Alef Logo
ابداعات
              

خيمة أوس بن سراقة

نعيم الغول

2007-12-07

كان يستطيع أن يقسم أنه لم يرغم امرأة قط على شيء . كان يعود بعد كل غزوة يجر من الغنائم والسبايا ما يجعل القبيلة تتحدث عنه أياماً وليال، ويلهب خيال الشعراء، ويفتح بطونهم للعطايا.
وكان يحشر سباياه في خيمة. يربطهن إلى أعمدتها . وفي كل ليلة يدخل إلى الخيمة . يختار واحدة . يفك وثاقها . ويشير إلى خيمته. فتنطلق وتنتظر. وكان يدخل ويقول : أراغمة أم راغبة ؟
بعد أن تحدق في عينيه، وتخفض عينيها بانكسار أمام الحدقتين الملتهبتين تقول : "بل راغبة يا مولاي".
أجل كان دائما يقسم إنه لم يرغم امرأة قط على شيء.
حين دخل الخيمة هذه الليلة. كان يعرف أنه كالعادة لن يرغم امرأة قط . هذه المرة لم يطل به النظر. فقد كانت منتصبة كالرمح في وسط الخيمة وحبْلها يتأرجح مع انفعالها. كانت تقول : " لا
أحد يستطيع إرغامكن على فعل ما لا ترضين." ودارت بتحد وواجهته. استطردت :" لا أحد."
فك وثاقها . أشار إلى خيمته. فظلت واقفة. ابتسم وقال: "بضع كلمات وتعودين إن شئت."
تململت قليلا . نظرت إلى رفيقاتها. خفضن رؤوسهن. فسبقته وهي تطالعه بطرف عينها رافعة عنقها بصلف.
سألها : "أراغمة أم راغبة؟"
قالت بعنف: "لا هذا ولا ذاك".
"- يحسن أن تختاري."
- "يحسن أن تقتلني أولا."
- "قد افعل.لست راغبا بك."
"- لم جئت بي إذن؟"
- " أنا سيدك . ملكتك بيميني . آتي بك متى أشاء. أعيدك متى أشاء.هذا هو قانون الصحراء. ولكني أكرر لست راغبا بك."
"- فلم سألت إذن؟"
- "لأرى إن كنت راغبة؟"
- " أرغب في آسري ؟؟!"
" - قد كنتُ كذلك بالأمس . أما الآن فأنت من نسائي. ولكن لا تخشي شيئا؛ هناك دائما مهمات أخرى يمكن لك أن تؤديها. ولكن هذه الليلة احتاج فقط إلى أن أنام وأنت إلى جانبي . فقط تستلقي إلى جانبي."
- "فقط ؟"
- " فقط."
-" ثم تغدر بي وأنا في لحظة إغفاءة وضعف؟!!"
- " ليس مثلي من يغدر. ثم من قال إنك قوية الآن؟ كل ما أحتاجه أن أحس بأنفاس امرأة إلى جانبي. لا أكثر. ماذا قلت ؟"
- "نجعل بيننا حاجزا."
- " وتختارينه أنت حتى لو كان سيفا."
- " نعم هو سيف دون غمد.أضعه في صدرك الهمجي إن فكرت لحظة بالغدر."
- " دون غمد. سيف عار يشتاق لملامسة العنق.ومصافحة الدم."
عند الفراش قالت: " لماذا تسبي النساء؟"
بدا كمن فوجئ بشيء . أجاب : إنها مكافأة المحارب. بعد كل ما بذل من جهد. بعد منظر الرؤوس وهي تنهار من فوق الأكتاف وتتدحرج مشتاقة لملامسة التراب. ألا يستحق تحلية تنسيه هول المعركة؟"
" إن كان مدافعا فله الورود والطيب والقصائد والحرائر. مكافأته الحب. أما جواب الآفاق وراء السلب والنهب فليس له إلا السيف."
" الحب؟ ما الحب؟ إنه قناع الحرمان. قد أحبك إذا اشتهيتك وحرمني السيف منك."
"السيف يمنعني منك. لا ادري لم أتحدث إليك وأنا أسيرة خيمتك. السير لا ينادم آسره. "
لن تقدري على غير الحديث. فأنت من قبيلة "عذرة". يقولون إنكم لا تعرفون إلا الشعر والحب."
" لهذا يأتينا الجاهلون على ظهور جيادهم والسيوف بأيديهم بدل أن يطيروا إلينا على أجنحة قصائدهم."
لست من الجاهلين. إنه قانون الصحراء. هل تستطيعين تجاوزه وأنت التي تحتمين بالسيف. هراء. عذرة هراء. الحب هراء."
ستعرف يوما أنه ليس هراءاً. الحب أصل الأشياء. من يدري قد أحبك يوما إذا كنت غير سراقة.
قال بغيظ:" أنت لا تعرفين سراقة. اسألي من مررن قبلك بهذه الخيمة. نامي قبل أن أغير رأيي."
ساعتان مرتا وأنفاسها تمخر صفحة وجهه. تنشر عبقا أنثويا ينقله إلى رمال صحراوية بعيدة تفتح ذراعيها لفارس خبرها جيدا . فارس طالما جال في أرجائها حتى حفظ موقع ذراتها ذرة ذرة. كانت معاركه فيها بسيطة الخطة، ولكنها كانت دوما تنتهي ورايته ترفرف كأجنحة النسور في الأعالي، رغم أنه في عرف شيوخ قبيلته غر صغير وهو ابن الثلاثين ربيعا. كان يختار القبيلة التي سيهاجم. يقف مع فرسانه على رأس تل قريب. ودائما كما يتوقع يَخرجُ فرسانُ القبيلة. يقف متحديا . ينسحب قليلا لكنه يظل منتصبا أمامهم. يقتربون أكثر. يصرخون صرخات الحرب. ويتوعدون. يغمض عينيه بانتظار برق السيوف تحت الشمس فيما قدماه تنهزان فرسه لينتهي كل شيء . جثث ممدة . خيام ممزقة جاثمة على أرضها ونساء يتساءلن هل كن حرائر أبدا.
عيناه كانتا مغمضتين. لكنه كان يحس بعينيها مفتوحتين كنجمتين تجولان في مجرة. تتقلبان في فضاء الحجرة كما جسدها.أحس بها تفترش جمرا. قَرَّت فجأة. دقات قلبه تسارعت حين أحس بيدها تحرك السيف.هل تتحدث عن خشيتها من الغدر وتغدر هي؟ لم لا وقد أعلنت له عن حكمها في من ينتزعها عنوة من بين أهلها. ويح النساء. أخبره حدسه أن لحظة الحسم بالنسبة لها قربت. وريدا رقبته انتفضا للحظة. هل يؤنب نفسه لترك السيف بين يدي سبيّة لا يدري من فقدت على يديه؟ ترى أفقدت زوجا أم أخا أم تراه ابنا؟ لا وقت للأسئلة الآن. المغامرة وصلت إلى ذروتها.
أحس بيدها تلتقط السيف..ترتفع .. تمتد خلف ظهره وصوت السيف يسقط أرضا وهمسة دافئة تقول : "لا سيف بيننا،هلا أعدت سؤالك؟" لكن جواب سراقة لم يصل إليها إذ كان مشغولا بإيصال نصل خنجره إلى أبعد نقطة في صدرها.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

رسم "بدل فساد

11-آذار-2015

قصة قصيرة / قانون النهار في تموز

15-آب-2009

من المحررات السلطانية لابن المخوزق

28-تموز-2009

مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح

30-حزيران-2009

بصيمة بالعشرة

27-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow