Alef Logo
المرصد الصحفي
              

المثقف السوري بين لوائح التخوين والتخوين المضاد

ماجد كيالي

2019-01-26

يبدو أن الفاعلين الدوليين والإقليميين في الصراع السوري يتّجهون نحو طيّ صفحة الصراع العسكري، بعد كل التحولات الحاصلة، لا سيما بعد سقوط المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة العسكرية، وتلاشيها، إن في حلب (أواخر 2016)، أو في الجنوب السوري (مؤخّرًا)، مرورًا بمثيلاتها في الغوطة والقلمون وجنوبي دمشق (طوال العام الماضي)، علمًا أن كل ذلك حصل في ظل اتفاقات “خفض التصعيد”، والتفاهم الثلاثي على إدارة الصراع السوري، بين روسيا وإيران وتركيا. طبعًا، لا يقلّل من ذلك حقيقة أنه ما زال ثمة منطقتان باقيتان حتى الآن خارج هذا الترتيب، أي خارج الهيمنة المباشرة أو غير المباشرة للنظام، هما منطقتا إدلب وريفها، حيث تسيطر تركيا، وشرقي الفرات حيث تسيطر الولايات المتحدة، بوجود عسكري مباشر وغير مباشر مع قوات (قسد)؛ ما يعني أن التفاهم أو عدم التفاهم حول هاتين المنطقتين هو الذي سيقرّر مصير الصراع العسكري: استمراره أو أفوله بصورة نهائية.

مع ذلك، فإن كل المعطيات تفيد بأن ثمة توافقًا بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، ونقصد الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران (وإسرائيل أيضًا)، لإزاحة الصراع السوري نحو أجندة جديدة، غير سياسية بالمعنى المباشر، أو لا تتعلق بتغيير النظام.

هكذا، فبعد أن تمّت إزاحة بيان جنيف (2012)، بواسطة تفاهمات فيينا (أواخر 2015)، والقرار الدولي 2254، لا سيما لوجود بند فيه يتحدث عن نقل السلطة إلى هيئة ذات صلاحيات تنفيذية كاملة؛ تجري اليوم إزاحة ثانية تشمل “سلال دي ميستورا” الأربع، التي طرحها المبعوث الدولي سابقًا (مطلع 2017)، وجرت عليها سلسلة “مفاوضات” لم تصل إلى أي نتيجة. وللتذكير فإن هذه “السلال” تفترض، أولًا، إنشاء حكومة جديرة بالثقة، وشاملة للجميع غير طائفية، خلال ستة أشهر (من دون التطرق لمصير الرئيس). ثانيًا، بدء عملية صوغ دستور جديد خلال ستة أشهر أيضًا. ثالثًا، مناقشة إجراء انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل أعضاء من الجاليات في المهجر التي يحق لها التصويت، وتكون بعد وضع الدستور في غضون 18 شهرًا. رابعًا، مناقشة مكافحة الإرهاب (التي أضيفت بناء على طلب وفد النظام).

في الواقع، إن انزياحات القوى الدولية والإقليمية، وضمنها “أصدقاء الشعب السوري”، التي يتشدق كثر من رؤسائها وملوكها بأن الأسد لم يعد شرعيًا وأن عليه أن يرحل، وأن ثمة خطوطًا حمرًا، إنما نمّت، كما كشفت التجربة، عن تلاعب في الصراع السوري، أو عن توظيف لأجندات خاصّة لا علاقة لها بمصالح السوريين، ولا بطلبهم على الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، وهي القضايا التي أدت إلى انفجار ثورتهم في مطلع العام 2011.

هكذا بات يتمحور الصراع السوري اليوم على عدة محاور، أو قضايا، بحسب الفاعلين الدوليين والإقليميين المذكورين، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا، وهي:

أولًا، الحفاظ على أمن “إسرائيل”، وهذا أمرٌ تتقاطع معه إرادتا الولايات المتحدة وروسيا، ناهيك عن ثقل “إسرائيل” المباشر وغير المباشر في الصراع على مستقبل المنطقة، وهو الدور الذي بات يظهر مع مطلع هذا العام، وكشفت عنه عشر زيارات قام بها نتنياهو إلى روسيا للقاء بوتين، منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية (أيلول 2015)، كما كشفت عنه مؤخرًا زيارة وزير خارجية روسيا (لافروف) ورئيس أركان الجيش الروسي، لإسرائيل ولقاء نتنياهو للتفاهم على ملف الجنوب، كما ظهر ذلك جليًا في الضربات القوية التي دأبت “إسرائيل” على توجيهها لقواعد إيرانية في سورية، بخاصة منذ مطلع هذا العام. وبديهي أن النقاش هنا بات يتمحور على مقايضة ورقة إبقاء النظام أو تعويمه بورقة إخراج إيران من سورية، إلى هذه الدرجة أو تلك. هكذا سمحت “إسرائيل” للنظام بمعاودة السيطرة على الجنوب، في حين تنسق مع روسيا ومع الولايات المتحدة لإخراج إيران من سورية، أو تحجيم نفوذها فيها، بعد أن انتهى الاستثمار الأميركي في دورها الذي أسهم في تقويض البنى المجتمعية والدولتية في المشرق العربي، من العراق إلى لبنان مرورًا بسورية.

ثانيًا، تحويل القضية السورية، أي قضية التغيير السياسي والتخلص من النظام الاستبدادي، إلى مجرد قضية لاجئين أو إلى قضية إنسانية؛ ما يعني ترك الأسباب، والتحول نحو معالجة النتائج، وهو ما تشتغل عليه روسيا مع أوروبا وبقية الأطراف المعنيين، لإيجاد حل لهذا الملف الإنساني، الذي لا شك أنه يثقل على السوريين، ويفاقم من معاناتهم، ويضطرهم إلى التعاطي مع أي حل في سبيل استعادة الاستقرار، بعد كل ما جرى، وهو ما تراهن عليه روسيا في حماسها لملف المصالحات، وعودة اللاجئين، بالتعاون مع الدول المجاورة لا سيما الأردن ولبنان.

ثالثا، التلويح بـ “الجائزة”، أي بملف إعادة الإعمار، وهو الأمر الذي يشغل عددًا من الأطراف المعنية بإيجاد حل للصراع السوري، وفيما تصر الولايات المتحدة وبعض أطراف أوروبية على أن هذا الحل مرهون باستعادة الاستقرار وإيجاد حل سياسي وإخراج إيران من سورية، فإن روسيا تشتغل على جعل هذا الملف على رأس الأولويات.

رابعًا، الانطلاق من صوغ دستور جديد لسورية، وهذا في الحقيقة ما تبقى مما سمّي “سلال دي ميستورا”، وهو ما حاولته روسيا عبر مؤتمر سوتشي (مطلع هذا العام)، وعبر تفاعلاتها مع مختلف الأطراف، لفرض رؤيتها لاعتبار أن هذه هي القضية الأساسية لإعادة بناء سورية، دولة ومجتمعًا، كما لفرض حيثياتها في صوغ الدستور، بتضمينه صياغات معينة لا تؤدي إلى تغيير سياسي ولا إلى تغيير دستوري حقيقيين في سورية، بوضع صلاحيات كبيرة ومطلقة للرئيس، وبتجاهل أساسيات الفصل بين السلطات، وحقوق المواطنين.

في غضون ذلك، يفتقر السوريون، في ظل أوضاعهم المأسوية وحال التشرد والتمزق المجتمعي، إلى كيان سياسي وطني يمثلهم ويعبّر عنهم ويدير كفاحهم، في ظل كل هذه التحولات والتحديات.
تعليق



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

المنطقة “الآمنة”.. جدل الرهانات بين الولايات المتحدة وتركيا

26-كانون الثاني-2019

المثقف السوري بين لوائح التخوين والتخوين المضاد

26-كانون الثاني-2019

إسرائيليون ضد الصهيونيّة وضد قانون القوميّة اليهوديّة

08-أيلول-2018

معركة درعا… المعارضة والاستفادة من التجارب والأخطاء

07-تموز-2018

المعارضة السورية ومخاطر الارتهانات الخارجية

23-حزيران-2018

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow