Alef Logo
ابداعات
              

كتاب الهماسسة مناورات سردية بالسرد

أنيس الرافعي

2006-12-01

(طاكو) و(كاطو) في ملهى"ﺁلكازار"

و(كاطو) من"الهماسسة".
(طاكو) و(كاطو) يقطنان في عالم مواز وغير مرئي من"الهمس".
يحدث أن ينتهز(طاكو)و(كاطو)اقرب فجوة سانحة،كي يتسللا الى ابعد نقطة في الجهة الأخرى.
هناك،حيث يقع عالم"الصخب".
كما يحدث ان يتمادى(طاكو) و(كاطو)في لعبة الفجوات،ليهرعا الى المزيد من العوالم المجاورة.
هنالك،حيث تقع انواع نادرة تفوق السمع من"الصخب".
(طاكو)هو(طاكو)إذا أراد أن يظل على قيد هيئة(طاكو).
و(كاطو) هو(كاطو)إذا شاء أن يستمر في اداء دور(كاطو).
إنما- بكل سهولة – يمكن(طاكو) ان يصير هو(كاطو)،و(كاطو)هوهو(طاكو) بالمثل.
تارة،يتوحد الاثنان في(طاكو)،وتارة اخرى يتفرقان في(كاطو).
(طاكو) له قدرة التخلي عن نفسه وفق مشيئته ليصير(كاطو)،لكن دون ان يتخلى عن كونه(طاكو)،وكذلك(كاطو) بالمثل على سبيل المثال لا العد.
(طاكو) و(كاطو) يدخلان الى بعضهما(كاطو) و(طاكو).
و(كاطو) و(طاكو) يخرجان من بعضهما(طاكو) و(كاطو).
وما أدلي به عن تركيبة هذين "القرينين" المتشابهين مثل شفرتي مقص،سوى محض قدرة طفيفة من القدرات المفزعة التي يتحليان بها.إذ يزخر رصيدهما الشخصي بالكثير والكثير من المهارات والألعاب الجهنمية.. اكثر مما يستطيع كائن فان أن يحسب على أصابع يديه أو يستوعب ذهن طبيعي داخل برنامج خياله.

في هذه الحكاية/المناورة الأولى،ينتاب(طاكو)و(كاطو) الضجر من"الهمس"،
الذي يرفض التقاعد عن عالمهما، فيقرران الانطلاق بحثا عن بعض ما تيسر من المتعة، التي – للأسف – لا يمكن العثور عليها إلا في كل بعض ما تيسر من "الصخب".

وقد كانت الوجهة ملهى"ﺁلكازار".


وبما أنهما ينطويان على أسباب وجيهة لصيانة رصيدهما من "الهمس"،فقد
جنحا فيما يشبه الانطواء إلى فسحة الركن الأيمن من الكونطوار.

الانطواء الذي كان دائما شريعة الكونطوار..أي كونطوار..كونطوارا أيا كان..حماية للأمن الاستراتيجي للجسد وحفظا للحقوق الدستورية الهادئة في السكر.
الكونطوار الكونطوار.
هكذا،لقنتهما عن ظهر مكر صروف الليل..أي ليل..ليلا أيا كان الكونطوار.
وهكذا،اصبح ظهر(طاكو) إلى بياض تلك"الجيشا" اليابانية المفروشة على شكل مروحة كبيرة داخل الحبر الصيني الأسود،بينما..عينما(كاطو) عينه مرشوقة في النقطة الحمراء الوحيدة التي تغمر اللوحة الجدارية.
(طاكو) يتصفح كاس الويسكي الأولى، في حين يوسع(كاطو) قطر النقطة الحمراء.النقطة الحمراء تتضاعف على نحو متفاقم.النقطة الحمراء تتفاقم على نحو متضاعف.
(طاكو) يهلك الكأس الثانية.أما(كاطو) فواظب على أشغاله التوسيعية في إحداثيات النقطة الحمراء.النقطة الحمراء تصير بركة دم.النقطة الحمراء تصير سرطان بحر بلون بركة الدم.
(كاطو) يوكل – على مضض – للسرطان مهمة التهام الجسد الجميل لهذه المادة الأنثوية القابلة للاشتغال،بينما(طاكو) يشعل في جوفه الكأس الثالثة.
هذا(طاكو) يثابر على الشرب.وذلك (كاطو) يعكف على الانتظار.انتظار أن يتغمد الويسكي"مضاعفه" ببصيص سكر،كي يتدخل ليصير هو (طاكو).
ذلك(كاطو) المندس في صورة(طاكو) يوثق عرى السكر.وهذا(طاكو) المتلبس في صورة(كاطو) يتبوأ مكانه في الكرسي الشاغر للانتظار.ينتظر أن يصبح
(كاطو) على سكر عظيم،كي يتدخل ليصير بدوره هو(كاطو).
ومن ثمة، فقد كان من سابع المستحيلات المستحلات أن يكتب لأي منهما السكر الراجح،أو أن يصيبا حظهما الشرعي من الثمالة.
واصلا الكحول بنفس التقنية المقصورة على "الكائنات الهمسوسية".
(طاكو) يوشك أن يدنو من السكر المبدئي.
يعوضه(كاطو).
(كاطو) السكر المبدئي أن يدنو يوشك.

(طاكو) يعوضه.

في أحد الأدوار،قاربت الثمالة أن تحالف(طاكو).وكان يريد بأي ثمن أن يصبح ثملا افضل.أصر على تمديد الإقامة في سكره،فرفض عندئذ تعويضه ب(كاطو).

يمتثل(كاطو) بلا نقاش،فوقعت كاس إضافية في اسر(كاطو).

عند مطلع الكأس التاسعة، سوف تهب حركة مباغتة لأصابعه.ينقلب كاس الويسكي يتبعه الماء تليه مكعبات الثلج،ويراق بغير ذات التتالي والتتابع على الكونطوار. يسفر الانقلاب – بشكل إعجازي – عن جزر وانهار وجداول وبحيرات متفرقة جعلت أعلى الكونطوار جغرافية شائهة
ليابسة وهمية يسبح على أطرافها الغمر.

يشرع الإصبع الأوسط ل(كاطو) على الخشب في تقصي اثر الأشكال،فيقصي الشكل الدائري للجزر ليغدو مربعا.ويشكل من المربع نهرين.النهران يربطهما بسلسلة جداول.الجداول تنفصل جدولا جدولا لتبدأ الانتشار صوب البحيرات،والبحيرات تفيض بحيرة في كل حدب وصوب بحيرة أخرى لتدمر باقي الجزر والأنهار والجداول، فيتشكل بحر.

من دون صحو،لقد كان من الممكن صنع أشياء كثيرة وفائقة الروعة..فقط
من الويسكي والماء ومكعبات الثلج على سطح كونطوار يتحرك فوقه إصبع!

الإصبع ذاته،الذي كان بنية(كاطو) أن يعيره ل(طاكو) ،كي يعبر إلى عالمه المبتكر البالغ الفتنة الراشد الدهشة.إلى الكونشيرتو الصامت لجزر الصمت انهار الصمت جداول الصمت بحيرات الصمت،التي تقطع بصمتها دابر عينات الضوضاء الكامنة في عظام الملهى.

نعم،الضوضاء الهستيرية،التي لا وازع ولا رادع لها،التي لا يهدا لها روع أو بال،التي لا سبيل إلى كتمانها أو طمرها،التي تلوب وتتلوى مثل سمكة نهر تسبح في سرعة وقوة عكس التيار الريع للصمت.

ضوضاء الكركرات الطاحنة للحياء لبارميطات الكونطوار،ممن تركن قلوبهن(إن وجدت أصلا) في دواليب المنازل،ثم ركبن موضعها محركات هيدروليكية لضخ البيرة المستدررة.

ضوضاء النوطات الخربة لمغني الصالة، الذي يسعى في النشاز ما وسع له النشاز بواسع النشاز دون أن يحسن ولو لمرة واحدة الاحتيال على
النغم القدير.

ضوضاء الثرثرات الواسعة النطاق للنادلات،اللائى تتقن ببداهة القصابين وضع حطام الرجال على القائمة العلنية لتنفيذ الاغتيالات العاطفية.

ضوضاء الهلوسات الهادرة للزبائن أمام تماثيل اللحم الحي ؛أمام البدائل الاصطناعية للحب ؛أمام ذوات الضمير الغادر؛أمام خبيرات البنى التحتية لليل ؛أمام شبه نسوة..نسوة بالكاد..نسوة بكثير من التروي..أمام نشوة بائتة ببرودة القطب الجنوني المتجمد.

لقد كان بنية(كاطو).................،لولا تدخل البارميطة الشقراء النحيلة بمنشفتها القذرة،لتمسح فرصة البحر،ثم انكبابها على إنتاج كمية زائدة من سقط الكلام.كلام داخل لسانها يجري.كلام يجري ويجري.يسقط الكلام.كلام يتدحرج.يقف الكلام.لا يلتقط أنفاسه الكلام.كلام يعاود جري الكلام كلام الجري دون أن يرف أو يرق له جري أو كلام.
تصبح مهتزة المبادئ،التي بنيت عليها روح كل من (طاكو) وكل من(كاطو).إذ لم يعد ثمة مجال لارتكاب الصمت،لتوفير العناية الكافية للصمت،للتنفس بأقل قدر من الصمت.فكان لزاما على قفا السرعة ترك نسخ مغشوشة من جسديهما الطيفيين،ثم الانتقال – دون أن ينتبه إلى ذلك أي كانوا – إلى الركن الأيسر من الكونطوار.
في صورة رجلين آخرين،ها هو ذا(كاطو) يجلس قرير كاس الويسكي التي لا يمكن أن تأتيه بالصحو لا من أمام ولا من خلف.وهاهو ذاك(طاكو) يحرس هذه الجنة السريعة للصمت كمن يحرس ورقة خس يخشى أن يقرضها أرنب الضوضاء.
هو ذا-ها(كاطو) يقلب الكأس بلمسة سكر واضحة،ليصنع بدوره مهرجانه السري الصغير من الجزر من الأنهار من الجداول ومن البحيرات.وهوذاك-ها
(كاطو) الشاهد الوحيد على جريمة افتعال الجفاف ضد البحر بمنشفة البارميطة الأخرى..البارميطة البدوية السمينة،التي تخطى لحمها سن النحافة وتخطت نحافتها سن اللحم.
وكما هو متوقع، سوف ترفض اللعينة أن ترد الغطاء على الوثائق المزمنة لفمها.

ما العمل، إذن؟
يؤوب(طاكو) و(كاطو) إلى الركن الأيمن من الكونطوار بذات"التهمسس"،
ثم يتفانيان في نزيف الويسكي.

(طاكو) كلما قلب الكأس،أصبحت لا تظهر له الجزر والأنهار والجداول والبحيرات..أما البحر فقد اخلف على الدوام المواعيد..أما المواعيد فقدأخلفت على طول البحر السكر.

(كاطو) لا تظهر له الجزر والأنهار والجداول والبحيرات،كلما أصبحت الكأس مقلوبة..أما المواعيد فقد أخلفت على الدوام البحر..أما البحر فقد اخلف على طول السكر المواعيد.

ينحدران من الطابق الأول إلى الطابق الأرضي للملهى.يقبلان ويتقابلان ويتقلبان ويقلبان على نحو جنوني عددا مخيفا من الكؤوس، لكن الجزر الأنهار الجداول البحيرات أبت معاودة الطفو.

يندحران من الطابق الأرضي إلى العلبة الليلية.يقبلان ويتقابلان
ويتقلبان ويقلبان المزيد المزيد المزيد المزيد،لكن الكركرات والنوطات
والثرثرات والهلوسات كانت تكسب كلما سكبت على عالمهما البرمائي صندوقا كاملا من الضجيج.
يا للتعاسة!

لقد كان أقصى ما يطمحان إليه،هو أن يكونا وحيدين مثل "همستين" مع
الصدى الخافت والظلال المتصرمة لجزرهما وأنهارهما وجداولهما وبحيراتهما،التي يمكن أن تصير في كل مرة بحرا.

لكن،وككل مرة كان ثمة "صخب".

(طاكووكاطو) يبصقهما باب ملهى"ﺁلكازار"،فيتركانه خلفهما مثل جرح فاغر.

بالتأكيد،لقد حانت ساعة العودة!.

يا للتعاسة!

البيضاء

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

القاتل السردي

17-حزيران-2009

كتاب الهماسسة مناورات سردية بالسرد

01-كانون الأول-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow