Alef Logo
يوميات
              

ثلج مدينة قطنا

أكرم قطريب

2020-10-03

ساعة أو ساعتان كل ما أحتاجه من الوقت كي أجلس ثم أحمل سماعة الهاتف وأهذي مع إخوتي البعيدين، وبعض أصدقائي وهنا لا شيء بإمكانك تخيله، تغمض عينيك كي تتذكر كل الخطوط ومفارق الطرق البعيدة، صوت أبي لم يعد كما كان: شجرة ضخمة شاحبة يحط عليها طائر أسود، وفم لا يكاد ينطق. أبي الذي لم أعد أسمع صوته، اختفى وبقيت صوره القديمة وشرايين يديه البارزة، يقف وسط البيت صارخاً مثل ظل أو ضباب مستور وراء حجارة البراري. لم أفهمه في حياتي، فقط عندما كبرت عرفت سبب غضبه وهو يرفع سترته نحو السماء واصفاً لي شكل الرياضيات بلغة بورخيسية وأن الحديد بإمكانه أن يذوب بين يديه، وأنه كان يغتسل ويستحم بثلج مدينة “قطنا” أيام الشباب، ولا أعرف شيئاَ عمّا يقوله ولا مقدور لي غير أن أصغي ثم أهرب إلى الحمّام كي أبكي. كان الحمّام محرابي الصغير. هناك كنت أحلم وأدخن وأطير في البراري مع عصافير لونها غريب. عصافير اصطدناها ولا زغب على لحمها الأزرق. أبي الذي أحمله معي هنا في نيوجرسي، مازال صديقي إلى الآن، صداقة متأخرة مع الملاك الشاحب الوجه و الذي منحني اسم أكرم الحوراني.

من نيوجيرسي أسأل عنه أمي، أسأل عنه هذا الذي لم يحتمل أن يرى كل شيء يحترق أمام عينيه ولا يستطيع فعل شيء. هذا الرجل المولع بالمشي والذي إذا رأيتُهُ آتياً من بعيد أقفز من فوق الجسر كي لا يراني أتسكع في الشوارع، سقط في البيت، سقط كما هو نحو أعماق الأرض، وفقد النطق. الذي كان ينذرني بأوخم العواقب حين يراني شارداً مثل مومياء. سقط مثل نافذة البيت التي يأتي منها هواء الصحراء. سقط قلبي أيضاً لأن أشجاراً كثيرة احترقت فيه. لا نكهة للحياة بعد اليوم وصرت أؤمن بالأشباح وأرسمها على ورق مقوى. أريد أن أنحت ضحكته الآن. ودموعه التي لم أرها في حياتي. أب لايبكي. يا إلهي أب لا يبكي. لم أعد أسمعه، فقط أسمع ذلك الحنان واضطراب اللسان وقلة الحيلة، أبواب بأكملها صارت موصدة أمامه ولم يبق سوى الشلل الدماغي والصوت الذي يتهدم على مهل. أسأل عنه أمي، وأمي شاردة مثل من ينتظر القطار في صحراء، شمس قوية لا تحب الفراق، تشرح لي أن المدينة بلا كهرباء، لكن ضحكته تضيء البيت.

***

أحاول التخلص من كل ذلك الهراء الذي اسمه ” الحنين”، مع ذلك يقفز فجأة كالصرصار من تحت السرير.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سنموت بشيء آخر

03-تشرين الأول-2020

ثلج مدينة قطنا

03-تشرين الأول-2020

حرب أخرى...

15-آب-2006

شعر / لئلا أنام لئلا أصحو

08-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow