Alef Logo
مقالات ألف
              

ليس لدى الرئيس من يخاطبه

وائل السواح

2018-08-25

في عام 1961، نشر الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز رواية صغيرة ومحزنة بعنوان "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه". الرواية تحكي عن عقيد في الجيش سرّح من الخدمة العسكرية بعد ان كان يشارك في الحرب الأهلية التي وضعت أوزارها ليجد نفسه يعيش براتب تقاعدي زهيد مع زوجته التي تعاني من مرض الربو في كوخٍ صغير. ومنذ ان انتهت تلك الحرب لم يفعل الكولونيل شيئاً سوى الانتظار. يذهب كل يوم إلى مكتب البريد لعله يجد في انتظاره رسالة تنبئه بزيادة راتبه. ويظل الكولونيل المتقاعد مُلازماً لمكتب البريد يسأل كل يومٍ عن وصول طرد بخصوص معاشه التقاعدي، وعلى مدى خمسة عشر عاماً لم ينل الكولونيل ما يعينه على مرارة حياته الكئيبة.
لا يوجد الكثير من التشابه بين العقيد، الذي لم يكلّف ماركيز عناء ذكر اسمه حتى، وبين الرئيس ترامب. فالأخير لا يزال ملأ الأعين والأسماع، يمتلك مليارات الدولارات، وهو رئيس أعظم دولة في العالم، يلعب الغولف وينشر يوميا عشرات التغريدات على تويتر، وتكتب عنه وسائل الإعلام ملايين الكلمات كلّ صباح. ومع ذلك فالتشابه موجود: كلا الرجلين معزول في محيطه: الكولونيل نسيته مؤسسته العسكرية ورؤساؤه ورفاقه وانشلح وحيدا مع زوجة تعاني الربو وذكرى ابن لا يعرف عن مصيره الكثير. ترامب، بدوره، يستهدفه المحررون والمخبرون والمحللون والكوميديون، يتفاداه رؤساء العالم كلّما أمكن لهم ذلك، وحين لا يستطيعون، يجدون أنفسهم في مأزق.
في قمّة حلف شمال الأطلسي وجد ترامب نفسه وحيدا تماما، وكذلك كان في قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى. وحين زار لندن لم يشعر بالترحيب اللازم، وخاصّة بعد أن جعل الملكة العجوز تنتظره واقفة على قدميها، ثم سار، وخلّفها وراءه، ليستعرض حرس الشرف، وقد أطلق اللندنيون منطادا عملاقا عل شكل دمية تمثّل ترامب الطفل وهو يبكي بغلظة.
في أمريكا يستخدمه كلّ طرف لمصلحته: الأغنياء لتخفيض ضرائبهم ومضاعفة أرباحهم، المسيحيون المتطرفون لتمرير قضايا دينية تعزز مكانتهم، القوميون المتطرفون والفاشيون الجديد ودعاة تفوق العرق الأبيض جميعهم يستخدمه لتمرير أفكارهم العنصرية الكريهة.
بالمقابل لا يكن له احترام حقيقي إلا قلّة من الأمريكيين البيض المتعصبين والمنغلقين والأقلّ ثقافة وتعليما. وهؤلاء رغم كونهم كتلة وازنة في الانتخابات إلا أنهم لا يشكلون ثقلا سياسيا أو فكريا أو اجتماعيا في الولايات المتحدّة الأمريكية، وهم ربما يسيئون لشخص ترامب أكثر مما يساعدونه.
وفي الأسبوع الفائت، رفع ترامب عيار المبارزة ضدّ خصومه عاليا، ففي تغريدة لا سابقة لها، وصف ترامب الإعلام بأنه مشعل للحروب وفاسد، وجدّد وصفه للإعلام باعتباره "عدو الشعب". وقال في تغريدة له: "الإعلام المزيّف يكرهني. إنه عدو الشعب فقط لأنهم يعرفون أنها حقيقية. أنا أقدم خدمة رائعة من خلال شرح ذلك للشعب الأمريكي. إنه يسبب انقساما كبيرا وانعداما للثقة عن عند. يمكنه أيضا أن يسبب الحرب! إنه خطر للغاية ومرضى"!
لطالما وصف ترامب الإعلام بأنه "أخبار مزيفة" ولطالما هاجمه بشكل عام وخصّص بعض كبار الصحفيين في هجومهم. ولكن أن يتهم الإعلام بأنه عدو للشعب ومشعل للحروب فهذا ينقل الحرب بين الطرفين إلى مستوى آخر. حتى ابنته المدلّلة إيفانكا وزوجته السيدة الأولى ميلانيا رفضتا توصيف الإعلام بأنه عدو الشعب ومسبب للفتن.
الإعلام طبعا ردّ على ذلك بقوة، وذكّر بأن الرئيس ترامب ليس أكثر من كذّاب، وذكرت جريدة الواشنطن بوست أن ترامب قد كذب لغاية اليوم 558 من رئاسته 4222 مرّة، أي بزيادة قدرها 978 في شهرين فقط. وقد وصل معدل كذبه إلى لما يقرب من 7.6 مطالبة في اليوم.
وذكّر الإعلام بأن ترامب الذي كان صقرا مع حلفائه الغربيين تحول إلى حمل لطيف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائه في هلسنكي. وبينما قال جميع رؤساء الأجهزة الأمنية في أمريكا إن الحكومية الروسية قد قامت بالتدخل في انتخابات الرئاسة في 2016 لمصلحة ترامب، فإن شخصين اثنين في كلّ الولايات المتحدّة يصران على ألا يعترفا بذلك: الرئيس ترامب والناطقة الرسمية باسمه سارة ساندرز هيكابي، التي كادت أن تفقد أعصابها حين طلب منها جيم أكوستا مراسل "السي إن إن" المشاغب أن تقول أمام الملأ إن الإعلام ليس عدوا للشعب، فأوشكت على البكاء ولكنها لم تفعل.
ولكن الرئيس ترامب لا يساعد نفسه. فهو انسحب من الاتفاق النووي مع إيران دون أن يكون لديه خطة بديلة، ووضع نفسه على خلاف مع العالم بأسره، بينما تغزّل بدكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي لم يلتزم حتى الآن بأي من تعهداته وذكر تقرير استخباراتي أمريكي سرّب قبل أيام أن كوريا بصدد بناء صاروخ باليستي جديد. وطار وزير الخارجية الكوري إلى إيران للتباحث مع المسؤولين هناك بتداعيات إلغاء الاتفاق الإيراني.
وفي الداخل لا يزال مدير حملة ترامب بول مانافورت قيد المحاكمة بتهمة جني أرباح غير مشروعة من كبار الأوليغارشيين الأوكرانيين الموالين لموسكو والتهرب من الضرائب. ولا يزال روبرت موللر يضيّق الخناق على الرئيس بتهمة إعاقة العدالة، ما جعل محاميه الشخصي رودي جولياني، وهو رجل كاريكاتوري يصلح لأن يكون مهرجا أكثر منه محاميا، ابتكر نظرية أن التواطؤ مع الروس ليس جريمة أساسا.
واعترف ترامب أن اجتماع 2016 بين ابنه دونالد ترامب الصغير وصهره جاريد كوشنر مع مسؤولين روس كان للحصول على معلومات ضدّ خصمه في الانتخابات (كلنتون)، ولكن ذلك ليس أمرا غير قانوني. ولكنّه اصرّ أنه لم يكن على علم بذلك الاجتماع، رغم أن محاميه السابق مايكل كوهين على وشك الشهادة أمام فريق روبرت موللر بان ترامب كان على دراية بالاجتماع قبل انعقاده في حزيران 2016.
آخر الضربات لترامب جاءت من خلال اعتقال أحد أعضاء الكونغرس الجمهوريين، وهو من أكبر مؤيدي ترامب والمصوّتين على كلّ مشاريعه. فقد تعقلت السلطات الأمريكية العضو في مجلس النواب عن الحزب الجمهوري كريس كولينز بتهمة سوء استغلال معلومات سرية حصل عليها بصفته كنائب، ومن ثمّ سربها لعائلته ليجني ملايين الدولارات.
باختصار، لسوف تتصاعد الأمور بسرعة في قضية الرئيس ترامب، ولكنها لن تصل بالتأكيد إلى محاكمته في الكونغرس وإجباره على ترك منصبه كما جرى مع الرئيس ريتشارد نيكسون في سنة 1974، لعدّة أسباب: فأغلبية مجلسي الكونغرس تحت هيمنة الجمهوريين، ومن يجلس على مقاعد هم من طينة تختلف عن تلك التي كانت لأعضاء الكونغرس قبل أربعة عقود. السياسيون الأمريكيون عموما يسعون اليوم لتحقيق أكبر مكاسب شخصية، غير ابهين بمصير الأمة الأمريكية والعالم، إلا على شاشات التلفزيون. ومع ذلك، سيجد ترامب نفسه معزولا أكثر فأكثر، وستزداد عزلته بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر القادمة، حيث من المرجح أن يخسر أنصاره الانتخابات في أكثر من ولاية كانت محسوبة عليه. وفي النهاية، سيجد الرجل نفسه رئيا لا يخاطبه أحد.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عقلية الدكّنجي .. أو ذهنية المعارضة السورية

17-نيسان-2021

من المعارضة السورية إلى الرئيس بايدن

10-نيسان-2021

مآلات حزب العمل الشيوعي في سوريا

13-آذار-2021

ذاكرة مدينة: العرضحلجي

27-شباط-2021

ماذا لو عاد أنس العبدة ونصر الحريري إلى دمشق؟

30-كانون الثاني-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow