Alef Logo
الآن هنا
              

العذراء المحمولة آن إينرايت*

صالح الرزوق

خاص ألف

2020-04-04

لا تكوني قديمة الطراز!. هذه هي الحكمة التي أومن بها، فهي تعبر عنا جميعا - نحن صاحبات بلوزات الأكريليك المتسخة وخيط البول الخفيف الذي يسيل على الثياب الداخلية الضيقة. وهذا في ذهنها أيضا. كانت واحدة من النساء اللواتي لهن بشرة مشدودة مثل ابتسامة على الوجه، كما لو أنها تخاف أن يسقط وجهها إذا تخلت عن حذرها المرتسم في عينيها. خمنت ذلك منذ أن مارس بن الحب معها، وفكرت أنه يمكن أن تنكسر بين يديه. بالمقارنة، أنا كنت مثل كنبة قديمة، أرحب بالناس ومألوفة وحسنة التصميم. هذه قصة تفضح الآخرين، كما يمكنك أن ترى - كلمة “كنبة” تفضح وتكشف الحبكة. كلمة “كنبة” تفتح أمامك الغرف المزدحمة بالأطفال النائمين والمليئة بصور حفلات زفاف قديمة، وبالنظرات المتهكمة التي تركز على كؤوس النبيذ المصنوعة من الكريستال، وسلاسل الـ بي بي سي القصيرة والتي تلعب فيها جودي دينش دور أثاث مهجور، وتبدو مسلية وحزينة قليلا.


إنها ليست حكاية عن استعمال اليد بالجنس في دورات المياه، أو في الحفلات حينما يكون الجميع في شاحنات الإيجار. وهي ليست حكاية عن شيطان يدور حول نفسه مثل محام على كرسي دوار. وليس هناك طيور، ولا عاهرات، ولا محطات قطار. ولا علامات على الجلد. كنت أحيك سترة بوليرو ونسيت درزة. شيء مزعج. ثم هناك بن معه الجين والتونيك ويضع ساقا على ساق بأناقة ويتكلم بالهاتف. سألت:” مرهق للغاية؟”. أراق شرابه. كان بن مسكونا بي منذ سنوات. يتكلم بلهجة ساخرة مثلي. ربما العكس. أنا من تعلمها منه. وكانت رعشاتنا متشابهة على السرير. وأحيانا يفاجئني في المتاجر، ويتكلم كأنه أنا. قال:”للغاية”. ومسح السائل الذي سال على بنطاله وبعض قطرات الجين على أصابعه. كان يخيم على الغرفة رغبات غير مريحة، يمكن القول إنها مثل رقصة عجيبة. ثم انتبهت لشعرها الأشقر الهش، وفمها المتوتر العريض. يا لها من امرأة ذات صفات متحولة، ألحق بها الرجال العطب، حتى جسمها تقعر من النحول وأصبح غير طبيعي ويمكنك تقريبا أن تشاهد أثر السكين عليه. ذكية؟. كلا. مسلية؟. كلا. ثرية ولها ضحكة عميقة وكعب حذاء طويل؟. كلا. سعيدة؟. بالتأكيد كلا. إلا إذا كان موجودا. كان بن يحزنني جدا وأنا أجد الكلمات على لساني. انتهيت من الدرزات، وتخليت عن السيخين، وذهبت إلى السرير. وخرجت جودي دينش من الخزانة وقررت أنه وقت علاقتها الغرامية وستباشر العمل في كوخ الحديقة وستترك كليهما وراءها. وحالما تدرك أنها إنسانة أيضا - جذابة وكريمة وذكية (بغض النظر عن هذه الكنبة) - سيأتي إليها رجل ما وينسجم معها.


حفرت السيدة روشستير ثقبا في السقف ونظرت إلى بن في مكان جلوسه عند نهاية السرير، وكان معاقا وأعمى. همست بمونولوج طويل تحدوها رغبة جعلت الفراش يحترق، وضحك كلانا ضحكة طويلة. كارين... شارون.. تيريزا.. كل الأسماء الجميلة للنساء اللواتي تصبغن شعورهن. سوزي... جاسينثا... باتي.. سألت:”ما اسمها؟”. قال:”ماري”. كان زوجي المعوق يمارس الحب في المقعد الخلفي من سيارتنا مع امرأة متزوجة تحمل إجازة بالقانون وتفرط بالثياب التي ترتديها. كانت تعمل في شركة لإيجار الشاحنات. ويمكنك أن تفكر على الأقل أنه بمقدورها أن تدبر لهما شيئا آخر بمقعد خلفي أوسع. وكان زوجي المقعد المسكين يعرض صحته للخطر الحقيقي ناهيك عما ألحقه بحياتنا المبنية على الحب من ضرر. وبينما كان يتحرك على الكنبة المفضلة لديه، كان الشيطان يدور في الزاوية، مثل محام في كرسي دوار، ويقول:”تابع، تابع، سوف توقظ الأولاد”. (أم هل كان هذا أنا؟). كانت هي الصمت على الطرف الثاني من الهاتف. وهي الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه ولكن لم تكتمل. وهي المرأة الواقفة في نهاية الطريق، وتستعمل طلاء أظافر رخيص ولها أذنان مثقوبتان للأقراط. وهي البنت في مقدمة الصف، بتسريحة شعرها المتموجة وركبتيها البيضاوين وعينيها المحمرتين.


ثم أصبحت المكالمات متكررة. لعلها تنحو منحى جادا أو هناك مشكلة مريرة. كان من عادته أن يذهب مباشرة إلى الحمام كلما عاد إلى البيت، كي يغسل عضوه بالمغسلة. ثم امتنعا عن هذا السلوك العابر وبدأ يزورها في شقتها، حيث تنتشر رائحة الصابون المعطر (دائما). هل يجب أن أخبرها بما أعرف إذا اتصلت بالهاتف؟. أم نتكلم عن الأجاص، والتورط بالغرام تحت رائحة صابون بالموليف؟. كان بمقدورنا الاتصال بمكتب شركة ونشر إعلان مفصل بمربعين. “صابون ماري قوي الرائحة، لكن ماري تستعمل X - وزوجها البسيط لن يتركها”. طبعا لنا نفس الاسم، وهذا جزء من إحساس بن بالسخرية، وكلنا نعلم من أين اكتسب ذلك. إذا لقد تعب بن من الحب. بن بحاجة للجنس على المقعد الخلفي من السيارة. وبن يرغب بفرج امرأة مكسورة لا يمكنها أن تطور ميولها لجنس حقيقي. تصيح الزوجة قائلة:”كنت أعتقد أنه شيء له معنى”. وألقت كؤوس النبيذ الزجاجية المتبقية من شهر العسل في إشبيلية لتتحطم على جدار الماغنوليا الباهتة. أنا لست عجوزا في النهاية. والانتقام وارد أيضا. وهناك نقود في المحفظة وغريزة مهجورة لكنها غير بالية. جلست في كرسي صالون تصفيف شعر مرتفع التكاليف في شارع غرافتون. شاب لا يمكنني رؤيته جر رأسي للخلف حتى وصل لمغسلة ودهنه بالشامبو (وآسفة لهذه العبارة). شيء عجيب أن يلامسك أحد بهذه الطريقة. مصففو الشعر، مثل الأطباء، يزدادون شبابا كل يوم. ومصففة شعري تدعى أليسون وكانت تنظر لحذائي، وهو تحت المريول الأزرق المصنوع من النايلون، قبل أن تحزم رأيها.


قلت:” يلزمني فعليا تصفيفة أنيقة. ولكن لا أعرف ماذا أفعل بهذه”.


قالت:”فعلا. شعرك يسبب لك الحنق. قليل وتضطرين لتنحيته عن وجهك باستمرار”. انا امرأة شعرها يتساقط، وخصلات شعري بدأت تتباعد.


أضافت:”انظري، قاربنا أن ننتهي”. وبدأت تحرك المقص فوق رأسي (مثل حركات القسيس في حفل المباركة).


ثم سألتني:”متى آخر مرة صففت بها شعرك؟”.


“منذ عشر أسابيع”.


قالت:”جيد. لن يكون بمقدورنا أن نحتفظ بشعرك الطويل فنهاياته هشة ومتقصفة”.


كان شعري رطبا ومكشوفا. ورأيت نفسي أتكلم كأنني مجرد صورة مرسومة على مرآة وقلت لها:”أريد أن أصبغه باللون الأشقر”.


توقف المقص في منتصف حركته.


قالت:”لكن شعرك قليل جدا”.


“أرى ذلك. أريد أن أغيره. أن يكون أشقر”.


“حسنا...” قالت ولاحظت أنها مصدومة بكلامي. لقد تمكنت في النهاية أن أقول لها شيئا مخزيا.


هذا التحول التافه سيؤثر برجل شاب لا يزيد طول شعره عن طول لحيته. له عينان زرقاوان رائعتان مشبعتان بإيحاءات جنسية. وهو ما يضفي عليه الأهمية. بدأنا بقبعة من المطاط ثقبها بخطاف حاد للتعليق، ثم جر شعري الضعيف والرقيق من الثقب. أصبحت أشبه “فزاعة”. كل النساء من حولي أشبه بالفزاعات. كانت ماري جالسة على يساري ويميني. كانت زرقاء من الرقبة ونحو الأسفل، وتقرأ بمجلة، ورائحة شعرها نتنة، وبشرتها مشدودة بشكل ابتسامة تناسب القبعة المطاطية الموجودة على رأسها. وهناك حقيبة عند قدميها. وداخلها مبطن بطبقة مرتخية. وفي داخل الحقيبة حبوب وأقلام وأوراق محلاة وجهاز للبلعوم ودفتر هواتف يحمل أسماء أشخاص نسيتهم. وأنا متأكدة من ذلك لأنني سرقت حقيبة قبل أن أغادر المتجر.


ثم جلست على رصيف دوليماونت وبدأت أفتش في حقيبة يد ماري، استعملت مرآتها الصغيرة، وكذلك “المسحوق تريو الملون ماركة واين روز وجينتل لايت”، وأيضا طلاء الشفاه بالم ستيك، وملون الوجه فينيشيان بروكيد، وكحل تير بروف (شكرا لله).


سأشعر بالضجر قريبا. وسأغرقها ببطء في بركة وأترك للشرطة فرصة استخراج المحتويات لتجف بعد أن يجدوا الحقيبة على الشاطئ. وهذا يوفر لي بعض الرضا والتفكير بها عند مصففة الشعر مغسولة نظيفة، ودون غطاء النايلون وبلا خطايا، ودون أي إمكانية للدفع.


وها هو انتقامي يبادلني النظر، من فوق صفحة المرآة. ونسختي الجديدة المزيفة تبدو بنظري حقيقية تماما مثل النسخة القديمة الأصلية. وتحت ثيابي يعاني صدري من العمى، وحوضي مضعضع ومتعب. وبين ساقي مثلث من الهواء وبحالة عزلة دون حب أو جنس. أما يداي فمنقبضتان. ولكن بالعادة أنا عكس ذلك. تغلغلت في الحقيبة بحثا عن الماضي. في القاع الذي فقد لونه بسبب واين روز وجينتل لايت، وجدت عذراء محمولة صغيرة. كانت مصنوعة من بلاستيك شفاف، ما عدا عباءتها، فقد كانت زرقاء. وكانت الكرة التي تحت قدميها تحمل عبارة “هدية من الله”، كانت هذه العبارة مكتوبة بالضبط تحت الكعب والثعبان المعروف. ماري حافلة بالمفاجآت. وتاجها الصغير الأزرق لم يكن مثبتا، وجسمها مليء بالماء المقدس، ومنه كنت أشرب. والآن عند حافة المياه وضعت شراعها على ظهرها، وانطلقت بها نحو بن، أتبع عاطفتي. ثم تبعتها نحو حكايته، بما فيها من طيور وعاهرات، ومحطات قطار وندوب على الجلد. لم يكن عندي مكان آخر أذهب إليه. لقد كنت أحب ذلك الرجل.


[Text Wrapping Break]* آن إينرايت Anne Enright كاتبة إيرلندية. و القصة مترجمة من مجموعتها طقس الأمس.


[Text Wrapping Break] Google Chrome settings and storage represent user-selected preferences and information and MUST not be extracted, overwritten or modified except through Google Chrome defined APIs.











































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow