Alef Logo
الآن هنا
              

حرب الإبادة والعار في أدلب

عمر كوش

2020-01-10

تأتي حرب الإبادة التي يشنها النظامين الروسي والسوري في إدلب، استكمالاً للحرب الشاملة التي بدأها النظام الأسدي منذ انطلاقة الثورة السورية قبل نحو تسعة اعوام، وذهب ضحيتها أكثر من مليون سوري، وتشريد أكثر من نصف سكان سورية، ما بين نازح ولاجئ، إضافة إلى مئات آلاف الجرحى والمشوهين والمعوقين، والدمار والخراب الذي أصاب أغلب المدن والبلدات والقرى السورية، والذي يُذكر بالمآسي الإغريقية القديمة.

إنها حرب إبادة بكل معنى الكلمة، تستهدف المدنيين عمداً في أماكن عملهم وسكناهم، ورجال الإنقاذ الشجعان، وطالت المستشفيات والنقاط الطبية والعاملين فيها، ولم توفر المدارس والأسواق ومحطات توليد الكهرباء والماء، وحتى قوافل النازحين الهاربين من الموت، بل وطالت قوافل المساعدات الإنسانية الأممية، وسوى ذلك.

والمخزي هو الصمت العربي والدولي شبه المطبق حيال حرب الإبادة، التي يشنها عسكر النظامين البوتيني والأسدي، ويرتكبون فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، دون محاسبة أو عقاب، أو حتى مجرد تلويح بالعقاب، الأمر الذي جعلهم لا يكترثون بالقانون الدولي، معولين على نسيان المجمع الدولي لجرائمهم بالتقادم، لدرجة أن جريمة الحرب باتت بالنسبة إليهم مسألة تافهة، ولا تستلزم تبعات قانونية أو أخلاقية لها، بالنظر إلى تسويق مقولة "عجز المجتمع الدولي"، التي أضحت ذريعة، يستظل بها ساسة الدول، وخاصة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لأنها تجعلهم مطمئنين ويلوذون بصمت مطبق، بعد أن يرددوا كلمات فارغة، في تصريحاتهم وبياناتهم، للتعبير عن قلقهم العميق واستنكاراتهم الفارغة للجرائم، وأقصى ما يقوم به ساسة وديبلوماسيو دول الغرب والولايات المتحدة هو التقدم بمشاريع قرارت إلى مجلس الأمن الدولي، وهم يعلمون جيداً أنها لن تقر، بسبب الفيتو الروسي والصيني، الذي استخدم أربعة عشر مرة. وكأنما يكفي ساسة هذه الدول شرف المحاولة المحكومة بالفشل سلفاً.

في مقابل حرب الإبادة في إدلب وسواها، التي يقودها، منذ سنوات، ساسة النظامين البوتين والأسدي، يكرر ساسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبلدان العربية الحديث عن أن "لا حل عسكري في سورية، بل حل سياسي"، ويتناغم معهم، في تكرار هذه اللازمة المثيرة للغثيان، ساسة الكرميلن وساة نظام الملالي القابع في طهران، ومن يدور في فلكهما. وكلهم يعلم أنه في الوقت الذي يكررون هذه اللازمة تقتل براميل نظام الأسد ومقاتلات وصواريخ وقذائف نظام بوتين آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والرجال، ولا أحد يتحدث عن فشل ساسة الدول التي تدعي صداقتها للشعب السوري في حماية المدنيين، بينما لا يخفي ساسة النظامين البوتيني والأسدي مخططاتهم في إعادة احتلال كل الأراضي السورية، فالجريمة بالنسبة إليهم معلنة، ويرتكبونها على الهواء مباشرة.

وما يثير السخرية هو أن دول الغرب ما تزال تتغنى بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومعه سائر المواثيق الدولية، بينما ترتكب المجازر في إدلب وسواها، التي تقدم الدليل على موت الضمير العالمي، وفقدان ساسة دول الغرب مصداقيتهم وانهيارهم الأخلاقي، وهم ينظرون إلى جرائم ساسة الكرملين الممنهجة، الهادفة إلى تدمير القانون الدولي ومبادئ القانون الإنساني والمؤسسات والمنظمات التي تمثل ذلك.

ويبدو أن ساسة الكرملين، إما أنهم حصلوا من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على تفويض كامل فيما يفعلون في سورية، وسار في نفس النهج الرئيس دونالد ترامب، أو أنهم يتحققون من الجبن واللامبالاة الغربيين حيال استعراض قوتهم، خاصة بعد الشروخ التي أحدثها ترامب في المعسكر الغربي بعد وصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل ساسة الكرملين يضربون عرض الحائط بمرجعية الأمم المتحدة، وراحوا يجترحون مسارات أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية، كي يحصلون على تسوية سياسية يستثمرون فيها ما وظفوه عسكرياً في سورية، لذلك يأتي تصعيد الهجمات الروسية والأسدية على مناطق معرة النعمان وسراقب وسواهما، من أجل استكمال بسط النفوذ الروسي، وإعادة سيطرة نظام الأسد الإجرامي على تلك المناطق.

وفيما يستعجل بعض الساسة المخادعين الحديث عن انتهاء الحرب في سورية، وعن انتصار النظام الزائف، فإنهم يتجاهلون عدم وجاهة ذلك، وأن هذه الحرب هي نتاج النهج الذي اتبعه النظام الأسدي واستقدامه القوى الأجنبية ضد الشعب السوري، الذي خرج في احتجاجات سلمية من أجل إسقاطه، ونيل حريته وكرامته، بينما أثر تراجع الخيار الديمقراطي في كل من أوروبا والولايات المتحدة وسواها على دعم ثورة السوريين، وكانت له نتائج كارثية عليها، حيث لم يقف إلى جانبها ساسة أوروبا والولايات المتحدة عموماً، الذين لم يكترثوا بتطلعات السوريين نحو الديمقراطية، بالرغم من أنهم يقدمون أنفسهم بوصفهم طليعة القوى الديمقراطية في العالم، مع أنهم ساندوا على الدوام طغم حاكمة، تابعة أو عميلة لهم، استولت طوال عقود ثقيلة على السلطات في هذه البلدان، وكانوا يتذرعون بمختلف الحجج الواهية، التي تتحدث عن الاستقرار، بما يعني استمرار الحفاظ على مصالحهم الحيوية فيها.

وفي انطلاقة ثورتهم، رفع المتظاهرون السوريون مطالب يؤكد على ضرورة العيش بسلام، وعلى الكرامة وحكم القانون والمواطنة والمساواة، وتمسكت قواهم بمفاهيم المواطنة والجمهورية، وهي قيم ومفاهيم أوروبية وكونية يتغنى بها ساسة الغرب، لكنهم لم يقوموا بفعل شيء رداً على جرائم حرب النظامين البوتيني والأسدي، التي ارتكبت بحق السوريين، لذلك تشكل حرب الإبادة عاراً في هذا الزمن المفتوح على الاستبداد والخراب. وعار القتلة بإنسانيتهم. عار فلاديمير بوتين وملالي طهران ونظام الأسد. عار أمام الضحايا، وعار أمام الإنسانية، وعار أمام إنسانية الإنسان؛ فجميع ساسة الغرب، وآخرو كثر معهم مسؤولون عن الضحايا، ومسؤولون أمام الضحايا. عار يطاول كلّ من يحاول التستر على الجريمة ويساوي بين الضحايا والقتلة، والذين يناظرون بين طرف القاتل وطرف الضحية. إنه "الخليط المشوب أو التجاور المشوب" كما يقول نيتشة، حيث ينحطّ الفكر السياسي في وحل معياريته، ويكاد يقترب أحياناً من صورة حيوان يحتضر أكثر مما يقترب من صورة إنسان حيّ.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الانتخابات الأميركية في حسابات السوريين

19-أيلول-2020

في السجال التركي بشأن كورونا

02-أيار-2020

هل ستواجه موسكو أنقرة في إدلب؟

22-شباط-2020

حرب الإبادة والعار في أدلب

10-كانون الثاني-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow