Alef Logo
دراسات
              

الطائفية وصراع المتشابهات

مروان عبد الرزاق

خاص ألف

2017-10-14

بعد أكثر من عقد على الإحتلال الأمريكي للعراق. وبعد ستة أعوام من انطلاقة الثورة السورية المجيدة، استطاع النظام بفعل العنف الفظيع تجاه انتفاضة الحرية والكرامة للشعب السوري، أن يحولها إلى انتفاضة مسلحة، وبالتالي انفجار المجتمع وانقساماته العمودية، كما هو الحال في العراق. حيث برزت في الساحة القوى التكفيرية الطائفية، مقابل النظام الذي عبر عن العنف الطائفي بأشد الأشكال دموية وإجراماً، وإلى جانبه الميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية.
فالقوى السياسية والعسكرية المتصارعة والتي تملأ المشهد الراهن في بلاد الشام، يمكن وصفها بالطائفية والإرهابية: النظام السوري وميليشياته، والنظام العراقي وميليشياته، المدعومان من إيران، مقابل الكتائب الإسلامية المتطرفة مشتقات القاعدة الجديدة مثل: "الدولة الإسلامية- داعش"، و"النصرة" وغيرهما. بالإضافة إلى "الطبقة" السياسية اللبنانية الطائفية، والتي يمكن أن تقود لبنان في أي وقت، إلى حرب طائفية جديدة بعد ربع قرن من اتفاق الطائف (1989).
ويُدير هذه الصراعات المُميتة "التحالف الدولي" الذي تشكّل في العام الماضي بقيادة أمريكا. حيث يبدو المشهد بأن المتصارعين على الأرض ليسوا أكثر من أدوات بيد القوى الإقليمية (تركيا، والسعودية، وقطر، وإيران)، وهذه بدورها أدوات بنسب مختلفة للغرب بقيادة أمريكا، وروسيا التي دخلت إلى الساحة من الأبواب الواسعة والمفتوحة أمام الجميع.
وإعلان انتفاضة "أهل السنة" في العراق في بداية (2014)، أو انتفاضة "العشائر" السنية، ضد حكومة "المالكي" الشيعية. والحديث المتواصل عن "أسلمة" الثورة السورية، ووصفها بأنها ثورة إسلامية، أي "سنية" ضد "النصيرية"، تجعلنا نواجه توصيفات جديدة للانتفاضات في العصر الحديث، وهي صادمة للعقول أيضا لأنها:
أولاً: تشير بوضوح إلى غياب المجتمع المدني، والأحزاب السياسية الوطنية. وقيادة زعماء العشائر، والمرجعيات الدينية الطائفية للانتفاضة.
وثانياً: لأنها تُعبّر عن جوهر الصراع بشكل واضح ومكشوف، على أنه صراع طائفي بين "السنة" و"الشيعة" على السلطة. إنه صراع المتشابهات العدمي. فالطائفية السياسية تُفصح عن نفسها بأوضح الصور. وبالتالي يمكن تسمية مشهد الصراع الراهن في بلاد الشام (سورية ولبنان) والعراق بعصر "الإرهاب الطائفي".
وهذا المشهد يدفعنا لمحاولة الإجابة على مجموعة من الأسئلة:
- من أين برز هذا العنف الطائفي؟ ومن أين جاءت هذه القوى الطائفية التكفيرية، وكيف استطاعت هذه القوى احتلال ساحة الصراع؟
- ولماذا آثار معركة "كربلاء" مازالت مستمرة حتى الآن، بعد أربعة عشر قرناً من حدوثها؟
- وأين تكمن جذور هذا الصراع الطائفي الدموي الوجودي والمفتوح؟ هل بسبب أنظمة الاستبداد التي استولت على السلطة في مرحلة ما بعد الاستقلال؟ أم أن جذور إشكالية الصراع الطائفي تكمن في ثقافتنا الراهنة والتي تمتد إلى الماضي السحيق؟ أم أن هذه الطائفية وصراعاتها وإدارتها هي نتاج الغرب الإستعماري؟ وهو التوصيف المريح، كما يراه العديد من المندهشين من تغوّل العنف الطائفي في المجتمع؛ حيث إنه غريب عنا، لأن ديننا، وثقافتنا منه براء!
- وأين القوى الوطنية الديمقراطية؟، التي وجدت نفسها بين مطرقة النظام وسندان التطرّف الديني.
- وهل من مخرج فعلي من هذه المرحلة، وما هو؟ أم أن مخاض الثورات الجديدة مستمر ولم يفرز بعد الشروط الموضوعية للخروج من النفق المظلم؟ وأسئلة أخرى لا تنتهي.
وفي بحث ميداني، أصدرته منظمة "اليوم التالي" في (٢٠١٥) بعنوان "المسألة الطائفية في سوريا-مسح اجتماعي للتوجهات"، "يشير إلى أن (٣٦٪) من السوريين يعيد المشكلة الطائفية إلى أسباب تاريخية، و(٣٣،٩٪) يعتقدون أنها بدأت بعد وصول حزب البعث للسلطة عام ١٩٦٣، و(٢٨،٢٪) يقولون إنها بدأت بعد انطلاقة الثورة السورية في ٢٠١١. (ص-٦٩). وبحسب المنطقة، فإن الأغلبية في طرطوس والحسكة ودمشق يعتقدون بالأسباب التاريخية، وأغلبية باقي المناطق تعتقد أن الأسباب سياسية، أي سلطة البعث هي السبب الرئيسي في المشكلة الطائفية. وهذا التباين في الرأي بين الطوائف له دلالاته. وتعمل هذه الدراسة على مقاربة هذه الأسباب مجتمعة.
وقد يُجيب أحدنا على كل هذه الأسئلة دفعة واحدة: بأننا مجتمعات متخلفة وما زلنا نسكن في التاريخ القديم. لكن هذا التوصيف العام والمريح للبعض غير كاف. ولابد،بل الضروري وضع الماضي على طاولة التشريح.
والهدف من هذه الدراسة، مقاربة الإجابة على الأسباب والأسئلة السابقة. وبالتالي المنهج التاريخي-وهو المنهج المتبع في هذه الدراسة- يدفعنا للعودة إلى الماضي، للبحث في أصول الإشكالية التي نعالجها، وهي الطائفية والصراع الطائفي، أي صراع المتشابهات، والبحث عن الأسباب التاريخية التي أعاقت حلها، ثم العودة إلى الحاضر وتشريح الإشكالية الراهنة-التاريخية، ستجعلنا أقرب لمقاربتها ومعرفة العوامل التي تغذي استمرارها حتى الآن.
ولذلك علينا الانطلاق من الحاضر نحو الماضي، ثم العودة إلى الحاضر. و"إذا كان حقاً قيل إن الحاضر لا يمكن فهمه إلا بعد دراسة الماضي، فإن من الصواب أيضاً أن الماضي لا يمكن فهمه، فهماً تاماً بدون التعرف الكافي على الحاضر”. (1)
ولذلك يجب العمل على مستوين:
المستوى الأول: البحث في جذور الصراع الطائفي واستمراريته إلى المرحلة الراهنة.
والمستوى الثاني: البحث في بنية الحركات والأحزاب السياسية ودورها خلال المراحل السابقة.
وينقسم البحث إلى جزأين.
الجزء الأول، ويتضمن:
- البحث في مفهوم الطائفية، والطائفية السياسية، وصراع المتشابهات.
- البحث في الانقسام الطائفي المذهبي، خاصة بين الشيعة والسنة، منذ بدايات تشكل الدولة العربية الإسلامية، ودور العامل الطائفي في الصراعات التاريخية، والتوقف عند بعض المفاصل التاريخية المتعلّقة بأهداف البحث.
- البحث في تاريخ تشكل النظام السوري منذ انقلاب (١٩٦٣)، وبنيته، وأهمية العامل الطائفي في هذه البنية،
- مناقشة بعض الآراء لمثقفين سوريين، حول بنية النظام السوري، للإجابة على سؤال: هل النظام السوري طائفي؟
والجزء الثاني، يتضمّن:
- البحث في بنية الطبقة السياسية التي استلمت السلطة بعد الاستقلال، والتوقف عند أهم الصراعات السياسية والعنيفة، بعد استلام حزب البعث السلطة. وصولاً إلى دور هذه الطبقة بعد الثورة. واستنتاج العلاقة بين الفاعل الوطني، والعامل الطائفي.
- البحث في العوامل التي ساعدت على صعود الأصولية السلفية والجهادية، بعد ثورات الربيع العربي، وسيطرتها على الساحة، وخاصة في سورية وهي المكان المدروس، بشكل خاص.
- ماهي الآفاق للخروج من النفق، والسيناريوهات المتوقّعة للمستقبل؟
- كتابة النتائج العامة للبحث.







الطائفية وصراع المتشابهات (١)

1- البحث في المفهوم

المتشابهات-الطائفية والطائفية السياسية
- المتشابهات في الوجود الاجتماعي لا تحصى، لكن المقصود هنا بصراع المتشابهات، الصراع الديني والطائفي. فالتشابه في البنية الأيديولوجية المغلقة. مثل (إسلام-مسيحية، سنة-شيعة). وهو صراع وجودي مغلق، يعمل على الانقسام العمودي للمجتمع وتدمير النسيج الاجتماعي. وهو صراع مدمّر ذاتي للمجتمع، ويدور في دائرة مغلقة، ودائماً يجر المجتمع إلى الوراء ويجعله محكوماً بالماضي. وهو يختلف جذرياً عن الصراع الجدلي للتناقضات الاجتماعية، بالمعنى الهيغلي أو الماركسي، الذي ينقل المجتمع إلى تركيب جديد أكثر تطوراً من السابق، ويكون المستقبل هو المنشود. وبذلك يحكم الحاضر الماضي ويتجاوزه، ويرسم خطوات المستقبل.
- الطائفة، لغوياً: مشتقة من (طاف، يطوف)، أي يدور حول المنزل، أو حول شيء ما.
- والطائفة، جمع طوائف، اصطلاحاً هي "جماعة، أو فرقة، يجمع أفرادها مذهب واحد". و"الطائفة من الشيء، جزء منه"، كما ورد في لسان العرب، ولا خلاف عليه بين أهل اللغة، والمتوافق مع المعنى الذي ورد في القرآن الكريم: " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " (الحجرات-9).
- وهناك من يميّز بين الطائفة، والفرقة. وتدل الفرقة على "التفريق والاختلاف"، وهي: طائفة من الناس عندها معتقد معيّن، قد يتعلق بأصول العقيدة، مثل: فرقة الخوارج، وفرقة المعتزلة. في حين يطلق اسم مذهب على المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي لأن الخلاف بين هذه المذاهب كان في فروع الدين وليس أصوله.
- وفي علم الاجتماع الحديث لم يعد مصطلح "الطائفة" مقتصراً على الخلاف في العقيدة الدينية فقط، إنما يشمل الاختلافات الاجتماعية واللغوية والثقافية.. وبالتالي تكون الطائفة-من وجهة نظر علم الاجتماع، "كل جماعة مختلفة بمثابة جماعة طائفية سواء كانت دينية، أو مذهبية، أو لغوية، أو حتى جماعة ذات نمط اجتماعي معيشي متميز مثل البدو والغجر".
وفي موضوعنا سنستخدم مصطلح الطائفة، كجماعة مرتبطة بالعقيدة الدينية بشكل خاص، كما هو سائد في منطقتنا.
ومن التاريخ القديم، نجد أن وجود الطوائف في التاريخ البشري نتاج طبيعي للاجتماع البشري. وذلك لتنوّع القراءات والتأويلات للكتاب المقدس. ويعود التشكّل التاريخي للطوائف في المجتمعات القديمة إلى مرحلة ظهور الأديان التوحيدية الثلاثة "اليهودية، والمسيحية، والإسلام"، حيث لم تكن محصورة في شعب واحد، أو عرق واحد، كما هو الحال عند الحضارات القديمة مثل: بابل وآشور ومصر. إلخ، والتي تم توصيفها بالوثنيات، أو الأساطير. إنما انتشرت هذه الأديان بين كل الشعوب والأعراق المتواجدة على الأرض، سواء بالتبشير والإقناع، أو عبر الغزو العسكري وفرض الدين بالقوة. وهذا الانتشار الواسع بين الشعوب المختلفة لغوياً، وثقافياً، وجغرافياً، أدّى إلى قراءات وتأويلات مختلفة للنص المقدس النبوي الأصلي، وبالتالي إلى تشكّل الطوائف الدينية في المجتمع الواحد، أو المجتمعات المتعددة. وهذا يعني أن تشكّل الطوائف هو نتاج طبيعي للتفاعل الاجتماعي الثقافي والديني بين أفراد المجتمع الواحد من جهة، وبين المجتمعات المختلفة من جهة ثانية، وهذا يعبر أيضاً، عن حيويّة الدين، وقابليته للتأويل، والفهم المختلف، والتأقلم مع الثقافات المجتمعية المختلفة.
وهكذا كانت بداية انقسام الطوائف اليهودية في العصر الهيليني (من أوائل القرن الرابع قبل الميلاد حتى موت الإسكندر المقدوني 323ق.م)، الذي شهد عظمة الثقافة الإغريقية الفكرية والعلمية والفلسفية. حيث انقسمت اليهودية إلى "الحسيدين" الذين تفرعوا إلى الفريسيين، و الأسينيين ، الذين دافعوا عن الشريعة والطقوس القديمة، ومركزهم الأساسي في فلسطين. والصدوقيين الذين كانوا يمثلون الاتجاه الهيليني في اليهودية، نتيجة تأثرهم بالثقافة الإغريقية وفلسفتها.
وكذلك حصل الانقسام الأول في المسيحية، في مجمع "خلقدونيا" بجانب القسطنطينية عام (451م)، حيث اجتمع 500 من الأساقفة بطلب من الإمبراطور الروماني، ليناقشوا مسائل عقائدية وإيمانية تتعلق بالإيمان، وطبيعة "المسيح"، بين الكنيستين الشرقية والغربية، فأصبحت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة الإسكندرية تُعرف بالكنائس "الأرثوذكسية", التي تعني باليونانية، "الرأي الحق، أو الرأي المستقيم"، وكنائس الغرب تحت قيادة كنيسة روما وسُميت بالكنائس "الكاثوليكية" والتي تعني "العالمية".
ما يهمنا هنا هو أن التشكل الأولي للطوائف في اليهودية والمسيحية، يرجع بالدرجة الأولى لأسباب عقائدية، لأن الديانتين لم تؤسسا لدول دينية. رغم أن اليهودية حاولت تأسيس ذلك، ونجحت في تأسيس بعض الإمارات الصغيرة، مثل "مملكة إسرائيل، ومملكة يهوذا" في القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد. (2). إلا أنها فشلت في النهاية بالاستقرار في أرض موحّدة، وشعب ودولة موحدة. والمسيحية لم تدعُ بالأصل لإقامة دولة مسيحية. وكما قال المسيح "مملكتي ليست من هذا العالم" (يوحنا37).
وكما يلاحظ يوسف زيدان أنه في القرون الثلاثة الأولى للمسيحية "لم تشن حرب واحدة نظامية بين المؤمنين وغير المؤمنين من الوثنيين واليهود والهراطقة، وكانت المجامع المسكونية (في نيقية325، القسطنطينية الأول381، إفسوس الأول431، إفسوس الثاني448، خلقدونيا451)، تلتئم دوماً لمناقشة مشاكل عقائدية تدور بشكل أو آخر حول طبيعة المسيح”. (3). وكان الرومان -وكذلك اليونانيون- "متسامحين في موقعهم تجاه الديانات الأخرى، لأنهم كانوا يعتقدون بوجود آلهة متعددة، ولذلك سمحوا بوجود حتى بالعبادة المصرية واليهودية والمسيحية في عاصمة إمبراطورتيهم.. وكانت سياستهم في شؤون الدين تقوم على مبدأ "عش ودع الآخرين يعيشون". إنما على الجميع أن يشارك في مراسم الاحتفال السنوية والاحترام لآلهة الدولة حين يطلب الإمبراطور ذلك"(4).
إلا أنه منذ تدخل السياسة، أي تدخل الإمبراطور الروماني في هذه المجامع المسيحية، بعد الاعتراف بالمسيحية كدين رسمي في (313م)، ثم كدين رسمي للإمبراطورية في (391م)، "أصبح السجال الكريستولوجي سجالاً دينياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. وصار مرآة للصراع بين الكنائس الكبرى، والمذاهب المختلفة. لكن القرار النهائي الفيصل هو للإمبراطور"(5). وبعد فشل مجمع خلقيدونية، أصبح العنف الإمبراطوري البيزنطي كبيراً ضد الكنيسة الإسكندرانية، وسالت دماء مئات الألوف من الذين كانوا يعارضون الإمبراطور ومذهبه، وكنيسته. وسعيه للسيطرة على مصر ونبيذها وخيراتها. ولم ينحصر الصراع بين الكنائس فقط، إنما "تحول المسيحيون من مُضطهَدين إلى جلادين، ومنعوا الدين الروماني القديم، بحجة الوثنية، ولاحقوا أتباعه حتى آخر رجل" كما يلاحظ أمين معلوف في "الهويات القاتلة". "واستمر هذا الوضع لثلاثة قرون، حتى فتح الإسلام للإسكندرية، حيث التحم الأساقفة بالسياسة وطالبوا بملكوت الأرض، وتركوا شعوبهم يطالبون بملكوت السماء كما بشر بذلك المسيح". (6) . ومنذ ذلك الوقت بدأت الطوائف المسيحية بالتكاثر بالمئات. إلا أن الانشقاق الأكبر في تاريخ الشعوب المسيحية، كان مع ظهور البروتستانتية-(المحتجون)- التي انشقت عن الكاثوليكية على يد مارتن لوثر في منتصف القرن السادس عشر. وانقسمت أوروبا مذهبياً بين البروتستانت في (أوروبا الشمالية الإسكندنافية الانجليزية)، والكاثوليك في أوروبا الجنوبية اللاتينية. "وكان هذا الانقسام هو الأعنف والأكثر وحشية في تاريخ الانقسام الديني في العالم أجمع. وقد تخللته حروب وعمليات إبادة لملايين الناس الأبرياء بصورة تفوق الوصف"(7).
وكان أكثرها دموية حرب الثلاثين عاماً (1618-1648)، حيث تم تدمير عشرات الآلاف من المدن والقرى، وانخفض عدد سكان ألمانيا-مثلاً- بمقدار (30%)-من عشرين مليوناً إلى ثلاثة عشر- والذكور إلى النصف. "وقد دفعت الأزمة البيولوجية الناتجة عن الحرب (وفرة في عدد النساء، وقلة في عدد الرجال)، للعودة إلى العهد القديم والسماح للذكر بأن يتزوج زوجتين"(8). ومن المفيد الذكر بأن انطلاقة الحرب كانت دينية، عندما حاول حاكم بوهيميا (تشيكيا حالياً) أن يفرض المذهب الكاثوليكي على السكان، إلا أنها "انتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى، بين فرنسا والنمسا، بل ويعد السبب الرئيسي في نظر البعض"(9).
يمكننا استنتاج مسألتين هامتين من هذه القراءة الجزئية لتاريخ تشكّل الطوائف المسيحية وصراعاتها في التاريخ القديم:
الأولى:
إن انقسام المجتمع إلى طوائف متنوعة هو نتاج طبيعي للآراء المختلفة حول الكون وتنظيم المجتمع. وإن قابلية النص للتأويل، والتفسير المختلف هو مؤشر إلى غنى وحيوية النص. والحوار يعمل على إنضاج الأفكار وصقلها لتصبح أكثر وضوحاً وفاعلية. لكن في حالة النص الديني، يكتسب الحوار والتأويل خصوصيته بسبب قداسة النص الديني، الذي يجعل مساحة الحوار محدودة، وضيقة إلى حد ما. ورغم ذلك قدم لنا التاريخ تأويلات وتفاسير واسعة وكثيرة مختلفة.
وكذلك يقدم لنا التاريخ أنه يمكن للطوائف الدينية التعايش جنباً إلى جنب بشكل سلمي، طالما اقتصر الصراع على حوار فكري-عقائدي كما حصل في القرون الثلاثة الأولى للمسيحية. وكما حصل أيضاً بعد انتهاء الحروب المذهبية الأوروبية، ليس مع "صلح وستفاليا1648" الذي أوقف الحرب، إنما مع الثورة البريطانية (1688)، ثم الثورة الفرنسية (1789)، التي كانت البوابة الأوروبية الأولى والرئيسة لإسقاط الملكية، والأيديولوجيا الكنسية الدينية التي كانت تقدم للملك الشرعية وفق نظرية "الحق الإلهي في الحكم". وبناء الدولة القومية الحديثة، تحت شعار الحرية والعدالة وحقوق الإنسان. والذي لم يتحقق نسبياً على الأرض إلا في القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الثانية، وانتهاء عصر الصراعات القومية الأوروبية، ونهاية عصر الاستعمار.
والثانية:
عندما يصبح الدين، أيديولوجيا الدولة، أي عندما تسيطر السياسة على الدين. وتختار مذهباً، أو أيديولوجيا طائفة ما، وتستبعد الطوائف الأخرى، تنعدم مساحة الحوار، ويحل محل الحوار، الصراع الدموي على السلطة. وتتشكل الطائفية السياسية، وهي:
- التي تعمل على تحويل هذه العقائد المتنوعة، إلى منظومة فكرية عقائدية مغلقة غير قابلة للتغيير .
أو لاً إنشاء "السياجات الدوغمائية المغلقة" بين الطوائف، بتعبير محمد أركون، ثانياً واعتبارها عقائد سامية وأفضل من كل العقائد الأخرى ثالثاً. ولا تقبل الحوار مع الآخر رابعاً.
فالطائفية السياسية، هي استخدام الدين، أو المذهب الديني، كأيديولوجيا لتحقيق أهداف سياسية، والوصول إلى السلطة. وغالبا يعمل عليها سياسيون ليسوا متدينين، والأمثلة لا تحصى بدءاً من قسطنطين الروماني، مروراً بخلفاء الدولة العربية الإسلامية، وملوك أوروبا في العصور الوسطى، حتى ممثلي الطائفية السياسية في لبنان حالياً. إنما يستخدم هؤلاء رجال الدين وأيديولوجيتهم لتبرير وشرعنة الحاكم.
والطائفية السياسية هي التي تنقل الطوائف من موقعها الطبيعي كأجزاء من المجتمع متشاركين في العيش المشترك، إلى وحدات اجتماعية طائفية مغلقة متصارعة. وتتشكّل الطائفية الاجتماعية إذا صح التعبير، والشخص الطائفي بوصفه عضواً في الطائفة أولاً، وليس فرداً حراً في المجتمع، والذي يعرّفه معجم أوكسفورد (The sectarian person) بأنه:
"الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة، ويرفض الاعتراف بالطوائف الأخرى، ويسلب حقوقها بدافع التعصّب لطائفته في جميع الظروف والأحوال" (10).
"واصل الطائفية ليس بوجود التعدد المذهبي والديني في المجتمع، كما هو في التصور الإستاتيكي، والطائفية داخل الدولة ليست انعكاساً للطائفية داخل المجتمع، إنما أصل الطائفية هو في غياب الدولة-الأمة". (11) . ويرى غليون أن الطائفية هي " السوق السوداء أو الموازية للسياسة الطبيعية، وهي ممارسة سياسية ملتوية في ميدان الصراع على السلطة بالمعنى الواسع للكلمة، لا نزوعاً طبيعياً لدى الطوائف أو الجماعات إلى نشر دينها وقيمها؛ وهذا يعني أنه لا علاقة للطائفية بتعدد الطوائف أو الديانات"(12).
هل يمكن وصف "السنّة" بالطائفة؟
وفق المفهوم السابق، لا يمكن وصف "السنّة" بالطائفة، لأنهم الأكثرية في المجتمع، أو في الأمة الإسلامية، في زمن الإمبراطوريات القديمة. ويضيف أهل السنّة، رفضهم تسميتهم بالطائفة، لأنهم "الفرقة الناجية"، كما يعتقدون، ويمثلون الإسلام الحق، وفي السائد لديهم لا يوجد تعصّب مذهبي داخل الحقل السني، لاعترافهم بالمذاهب الأربعة، رغم اضطهادهم للطوائف الأخرى عبر التاريخ. لكن بعد انتهاء عصر الإمبراطوريات الدينية، وآخرها الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن العشرين، ورسم الحدود الوطنية والقومية للشعوب، توزّعت الطوائف بين الدول المتعددة القوميات والأعراق. فالسنة أكثرية في أغلب الدول العربية، وأقليّة في دول أخرى، مثل: إيران، والهند، والصين، والفلبين وغيرهما. وكذلك الشيعة هم السواد الأعظم في إيران والعراق، وأقلية في باقي الدول. والسنّة أغلبية في سورية، وأقلية في العراق ولبنان. والمسلمون عموماً بغض النظر عن طوائفهم، أقليّة في أوروبا وأمريكا. وبالتالي لم يعد وجود فعلي "للأمة الإسلامية" على الأرض. هكذا أصبح من الممكن توصيف السنّة كطائفة مثل الطوائف الأخرى. وعلى المستوى السياسي، لم يعد مجدياً الحديث عن أقليّة وأكثريّة دينية. لأن مثل هذا التصنيف، يجر المجتمع إلى الوراء، ويقف عائقاً أمام بناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
2- الطائفية-البحث في الجذور
من حيث الجوهر لا يختلف مفهوم الطائفية ومضامينها في الديانات المختلفة وخاصة بين المسيحيّة والإسلام. لكن يمكن أن نلاحظ الخلاف في صيرورة تشكل الطوائف. يتجلّى أمامنا منذ بدايات تشكّل الدولة العربية الإسلامية، أولويّة، أو أسبقية الصراع السياسي على الحوار الفقهي-الديني.
وقد ساعدت الظروف الاجتماعية والجغرافية النبي محمد(ص) لكي يعمل على تشكيل دولة دينية إسلامية، مركزها مكّة، ثم المدينة، وشعبها يتكلم لغة واحدة هي العربية. حيث اكتملت عناصر الهوية. أي اللغة والدين؛ وهما الأساس الذي بُنيت عليه الإمبراطورية العربية-الإسلامية.
ومنذ وفاة النبي (11هجري)، وقبل أن يتم الدفن بدأ الصراع السياسي على الحكم في سقيفة بني ساعدة. وهو الخلاف الأعظم بين المسلمين كما وصفه الشهرستاني " ان أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة. إذ ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما ما سُلَّ على الإمامة في كل زمان" (11).
وتقدم المراجع التاريخية معلومات متناقضة حول الاختيار السلمي لأبي بكر، كأول خليفة للنبي. أم أن هذا الاختيار كان مترافقاً مع العنف السياسي كما يذكر الطبري. حيث لم يتم اختيار "أبي بكر" خليفة للرسول (11-13ه) بالإجماع أو التوافق. إنما جاء بالدعم، والضغط من عمر وتهديده لعلي بن أبي طالب، والزبير، بقوله: "لتبايعا وأنتما طائعان، أو لتبايعا وأنتما كارهان! فبايعا" (12) ويروي البعض أن علياً لم يبايع أبا بكر إلا بعد ستة أشهر من وفاة الرسول وبعد وفاة زوجته فاطمة التي لم تكن راضية على خلافة أبي بكر.
ثم أوصى أبو بكر لعمر بالخلافة إلى أن قتل (23ه-644م) بخنجر مسموم على يد أبي لؤلؤة المجوسي. ثم عثمان بن عفان (23-35)، جاء باختيار مجلس الشورى الذي أوصى به عمر، حيث رفض علي نهج الشيخين (أبو بكر وعمر)، وقال أنه يفضل نهج النبي واجتهاده الشخصي (الطبري). وأيضاً مات مقتولاً.
ثم انتخاب علي (35-40)، ورغم كل فضائله وعلمه، إلا أن اغتيال عثمان، وانتخاب علي فتح الأبواب أمام صراع سياسي عنيف ومكشوف بينه وبين الأمويين بقيادة معاوية. وكانت معركة "الجمل"(36ه) في البصرة بقيادة عائشة زوجة الرسول ومناصرة الزبير، انتهت بانتصار علي. ثم معركة صفين(37ه)، على ضفاف الفرات، والتي انتهت بالتحكيم، وخداع عمرو بن العاص، والتي أدت إلى انشقاق في جماعة علي ورفضهم التحكيم(الخوارج)، ثم قتالهم لعلي وأخيراً اغتياله(40ه-661م). وانتهت بذلك الخلافة الراشدية، وبدأت الخلافة الأموية الوراثية.
وكانت معركة كربلاء(61ه-689م)، ومقتل الحسين وإبادة من معه من شيعة علي، بداية لصراع سياسي دموي في كل الحقب التالية.
وتُشير المعلومات التاريخية إلى أن الصراع السياسي على السلطة قد بدأ في الدولة الإسلامية الوليدة قبل تشكل الطوائف المذهبية. والانقسام الأول في المجتمع الإسلامي الوليد هو انقسام سياسي، صراع سياسي على السلطة رافقه عنف دموي. وبدأ في البداية، قبلي-عشائري كما جرى في السقيفة، بين المهاجرين "قريش"، وهي قبيلة النبي من جهة، وقبيلتي الأنصار "الأوس والخزرج"، من جهة ثانية. ولم يكن للعامل الديني أي دور في اختيار الخليفة. ثم فيما بعد مع توسّع الفتوحات، امتد الانقسام جغرافياً بين أنصار معاوية (قسم من قريش وأهل الشام)، وأنصار علي (العراق ومصر والحجاز وغيرها). بين مؤيد لحكم الأمويين، ومعارض لهم.
"ومع قيام الدولة الأموية، أصبحت العراق مركزاً للعديد من المعارضات. الخوارج، ثم ظهرت القدرية، والجهمية، والجعدية، والمعتزلة، وغيرها، بالإضافة إلى شيعة علي (الموالين لعلي)، والمختلفين عن الاثني عشرية كما نراها اليوم"(13). وكانت هذه المعارضات تسمى فرقاً كلامية، وليست طوائف. وكانت الحوارات تدور حول الخلافة، أو الإمامة، أي حول السلطة وشرعيتها، بالإضافة إلى مسائل دينية عقائدية مثل: خلق القرآن أو أزليته، ويوم القيامة، وجنس الملائكة. إلخ، التي أثارها "المعتزلة" الذين تلقوا الدعم من الخليفة المأمون الذي أعلن الاعتزال عقيدة الدولة.
وكان انتقال السلطة من الأمويين إلى العباسيين دموياً. حيث تم إبادة السلالة الأموية، ونهب بيوتها وتدميرها، وحتى نبش القبور. ولم تكتسب الصراعات والانتفاضات ضد الأمويين، ومن بعدهم العباسيين، الصفة الطائفية "الشيعية"، رغم أن أغلب قيادتها من الشيعة.
أولا، لأن الشيعة كانوا جزءاً من المعارضات آنذاك، ضد الظلم الذي فرضه الأمويون على جميع معارضيهم. وكان الكثير من أهل السنة يقفون إلى جانب الشيعة ضد ظلم الأمويين، والعباسيين لهم. مثل وقوف أبي حنيفة(80ه-150)، وهو أول الأئمة عند أهل السنة، إلى جانب تمرد الشيعة ضد الأمويين والعباسيين، حيث تم سجنه بأمر من الخليفة العباسي، لأنه رفض تولي أمر القضاء، حتى وفاته عام(١٥٠ه).
وثانياً، لم تتحول فرقة الموالين لعلي (شيعة علي) إلى مذهب ديني، أو طائفة دينية، إلا في أواخر العهد الأموي، وبداية العباسي، على يد محمد الباقر(57-114ه)، وابنه جعفر الصادق(80-150ه) الذي يُعدّ المؤسس الفعلي للمذهب الشيعي، والذي ابتعد عن السياسة وفق مبدأ "التقية" السياسية، كي يتفرغ لتأسيس الفقه المذهبي للشيعة.
وبالمقابل لم يتأسس "التسنن" كطائفة دينية إلا مع "القرن الثالث الهجري بدعم من الخليفة العباسي المتوكل(205-247ه)، الذي أعلن الحرب على كل الفرق الإسلامية، ودعا إلى فرقة مرتبطة به، وتستند إلى سنة النبي(ص) استناداً شرعياً، بعيداً عن الملابسات السياسية التي حكمت سلوك الفقهاء السابقين. وكان شاعر المتوكل-علي بن الجهم- الذي كان يهجو علي بالاسم، أول من استعمل كلمة "سني"(14).
وبذلك أُسدل الستار على العصر الإسلامي الذهبي الذي خلاله سادت الحوارات الفقهية الحرة، والترجمات الكبرى للفلسفة اليونانية، وتأسيس بيت الحكمة، وتطورت العلوم على كافة الأصعدة. وتم الاعتراف بالأئمة الأربعة وأعلامها: أبو حنيفة (80-150)، ومالك بن أنس (93-179)، والشافعي (150-204)، وبن حنبل(164-241ه).
"وتكرّس الانقسام بين الشيعة والسنة خلال القرن الثالث والرابع للهجرة، حيث خلت الساحة لهما بعد زوال المعتزلة والأشاعرة، وانحسار المد الباطني الإسماعيلي في سورية، وانكفاء الخوارج في عمان، والزيدية في اليمن، وأصبح السنة هم الأكثرية المطلقة عالمياً. وبقي الشيعة طائفة صغيرة حتى بعد اكتسابهم القوة بتشييع إيران في العصر الصفوي في القرن السابع عشر الميلادي" (15)
وقد دخل الصراع في مرحلة أكثر دموية مع دخول "البويهيين" بغداد(321ه)، في عهد الخليفة العباسي "المستكفي"، مع بداية القرن الرابع الهجري، وأصبح التشيع علنياً في مرحلة سيطرة بني بويه. وسمح لهم لأول مرة بممارسة طقوس عاشوراء." كما يورده ابن كثير في البداية والنهاية". ثم انتهاء مرحلة البويهيين على يد السلاجقة الأتراك (447ه) الذين أعادوا المذهب "السني" للخلافة المنهارة، حتى سقوط بغداد "656ه-1258م".
وقد انتشر المذهب الشيعي قبل وبعد ذلك، في معظم أرجاء الإمبراطورية الإسلامية. وتشكّلت إمارات أو دول عديدة. في بلاد الشام والعراق، الحمدانيون في الموصل وحلب (293-392ه)، والأدارسة في المغرب (194-305ه)، والدولة الفاطمية في مصر (296-567ه). لكنها انتهت جميعها، مع تشكل الإمبراطورية العثمانية.
ولم يتوقف الصراع الشيعي-السني مع انتقال الخلافة إلى العثمانيين. حيث بدأ الصراع مع الدولة الصفوية منذ بدايات تشكلها (1501)، وانتصار العثمانيين عليهم، في معركة "جالديران" (1514م)، ثم احتلال العثمانيين لبلاد الشام وطرد المماليك المتحالفين مع الصفويين بعد معركة مرج دابق (1516). ولم يتوقف الصراع حتى انهيار الدولة الصفوية (1736).
وكانت ساحة الصراع الرئيسية بين العثمانيين والصفويين في العراق. حيث استطاع الصفويون احتلال بغداد(1624م)، ثم استعادها العثمانيون في (1635). وبالتأكيد كان "أساس الصراع بينهما جيوبولتيكي على منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى" (16)، لكن تحت رأية الأيديولوجيا المذهبية. حيث قام الصفويون بتحويل الإيرانيين من مذهب السنة إلى التشيع. ومحاولتهم تشييع أهل بغداد عند احتلالها حيث قتلوا فقهاء السنة وعلماءهم. وكذلك قام العثمانيون بنفس الأعمال عندما استعادوا بغداد والعراق كاملاً، حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية. وهذا كان يحصل في كل الصراعات التاريخية. فالطرف المنتصر يفرض مذهبه على الشعب، ويقوم بكافة أعمال القتل والتدمير للرموز الدينية والثقافية وحتى نبش القبور. وعندما ينتصر المذهب المعاكس يقوم بالأفعال نفسها..
لكن "اضطهاد الشيعة خلال المرحلة العثمانية، كان أكبر من باقي الأقليات، بسبب الخلاف المذهبي. حيث لم يعترف فقهاء الشيعة بشرعية الخلافة العثمانية (السنية-الحنفية المذهب)، وكان الرد العثماني، الاعتماد على فتاوى فقهاء السنة بجواز قتل الشيعة باعتبارهم مرتدين عن الإسلام. وكانوا غير مقبولين في الجيش العثماني، ووظائف الدولة، ومدارسها" (17).
وكانت طقوس عاشوراء ممنوعة في العراق حتى(1831م)، حيث سمح بها الوالي "علي رضا باشا" والذي كان "بكتاشيا" يحب أهل البيت والأئمة الاثني عشرية. وكذلك المواكب الحسينية، وطقوس العزاء، ومسيرات زيارات ضريح الحسين في كربلاء.
وشمل الاضطهاد والقتل أيضا "العلويين" الذين اتخذوا اسم "النصيريين"، أو "النميريين" نسبة إلى "محمد بن نصير النميري-توفي 270هجري"، والذي انشق عن الاثني عشرية الشيعية، ونصب نفسه بابا، أو مكلفاً لشؤون الإمام الغائب. " "وهذا الانشقاق كان خروجاً سياسياً عن الاثني عشرية، وجوهر الخلاف على إدارة شؤون الإمام الغائب". وأصبح الخلاف بين الشيعة والعلويين حول شخصية بن نصير الذي يعدّونه الشيعة شخصاً سيئاً". وبالمقابل كانت "فتاوى الحامدية للسلطان سليم العثماني جميعها تدعو لقتالهم، "لأنهم أشد الناس كفراً "وبحسب فتوى بن تيمية أيضاً. وتم ملاحقتهم وقتلهم في كل المراحل، وخاصة في حلب وجبال كسروان في لبنان، ومطاردتهم حتى سكن المتبقي منهم في الجبال. وبالإضافة للتكفير تم الصاق كل التهم السيئة بهم. ومنها اتهامهم بشرب الخمر، وإقامة ليلة "الماشوش، أو الحاشوش، أو الكفشة". وهي من طقوس الجنس الجماعي. "ولذلك ظلوا لفترة طويلة بعيدين عن ممارسة الإسلام كعبادة ومعاملات، وذلك بسبب عزلتهم وتقوقعهم على ذاتهم، وهيمنة التقاليد الصوفية عليهم. وهم لم يبدؤوا ببناء المساجد، وممارسة صلاة الجمعة والجماعة إلا في منتصف القرن الثالث عشر الهجري". "وفي محاولات لفك العزلة والاقتراب من بقية المسلمين، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بدؤوا الاتصال بعلماء الجعفرية بجبل عامل والنجف، لتأكيد صفة الإسلام والتشيع، والتخلص من تسمية النصيرية. ومنذ 1948 بدأ النجف باستقبال الطلبة العلويين للدراسة الدينية، وكذلك اعتراف مفتي سورية في 1952 بالعلويين كشيعة جعفريين، كمذهب خامس".(18) .
***
إن نقل أو نشر أي شيء من هذه الدراسة دون تفويضٍ مباشر من الكاتب" مروان عبد الرزاق " يعتبر خرقاً لقوانين الملكيّة الفكرية ويحاسب عليه ضمن القوانين المتداولة.


يتبع / الجزء الأول
ألف / خاص ألف


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ردّاً على " قُحولة الرأي" لدى كاتب شيوعي ومعتقل سياسي!

27-آذار-2021

الذكرى العاشرة للثورة السورية

20-آذار-2021

قابيل: والحديث مع الله.. بداية الخلق بين الثواب والعقاب!

07-آذار-2020

الطائفية وصراع المتشابهات

07-كانون الأول-2019

الطائفية وصراع المتشابهات الجزء الأخير

23-كانون الأول-2017

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow