Alef Logo
كشاف الوراقين
              

مصطلح السامية بين حقائق العلم وخرافة سفر التكوين

بشار خليف

2019-01-26

شكل اليوم الثالث من كانون الأول /1872/ ميلادية مفصلاً هاماً في إسقاط النظرية التوراتية في قراءة تاريخ المشرق العربي.
فكما هو معلوم أنه وحتى نهايات القرن التاسع عشر كان كتاب التوراة يشكل المرجع الأساس في قراءة تاريخ المنطقة العربية / المشرق العربي خاصة / القديم الذي يمتد لما وراء القرن السادس قبل الميلاد.
ولكن وفي الثالث من كانون الأول عام /1872/ يقف جورج سميث أمام جمعية الآثار التوراتية في لندن ليعلن عن اكتشاف ألواح فخارية لرواية الطوفان التي وردت في سفر التكوين في التوراة.. وهذا يعني أن التوراة استوحى هذه الرواية من الوثائق العربية المشرقية القديمة / ملحمة جلجامش/.
وبذا يعلن سميث أن التوراة " لم يعد هذا الكتاب الذي يختلف عن بقية الكتاب ".. وليس " الكتاب الذي أملاه الله أو كتبه بنفسه ".
وبذا عاد التوراة إلى سلسلة الآداب العالمية، وأصبح مجرد ديوان ونصوص مختارة من الأدب الديني. على حد قول المؤرخ الفرنسي جان بوتيرو•.
وطبعاً لم يمر إعلان جورج سميث بسهولة، فقد ثارت الاحتجاجات ضده وقامت عاصفة رهيبة من الاستنكار أثارها مراؤوا إنكلترا الفيكتورية التي كان التوراة بالنسبة لهم كتاباً ( مقدساً منزلاً من الله ). وهذا ما دفع المؤرخ زينون كاسيدوفسكي للقول: " لم يكن بمقدورهم تصديق أن قصة نوح هي مجرد أسطورة اقتبست من الرافدين "•.
التوراة: ضرب تعويضي من ضروب الدفاع عن الذات تجاه عقدة السبي = النبذ = التخلي: فحيث أن ثمة علاقة خيالية وصوراً خيالية تتوسط بين الجماعة ونفسها، وبين الجماعة والمحيط وهذه الصورة الخيالية هي التي تفسر السيرورات والظاهرات التي تنسب أحياناً إلى أسباب أخرى فالجماعة تتبدى في الالتفاف على بعضها تجاه قلق مشترك.. فثمة خيال يوحد بين الأعضاء، كي يخلق حلم ما يؤدي فيما يؤديه إلى تحقيق خيالي للرغبة••.
وعلى هذا المنوال ونتيجة للسبي البابلي لليهود إلى بابل عام /586/ ق.م. فقد سعى أحبارهم آنذاك إلى تجميع الشتات اليهودي وفق أوهام وضروب من خيال، امتدت لتشمل البعد الإلهي وأنسنته بما يوافق النزعات النفسية والقلق واللاأمان الذي وضعوا مجاميعهم في ظلاله.
فقد قام عزرا الكاهن بمساعدة زرو بابل عام /583/ ق.م بتدوين الأسفار الخمسة الأولى من التوراة وهذه تعزى خطأ إلى موسى. وهذا ما يؤكده الفيلسوف سبينوزا حين يقول:
" إن عزرا هو الذي كتب التوراة ولا علاقة لموسى بكتابتها••• وقد عمد كاتبا التوراة إلى التعويض عن نزعة السبي والنبذ بطرح يجافي العقل والحقائق التاريخية والاجتماعية والإناسية:
فأولاً: التأكيد على أن اليهود هم من سلالة جد واحد هو سام بن نوح.
ثانياً: أن اليهود أناس تم اصطفاؤهم من بين شعوب الأرض من قبل الله ( الله اليهودي = يهوه ).
فإذن برأيهم لا بد من الاستعلاء على باقي الشعوب كونهم ( شعب الله المختار ).
وثالثاً: حتى الأرض فهي ممنوحة لهم بوعد إلهي من قبل يهوه.. ( أرض الميعاد).
ورابعاً: العدوانية عند ( يهوه ) وهي تجلّ واضح للنفس اليهودية الدونية بحيث يجب أن يكون حام عبداً لأخيه سام..
نستنتج مما سبق أن ثمة أربعة ركائز قامت عليها الأسفار الخمسة الأولى من التوراة ( التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية ):
1. العنصرية: فهي ادعاء نسبهم إلى سام بن نوح.
2. الاستعلاء بأنهم شعب الله المختار من بين شعوب الأرض كافة.
3. اغتصاب الأرض تحت ذريعة " وعد إلهي مزعوم ".
4. العدوانية التي هي نتيجة طبيعية للعنصرية والاستعلاء.
وبما أن مجال بحثنا يختص تحديداً في اصطلاح " السامية "، الذي يعود بجذوره الأولى إلى سام بن نوح التوراتي، وبما أدى تعويمه في الأوساط العلمية التاريخية والآثارية ومناحي الدراسات اللغوية للغات العربية القديمة إلى إحداث بلبلة معرفية وعلمية، لا يمكن لها أن تستمر، ولا سيما أن الأمر يمتد ليأخذ أبعاداً حقوقية وسياسية تختص بحقيقتنا وهويتنا وتراثنا.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: " إن كانت الأفكار الدينية لها فعالية في المجال الديني فقط، فإن الصهاينة ينقلونها من مجالها الديني إلى المجال السياسي• ".
وحصراً لهذه الطروحات ينبغي أن ننسف معرفياً الجذور الأولى لمصطلح السامية عند اليهود أي التوراة في أسفارها الخمسة.
ففي مجال أن اليهود أبناء سام بن نوح:
تجمع كافة الدراسات الأثنولوجية والأنثروبولوجية على استحالة رد شعب من الشعوب إلى جد واحد.. بمعنى آخر لا وجود لسلالة صافية تنتمي لعرق واضح..
ففي " بيان حول العرق " تبنته اليونسكو وهو من إعداد كبار الباحثين في مراكز العلوم الإنسانية العالمية جاء ما يلي:
" لا يوجد الآن ولم يوجد من قبل ما يعرف ( بالعرق اليهودي)..إن الشخص الذي يدين بالعقيدة اليهودية ويمارس طقوسها هو شخص يهودي من حيث الدين، لكن هذه الحقيقة لا تفيد شيئاً في " عرقه ". فالديانة اليهودية ليست في حال من الأحوال علامة على أي عرق مهما كان. وبالنسبة لليهود فمن المحتمل أنهم يرجعون إلى مصادر متباينة أكثر من أية جماعة أخرى معروفة في العالم. إن اليهود ليسوا أي شيء شبيه بالكيان البيولوجي المتجانس ولأهم عرق أو جماعة سلالية.
إن الاعتقاد بوجود شيء يدعى العرق اليهودي هو أحد الأوهام الكبيرة في العالم وإن أقرب تسمية لليهود كجماعة هي القبيلة "•.
ويقول لينين حول هذا الأمر:
" إن العلم لا يعرف أصل اليهود القدماء، وأن الخصائص القومية بل العنصرية مرفوضة من جانب الأبحاث العلمية المعاصرة ولا يوجد في الطبيعة نمط عنصر محدد لليهود ".
بناء على كل ذلك ونظراً لانحيازنا للعمل في مواجهة الخرافة الساسية التوراتية فإننا نستطيع رفض الأساس التوراتي لمصطلح " السامية " والذي سوف يتأسس في نهايات القرن الثامن عشر في حقل الدراسات اللغوية للغات العربية القديمة.
وقبل أن ننتقل إلى القرن الثامن عشر لا بد من التوقف عند مقولة للباحث إيسفيليت حيث يقول: " أن التوراة لم تكن تاريخاً تحوّل إلى خيال بل خيالاً تحول إلى تاريخ •• " .
وكما في كتابه " الإسرائيليون والقبائل المجاورة لهم " يقول ماير: " إن حكايات سفر التكوين تنتمي إلى عالم الخيال ".
وفي حوار أجريناه مع الباحثة الألمانية هيلغا زيدن المتخصصة في علوم الإنسان والآثار قالت: " إن علم الآثار التوراتي سبّب الكثير من الدمار والضرر في دراسة تاريخ المنطقة العربية، وكل إسرائيل قائمة على التوراة، وهم يقولون لقد جئنا إلى فلسطين لأن التوراة قالت ذلك.. وهذا غير ممكن ولا يمكن القيام بذلك تحت أية ذريعة أو توهم.
في كل مرة نتحدث فيها عن فلسطين يرفعون في وجهنا توراتهم• ".
خيط واصل بين 583 ق.م و1781م :
ثمة تماه بين عام /583 / ق.م وعام / 1781/ ميلادي، بمعنى آخر، ثمة تماه بين عزرا الكاهن وبين العالم النمساوي شلوتزر الذي أطلق مصطلح " السامية " في حقل الدراسات اللغوية للغات العربية القديمة ".
يؤكد بعض الباحثين أنه ( يهودي ) وكان هذا متزامناً مع نشوء علم الأعراق وتوجه أنظار الغرب للمنطقة العربية ففي عام /1781/ ميلادي أطلق شلوتزر مصطلح السامية في دراسة اللغات العربية القديمة وقد استند في مصطلحه على التوراة في سفر التكوين – الإصحاح العاشر، حيث أخذ بالنظرية السلالية – العرقية وعلى حد قول الدكتور محمد محفل.." لقد أخذ بهذا الاصطلاح لأسباب كهنوتية / سياسية " . وطالما أن الأساس العرقي قد نسف علمياً ومعرفياً فيجب عدم الأخذ بهذا الاصطلاح لغوياً لأسباب عديدة:
أولاً: باستخدام هذا المصطلح ينبغي أن ترجع جميع اللغات واللهجات العربية القديمة ( الأكادية – الأمورية البابلية – الآشورية – الإبلائية – الكنعانية.. إلخ ) إلى اللغة العبرية كونها حسب المصطلح السامي هي أم اللغات ؟!
ثانياً: في حقل الدراسات الرصينة للغات العربية القديمة يلاحظ الباحث ألا وجود للغة عبرية ولا لكتابة عبرية. فالتوراة تحدثت أن اليهود تكلموا " شفة كنعان ". والعبرية هي فرع من الكنعانية الوسطى والآرامية. كما أنهم كتبوا بالخط الآرامي المربع.
ثالثاً: كيف يمكن التحدث عن أن اللغة السامية التي هي العبرية بحسب الاصطلاح التوراتي هي أم اللغات في وقت تعود فيه اللغات العربية القديمة لما قبل كتابة التوراة بأكثر من ثلاثة آلاف عام !؟
رابعاً: نتيجة لاعتماد العنصر " السامي " في التوراة.. فقد حفلت ( التوراة – التكوين ) بالأغلاط والالتباسات العلمية التاريخية.
فمثلاً: 1- ورد في التوراة أن العيلاميين واللوديين ساميون وما هم بساميين !.
2- الأحباش يتكلمون لغة سامية ولكنهم ليسوا ساميين !.
3- أقصي الكنعانيون عن جدول سام لأسباب سياسية ودينية !!.
4- اعتبرت التوراة أن القرطاجيين غير ساميين !!
خامساً: وحسب الدكتور المسيري فإن الصهاينة ينقلون الأفكار الدينية من مجالها الديني إلى المجال السياسي.. فقد نشأت بدعة " اللاسامية " التي يطلقها الصهاينة على كل من يقف في طريق مشروعهم التوراتي ( الميعادي ). وأصبح العرب حسب النظرية الصهيونية أعداء للسامية واللاساميين.
بناء على كل ذلك كان لا بد لنا من الوقوف على آراء المؤرخين والآثاريين العرب لمعرفة ما السبيل لإنهاء مفاعيل استخدام هذا المصطلح وإبداله بمصطلح يأخذ الحقائق العلمية أساساً له..اعتماداً على الكشوفات الأثرية الوثائقية والحقائق التاريخية الموضوعية بما يضمن حقنا في تاريخنا وهويتنا.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أنا فكرة ٌ ... لا أُحبّذها

08-أيار-2021

اختلاق موسى التوراتي ومعجزاته من زاوية الحقائق العلمية

18-نيسان-2020

نايا

27-نيسان-2019

نصوص لها

02-شباط-2019

مصطلح السامية بين حقائق العلم وخرافة سفر التكوين

26-كانون الثاني-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow