Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

شيء ما في المياه/ روسكين بوند ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2018-02-17

اكتشفت البركة قرب راجبور، في يوم صيفي حار، مضى عليه حوالي خمس عشرة سنة. وكنت في ظل أشجار سال كثيفة، تبدو مريحة للنظر ومشجعة للاقتراب. تخليت عن ثيابي وقفزت في البركة.

كانت المياه أبرد مما أعتقد. برد مثلج وقارس، ربما لأن الشمس لم تلمسها لفترة طويلة على ما أفترض. ضربت المياه بذراعي بقوة وأنا أسبح باتجاه الضفة المقابلة، وهتل تمسكت بالصخور وسحبت نفسي وأنا أرتجف. ثم رغبت بالسباحة مجددا. فألقيت نفسي في عباب الماء مرة ثانية، وتسللت في المياه على بطني بتؤدة حتى بلغت وسط البركة. ولكن شيئا مر من بين ساقي. شيء رفيع وصلب. ولم أشاهد أحدا، أو أسمع صوتا. فسبحت بعيدا، لكن الشيء المتسلل والخفيف لاحقني. ولم أكن أستسيغه.

ثم التف شيء غريب حول ساقي. ليس نباتا مائيا. إنه شيء التصق بقدمي، وله لسان طويل لامس وركي. ضربت بقوة، وابتعدت عنه رغم أنه لم يكف عن المطاردة والإزعاج. كان شيئا معزولا ويتململ في الظل. ثم رشني بسائل لزج. بذلت جهدي لأبتعد ولكن انتابني الرعب مما يأتي من هذه الأعماق. وأخيراغادرت الماء بأمان، ووجدت صخرة دافئة تحت الشمس فوقفت عليها هناك ونظرت للماء.

لم يتحرك شيء. كان سطح البركة هادئا ومستقرا. رأيت فقط بضعة أوراق تطفو عليه. وما من ضفدعة، ولا سمكة، ولا غرنوق على امتداد البصر. وهذا بحد ذاته يبدو غريبا. بالنسبة لك يجب أن تتوقع نوعا من حياة المسطحات المائية أمامك.

ولكن كنت متأكدا من وجود شيء يعيش في البركة. أنا متأكد من ذلك. شيء له دم بارد، أبرد من الماء وأكثر رطوبة منه. هل هو جثة علقت بين الأعشاب؟. لا أريد أن أعلم، وهكذا ارتديت ثيابي وهرعت بعيدا.

بعد عدة أيام سافرت إلى دلهي. وهناك عملت في شركة إعلانات، وكانت وظيفتي أن أخدع الناس وأشرح لهم كيف يواجهون حرارة الصيف بشرب المشروبات الغازية التي تزيد من شعورك بالعطش. ومع الوقت نسيت البركة التي رأيتها في الغابة.

ومرت عشرة سنوات قبل أن أعود إلى راجبور مجددا. غادرت الفندق الصغير الذي آوي إليه، ووجدت نفسي أزور نفس غابة السال القديمة، وباللاشعور انجذبت للبركة التي لم أتمكن من إنهاء سباحتي فيها. لم أكن متحمسا جدا للسباحة هناك مرة أخرى، ولكن انتابني الفضول لأعرف فيما إذا كانت لا تزال حيث هي. وهل سأجدها هناك كما تركتها، مع أن كل ما يحيط بها تبدل. فقد برز عدد من البيوت والبنايات الإضافية بينما في السابق لم يكن يوجد غير الفراغ. وانتبهت لنشاطات ملحوظة تدور بالقرب من المكان.

ورأيت عددا من العمال المشغولين مع خزانات لحمل الماء وأنابيب من المطاط، وكانوا يجففون المياه من البركة. كما أنهم وضعوا سدا وحولوا تيار المجرى الصغير الذي كان يصب فيها.

وكان يشرف على العملية رجل حسن الهندام ببذة سفاري بيضاء. واعتقدت في البداية أنه ملاحظ شرف أوكلت إليه مهمة العناية بالغابة، ولكن تبين لي أنه صاحب المدرسة الجديدة التي أنشئت بالجوار.

سألني:" هل تعيش في راجبور؟".

" كنت.. في وقت من الأوقات.. لماذا تجفف البركة؟".
قال:" لأنها مصدر للمخاطر.. غرق فيها إثنان من تلاميذي مؤخرا.. وكلاهما طالب ناضج. طبعا من المفترض أن لا يسبحا هنا دون إذن. البركة عميقة. ولكن أنت تعلم كيف هي حماسة الأولاد. ما أن تضع قاعدة حتى يدب فيهم الفضول لكسرها".
وأخبرني أن اسمه كابور، وقادني إلى بيته، وهو كوخ جديد البناء وله شرفة عريضة ورائعة. وأحضر لنا خادمه كوبين من الشراب البارد. وجلسنا في كرسيين من القصب يشرفان على البركة والغابة، وعلى الطرف الآخر من ساحة وطريق مغطى بالحصى يقود لمبنى المدرسة، والتي كانت تلمع وتبرق في الشمس.

سأأته:" هل غرق الصبيان في وقت واحد؟".

"نعم. كانا صديقين. ولا بد أن خطرا هاجمهما. فأطرافهما كانت ملتوية ومسكورة، والوجهان مشوهان. ولكن سبب الموت هو الغرق- وهذا هو رأي الطبيب الشرعي".
رمينا نظراتنا نحو أطراف البركة، وكان رجلان لا يزالان منهمكين بالعمل، بينما غاب الآخرون سعيا وراء وجبة منتصف اليوم.

قلت له:" ربما كان من الأفضل أن تترك المكان وشأنه. على أن تحيطه بأسلاك شائكة. وهكذا تمنع أولادك من الاقتراب. من ألوف السنوات الماضية، كان هذا الوادي مغمورا بمياه البحر. وللأسف لم يتبق منه غير القليل من الجداول والبرك".

"أود أن أشغل المكان ببعض الأبنية. ربما مسرح مفتوح أخطط له. ويمكننا دائما تجهيز بركة صناعية في مكان بديل لاحقا".

بقي مع الوقت رجل واحد عند البركة. وكانت ركبته تغوص عميقا في المياه الموحلة المضطربة. ثم شاهدنا أنا والسيد كابور ما حصل بعد ذلك.

صعد شيء ما من قاع البركة، وكان يشبه حلزونا عملاقا. ولكن رأسه مثل رأس إنسان، وجسمه وأطرافه أقرب لأخطبوط. كأنه مصاص دماء هائل الحجم. وكان أطول من الرجل الذي وقف في البركة. يا له من مخلوق نحيل القوام وطري الملمس، كما لو أنه بقي على قيد الحياة من كائنات ما قبل التاريخ. وبحركة مرعبة، احتضن الرجل كله ولم يعد بمقدورنا أن نرى منه غير ذراعيه وساقيه وهي تقاوم بقوة وبلا فائدة. وأخيرا جره مصاص الدماء معه إلى تحت سطح المياه.

تركنا أنا وكابور الشرفة وأسرعنا إلى البركة. ورأينا فقاعات تأتي من النفايات الخضر القريبة من السطح. كان كل شيء هادئا وصامتا. ثم، مثل فقاعة تخرج من فم طفل صغير طار جسم الرجل المفقود من تحت الماء، وجاء كأنه صاروخ نحونا. وكان ميتا ومنهارا وجافا وقد فقد كل سوائله.

كان من الطبيعي أن يتوقف النشاط في البركة. واضطررنا للتستر على الحقيقة وادعينا أن العامل اختل توازنه وسقط على الصخور ومات.

واستحلفني كابور لكتم السر، وإلا على مدرسته أن تغلق أبوابها بالأخص إذا سمع الناس بحوادث غرق ومصادفات كثيرة وغريبة في الأنحاء. ولكنه شيد جدار بين المدرسة والغابة وجعل البركة عمليا في عالم آخر. وغطت كثافة الغطاء النباتي في غابة السال على ما تبقى.

ثم حل وقت المطر الموسمي وامتلأت البركة بالماء مجددا. ويمكنني أن أدلكم على طريق للوصول إليها لو لديكم رغبة بالمشاهدة، إنما لا أنصحكم أن تجربوا السباحة فيها.



روسكين بوند Ruskin Bond : كاتب هندي من أصول بريطانية. ويعيش في لاندور التابعة لولاية موزوري الهندية. حاز على جائزة ساهيتيا أكاديمي عام 1992 عن كتابه ( أشجارنا لا تزال تنمو في ديرا).



الترجمة من مجموعته ( موسم الأشباح).





























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow