Alef Logo
ضفـاف
              

فؤاد محمّد فؤاد شاعرٌ تهزّه انفجارات حلب

فيصل خرتش

2019-03-30

فؤاد محمّد فؤاد طبيب جرّاح وشاعر يداوي الجراح، هرب من القصف المباشر وغير المباشر والقتل المجاني والدمار الذي لحق بمدينة حلب إلى مدينة بيروت، ليعمل أستاذاً في الجامعة الأميركية، وقد طبعت له دار الرّيس ديواناً خصّه بعنوان "حدث ذات مرّة في حلب".
في الديوان نجد لغة الحديث اليومي التي تميل إلى البساطة، ربما ليخاطب البشر وغير البشر بأنهم في هذا البلد يموتون ويقتلون وتدمر بيوتهم، ويقصفون ويحاصرون ويموتون من الجوع والعطش، ولا أحد يدري بهم في العالم.
"حلب إمّا سوداء ساكنة، والنسوة ينتظرن أولاداً صاروا أرقاماً في نشرة الأخبار، سنمرّ على أحبة آخرين يضحكون في الموت".
هل هناك أقسى وأشد هولاً من الضحك، وهو يرى الأحبة يموتون، وربما يريد أن يفهمنا أن لا فرق بين أن يعيش أو يموت، فكلاهما واحد في هذا الجو الاحتفالي الصاخب بالموت، إنه يحيل الفجيعة إلى حالة من الألم.
نلاحظ أنّ الموت والدمار والقتل تطغى على محتوى الديوان، وحلب المدينة التي تغني دائماً تصبح على موت وتمشي على دمار، ويمشي فيها الموت كسلطان ينقر بصولجانه على الرؤوس... يقتلهم ويمضي مرفوع الرأس:
"في حلب الموت ينمو في الحارات الخلفية كنبات أسود... الأولاد في مدارسهم... طوابير الخبز... صور القادة الممحية على الحائط، والعجوز محني الظهر...
في حلب... ينظر الموت في المرآة برهة ثم يضغط على الزناد".
إنّ هذا التوتر والقلق والتوقع الاستشرافي الذي يصل إلى درجة الوعي المنظم، يتشكل كلّه في صلب الحركة عبر الرؤيا التحذيرية القلقة، وهو يطالب الآخرين بأن لا ينظروا إلى الجثث، لأنها حتماً ستفقدهم إنسانيتهم.
"المشهد جحيمي... لا يمكن لعقل أن يتصور أو لبشر أن يحتمل، لا تنظروا إلى الصور... أرجوكم... هذه الجثث المفحمة ستفقدكم إنسانيتكم".
إنّ هذا المشهد اليومي يصبح عادياً، يخترق الحلم، يلتحم به، ثم ينفلت منه، إنّه الصراع الذي يمور داخل الشاعر، فهو يبكي، عندما يرى في حلمه عسكري الحاجز، فإذا نحن نحس
"في الديوان، نجد لغة الحديث اليومي التي تميل إلى البساطة، ربما ليخاطب البشر وغير البشر بأنهم في هذا البلد يموتون ويقتلون وتدمر بيوتهم، ويقصفون ويحاصرون ويموتون من الجوع والعطش، ولا أحد يدري بهم في العالم" بانكساره، وبشرخ عميق في عالم لا يسمع للقتيل، وإنما يسمع لقاتله:
"البارحة نمت وحلمت بأن جندياً أوقفني على الحاجز، وصفعني بقوة حتى أدماني، حينها شممت رائحة لحم محروق... نظرت إلى يدي فوجدتها متفحمة تماماً، نكزها الجندي فسقط نصفها، كأنها رماد سيجارة وضحك، ونظرت إليها ثانية وبكيت".
لم يقل لنا من الذي أعطى الأمر للعسكري بأن يفعل ذلك، العسكري يضحك، والشاعر يبكي، العسكري يصفع، فيتحول جسد الآدمي إلى لحم محروق.
وحلب التي أحبها الشاعر وحضر فيها الأعراس، وسمع القدود والموال وليالي الأنس والرقص والغناء، ها هي تصحو من نومها مرتاعة على أصوات القصف، إنها تنام على أخبار الدمار وهوله، تصحو على أصوات الانفجارات، والحلبي لم يعد يحتاج إلى تهديد بـ"أم المعارك" ولا إلى البراميل المتفجرة التي تلقى من الحوامات أو الطائرات، "إننا سنسقط صرعى بقد وموشح.. وموال من صبري مدلّل".
الموت يسيطر على جميع الكائنات، يقتل الفرح والسعادة، وبسمة الأطفال، وضحكة الكبار، إنّه يقتل الأمل في النفوس التي كانت تستمع برائحة الزهور، وبأغاني أم كلثوم.
"أصوات المدافع والراجمات والخبط المبكر يعكر صوت أم كلثوم من تلفزيون الجيران "هوه صحيح الهوى غلاب"، لو تخفضوا صوت أم كلثوم قليلاً نريد أن نركز على الموت".
في العالم، في موجودات الله دائماً هناك أمل... وهذا الأمل حتماً ليس لنا، وتتتابع الصور التخيلية، وتتراكم، ويعرّج على القلعة التي كانت رمزاً للصمود، فيرى فيها الناس يمرون أمامه، وهم يعودون من الموت، ومن شرفة القلعة يصبّ عليهم الزيت فيدهنون ويهللون ثم يموتون من جديد.
أمّا الذين هاجروا، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، لقد عبروا العمر متمهلين... ثم يرمون أنفسهم في المتوسط، صورة الأطفال على الشواطئ موتى، صورهم وهم يعبرون بسفن متهالكة، بين أسماك القرش على اليابسة، وفي البحار، يعبرون كي يطويهم الزمن من صفحاته، إنهم يضيعون في متاهات البحار.
ولا ينسى الشاعر الأماكن التي كان يرتادها، والمقهى الذي كان المثقفون يأوون إليه، فيفرغه من دلالاته، ليتحول على يديه إلى رمز للرحيل الأبدي، إنها رؤية عدمية تشاؤمية، وهي حصاد لواقع مرّ عاشه الشاعر في مقهاه.
"كومة الرماد هذه... هي مقهى قصر جحا، والذي في نسخته السابقة كان منتدى الشام... مقهانا هو الآن حطام وغبار وأنقاض... فوقها أنقاض... لم أكن أدري أن المقاهي تقتل أيضاً كالبشر... أرواحنا التي نسيناها مسنودة على الكراسي تئن الآن تحت الركام".
إننا نستطيع أن نتلمس مناحي التفرد والخصوصية في رؤيا الشاعر التي تتحقق في نصوصه، وهذه الخصوصية تتجلى في استغلال الإيحاءات الكامنة في الديوان وفي الصياغات الجديدة المتميزة، والاحتدام الداخلي، فضلاً عن كونه أداة إيقاعية متميزة، وعناصر الصورة تفرش ظلالاً متعدّدة، وتنحدر وتتناسل عبر التكرار الذي يأتي من صلب المشهد.
سيرة ذاتية
- فؤاد محمّد فؤاد، حلب 1961.
- طبيب وأستاذ جامعي في الجامعة الأميركية في بيروت، له من الأعمال: طاغوت الكلام 1990، دمشق؛ المتروك جانباً 1998، دمشق؛ دمشق/ مرسيليا، فرنسا 2003؛ أجزاء الحيوان، دار التكوين، دمشق 2011؛ حدث ذات مرّة في حلب، دار الريس، بيروت 2016.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ذكرى نبيل المالح.. مشروعه تجسّد في مزج السينما بالسياسة

06-شباط-2021

علي الجندي الذئب الأغبر.. عاش الحياة في الشعر

27-حزيران-2020

"العرش والهيكل".. قصيدة أطاحت بالشاعر جبرائيل الدلال

06-حزيران-2020

زينب فوّاز.. رائدة مجهولة بدعوتها إلى تحرير المرأة

25-نيسان-2020

في ذكرى رياض الصالح الحسين..شاعر يكتب ببساطة الماء

14-أيلول-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow