Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

حينما كنت صغيرا / تيودور ويلير ترجمة:

صالح الرزوق

خاص ألف

2018-06-09

يجب أن تعلم أنني لاأمتلك بيت برينتوود. كنت أمكث فيه فقط، مثل أي حارس للبيوت. ولذلك حينما رن تيدي الجرس ودخل إلى الممر، ترددت، ولم أخبره أن ينصرف كما كنت أود أن أفعل. فقد أصبح داخل البيت مثلي، إذا فهمت ماذا أقصد- دخل دون دعوة، وبلا كلمة ترحيب واحدة. الوجود كان عابرا في تلك الأيام،عندما كنت أعيش في برينتوود. ولم يكن أمامي ما أفعله غير أن أسمح له بالدخول.
كان تيدي صبيا بعمر أحد عشر عاما. متين البنية والقوام ووجنتاه بدينتان جدا وإذا ابتسم يغلق عينيه وبصعوبة يفتحهما حتى إن لم يبتسم. وشعره متشابك ومسترسل بكتل شقر متمردة تكومت على طرفي رأسه، كما لو أنه نام عليه ولم يغتسل. تبادلنا نظرة عميقة في الممر. كان بسروال جينز قصير وقميص خفيف ضيق جدا. وأنا بثوب حريري فضفاض له حزام وجدته في أعلى السلالم، وهو الثوب الذي أرتديه غالبا معظم الليل والنهار فوق سروالي القصير وقميصي الخفيف. ربما كان مالك البيت يعرف تيدي. كان آل سينكلر من أصدقاء العائلة، وفي ذلك الشهر ذهبوا في سياحة إلى توسكاني. وقد ذكروا خطة رحلتهم خلال حفلة عقدها والداي قبيل أسابيع. وسمحت لنفسي بالدخول من باب مفتوح بعد سفرهم لأنني كنت بحاجة لمكان أعتزل فيه.
والآن أنت تعلم حقيقة الوضع. وأنه ليس بمقدوري أن أرفض استقبال تيدي.
ربما هو ابن الجيران، أو أحد الأقارب وقد أتى للاطلاع على البريد والاحتفاظ به، ولذلك تحليت معه باللباقة. ولكن من جانب آخر ربما لا أحد من كلينا ينتمي لهذا المكان. وكلانا غريب عليه.
سألته:" ما اسمك؟".
"تيدي".
قلت له:" وهذا اسمي أيضا. اسمي تيد".
هز تيدي رأسه، وابتسم بتهذيب، ثم تأمل البيت، وتنفس بقوة وسرعة من أنفه الأفطس، كما لو أنه صعد السفوح جريا حتى وصل إلى الباب. تابع إلى السلالم نحو غرفة المعيشة، ولم أعترض. وضغطت على نفسي كي لا تحتك أذرعنا بعضها ببعض. لم أكن أحب أن أقترب من تيدي، ولا سيما بعد أن تجول في غرفة المعيشة، وانتقل إلى غرفة الطعام، ثم إلى المطبخ، وتناول البيبسي، وجرع العلبة بجرعات كبيرة ولم يقاطعه خلالها شيء غير باب الثلاجة التي ارتطمت بظهره فأعاد إغلاقها.
"ما رأيك أن أناديك تيد الصغير وتناديني تيد الكبير؟ ما قولك؟".
يمكنني أن أشاهد أنه لا يوافق على الفكرة. لكنه ابتسم، ابتسامة - تكشيرة. ولم ينظر لي بعيني، فقلت:"هل لديك اقتراح آخر؟".
قال:"اسمي تيدي". وتابع النظر بحياء. وكان هادئا ولم أسمعه إلا بصعوبة. وتابع:"يمكن أن أناديك هانز".
"هانز؟".
"نعم".
"لا أفهم. لماذا يجب أن أصبح هانز؟".
"أنا أدعوك كذلك".
سألته:"تناديني هانز؟".
ومنذ تلك اللحظة وهو يدعوني بهذا الاسم.
كان لدى آل سينكلر مكان رائع في برينتوود. أحجار كبيرة مشقوقة - مستوية من الأعلى. شجرة - بتاج أشعث. وسنديانة محلية للتسلق في الباحة الخلفية، ونهر رمادي وأبيض داكن من أمام المشهد لمزيد من الأناقة. سطح مستو. ومن المقدمة واجهة تشغلها النوافذ من الأرض للسقف. أربع غرف نوم. وأمكنة استجمام مفتوحة. وبار حافل على الشرفة أمام البيت.
ولا شك أن آل سينكلر عقدوا حفلات حميمة، في أسفل الهضبة تحت البيت توجد بركة رخامية يحيط بها أشجار الصفصاف الباكي. والبركة مع الصفصاف صنعت مربعا مذهلا في وسط الليل، بالأخص إذا تبخر الماء من سطح البركة، وتألقت ألأضواء عليها. وبا له من مشهد محير إذا برز من وسط الظلام ورأيته من نافذة غرفة النوم. أحيانا كنت أقترب من البركة وأجد نفسي داخل المربع، كأنني على منصة، الظلام يحيط بي باستثناء البخار الذي ينفصل عن الماء، والأوراق العاجية التي تتدلى من الصفصاف الباكي المترنح مع الهواء فوق رأسي تقريبا. كنت أجلس قرب البركة يوميا بعد الغداء حتى يحين العشاء، ثم أعود حتى وقت متأخر في الليل. ولا أفعل شيئا. كنت أحب الجلوس هناك والتلويح لامرأة تسكن بالجوار، وتتنزه مع ابنتها.
كانت البنت بعمر خمس أو ست سنوات، والأم بعمري. وقابلتهما عدة مرات في باحة بيتهما. الأم مضغوطة وجذابة ومبسطة. إنها أم شابة، من نوع ربات المنازل، وترتدي السروال الخاكي القصير وبلوزة بيضاء خفيفة، وشفافة أمام الضوء، ويمكن أن ترى ما وراءها من أجزاء حساسة. وكانت تسمح لابنتها بالخروج لتلعب في معظم أوقات الصباح بالأرجوحة. تجلس في مقعد خاص بالأطفال، وعند الأطراف، وهي تقلب مجلة أو تتكلم بهاتفها. وعرفت مزاج هذه المرأة بعد عدة لقاءات، إنها أم بطبيعة الشباب. كنا نذهب إلى الجامعة معا. ولوحت لها بيدي عندما تذكرت ذلك. كان اسمها ريني، ولكن يبدو أنها لم تتعرف علي. بل جرت ابنتها إلى الداخل بأسرع من المعتاد، وبقليل من العصبية، ولم ترد على التحية كما يفعل الجيران في مثل هذه الحالات. ولم تخرج ريني وابنتها بعد الغداء في ذلك اليوم. على الأقل حينما كنت قريبا من البركة.
من نافلة القول، أن أرتاح لعدم تعرف ريني علي، فهذا يعفيني من أي كلام سخيف. ولا سيما تفسير أسباب استضافتي في هذا البيت وحراستي له. كنت أبدو أصلا مثل حارس بيوت.
ثم وصل تيدي، بعدي بأسبوع. ما هي الفكرة الجهنمية التي ستخطر للجيران. فهو لا يبدو بشكل حارس بيوت. هل سيعتقدون أنه ابني؟. وأن تيدي وأنا مفصلان من نفس الخامة؟.
لأكون صادقا لم أحتمل صحبة تيدي. كان غريبا. يبعثر كل شيء على طاولة المطبخ في الغداء، ويلتهم شراب آل سينكلر من العلبة فورا، ويدس ظهره العاري في ثلاجتهم المزدحمة، بينما البخار يسبح حول قامته الممتلئة. وعند البركة، يذوب الجيل الأزرق المجمد وينهمر من ذراعيه ويسيل على ثنيات بطنه. حقا هو ولد، وتقريبا كل الأولاد تنقصهم الحساسية، ولكن شعرت أن تيدي دون المقبول، حتى بالنسبة لسلوك الأولاد.
بعد إفطار متأخر بادرنا بالذهاب الى البركة. أنا، تيد الكبير، جلست على مقعدي الطويل، وكتابي وثوبي وخفي الجلدي بجوار منشفة مطوية وكأس خاص بالشراب وإناء الثلج. وكان تيدي يهرول على السفوح قادما من البيت، ولكن قدميه الحافتين تعرضتا لخدوش من أعشاب شوكية، فبدأ يزمجر وهو يتدحرج على لوح خشبي يحترق بالشمس ويحيط بالبركة. واضطر لاحقا للجري على وسط قدميه، وأصابعه مقوسة وكعباه مرفوعان للخلف، ليبلغ طرف المياه وهناك أمكنه أن يغمس قدميه فيها ويعبث بها بأصابعه.
سألني وهو يتأرجح عند أطراف البركة قرب مقعدي:"هانز؟. ماذا تقرأ"، كان شعره رطبا ومتكتلا على جمجمته.
رفعت الكتاب ليتمكن من رؤية عنوانه. كان نسخة مجلدة من أوفيد. في الداخل توجد رفوف تحتشد فيها الكتب. ولكن حملت هذا معي، إنه كتاب بجعلني أشعر بالغرابة في ظل هذه الظروف. كان الجلد الأسود ناعما وطريا تحت أصابعي. يا لها من رفقة ممتعة، قرب البركة مع أوفيد.
قلت لتيدي:"لا ترش الماء. هذا المجلد مرتفع الثمن. إنه ثمين".
" هانز؟ هل لديك عمل؟".
قلت له وأنا أخفي وجهي بأوفيد:"شيء من هذا القبيل. أنا كاتب".
"ماذا تكتب؟ شيء يهتم به الناس؟".
"نعم ولا. كنت أكتب للصحف، عن اجتماعات المجلس البلدي. متابعات في الأفلام الحديثة. لكن الصحف هبطت إلى الأسفل".
"ماذا تعني؟".
"لم يعد لها وجود. هذا معنى ما أقول".
لم يكن عندي سبب للكذب على تيدي. ولكن كنت بلا عمل في ذلك الصيف لأن الصحيفة اندمجت مع أخرى أكبر منها، صحيفة رأسمالية (و هامة)، ولم يكونوا بحاجة لإثنين مثلي. وكان بمقدوري تحمل العطالة عن العمل لشهرين قبل أن أبحث عن عمل آخر، قبل أن أشعر بخطر الجوع. كنت أعيش مع امرأة. وبعد أسبوعين من إعلان فصلي من الصحيفة طلبت مني أن أغادر. وأن أشق طريقا خاصا بي، قالت ابحث عن طريق لنفسك؟ واضطررت لذلك. وهكذا وجدت نفسي في بيت برينتوود.
جر تيدي نفسه فوق حافة البركة وانزلق على الأرض بجانبي. كانت رائحة الكلور قوية وهي تأتي منه. فمياه البركة كانت تسيل منه نحو خشب الحافة الذي يمتصها. استلقى على ظهره. وغاصت بطنه في وركيه، وسالت قطرات الماء بشكل خيوط وهي تتسلل على عرض بطنه. والتزم السكون وأمسك أنفاسه وثبت نظراته بسماء آب الشفافة كالزجاج.
قلت وأنا أفحصه بنظراتي:"ما رأيك أن نتبع حمية".
ارتعش وجهه عندما سمع، وتغضن بابتسامة، كنت أعلم أن هذا خطأ- لربما جسده ليس غلطته- ولكن هذا ما تبادر لذهني. أن أساعده ليتحسن. تابعت:"أن نراقب ما نأكل. هذا ما أعنيه. أن لا ننتفخ؟ هل تفهم؟ أن لا ننتفخ؟".
وضحكت لكن تيدي لم يضحك. تقلص وهذه تحت وهج الشمس.
آمل أنك تتفهم خجلي وأنا أروي هذه الأشياء عن تيدي، كنت في تلك الأيام إنسانا متفائلا حيال ما حوله. كان تيد أنسانا آخر، كما أحب أن أفكر، إنه تيد الكبير، ووجوده الملموس في الماضي لا يختلف عن جنكيز خان أو الملك هيرود. وأتمنى أن أنسى ذلك، وكل ما فعلت، وأن توجد طريقة للاختباء من الذاكرة. وأرجو أن تكون الطريقة التي تعاملت بها مع تيدي لم تترك علامة علي، وأن أكون أنا الآن فقط.
أحيانا كنت أثير حفيظة تيدي. نكات مزعجة. في أحدى المرات دفعته للجري بسرعة على السفوح نحو البيت ثم عائدا منه، خمسين مرة، حصل ذلك حينما كانت بنت الجيران وصدقاتها الجميلات عند البركة مستلقيات تحت الشمس اكتساب اللون البرونزي. قلت لتيدي:"انهض، سأحسن من رشاقتك". كان بمقدوره أن يتجاهلني، وأن يمكث في الماء ولا يخرج منها. على الأقل هذا ما توقعته منه. ولم أتوقع أن يمتثل لتعليماتي ويعدو على السفوح، كما حصل.
وشجعتني استجابته، فصحت به أطلب منه الإسراع:"ماذا تعتقد لدينا هنا؟ مكان للاستجمام؟".
عاد إلى الضفة والتقط قميصه، ولكن أخبرته أن لا يفعل قائلا:"لا ترتد قميصك. تابع الجري!".
بصدر وبطن عاريين كان يشعر أن البنات تراقبنه. بنات بعمره. وكان يشعر بكل ضحكة. كانت البنات تتضاحكن، ثم، بعد قليل، لزمن الهدوء، وصرفن النظر عن إيدي وهو يجري على التلة، ولا على وجهه حين بدأ يعد هابطا، ولم يعد تيدي يثير اهتمامهن، ولا أوامري له. تسلق تيدي الهضبة وهبط منها، وطبقان من الحبوب والحليب يهتزان في معدته. ومع ذلك لم يتقيأ. بعدئذ منحته راحة وذهبت إلى البيت لملء إناء الثلج. ولدى العودة كان مختبئا في البركة، في الطرف الضحل منها، ومغمورا بماء ينزلق على كتفيه كي لا يرى أحد جسمه.
بالنسبة لي، كانت هذه هي المرحلة الصعبة. كنت في السابعة والعشرين، ولا يمكن لتيدي أن يكون صديقي فعلا. لقد تصادف وجوده هنا. لقد جاء بالصدفة ولم يكن مستعدا للمغادرة.
دخلنا ‘لى البيت لمشاهدة التلفزيون ولتبريد أنفسنا قبل الغداء. جلس أمام التلفزيون بجذعه المبلول وكان نادرا ما يطرف بعينيه.
لم نهتم بالبرامج. كلها سواء، الوطواط، ماتلوك، القاضي جودي. كان يتابع دون أن تعرف ما هي الفكرة التي تلمع في رأسه. رأس البطيخة بقصة شعر مضحكة. كان صبيا صالب ساقيه أمام الجهاز بينما جسمه غير المحترق بالشمس، بشكل طيات، والبشرة تتقشر من قطاعات صغيرة على كتفيه. يا له من صبي يتابع الإعلانات التجارية.لاحقا سأشعر بذلك من أعماقي. سأتناول نصف زجاجة في اليوم. فأنا أحب الشراب أثناء تحضير الطعام. ولا زلت كذلك- وهذه واحدة من عاداتي المستمرة. لعل حظي لا يحالفني، ولكن القليل من السعادة تشع من قلبي. كنت أصنع وجبات شهية لكلينا. شرائح الحم. والتونا الدافئة. والفلورنتين مع النعناع الطازج وبندورة صغيرة أجنيها من الحديقة من وراء أسجار الصفصاف الباكي. وأعرف أسرار الطهي- أدوات القلي، والأواني، وطناجر التحميص، والأطباق.
وكنت ماهرا بالمرق. تابورغوندي والمحار والبندورة. زيت الزيتون والبصل المفروم والملح والبهار والثوم المعجون والفليفلة المتوسطية وبعض النبيذ الأحمر، والبندورة المفرومة والنعناع والزعتر البري ونبات الكبر والأنشوجة المعلبة بالزيت وملعقة خشب.
طوال وقت الدراسة كنت أعمل في مطعم. استراحة استوائية إن أردت الدقة. أبدأ بتوضيب الطاولات وتجميع سلال الخبز، ثم أنتقل لأشياء أهم، كان المدير هو جان مارب لاستيس، رجل متوسط العمر وقصير ومملوء هاجر من ليون ليؤسس لمطعم فرنسي هنا برعاية شركاء أثرياء ولكنه منذ فترة طويلة قرر الانفصال بنفسه ووضع اسمه على لوحة فوق الباب ولم يفضل أن يعمل بأمرة غيره. كانت بشرة جان ماري حريرية وصوته عريضا. وكان من تربية جدته، وهي المرأة التي علمته فن الطهي.
وفي نهاية تمريني، كان جان ماري جاهزا ليقدم لي فرصة حقيقية، ولكن اعتذرت. وأنفقت أربعة أعوام في جامعة خاصة، أتعلم الصحافة. وفي النهاية حصلت على عمل مهني باختصاصي. شغلت مكان مئيع ميداني وأحببت عملي. ولكن لا تخطئ فهمي. كنت أعاني من المواعيد الجازمة، وملاحقة السياسيين، ودراسة ملفات الشخصيات الحزبية وطيف المثقفين. لقد كنت مرتاحا خلال العمل مع باستيس. ولم أفكر بعمل آخر، لقد كان مثل الحب الأول. وهذا هو ما أحاول أن اشرحه لكم.
سمحت لتيدي أن يأكل أمام التلفزيون، وأن أقدم له الطعام هناك حالما ينضج. وربما شعرت بالرأفة لأنني ظلمته. وأجبرته على الجري. وكتعويض كنا نشاهد برامجه المفضلة. برامج الألعاب، المخاطرة، الدولاب، المليونير، أي شيء يريده. وكان ماهرا في حل الألغاز. ويعرف التفاصيل السرية arcane trivia، ويحدس بالأجوبة وهو يمضغ طعامه.
"آه يا تيد الصغير!. أرى أن هناك شيئا يتحرك فوق في البطيخة المحمولة على كتفيك"، وضعت أصبعي على جمجمته ليبتهج وتابعت:"أيها الرأس المتعفن! كم أنت ذكي".
دفع عقد أصابعي بعيدا،و أخبرني أن لا أكرر هذه الحركة، ولكنه ابتسم جينما عابثته. واحمر وجهه. وأعتقد أنها كانت لحظات ممتعة لتيدي، وبالأخص حينما يكون يتابع التلفزيون.
يصعب أن تشخص الموهبة عند صبي. حتى عند الأولاد العاديين، والذين تكون طاقاتهم مخفية، ولا سيما ولد مثل تيدي- إنه غريب وهادئ. إن الناس يلقون مصاعب في إسعاد أولاد مثله.
كان تيدي يبدو أكبر من عمره، وتقريبا بطولي، مع أنه لا يتجاوز أحد عشر عاما. انظر لوجناته الصبيانية، وشعره المفزع، كأنه ضغطه بدبابيس شعر تحتفظ أمه بها في الأدراج. بعض الأولاد ينضجون باكرا، أجسامهم أقصد. وكنت منهم في نعومة أظفاري. مثل تيدي في الواقع. وفي نهاية الإعدادية وصلت للطول النهائي الذي أنا عليه الآن.
أحيانا كان تيدي يشكو من آلام في المعدة أثناء الغداء، ولكن جهزت الظروف ليتابع طعامه. حتى لو أن معدته انقلبت وأكلها.
"هذا ما تريده، أليس كذلك؟. مساعدة؟. حلويات؟ لن أجبرك - لكن تناول طعامك، هيا".
هبطت على السفوح لأراقب غروب الشمس. كان النور يبرز في وقته ويقترب من البركة ويجهز الأجواء. ويعبث تيدي في البركة، أو يشاهد التلفزيون في الداخل. وهذا لا يغير عندي شيئا.
كنت أحتاج للمكوث في بيت برينتوود. فصديقتي طلبت مني الانفصال وفعلت. توسلت إليها كي أبقى، غير أن هذا الانفصال كان ضرورة. وتأقلمت معه.
أحيانا كان علي أن أجفف نفسي. وأحيانا أستغرق وقتا للوصول إلى التفكير بالتنشيف. هل هو ممكن أساسا، كما لو أن طاقتك الداخلية تتعرض للتهشيم بعد أن تتدحرج على السفوح. هذا هو حالي. ولا أعرف شيئا عن غيري. لا أعرف شيئا عنكم أيضا.
قال تيدي:"هانز؟، بماذا تفكر". لم أشاهده وهو يرسم حلقات بأطراف أصابعه في البركة.
"اصمت يا تيد الصغير. أنا لا أفكر بأي شيء حاليا".
كنت صبيا في وقت من الأوقات. ويمكنني التعاطف مع تيدي. كانت لدي جرأة، وأنا أتقدم بالعمر، بوجه طفولي. كان لي ثلاثة أشقاء أكبر مني. وأعرف معنى أن تتعرض للاستفزاز. حينها لا أتكلم ولا أدندن ولا أرتدي ثيابي كما يجب. ولا أستطيع مضغ الطعام كما يجب، ولا أستطيع طلب قائمة الطعام،أاو ما شابه. وإاذا تنفست فهو خطأ مميت أن أتنفس من أنفي. مرت ثماني عشرة سنة هكذا. ثم انتهت مرحلة أن أكون أخا صغيرا. بقي أحدهم ينتبه لنضوجي. وينبهني يلمسة في ذراعي إذا رفعت صوتي في الكنيسة. أو يبصق على البيتزا إذا حصلت على آخر قطعة منها. ويوم لعبت كرة القدم، في الصف الخامس، خدعوني بارتداء الكيلوت بالمقلوب. وسخروا مني: أنه توجد بطانة لتنظيف نفسي إذا لم أتمالك بطني أثناء اللعب.
وفي الإعدادية أخبروني عن عضو المرأة (باللاتينية) - وأقسمت أن لا أضع أشيائي قرب فتاة. وقررت أن مرض النساء مجرد مشاكل في الأسنان تقريبا.
والآن أستغرب من الارتباك الذي لازمني خلال النضوج. استغرقت سنوات لأتجاوز الخجل، وأن لا أحتاج للتفكير بكل معلومة أسمعها.
والآن. لا تجبرني على إفشاء ما لا أود قوله. إنه جسدي. حتى وأنا رجل، رجل بمعنى الكلمة، أكافح لأجد تسريحة شعر ملائمة. ولأعبر بكلمات دقيقة، وأن أصيغ انطباعاتي بطريقة تبعدني عن المشاكل.
لست بدينا، ولم أكن بدينا. ولكنني لست مثاليا، أيضا. ودائما كنت آمل أن تكون لحركاتي نتائج مؤثرة، أن أتكلم بدفء في الحالتين: إذا كنت طفلا أو رجلا. بغض النظر عن أحاسيسي أمام العيون المتفحصة والنفاذة. وكل ما سلف لا يوضح طريقة تعاملي مع تيدي.
في اليوم قبل الأخير في برينتوود، استيقظت على الشرفة، كنت على كنبة استغرقت بالنوم عليها في الليلة السابقة. كانت الشمس ساطعة، والحساسين وأبو الحناء تغني. وكان رأسي تحت سطوة أشعة الشمس الثاقبة.
لم أجد تبدي في الداخل. كان البيت فارغا وتلعب به النسمات. شاشة التلفزيون سوداء. وطبق الحبوب الذي يأكله كان فارغا في حوض المطبخ. ولم يكن على أي سرير في الطابق الثاني. ولا عند البركة. ولم تكن عندي فكرة أين يمكن لتيدي أن يذهب. كان الشهر في نهاياته. وقد شرحت له ذلك عدة مرات.
ولدينا مهلة حتى نهاية آب فقط، ثم لا بد من إغلاق هذا المنتجع ودون نقاش.
و تبادر لدهني أن تيدي غادر فجأة كما ظهر فجأة. لا بد أنه ينحدر من أسرة؟. هذا مؤكد. له أم في مكان ما، شخص يشعر بغيابه ولكنه لم يقلق بشأنه بعد.
لا تقرر بسرعة - أنني أخمن أين هو تيدي، وأنني مطمئن نوعا ما في قلبي المضطرب. وانتابني الأمان قليلا (نعم، نعم، مع قليل من الحزن أيضا)، حيال اختفاء تيدي وعدم رؤيته مجددا.
جهزت القهوة والخبز المحمص، وحملت الجريدة من الطاولة، وعدت إلى الشرفة. وحين وضعت إفطاري على طاولة ذات سطح زجاجي كانت على الشرفة، سمعت أنين لوح خشب، كأن جسما يتدلى من أنشوطة وكان الصوت يعلو وأنا أحصل على أول رشفة من شراب هذا اليوم. نظرت إلى باحة الجيران من الباب الشفاف. ورأيت تيدي على أرجوحتهم. كانت السلسلة العرضية تنوح، والأوتاد تنوس للأمام والخلف وتيدي يحركها بقدميه. لم أتحرك. وربما شعرت بالعزلة، وأنه يمكنني الإنفراد بنفسي. ثم صدرت صيحة ثاقبة- من البنت الصغيرة في بيت الجيران- وأغلق باب خلفي بصخب. وهرعت الأم لنجدتها. ولم يمكنني إهمال تلك الصيحة فأسرعت أجري.
سألت الأم تيدي:"ماذا تنوي الآن؟". كانت ريني ، الأم، مع ابنتها، اليدان على الخصر، وشقراوتان. وحينما نظرتا لي، انتقل سخطهما من تيدي نحوي. لقد ضمتا شفاههما ودارت العيون في المحاجر، مثلما حين نتنهد، وكان وجودي هناك يزيد الوضع سوءا.
قالت ريني للتوضيح:"إنه كبير بالنسبة للأرجوحة. يكاد أن يكسر السلاسل".
لكن لم يكن تيدي سيمكر السلاسل، مع أن حجمه لا يناسب أرجوحة أطفال. كانت الدعامات تتمايل للخلف والأمام كلما وصل لنهاية قوس الدائرة ثم عاد بدورة معاكسة. والفضاء البيضاوي حول الدعامات كان يتوسع قليلا كلما دفع المقعد وترنح فيه.
"ضجرت منه. أخبره أن ينصرف!. لا يمكنه ذلك- أنا لا أسمح له-".
قلت ضاحكا:"لن يصغي لي أيضا". كنت أود أن أرى كيف ستكون ردة فعلها على يأسي. ورفعت صوتي بعد لحظة، وقلت بنبرة حلقية أبوية:"اهبط يا تيدي من هناك". ولكن تابع تيدي التأرجح. وفتح عينيه للفراغ، مثلما يفعل حين يشاهد التلفزيون، أو حينما يعدو على التلال بتعليمات مني. كانت نظرته بلا محتوى. قلت لها:"هل ترين. لا يستجيب".
مدت ريني ذراعها باتجاهه حينما تكلمت، وجعلت الشمس تغرب من أمامه كما لو أنها مدربة على هذه الحركة، أن تحجب الأضواء المرئية. وقالت:"انتظر حتى موعد عودة ريتش إلى البيت. ستحتاج لإسمنت لإصلاح ما سيفعل".
"لا أعتقد ذلك. في موسم المطر القادم اخبطي على الوحل حتى يجمد. هذا يكفي".
صاحت بتيدي:" اذهب من هنا. أنت كبير بما فيه الكفاية. وستفسد أرجوحتنا".
ولم تفلح بلفت انتباه تيدي. ليس بهذه الطريقة. واستوعبت ذلك. كم مرة في الاأبوع يتكلم شخص ما مع تيدي. موظفون في مخازن، وأشخاص من هذا النوع.
اشرح له كيف أن القميص الذي يناسبه يجب أن يكون مقاسه للأطفال، وقبعة الرياضة التي يريدها لا يمكن أن تستقر على البطيخة التي يحملها على كتفيه. وقبعات الرياضة لا يمكن أن تكون أكبر. وهي مفصلة بأحجام متوسطة لرؤوس معتدلة الضخامة. وكيف أن النادلات، طاقم الخدمة في الصيف في أماكن الاستجمام، عيونهن ضيقة. كان تيدي غير محبوب- حتى وهو صغير. وأشارك ريني شعورها، وإشاراتها، ونفاد صبرها. كان تيدي يبدو متهورا، وكبيرا، وله ثقبان مكان عينيه بسبب وجنتيه البدينتين. وربما وصل بنهاية هذا الطور لمرحلة الصبا النهائية.
قالت ريني:"ماذا أفعل، هل أحضر الخرطوم؟".
لم تكن ستلحق به الضرر أكثر مما لحق عبهليه. مع ذلك شاهدت الفكرة في رأسها، وكان تماسك أعصابها ينجرف بالريح. حتى أن امرأة لطيفة كما أذكر مثل ريني، ستضربه. ما هو الجانب المظلم القذر الذي ستطلق عقاله؟. أي كلمات خبيثة كانت على طرف لسانها؟.
لم أكن مستعدا لأجرب ذلك.
صحت بجدية هذه المرة:"تيدي. إلى البيت وفورا".
توقف عن التأرجح، وأذهله أن آمره بهذه الطريقة. وانزلق من الأرجوحة بعد أن تباطأت، ثم ابتعد عنها.
قالت ريني:"لا يجب أن يكون في باحة بيتك". ونظرت لي مجددا، وأغرقتني بنظراتها وأنا في مكاني. وبدأت تتفحصني. ربما تذكرت من أنا، فجأة، ولكن هذا غير مؤكد. وقالت:"عليك أن تفعل شيئا لتساعده. لا يجب أن يستمر على هذه الحالة".
وكنت على وشك أن اخبرها أن تيدي ليس مسؤوليتي، ولكن أنا وتيدي كنا متشابهين ولا فرق بيننا في ذهنها. ولا يمكن أن تفصلنا عن بعضنا بعضا.
سألتها:" ماذا تعنين؟ أساعده بماذا؟".
ضحكت وقالت:"لو كنت مكانه ما أمكنني أن أواصل حياتي بوزن زائد".
قلت وأنا أجيب على ضحكتها:"آه. إنه يأكل بشكل جيد. وأؤكد ليس طعاما رديئا. باستثناء الشراب والمرطبات. ولا يمكنك تبديل أسلوبه. إنه يتناول حساء العجل وحساء معجون الخضار والجبنة. تلك الكلاسيكيات".
ما هو المفروض أن أقول؟. كان تيدي كبيرا فعلا بالنسبة للأرجوحة. وكانت ريني محقة، بطريقة من الطرق، ولو أنه ليس بدينا كما يوحي كلامها. كان تيدي ممتلئا. وليس لدرجة مفرطة. ولكنها على صواب، أليس كذلك؟. هذا بالمعنى العام للكلمة؟.
لم أكن مستعدا للمخاطرة. يمكن أن تفهموا ذلك. لقد أفشيت ما يكفي من خصوصيات حتى الآن- ولدقيقة من الوقت كنت أحسب أنني نجحت بشيءما، قبل أن أذكر لكم الحساء ولحم العجل، وأضع بذرة فكرة في رأس ريني.
سألت:"ألم تكن تعمل في مطاعم باستيس؟".
"أنا؟".
"من فترة بعيدة. كنت طاهيا. وكان لنا أصدقاء مشتركون في المدرسة". نظرت لي نظرة مباشرة ولم يمكنني صرف نظراتي عنها بسبب الطريقة التي رمقتني بها، وهي تقبض على ذراع ابنتها كي لا تهرب منها ولو لمسافة قدم.
قالت:"اسمي ريني. ألا تذكرني؟".
قلت لها:"بالتأكيد". طبعا أتذكر ريني. ريني التي حازت على درجة (أ ) في برنامج مؤسسة العلوم الإنسانية ثم تفوقت في العلوم السياسية، والتي انتسبت إلى سيناتور أبتون بعد تجاوز مرحلة المدرسة في العاصمة، والتي كانت ترتدي تنورة رقيقة ومزهرة وأحيانا ترتدي قطعة واحدة وتستلقي في الشمس على لوح في نهاية فصل الربيع.
طبعا أتذكرها. ولم أعتقد أنها تتذكرني.
مثل الجميع، ما أن تذكرتني حتى بدأت تستعيد أمورا من تلك الأيام البعيدة. شيء عن مخازن فاير ويل وإفلات عربة طفل في الصالة واستعمال بطاقة مزورة ضبطها الحراس.
قالت:"كيف يمكنني أن أنسى، هذا أنت، أليس كذلك؟".
"نعم".
"اسمك رايان؟ رايان روبنز؟".
ضحكت بسرعة وقلت:"نعم. طبعا. هذا أنا".
سألتني:"كيف تعرفت على آل سينكلر؟".
"أنا ابن العم. من العائلة تقريبا".
"والولد؟ تدعوه تيدي".
" إنه ابن خالي. من الأبناء أيضا. ألم تشاهديه قبل الآن حول البركة؟".
"كلا. لا يبدو أن عائلة سينكلر تستعمل البركة إلا بما يكفي لغمس أصابع القدمين في الماء وهم يشربون الكوكتيل. لا بد أنك تعلم ذلك".
"أوه. نعم".
خلا وجهها من التعابير، وأمكنني أن ألاحظ ذلك. كان شيء يدور في رأسها. شيء تريد أن تقوله ولا يمكنها ذلك.
قالت:"آسفة لأن الأمور لا تسير معك بنحو أفضل".
لم يكن بوسعي استيعاب ما تقوله - أقصد الأمور التي لا تتحسن معي، أو الأمور التي لا تتحسن مع الشاب الذي اعتقدت أنه أنا، من كانت تدعوه رايان روبينز.
تابعت تقول:"آسفة جدا لأنك لم ترتب حياتك. أحيانا التقي مع بنات دفعتي - من حوالي عام مضى شاهدت ليديا، أنت تعرف ليديا؟".
أومأت برأسي.
"قالت ليديا أنك ميت. يا لطيف".
همست ريني آخر كلمتين، كانت ابنتها تلتصق بساقيها في محاولة يائسة للإفلات، وكانت البنت تشبهها تماما.
قلت لها:"لم أفهم".
"كانت ليديا مخطئة. طبعا!. رأيتك قرب البركة، تجلس في الظلام وتشرب كأسا بعد كأس. كما كنت تفعل في الجامعة. توقعت أنني أشاهد شبحا".
قلت لها:"هذا أنا. رايان فقط".
"جيد أن أراك، بعد ما سمعته من ليديا. أتمنى أن أحوالك تحسنت".
حاولت أن أخبرها أن أموري ممتازة، وأن اسمي ليس رايان، الذي تعاطى جرعة كبيرة، وبالمناسبة قرأت نعوته. ورغبت أن أخبرها أنني تيد، تيد الكبير، وأن حياتي طبيعية. وأنني أحب نفسي، لكن لم أذكر كلمة واحدة مما في ذهني. والآن أن أشعر بالإحراج بعد النوم على الشرفة، بنفس الثياب التي كنت أرتديها ليلة أمس. بينما شعري مسرح بشكل أشواك بحرية منقرضة. وهذا لا يعني أنني تبولت في سروالي خلال النوم على الشرفة. ولكن من جهة أخرى، ربما فعلت ذلك.
ابتعدتا عني، واقتربتا من بيتهما وهما تتبادلان الكلام. وقبضت البنت الصغيرة على أنفها، والتصقت بساق أمها.
وقالت"أمي؟". وكان هذا يكفي.
قلت لها:"آسف لأننا التقينا هكذا. سنعود للموضوع لاحقا".
سحب تيدي ذيله وعاد إلى البيت. وكل ما كان بمقدوري هو أن أتبعه.
حزمنا أمتعتنا في تلك الأمسية. وضعنا بعض الأشياء بعيدا عن التناول. ولا سيما ما يخص متعلقات آل سينكلر. كان علينا أن نغادر، وفورا. وتوجب تنظيف المطبخ، وغسيل المناشف، وتلميع الحمامات وتوضيب بار الشرفة.
وربما لن يلاحظ أصحاب البيت أننا كنا هنا، أنا وتيدي إذا نظفنا كل شيء، لن يهتموا على الأرجح. وفي النهاية نقص قلقي من الدخول بمشاكل. ولن يعلم أحد أنني كنت هناك. فالجيران لا يعرفون من أكون، ولا حتى ريني.
وأدى تيدي واجبه في التنظيف. ويمكنني أن أحسب له ذلك. فقد جر الملاءات من الأسرة، ورتب الغرف. وأضاف الكلور لبركة السباحة، وفحص مستوى الحموضة ليتأكد أن المياه سليمة، وهذا شيء يجب تكراره كل يوم صباحا. وأخبرني بذلك حينما جاء إلى البيت ليتخلص من علبة الكيميائيات، وحين سألته ماذا يفعل.
قال:"أتأكد من درجة الحموضة". شيء غريب. كيف يعرف التعامل مع برك السباحة؟.
وأضاف:" هانز. أنا لست بليدا".
"أعلم ذلك- أنت تغلبني في ويل كل ليلة. ولا --".
ولكن ماذا أقول؟. كان تيدي يحدق بي. ويتوقع شيئا، ولم أكن أعرف ماذا.
قلت لتيدي:" لا تجبرني على النطق بها، نحن نجهز أنفسنا لنغادر. علينا ذلك. ولن أشعر بالأسف على أي شيء".
قال:"رأيتك تتكلم معها. هل هي صديقة؟".
لم أستطع النظر إليه. وحملقت بغسالة الأطباق، وبالملاعق التي تحتاج للتنظيف. كما لو أن الملاعق ستخبو ألوانها إذا صرفت نظري عنها. كما لو أن تلميع الفضة شيء له أهمية.
"هانز؟".
"لا تطلق علي هذا الاسم".
"لم تكن مرتاحا هنا جدا. أليس كذلك يا هانز؟"،
"رجاء توقف. لا تجبرني على الإفصاح يا تيدي. ليس بيننا علاقة. أنا وأنت. هذه هي الحقيقة. أنا لا أعني شيئا لك، وأنت لا تعني شيئا لي". سمعته من ورائي، كان يتنفس من فمه، وأنا أيضا كنت أتنفس من فمي.
قلت له بصوت مرتفع:"أنت تجبرني على هذا الهراء. أنت تعكر مزاجي. ولاأعلم لماذا".
"هانز؟ لماذا ترفع صوتك؟ ما خطبك؟ هانز؟ أخبرني. لا يمكنني أن أساعدك إن لم تخبرني".
في الصباح اختفى تيدي. هذه المرة اختفى فعلا.
و تلك كانت النهاية. يعد ذلك حاولت العودة إلى المرأة التي كنت أعيش معها، وكنت جاهزا للتوسل لها بكل طاقتي، وأن أطلب منها المغفرة وأقدم وعدا بالتحسن. ولكنها كانت قد غادرت، وكل أشيائها قد اختفت من الشقة.
كنت مفلسا، وهذه عادتي، ثم وجدت عملا في مدينة أخرى، حافظت به على رأسي مرفوعا وشامخا. وكان في مجال الإعلانات.
وتعرفت على امرأة جديدة وأأنجبنا ابنين بعد فترة قصيرة، أنا وكارولين. ابنان طيبان هما غراهام وغابي، وكانا يشبهانني، كنت أبدو بحال أفضل وأتحسن باضطراد، فقد أصبحت رجلا تام النضوج.
كل شيء أصبح جيدا بعد ذلك الصيف، شهر في بيت برينتوود. وهكذا تخلصت من الفترة الصعبة.
صدقوني، لا يمكن لشيء مزعج ومحير أن يحدث لي في هذه الأيام.

تيودور ويلير Theodor Wheelerكاتب أمريكي ومؤلف رواية (ملوك الأشياء المكسورة، 2017). ومجموعة قصص (إيمان ضعيف،2016). يعيش في أوماها، نبراسكا.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow