Alef Logo
ضفـاف
              

بما يعادل ثلاث ورديات عمل

خليل صويلح

2006-04-09

ليس لدي عطلة اعتيادية، تكاد تكون أيامي كلها عطلة، ولكنني في الوقت ذاته، أعمل على الدوام بما يعادل ثلاث ورديات عمل. إلى الدرجة التي فقدت فيها معنى الانتماء إلى مكان. سائق التاكسي عندما يعلم أنني صحافي، يبدأ على الفور وصلة وطنية لا تقل وطأة عن حماسة علي الديك، غير أنني أخذله بآراء مضادة تحبط معنوياته، فينتقم مني بعشر ليرات إضافية زيادة على الأجر.

في الشرفات التي لم تكتمل تخفق الأعلام الوطنية، وأكتشف بنوع من الارتباك أنني لا أحفظ ألوان العلم جيدا، ويصعب علي ترتيب الأسود والأحمر والأخضر، وأقول لنفسي: هل تكفي نجمتين لكل هذه الأمجاد.؟
أتسكع في وسط البلد مثل سائح، بعد أن صرت من سكان الضواحي، أتجه إلى "مقهى الروضة" وأجلس طويلا برفقة شعراء شباب وسياسيين محبطين، ومفكرين يعملون" على القطعة" في الصحف العربية : راديكاليون هنا، و إسلاميون هناك، ومعارضون هنا، وموالون هناك، على كل حال هم يشبهون سائق التاكسي في العمل على العداد.
جيوبي خاوية، بعد أن تحول دخلي بأكمله إلى أقساط شهرية للبنك العقاري، غير أن هذا الأمر لا يهم كثيرا، فأنا أعمل بما يعادل ثلاث ورديات عمل، وفي الصباح أتمتع بمنظر المطر، وأتذكر لحظات سعيدة عابرة، هي مزيج من طفولة بعيدة في قرى مهملة، وسفر وقصص حب غامضة، وشهوات، وانتهاكات، وخوف مزمن مزروع في الخلايا.
ماذا لو كنت في بلد آخر؟ هل سيختلف نصي عما هو عليه اليوم؟ لدي خيال شرير، لكنني أكبحه في لحظة فينزلق إلى الحضيض مثل ملاكم من وزن الذبابة في حلبة ملاكم شرس. نعم أنا ملاكم بلا عضلات، بقفازات فضفاضة وصدر مكشوف، أتدحرج ببساطة إلى الهامش من دون أن ينتشلني الجمهور.
لدي رسائل سرية على الموبايل، من امرأة تحبني بعنف، ورسائل أكثر جرأة في بريدي الألكتروني، تحقق لي بعض الانعاش الحسي والعاطفي.
أكتشف أهمية أغاني أم كلثوم ونجاة الصغيرة، بعد أن هجرتها منذ زمن. هي من أرشدني مجددا إلى " سيرة الحب" ومعنى أغاني فيروز، ومعنى " وحشتني قوي، ما يجعلني في لحظات الذروة ، أختلف مع أدوارد سعيد بعدم إعجابه بأم كلثوم، فالحالة العاطفية المزرية التي أعيش، خلقت لدي اضطرا بات نفسية لم أعشها من قبل بهذا العنف، وبكل هذه النشوة، والخوف أيضا من اكتشاف عالمي السري، وانتهاك عبارات عشق مبتكرة آخر الليل.
أهجر رواية كنت أقرأ فصولها الرتيبة بما يشبه السخرة، أمام إلحاح صاحبها معرفة رأيي بنصه الخطير، والنص الذي أضطر أن يطبعه في دار بيروتية، كي لا يمر على لجان القراءة في اتحاد الكتاب العرب. صراحة لم أجد به ما يدعو للمنع . هناك سماجة سياسية وعاطفية تشبه طبق عجة بائت، يفتقد إلى التوابل، ألقي به جانبا وأتفرج على فيلم أمريكي عنيف. أميل هذه الأيام إلى العنف وأصوات المسدسات، رغم علمي المسبق أن البطل لن يموت إلى آخر لقطة في الفيلم، لسبب بسيط جدا، يتعلق بأجره العالي، إذ ليس من المعقول أن يموت كيفن كوستنر بعد عشر دقائق من الشريط، مقابل مبلغ هائل من الدولارات!
وكذلك الأمر بالنسبة لإنجيلينا جولي التي تحمل إضافة إلى شفتيها المثيرتين رشاشا ليزريا، يطيح بالأعداء واحدا إثر واحد.
أفسر اهتمامي بأفلام العنف على نحو بسيط، فالأمر يتعلق بحجم خسائري الشخصية وهزالة موقفي في المعارك الدائرة . هؤلاء الأبطال يعوضون بعض خسائري، وأحلام يقظتي، وقلة زادي، ووحشة سفري.
في ميكرو باص الضواحي، لدي فسحة طويلة أقضيها في أحلام اليقظة، أدعو صاحبة الجينز الضيق إلى أن تجلس بجانبي، وتحتك بفخذي، ثم وأنا أعبر رصيف فندق " الفور سيزن" كآخر طبعة سياحية في البلد، أدعوها إلى" السوبر بار" ثم نصعد معا إلى جناح في أحدى الطبقات العليا من الفندق( في المصعد أستبدلها بنسخة من جينفر لوبيز ) أصحو فجأة على منظر حذائي الملوث بالطين، فأقطع الشارع إلى الرصيف الآخر، واستعير للمشهد ذاته راقصة روسية، كانت تتجه إلى ملهى ليلي.
موبايلي يعلن عن استلام رسالة، افتح "صندوق الوارد" وأقرأ بشغف ما كتبته معبودتي. وأتوقف تحت عمود إنارة، وأكتب، لها أشواقي النارية، ثم أمسح الرسالة فور إرسالها.
وجريا على عادة القصص التقليدية: ثم مضيت لا ألوي على شيء.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

وحشة إبراهيم حسو

12-حزيران-2009

أمل عمران: البنت «الصّايعة» التي أغرمت بشكسبير

18-نيسان-2009

غادة السمان: المهنة «متمرّدة»

27-أيلول-2008

عن حنّا مينه... زوربا البحري في قلب العاصفة

08-آب-2008

يهودي في دمشق... يبشّر بالتعايش بين الأديان!

15-أيلول-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow