Alef Logo
الآن هنا
              

حين خسرت اليقين

وائل السواح

2020-02-15

مهما قلنا في السجن يظلّ السجن أسوأ من القول. ومع ذلك، لا بدّ أن نفي السجن حقّه من بعض الجوانب. إذا تناسينا للحظةٍ التحقيقَ وآلامه، والأشهر الأولى من تدمر وسنوات فرع التحقيق التي كان لواحدنا فيها مساحة تكفي فقط للنوم كالسيف على جنب واحد طيلة الليل، فإن للسجن بعض الحسنات. في السجن تشعر بأنك حرّ في التفكير والقول والفعل، وفي السجن عقدنا ندوات وخضنا نقاشات كنّا نخشى أن نعقدها في الخارج. ولكن في السجن أيضا وقت طويل، طويل، للتفكير والتأمّل وإعادة التقييم. ستمرّ علينا شهور وسنوات يكون لدينا من الكتب أكثر مما نستطيع أن نقرأ. وفي السجن سنعرف أن كارل ماركس كان فيلسوفا عظيما، ولكن الفلسفة لم تتوقّف عنده، وأن لينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ كانوا ثوّارا أمجادا، ولكن الثورة لم تتوقّف عندهم. بل سيتاح لنا أن نسأل بعمق: ما الثورة؟ ولماذا؟ وكم من الدماء يجب أن تجري من أجل التغيير. سنتعلّم الفلسفة ليس كما وردت في كتيبات "المادية الجدلية"، بل من مؤلّفات الفلاسفة أنفسهم، وسنتعرّف على ميشيل فوكو وكيركغارد وهايدغر وهنري لوفيفر، وسنتعلّم أن نيتشه ليس شرّا مطلقا، وأن المثالية لا تعني التخلّف الفكري بالضرورة وأن المادية لا تعي التقدّم الفكري في الضرورة. سندرك أن ستالين كان أسوأ من كلّ ما قلنا عنه أو تخيّلناه. سنعيد الاعتبار للمارقين والمهرطقين من أمثال روجيه غارودي وفيلهلم رايش ولويس التوسير. ثمّ سوف ندرّب أنفسنا على تقبّل مفاهيم مثل الجنسانية والجنون والمثلية.
أهم من ذلك كلّه سوف نعيد الاعتبار لمفهومٍ احتقرته الماركسية اللينينية كثيرا: الديمقراطية. كان أسوأ ما ابتكره لينين في تطويره للماركسية مفهوم الدور المركزي للحزب العصبوي المتماسك تماسكاً حديدياً في الثورة. منذ صدور كتاب لينين «ما العمل؟» عام 1902 الذي تحول إلى إنجيل للشيوعيين في العالم، أخذت نظرية لينين عن الحزب الثوري تتكامل. لا ينبغي أن يعتمد الحزب على الكم، على الحجم، بل على "دزينة من الواعين الثوريين المحترفين" الذين يبنون علاقات جيدة مع العمال ويقودون – معهم – الثورة. ففي ظل الدولة الأوتوقراطية، "كلما كان الأعضاء مرتبطين بالنشاط الثوري بشكل محترف ومدرَّبين باحترافية على فن مراوغة البوليس السياسي، كان من الصعب الإجهاز على المنظمة". سوف يراوغ لينين ومن بعده قادة الحركة الشيوعية العالمية مفهوم الديمقراطية ويلتفّون عليه بمفاهيم تفرغه من مضمنه، مثل الديمقراطية-الثورية والديمقراطية الاشتراكية والمركزية الديمقراطية. في السجن سنجد أنفسنا وجها لوجه أمام الديمقراطية العارية، الديمقراطية غير المقنّعة، الديمقراطية كما هي.
قد يبدو بدهيا اليوم أن ننادي بالديمقراطية، بل إن المفهوم قد استُخدم إلى حدّ الابتذال. أما في تلك الأيام، فالديمقراطية كانت مكافئا للبورجوازية التي هي بحدّ ذاتها تهمة لأي ماركسي. وثمّة من سيساعدني في مواجهة نفسي وتقبّل هذا الأمر بشجاعة. كان سالم قدّاح رجلا شجاعا بكل ما الكلمة من معنى، اعتقل سنة 1980 مع من اعتقل من قيادات الحزب الشيوعي – المكتب السياسي، وكان من القلّة الذين كان بإمكانهم أن يواجهوا زعيم الحزب رياض الترك. لا أدري كيف بدأ هو يتحوّل من الفكر الشمولي إلى تقبّل الآخر، ولكنني أذكر جلساتي معه، حين أجلس جواره، في ضيافته، ثمّ نتحدّث بصوت خافت. لم يكن سالم يغادر عازله قطّ، يهتمّ بنظافته وترتيب عازله، يقرأ باعتدال ويتحرّك باعتدال ويتكلّم باعتدال. وبسبب تقدمه في العمر أعفيناه من خدمة السخرة الجماعية، فكان لا يبارح مكانه، وغالبا ما نأتي نحن إليه نسامره ونتعلّم منه. وعلى عازله علّم الرفاق اللغة الإنكليزية، وبين من تعلّم على يديه من أصبح اليوم مترجما محترفا.
وحين بعد سنوات سيسقط جدار برلين، ويأتي الزعيم السوفياتي غورباتشوف بفكرة البيريسترويكا، سينقسم جناحنا في سجن صيدنايا بين متحمّس للتغيير ومناهض له وسترتفع أصواتنا في مناقشات وجدالات حادة، ستكرّر من جديد مع حرب تحرير الكويت، حيث انقسمنا أيضا بين من يؤيّد الحرب ضدّ الطاغية ومن يعرضها بقوة الإيديولوجيا القديمة نفسها. أما سالم قدّاح فكان يجلس على عازله، يضع إذنه فوق الراديو الترانزستور ويسمع إلى سقوط جدار برلين بفرح طفولي كبير.
لم تكن فكرة الحريات الفردية وحرية التعبير والديمقراطية غريبة علي. كانت إحدى أهم نقاط الخلاف بيني وبين قيادة التنظيم قبل الاعتقال آرائي التي كان البعض يراها متحرّرة زيادة عن اللزوم وأيضا "بورجوازية". ولكن قراءة الفلاسفة وعلماء الاجتماع الحداثيين ستساعدني على أن أبصر الطريق قدّامي بشكل أوضح. شخصان سيلعبان دورا في تحديد مساري السياسي النهائي: ماكس فيبر وحنا أرندت. من فيبر تعلّمتُ أن لبّ مفهوم الديمقراطيّة كونها وسيلة لاختيار أصحاب القرار، مع ضرورة وضع قيود ثقيلة تخفّف من تجاوزات أصحاب القرار هؤلاء، وتعلّمت أهمية الحرّية الفردية في حقبة عاشت تطورات اجتماعية واقتصادية وسياسيّة هدّدت جوهر الثقافة السياسيّة الليبراليّة. وحين كان فيبر يجنح قليلا صوب تمجيد الدولة ومديح البيروقراطية، كانت أرندت تردّني صوب الاعتدال وتحذّرني من قدرة القادة السلطويين على التلاعب بعدد أكبر من الناس ونشر أكاذيبهم على نطاق أكبر، وهي جعلتني أقدّر الثورة الأمريكية (1776) وأنظر إلى الثورات ضدّ الستالينية كثورة المجر 1956 بعين مختلفة.
المشكلة أن القراءة الجديدة حرمتني من النوم. فتحت عيني على أسئلة لم أكن اسألها، وسرقت مني سرّ الراحة المطلقة: اليقين. عرفت اليقين مرّتين في حياتي. الأولى حين كنت أختلف وأنا ولد إلى جامع حارتنا في مدينة حمص بعد العصر، فتلفحني سكينة وطمأنينة لا عهدي لي بهما، وتجتاحني لذّة غريبة تكاد تكون شبقا. أجلس في حلقة الذكر مع حفنة من الرجال، نتلو القرآن ونذكر الله إلى أن تحين صلاة المغرب. لكم كنت أودّ لو أن جلسة العصر هذه تمتدّ إلى الأبد، تمتدّ وتمتدّ فلا تبدو لها نهاية ولا غاية. وحين يدخل شيخ عبد العزيز عيون السود الجامعَ بلحيته البيضاء، كنت أتأمله بانخطاف صوفي، وأحيانا يحلو لي أن أتخيل الله مثله، بلحية بيضاء وقامة قصيرة ووجه منير. ثمّ فقدت كلّ شيء. أفقت ذات صباح، فلم أجد الله في قلبي، غابت صورته كما تغيب الشمس في الأفق مساء، ولكن دون أن تعود في الصباح التالي. ووجدتني أميل نحو الماركسية حتى عمّر قلبي يقين أن الشيوعية هي الحقيق المطلقة، فاطمأنّت روحي لذلك، واجتهدتُ في قراءة المادية الجدلية والمادية التاريخية، وعجبت لمن لا يقتنع بمراحل التاريخ الخمس وبقانون التراكمات الكمية التي تؤدّي إلى التغيير النوعي وصراع الأضداد ونفي النفي. كما عجبت لمن يضيف لهذه القوانين الثلاثة رابعا، وهي ثلاثة لا شريك لها.
في السجن، ستبدأ روحي بالتأرجح، وستبدأ الأسئلة تتسارع في ذهني وتزدحم، ولا جواب عندي لأي منها. إذا كانت الماركسية فلسفة قد خلت من قبلها الفلسفات وستعقبها فلسفات أخرى، فما جدوى من إيماني بها كما آمنت سابقا بالدين؟ وماذا لو كان في الكون خالق؟ وماذا لو كانت القوانين أربعة أو مائة أو بدون عدد؟ في كلّ يوم كنت أفقد جزءا من سكينتي وراحة بالي، فتغلي روحي بالقلق والأرق والدوار.
ثمّ جاءني في المهجع رقم في سجن تدمر1، ذات يوم خريفي من عام 1982، نصّار يحيى.
"سأترك اللجنة المركزية،" قال لي. وفتح في القلب هوّة سحيقة وبدأ سؤالا كبيرا جديدا، سيكون مقدّمة لتغيير كبير في حياتي.
****
سنتعلّم في السجن الصناعة والحِرفة والكتابة والحرية. بدأت الصناعة في فرع التحقيق بصناعة الملعقة. حين نُقلنا منيف وأنا من الزنزانة إلى المهاجع، صُدمنا بمشكلة الملعقة. في الزنزانة يأتيك طعامك في أوان صغيرة. تأكل الأرز أو البرغل بالخبز، وتشرب المرق أو الشاي مباشرة من الإناء الصغير. في المهجع، يأتونك بأوان عملاقة تسبح فيها حبات البطاطا في بحيرة من المرق الأحمر الماسخ، وعليك أن تغوص فيها بنفسك. ثم صنّعنا أول ملعقة. حين جاءت أحدَنا زيارة، استخدمنا علبة طعام محفوظ معدنية فصنعنا منها سكينا، قصصنا بها علب حلاوة على هيئة ملاعق، وتذوّقنا الأكل بالملعقة، وحوّلنا علبا أخرى إلى أقداح لشرب الشاي والماء، فارتقينا من مملكة الحيوان إلى مملكة الإنسان.
ولكنّ الملعقة لم تكن آخر اختراعاتنا، فلسوف نعيد اختراع الطاولات من علب الكرتون وغراء الخبز المنقوع بالماء والسكر، ونستخدمها كمساند لقراءة الكتب؛ وسنعيد اختراع ورق اللعب والشطرنج وطاولة الزهر، وجميعها من عجين الخبز والسكر وورق علب السجائر. سيغير ورق اللعب والشطرنج من حياتنا، فيملأها بهجة وحماسة ومنافسة. كان أمهرنا في لعبة الشطرنج سمير عبّاس، المحامي الطرطوسي القادم من عائلة عريقة في المحافظة. لم أعرف شخصا بأناقة سمير عباس ونظافته الشخصية وتهذيبه. في أحلك لحظات السجن كان يتعامل مع الجميع بأدب شديد ولطف بادٍ. يقدّم حصّته من الفاكهة لأي مريض، ويتخلّى عن حصّته من الشوكولاتة التي كانت تأتينا في الزيارة لمن يشتهيها أكثر. ورغم أنه – كمعظمنا – مدخّن عريق، كان يتخلّى في كثير من الأحيان عن بعض سجائره لجهاد عباس أو رستم رستم. وإلى لطفه ودماثته، كان سمير مثقفا حقيقيا في القانون وفي الاقتصاد بشكل خاص. ومنه عرفت لأول مرّة أن الذهب لم يعد يشكل تغطية للعملة، فالدولار مثلا متحرّر من تلك التغطية، ومنه سمعت لأول مرّة بمصطلح "سلة العملات الأجنبية"، التي تستخدمها بعض الدول لتغطية عملتها. تعلّمت من سمير أيضا مبادئ لعبة البريدج دون أن أقع في غرامها، وبقيت أفضّل لعبة الطرنيب. ومنه تعلّمت النقاش الهادئ والانسحاب من المعركة في الوقت المناسب لكبريائك. كان يضع نظارتين سميكتين، لا يستطيع الحراك بدونهما، ولكن حين كسرتا ذات يوم، بقي أسابيع دونما قراءة، ومع ذلك اصرّ على مشاركته في السخرة والخدم العامة.
في 1984، ستتدخّل جهات رفيعة من أجل إطلاق سراحه، وحين سيخرج، سيزور أهالي معظمنا، وخاصة من لم يكن أهله يستطيعون زيارته، وسيظلّ يرسل مع من يستطيع الزيارة سجائر وحلوى. وحين سنخرج في عام 1991، سيكون جاهزا في انتظارنا وتقديم المساعدة لمن يحتاج عملا أو مساعدة مادية. ولكنه سيصاب بكارثة مالية حين يضع مدّخراته كلّها في تجارة خاسرة، وحين سيصاب بمرض الباركنسون، سيعيش ما تبقّى من سنوات حياته وحيدا، إلا من زيارات متقطّعة كنا نقوم بها بين الفينة والأخرى له ولزوجته الراقية والمجدّة واللطيفة ربا عمران. كان سمير رابع أربعة جاؤوا إلى الرابطة من تنظيم جبهة النضال الفلسطينية، أربعة مثقفين، مرهفين، وجميلين. سيتصل بي أحدهم في يوم شتائي بارد من شهر كانون الثاني 2012، بعد أيام من آخر زيارة قمنا بها لسمير، وينهي إليّ الخبر:
"البقية بحياتك. سمير عطاك عمره."
وسينضمّ سمير إلى قافلة من الرفاق الذين رحلوا عنّا باكرا، جدا. إحسان عزّو قضى في السجن بعد أن جُرّ من بيننا في سجن صيدنايا، بسبب إضرابه عن الطعام، وعوقب بالسجن في الزنزانة في سجن صيدنايا فمُنع عنه دواء القلب، فقضى بعيدا عن أهل وعن رفاقه. عبد الكريم درويش، شريكي الجميل في لعب الورق وفي أشياء أخرى، سيقضي بإصابة قلبية بعد إطلاق سراحه بسنوات قليلة. وخضر جبر الذي سيطلق سراحه قبل موته بفترة وجيزة، وكذا سيفعل بعد سنوات المثقّف المرهف سلامة كيلة وجمال حسينو وجمال ربيع وفاديا الشاليش ومي الحافظ وعبّاس عبّاس وبسّام العلي وجفّان الحمصي وأبو ذر الغفاري محمد. ولا أذكر هنا من سقط قتيلا بيد جلّادي آل الأسد، بداية بمحمد عبود، مرورا بمضر الجندي الذي قتل تحت التعذيب، وعماد أبو فخر الذي فصلوه عن رفاقه في سجن تدمر، ثمّ حملوه إلى أهله متكوراً على نفسه كجلسته في سجن تدمر الصحراوي وأجبروهم على دفنه بدون مراسم الدفن والعزاء، وسليمان غيبور، وجمال أضنلي.
على أن الاختراع الأهم كان القلم والورق من عبوة معجون الأسنان وورق علب السجائر. اختراع الكتابة أدّى إلى اكتشاف مواهب مذهلة في الكتابة. وصار لدينا شعراء وقصاصون. وهكذا اكتشفنا منصور منصور، الشاب الجميل الذي يسكب روحه على الورق، وسيغدو بعد سفره إلى السويد روائيا مرموقا تترجم أعماله إلى السويدية ويحُتفَى به في السويد كأحد أهم كتّابها، ومحمد عيسى، الذي تحوّل من مقاتل في الجيش السوري شارك في تحرير مرصد جبل الشيخ إلى شاعر رقيق يكتب قصائد مليئة بالحياة والصور والفلسفة. على هذه الأوراق عدت إلى الكتابة بعد انقطاع سبع سنوات. كان إحساس الكتابة بعد انقطاع يشبه إحساسي حين ملامستي أول امرأة بعد سنوات السجن: رعشة خفية وفرح غامر وألق داخلي.
وصار لدينا منتدياتنا الأدبية، والأمسيات الشعرية والقصصية، ثم تطورت لدينا ملكة النقد، واختلفنا حول الأدب ثم اختلفنا حول النقد، ثم اختلفنا حول وظيفة الأدب في المجتمع. وهنا اخترع عماد الجريدة. وعماد صحفي بالمهنة والدم. ولو حللت عينة من دمه في المختبر لعثرت على خضاب وسيتوبلازما وصحافة. جمع أغلفة كروزات الدخان وحولها إلى جريدة أسماها "الشفاط." والشفاط هو جهاز ضخ الهواء الذي كانت حياتنا وهناءتنا متوقفتين عليه في المهجع. وعلى صفحات "الشفاط" اختلفنا واتفقنا وتبادلنا وجهات النظر والاتهامات والمجاملات وقصائد الحب. "الشفاط" تطورت إلى "مهجعنا" ثم إلى "الأمل." وفي سجن صيدنايا، تطورت الأدوات، فصدرت "رؤى" على ورق أبيض مصقول، وبإخراج فني عال، وبالألوان أحيانا. وكان عماد دائما البطل الخفي وراء كل ذلك. وحين تعرّفنا في صيدنايا على فوكو وجاك دريدا ومحمد أركون ومطاع صفدي، وقرأنا "الفكر العربي المعاصر"، وتأثرنا بهايدغر وشوبنهاور وتمتعنا بأعمال مانيه وفان غوخ. وراحت شتى المدارس والأفكار والتيارات تتنازعنا وتتقاسمنا، كانت "رؤى" صدى ومرآة لكل تلك الأفكار. وتمتع الجناح "ألف يمين" بحرية لم يعرفها بلد عربي في تاريخه قط. على صفحات "رؤى" كتب الماركسيون والتروتسكيون والستالينيون وأنصار فوكو ويونغ ونيتشه وابن عربي. ولم يكن هناك رقابة من أي نوع. كانت "رؤى" تُقرأ من أول حرف إلى النقطة الأخيرة في المقالة الأخيرة في الصفحة الأخيرة. وكانت تثير بعد كل عدد عواصف من النقاش والجدل. وعماد لم يكن صحفيا فقط. كان قاصّا ممتازا ومؤرخّا سياسيا، ولكن أيضا... لاعب كاراتيه.
ثمّ جاء الراديو!
لحظة دخل الراديو المهجع رقم 1 في سجن تدمر، شعرنا جميعا برعشة تشبه تلك الرعشة التي اجتاحت آدم وحواء لحظة قطف تفّاحة المعرفة. وحين أدار أحدنا مفتاح وتناهى إلينا صوت مذيع ما، أحسسنا وكأن نافذة قد فتحت لنا على العالم. تحلّقنا حول الراديو جميعا كما كنا نتحلق حول رفيق عاد من زيارة. وحين بعد أيام رأينا أن الراديو لا يكفي الجميع، صرنا نعطيه لرفيق واحد ونطلب منه أن يدلي لنا بنشرة أخبار مسائية كلّ يوم، ثمّ يتنقّل الراديو بيننا ككلب مدلّل. وفي الليل، حين ينام الجميع، كان حسين محمد، وأحيانا أنا، نأخذ الجهاز لنستمع بصوت منخفض جدا إلى برنامج "الشعر والليل موعدنا" لجمال الجيش، أو أخبار الـ BBC بالإنكليزية. وعبر الراديو فقط وقعت في غرام أمّ كلثوم، التي لم يكن لدي وقت لسماعها، وتمعنّت في عمق صوت سعاد محمد وفايزة أحمد. أدمنت المسلسلات الإذاعية، ووقعت في غرام هيام حموي، وتابعت كلّ حلقة من برنامجها "يوميات مذيعة في باريس"، من إذاعة مونت كارلو، وحين سألتقيها في باريس، سأخبرها كيف كان صوتها ينقلنا إلى عوالم من الحرية والحب والألفة.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عقلية الدكّنجي .. أو ذهنية المعارضة السورية

17-نيسان-2021

من المعارضة السورية إلى الرئيس بايدن

10-نيسان-2021

مآلات حزب العمل الشيوعي في سوريا

13-آذار-2021

ذاكرة مدينة: العرضحلجي

27-شباط-2021

ماذا لو عاد أنس العبدة ونصر الحريري إلى دمشق؟

30-كانون الثاني-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow