حلا لمعاناة وآلام المنفى أو حالة الشخص المنفي غير المتصلة والمنقطعة(سعيد).

وعوضا عن ذلك يحلم المنفي بإعادة دمج بناء نسيج مجتمعه المكسور في " بنية جديدة" يمكنها أن تقود إلى ضعضعة مكان شخصية الجماعة النابذة، وهذا اتجاه يوضحه نقديا الكاتب الكندي من أصول تانزانية م. ح. فاسانجي في رواياته. ولكن، كما أشار سعيد إن المنفي يحمل أيضا "أصالة رؤيوية" توضح الطبيعة الداعمة للوطن وتعددية الثقافات. وفي تفاصيله الأكثر تفاؤلا يحتوي المنفى على " بداوة" أو بكلمات الكاتب الغواياني ويلسون هاريس حالة " تثاقف" لكينونة. وفي نفس الوقت حالة تصورات لا يمكنها أن تضرب استقرار المفاهيم الثقافية والسياسية.

و بعكس فكرة المنفى، ينقص الأفكار الأوسع انتشارا بخصوص الهجرة في النقد الأدبي المباشرة السابقة لأنها تتضمن العنف السياسي. وتشير الهجرة عادة إلى حركة الناس – وليس التبعثر- من بلد إلى آخر والإشكالات المترابطة مع الانتماء. ومع أن شاليني بيوري (2003) أشار مؤخرا إلى أهمية صور الهجرة ضمن مناطق مخصصة قي الكتابة بعد الحداثية (ولا سيما التركيبية). إن الهجرة مصطلح مختلف عليه لأنه يميل للذوات المتحركة وليس تلك التي لا تستطيع الابتعاد عن بلدانها الأصلية. وفوق ذلك ينطوي على عواقب فكرة العودة المفترضة.

وباعتبار أن الهجرة مصطلح يغطي تكوين هويات ثقافية تحويلية وهجينة فهي أيضا تلعب دورا مركزيا في أعمال الأدباء الهامين، ومنهم، سلمان رشدي (آيات شيطانية، 1988) وبهاراتي موخريجي (ياسمين، 1989) وف. س. نايبول (لغز الوصول، 1990) وجامايكا كينكايد (لوسي، 1990). وكما بين رشدي في مجموعة مقالات أساسية هي (بلدان متخيلة، 1991) تتألف الهجرة من سيرورة انقطاع مضاعفة تبعد المرء عن وطنه ليصبح " مولودا في عرض العالم". وفي سيرورة هذه الترجمة الشخصية والثقافية يصبح الوقت والمكان خامدا وغير شفاف ومقطوعا ومشوها، حيث أن التاريخ يوفر النهوض للذاكرة والمؤكد وغير المؤكد والهوية والمجاز. وتقدم " المدن الحقيقية" فرصة لصعود "الأوطان المتخيلة، أو الهند التي يتصورها الذهن ويرغب بها".

وعليه الذي ضاع لا يمكن استعادته بشكله الأصلي، وهكذا يواجه الكاتب المهاجر في سردياته مشكلة إعادة ابتكار العالم. وهذا مشروع ما بعد حداثي وبعد كولونيالي.

ولذلك إن المهاجر "يترجم" مجازيا وحرفيا ويصبح ذاتا معرضة "لرؤية نمطية" مزدوجة ترشحه للسقوط في "صراع الذاكرة ضد النسيان" والسلطة. وبالفعل كما يؤكد رشدي الهجرة ظرف شرط كوني، و" المثقف النخبوي يجذر نفسه في نفسه، وفي استطاعته التخيل وإعادة تصور العالم" .

وما يثير استغرابنا أن رواية رشدي (آيات شيطانية) تصور الطرق التي يطبق بها التاريخ على المهاجر دورا ثابتا (وبالعادة هو ممجوج) وله ترجمة في المخيال الاجتماعي والسياسي للمجتمع االميتروبوليتاني. وهذا يخلق إحساسا عميقا بالاغتراب المادي والثقافي والألسني. وصور الرواية للمغترب وظرفه أقل احتفالا من تلك التي قدمها رشدي في مقالاته. في الواقع، كما يشير واحد من وظائف أبطال الرواية – وهو ما تجده أيضا في أعمال بولين ميلفيل- إن المهاجر يكون في حالة حراك ثقافي يعبر عنه مجازيا. والمجاز لا يكون من صنع يديه.

عموما إن رؤية رشدي للهجرة تبقى رؤية فردية ومعزولة مع قليل من الوسائط الجماعية أو التحول التاريخي الذي يلحق بالمجتمع المحلي.

بسياق مختلف، يمكن للهجرة أن تؤشر على الهرب، والبقاء، والتغيير. وفي مجال بحوث المرأة السوداء، تدل الهجرة على شبكة معقدة من النواهي وإعادة التوطين المادية والرمزية وبها تبدأ طقوس العلاج الثقافي. ورواية أساسية في هذا السياق هي لوسي لكينكايد، وفيها تساهم تجربة المهاجر في تشكيل الرواية وتصنيفها في مجال الروايات الشبابية Bildungsroman. وموضوعيا توفر لوسي مسافة تاريخية وشخصية تفصلها عن جزر الكاريبي التي جاءت منها هي وأمها المتسلطة. ومع أن الهجرة تقوم على رغبات وأفكار متعارضة تتعلق بالانتماء، فهي أيضا تمكن لوسي من إنشاء حساسية خاصة بها كفنانة. وباعتبار أن الهجرة لها حكمة أدبية وخلفيات واقعية، فهي تتحدى فكرة أصالة الثقافة، وتتوقف طويلا عند أساليب تشكيل الهويات من خلال سياسة تمثيل معقدة ومتداخلة.

مع أن فكرة الدياسبورا ليست جديدة فإن شهرتها في الوقت الحالي في العلوم الاجتماعية والإنسانية ظاهرة جديثة نسبيا. وهي مرتبطة بشكل واضح بالعدد الأول من مجلة دياسبورا، المنشورة عام 1991. لو أن المنفى والهجرة مفهومان عن الشخصية يعودان ديالكتيكيا لفكرة سائدة عن الأمة الدولة، ففكرة الدياسبورا تشير إلى مفهومات الهوية بعد القومية والمتحولة.

هذا سوف يؤثر حواريا في العواقب البشرية والثقافية لفشل الأمة الموزعة على دويلات في ظل العولمة وفي أعقاب انتشار الإمبريالية. عموما يميز النقاد بين الأشكال القديمة للدياسبورا كشتات اليهود والفلسطينيين، والدياسبورا الإفريقية، ثم الموجات الجديدة التي تشمل الأسيويين الجنوبيين والآسيويين الشرقيين الذين خرجوا بموجات كبيرة. وينطوي هذا التقسيم على تعقيدات. من جهة، تعني الدياسبورا الانتشار العولمي لجماعة تعرف نفسها بصفة مسقط رأسها دون أن تحصره به، لإن أنه توجد في روايات أميتاف غوش (خطوط الظل، 1988) وك. ج. فاسانجي (لا توجد أرض جديدة، 1991)، خيالا ثقافيا مشتركا، وصدمات نفسية تاريخية، وسرديات كفاحية تقاتل للبقاء، مع أشكال جديدة للتواصل وبناء المجتمعات المحلية. وعليه إن الدياسبورا تخاطر بأن تكون مثل شرط بارادايم اجتماعي وثقافي. ومن جهة ثانية، كل دياسبورا تتشكل بواسطة جغرافيتها وثقافتها وتاريخها الخاص. ومنه تربط بيانها الخاص الذي تدعيه بسيادتها السياسية والوطنية.

ويمكن في السرد المعاصر النظر لفكرة الدياسبورا على أنها مصطلح وصفي (كوين، 1997) وفئة من فئات المعرفة الثقافية (براه 1996). ويؤكد الاستخدام الوصفي للدياسبورا على المعنى الرمزي والحرفي لوطن الأسلاف، والقوة التوحيدية للذاكرة الجماعية، والحنين النوستالجي للعودة إلى وطن وهمي على نحو مطرد. وهذا يضع ردة فعل الدياسبورا وأخطار السرد المبسط لشخصية الدياسبورا في أساس " المقاربة المطلقة " للعرق" و"الأصل العرقي"( غيلروي 1993).

وقصص حنيف قريشي (مثل: ابني المتعصب، 1994) ورواياته (بوذا الضواحي، 1990) تمثل تناقضات الدياسبورا باعتبار أنها ترتبط بنوعين من المخاطر: صعود الهويات الأصولية في الشتات، وانصهار الجماعات الدياسبورية في سياسات " التنويم" لفكرة الدولة الأممية المتعددة الثقافات ( كامبوريللي).

كان مصطلح الدياسبورا عند فئة من النقاد الثقافيين يعمل بشكل مفهوم نظري واستراتيجية سردية من خلالها يمكنك رؤية الاستمرارية التاريخية والانقطاع في صناعة الفضاء الاجتماعي والثقافي والوطني. وفي هذا السياق كان هناك تأثير للأعمال النقدية لستيوارت هول وجايمس كليفورد وهومي بابا وري شو وأر راداكريشنان وسمارو كامبوريللي وليزا لو وبول غيلروي. وعلى الرغم من بعض الفروقات النظرية كل هذه الحالات تناولت الدياسبورا كسيرورة غير منتهية للنفي والترابط والفروقات التاريخية بين الثقافات المنوعة وخبرات أو تجارب الخروج من المكان والإزاحة. وضمن نطاق رؤية ميدنية حصرا.

لقد أكدوا جميعا على أن الدياسبورا يتم تعريفها " ليس بجوهر الحالة أو نقائها، ولكن بالتمايز بين المختلفات الضرورية وبالتنوع الإلزامي، وبوحي من مفهوم " الشخصية" التي نعيش بها ومن خلال اختلافها وليس رغما عن أنف هذا الاختلاف. وأخيرا بالهجونة (هول). وإن كتابا مثل ديون براند (في رواية: عند اكتمال وتغير القمر، 1999)، زايدي سميث (الأسنان البيض، 2000)، مايكل أونداتجي (شبح آنيل، 2000)، ودافيد دابيدين (المقصود،1991) قدموا صورا بلا معنى عن تجربة الدياسبورا ومعها الحنين الغريب والألفة الجينيالوجية.

والإلحاح المستمر على أن حالة الهجونة الثقافية تنطوي على رغبة مؤلمة بالكلية المستحيلة، يعني أنها مجزأة ومتشظية بسبب العنف التاريخي والجنسي وبالنزوع العنصري. إن تلك الروايات تفحص أيضا التاريخ المتقطع – كالقنانة والرق واستعمار الأمريكيتين والتنوير الأوروبي – وهذا ما يستحوذ على الشخصيات الدياسبورية ويقرر كيف أن ديالكتيك " الجذور" و" المسار" يبني حيوات المؤلفين وشخصياتهم. ومع أن ظاهرة الدياسبورا تمتزج خطأ بالتجربة الخاصة للشعوب الإفريقية، وانتحاء المفهوم نحو إعادة تصور الحداثة لنفسها وتهشيم الرابطة التقليدية والطبيعية ظاهريا بين "المكان، الموضع، والوعي" (غيلروي 2000) فقد كانت أيضا أداتية لكتاب من دياسبورات مختلفة ومتنوعة. بهذا المنطق كانت الدياسبورا مثمرة وأتاحن للكتاب اكتشاف التلاصق وليس التباعد بين جماعات مختلفة من شعوب تفرقت بسبب العنف والتوحش.



*العبارات المقتبسة من التوراة تمت مقارنتها مع ترجمة الكتاب المقدس- العهد القديم- منشورات جمعية الكتناب المقدس فسي الشرق الأدنى.

هايكي هارتينغ HEIKE HARTING : أستاذ مساعد في جامعة مونتريال (كندا) ومتخصصة بالدراسات والبحوث بعد الكولونيالية.

ترجمة صالح الرزوق / عن موسوعة الرواية في القرن العشرين. من إعداد برايان شافير. أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة رودس الأمريكية.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow