Alef Logo
الغرفة 13
              

القضاء على البدائل...

ماهر شرف الدين

2019-12-07

ككلّ أنظمة الاستبداد، وعى نظام آل الأسد، ومنذ قيامه، خطورة وجود البديل. لذلك بطشَ بكلّ القوى التي امتلكت مقوّمات إنتاج البديل الصالح. وحين نقول "القوى" فإنما نعني النُّخَب التي لا يمكن لبديلٍ أن يكون صالحاً من دون مشاركتها.

النخبة السياسية توزَّعت بين سجونٍ حُبِسَ فيها المعارضون، و"جبهة وطنية تقدُّمية" حُبِسَتْ فيها الحياة الحزبية.

والنخبة الاقتصادية تمَّ تقويضها لصالح نخبة اقتصادية مُستجدَّة عمادها رجال أعمال من قلب السلطة بنوا ثرواتهم وراكموها من نهب المال العام والاحتكار والتسلُّط على أصحاب المشاريع والاستثمارات، من خلال مقاسمتهم تلك المشاريع والاستثمارات بالقوَّة، وبالتالي تحويلهم إلى جزءٍ من منظومة الفساد الحاكمة.

والنخبة الثقافية التي كانت الأحزاب قد استتبعتها، انطوى أفولُ تلك الأحزاب على جزءٍ من أفولها، بينما وجد المستقلُّون من المثقَّفين أنفسهم أمام بابَيْن: باب السجن أو باب الوظيفة الحكومية في مؤسَّسات رثَّة على شاكلة مؤسَّسة "اتحاد الكتَّاب العرب" وما شابهها من مؤسَّسات تدجين للمثقَّفين. أمَّا "الناجون" من هذا المصير فهم الذين استطاعوا فتح بابٍ ثالثٍ للهجرة.

من هنا نستطيع أن نفهم، بدقَّةٍ، مغزى جواب حافظ الأسد (الذي نقله دانييل لوكا في كتابه "سوريا الجنرال أسد"، ترجمه د. فايز القنطار، ونشرت ترجمته العربية "دار حرمون") لدى سؤاله عن رؤيته لسوريا في حال انتهاء حكمه بأنه لن يكون هناك سوريا.

فسياسة القضاء على البدائل وعلى النُّخَب المنتجة لتلك البدائل، والتي انتهجها حافظ الأسد منذ وصوله إلى الحكم واستمرَّ عليها ابنه بشار، كانت كفيلةً بالقضاء على أي فرصة لقيام سوريا ثانية غير "سوريا الأسد" التي صُمِّمت، حرفياً، لتكون آخرَ السُّورْيَات.

اندلاع الثورة سنة 2011 تمَّت قراءته في الدائرة الضيّقة للحكم بأنه إعلان صريح عن وجود نخبةٍ جديدةٍ هي في طور التشكُّل، وربما تكون قادرةً على إنتاج البديل الديموقراطي. نخبة غير تقليدية من الشباب الذي سَمَحَ له عالم الستالايت والرقابة الضعيفة على الإنترنت على القيام بتثقيف نفسه بأساليب غير تقليدية.

لذلك كانت مهمَّة الثورة العاجلة – ومنذ أيَّامها الأُولى - إنتاج البديل الديموقراطي الأصلح، وليس النسخة الكربونية الرديئة لنظامٍ استبدادي هو أصلاً نسخة كربونية رديئة.

وقد شكَّل عجز الثورة عن إنتاج هذا البديل الصالح، نقطةَ الارتكاز الأهمّ في قدرة نظام الأسد على إعادة إنتاج نفسه: في الخارج باعتباره سيّئاً معلوماً بين سيّئين مجهولين، وفي الداخل باعتباره الوحيد القادر على إدارة ما تبقَّى من هياكل متداعية لما تبقَّى من الدولة.

إنَّ فشل جماهير الثورة، ومَنْ يُفترَض أنهم النخبة الجديدة فيها، في إنتاج البدائل الحقيقية عن النظام القديم جعل الاستعصاء سيّد الموقف لفترة طويلة.

وما فاقمَ من حدَّة هذا الاستعصاء الدموي الذي عَلِقَتْ بلادُنا فيه، هو أنَّ ذلك "الفشل" جاء مضاعفاً، لجهة أننا لم نعجز فقط عن إنتاج البديل الأصلح، بل قمنا أيضاً بإنتاج أسوأ البدائل.
وعوض أن نُقدّم لبلادنا البديل الديموقراطي المنشود، رحنا نُحاجج العالم بأنَّ بؤس الاستبداد الملتحي يصلح لأن يكون بديلاً لبؤس الاستبداد الحليق.



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

''في الجـماع وآلاته'' للشيخ جلال الدين السيوطي

12-أيلول-2020

القضاء على البدائل...

07-كانون الأول-2019

رابطة الكتاب العرب في مهب التخوين

13-تشرين الثاني-2012

فضيحة جديدة لموقع "الحقيقة" الذي يديره نزار نيوف

31-تشرين الأول-2012

شعراء في بلاط الأسد

16-كانون الأول-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow