Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / الحلقة الأولى

راسم المرواني

2008-07-22


كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / الحلقة الأولى

لمؤلفه / راسم المرواني / العراق


ملاحظة / موضوع الكتاب لا يجد أي مسوغ لذكر المصادر
المقدمة
قبل أيام من الشروع بهذا الكتاب ، وصلتني دعوة لحضور مؤتمر يبدو إنه يحث على الوحدة الوطنية العراقية من منطلق إسلامي ، وهذا شئ جميل ومراد طبيعي لكل من يبحث عن الأمن والاستقرار الذين أصبحا من الذكريات قبل وبعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للعراق ، وإسقاط السلطة الديكتاتورية ، وتقويض المؤسسات ، وتدمير البُنية التحتية بعد التاسع من نيسان عام 2003 بتفويض ومباركة الكنيسة التدبيرية في واشنطن .
فمفهوم الوحدة ونتائجه يعتبران من الرغبات الأساسية التي يحلم بها كل من ينتمي إلى الإنسانية بعمقها الحقيقي ، فضلاً عن انتماءه لأسس الدين الحقيقية ، ولكن من غير الجميل إن المؤتمر يرفع شعاراً مستهلكاً – على الأقل في وقتنا الحاضر – قد تصدأ عبر الزمن تحت أعباء الفرقة والتشظي ، وكان المفترض بالمجتمع الإسلامي أن يلتفت إليه – اعني الشعار - مع أول أطوار تلقيح بويضة الخلاف بـ (حيامن) الاختلاف .
الشعار يقول :- إلهنا واحد ، وديننا واحد ، ونبينا واحد ، وكتابنا واحد...إلى آخره من الـ (واحدات) الغير الواقعية ، والتي نسمع بها ولا نراها ونخدع بها أنفسنا وغيرنا ونحن فرحون بهذه الخديعة التي ربما نحتاجها لتحقننا بالمورفين بين الفينة والفينة كلما استعرت نار الفتن أو ابتلعتنا حيتان الدين المزيف الفاسد ، فنهرب من عدونا إلى خيمته - وثيقة مكة الأخيرة أنموذجاً - لكي نناوره ونحاول أن نلعب مع (الوقت) لعبة (الغُمّيضة) بانتظار أن يجدنا – عدوّنا - فينتصر علينا ويسلبنا البقاء سريعاً ، أو نختفي منه للأبد ، فينسانا ، ولكننا نبقى في اختفاء .
ورغم إن الشعار قد تجاوز مشاعر أبناء بقية الأديان في العراق ، وألغى وجودهم ، ورغم إن الشعار – برمّته – مقتطع من خطبة لأمير المؤمنين (ع) في وصف اختلاف الفتاوى والعلماء ، ورغم إن كلام أمير المؤمنين عليه السلام هو كلام (المعصوم) ولكن استخدامه في هذه المؤتمرات وفي هذه المرحلة – وحتى مرحلة مستقبلية طويلة مقبلة – لن يقدم شيئاً أو يؤخر ، وشأنه بذلك شأن الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وتوجيهات الصالح من السلف والتي لم تعد تتطابق مع تطلعات ومصالح ورغبات الكثير من علماء ورجال الدين ، فضلاً عن غيرهم .
وهذا ينطبق على الشعارات الجوفاء التي يرفعها الساسة ومنها شعار (المصالحة الوطنية العراقية) الحالي والعاجز ، الذي جاء لتمرير ما يمكن تمريره من الجرائم السابقة واللاحقة بغية الحصول على مكاسب آنية لم تنظر للماضي بنظرة إنسانية موضوعية ولم تنظر للمستقبل بنظرة واعية ، ولذا جاء شعار (المصالحة الوطنية) كجنين سقط – إذا لم نقل إنه نوع من أنواع الحمل الكاذب خارج الرحم – والسبب في ذلك إنه وبأقل تقدير لم يقدم (المصارحة) على (المصالحة) ، ويمكن لنا أن نستقرئ أو نقرأ فشله من خلال فشل مشروع (العدالة الانتقالية) في العراق بعد سقوط السلطة ، والذي يفترض به أن يقوم بتقديم نماذج من أصحاب الجريمة كي يقدموا اعتذاراتهم للشعب العراقي على جرائم مضت ، ولكنه لم يجرؤ على تقديم أنموذج واحد لتبرير تشكيل المنظمة التي تحتضنه ، أو تبرير المبالغ الطائلة التي تم إنفاقها عليه .
وفي المساوقة ذاتها ، نجد إن شعار (الرب الواحد والدين الواحد والنبي الواحد والكتاب الواحد) يقف عاجزاً ومكتوف الأيدي أمام حركة الواقع ، لأنه لم يبتن على أسس الوعي والفهم أمام تهافتات وتداعيات الأحداث وحركة التاريخ ، رغم إنه يحاول أن يستمد فاعليته من أسلوبية التأثير النفسي الآني ودغدغة مشاعر المحبطين ورغبتهم في الخلاص ، وكأنه يعمل ضمن آلية (كيفما اتفق) أو يعمل وفق أسلوبية (أشبعني اليوم ، واقتلني غداً) ، وبالتالي فليس من المنطقي أن ننتظر منه نتائج على صعيد المستقبل – مغمضين عن نتائجه الآنية المتعثرة - ذلك لأن الظروف الموضوعية بين زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) وزمننا هذا قد اختلفت وتعددت فيها الآلهة والكتب والأنبياء ، وكثرت فيها مدارس الترويج لديانات كثيرة كلها تدعي إنها تمثل صلب الدين الحقيقي ، (وكلٌ – منها - يدّعي وصلاً بليلى) وليلى مشغولة عنهم بنفسها لا تقر ولا تنفي ، تاركة عشاقها في منـزلق المتاهة ، فاتحة (عكاظها) في كل موسم ليتغزل بها المتغزلون بشعرهم الماجن ، وهي خرساء مشلولة لا تحرك أي ساكن .

الفكرة الأولى... الإله الواحد

إن فكرة الإله الواحد – الذي يدعي بنو البشر وبنو الإنسان أنهم يعبدونه ويوحدونه – هي فكرة (مستلبة المصداق) من الناحية التطبيقية في المجتمع ، ولا يمكن أن نخدع أنفسنا في أن نعول عليها خصوصاً في بناء مشروع الوحدة بين أصحاب الديانات المختلفة ، ولا في مشروع إعادة ترتيب أوراق البيت الإسلامي أو البيت المسيحي أو البيت اليهودي أو غيرها من بيوت الأديان ، بل لا يمكن أن نعتمد عليها في فكرة ترميم البيوت الداخلية ضمن فرق الدين الواحد ، كالبيت الشيعي أو البيت السني أو البيت الأرثوذوكسي أو البيت الكاثوليكي وغيرها من البيوت المتفرقة فيما بينها والمتفرقة في أصلها وتفرعاتها .
ورغم إيماننا بوجود (الندرة) من علماء ورجال الدين الذين يمكن أن يتواصلوا ، ويمكن أن يؤسسوا علاقات اجتماعية طيبة فيما بينهم ، ويمكن أن يجامل بعضهم البعض ، ولكن ذلك كله يتمحور حول توقيتات لا تمتلك القدرة على الديمومة والبقاء والاستمرار بفعل مؤثرات خارجية تتعلق برفض العامة لمشاريع التفاهم ، أو عودة علماء ورجال الدين إلى حقيقة متبنياتهم بعد خدر العلاقات والمجاملات ، باَلإضافة إلى وجود أجندات خارجية تمتلك سحر التوغل لإشعال فتيل تحويل الاختلافات إلى خلافات ، وأخطر هذه الأجندات هي التي تستخدم آلات من داخل المجتمع الديني الواحد ، ولا يمكن لأحد من (العامة) أن يراها في الخارج أو يتبين تأثيرها أو يفهم حراكها ، لأنها تبدو له بعيدة كل البعد عن دائرة الصراع ، ولا يمكن له أن يرمي الأسباب إليها أو عليها ولو اكتنزت في مخيلته تأثيرات نظرية المؤامرة .
إن أصعب مشاكل الدين في توحيد بني البشر تكمن في وقوع المجتمعات الدينية تحت تأثير أزمتين مهمتين هما (أزمة القاعدة) و (أزمة القيادة) ، ففي الوقت الذي تكون فيه القيادات الدينية متفهمة لمشروع التفاهم والوحدة تكون هناك أزمة لدى القاعدة أو العامة وبالشكل الذي يسقط بيد القيادات والمرجعيات الدينية ، وفي الوقت الذي تكون القاعدة أو العامة منسجمة مع مشروع الوحدة تكون القيادات الدينية سبباً في تشتيت الجهد ودفع الأتباع باتجاه إجهاض هذا المشروع الذي غالباً ما يهدد مصالح النخبة ، وقد تشترك القيادات والقواعد في تشتيت أي مشروع للوحدة .
ففي الوقت الذي تجتمع فيه بعض القيادات لوقف نزيف الفرقة ، وتدعمها بعض فصائل العامة ، قد تنبثق قيادات لها أتباعها وتقوم بتقويض هذا المشروع ، ويبدأ العد التنازلي من جديد وما هي إلاّ خطوات حتى يعود كل شئ الى المربع الأول .
ولذا نجد إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يشير عنايتنا منذ ما يقرب من ألف وأربعمائة عام إلى زمن سوف لن ينفعنا فيه التشبث بالثوابت الدينية لاستئصال شأفة الاختلافات والخلافات المجتمعية الناتجة عن الدين والتدين ، ولن يسعنا فيه أن نستمد من الدين طاقة لبناء أو ترميم بيتنا الداخلي ، ولن تنفعنا فيه معالجة اختلافاتنا وخلافاتنا عبر قنوات الوحدة الموهومة ، فيدفعنا نحو عمق آخر في التعامل ، ربما هو العمق الأكثر فهماً لدى الوعي المجتمعي ، حين يقول عليه السلام في وصيته لمالك الأشتر حين ولاّه مصر :- (فالناس صنفان ، إما أخ لك في الدين ... أو نظير لك في الخلق) .
والدين عند أمير المؤمنين (ع) – حسب فهمنا القابل للتخطئة والتصويب طبعاً – لا يعني الدخول للإسلام بمعناه الحصري المتمثل بالإسلام المحمدي ، بل المقصود منه الأخوة بالدين الخاضع للتوحيد ، أي الدين بمعناه الأشمل ، أو الدين الراسخ في عالم الكتب المنـزلة من الله الواحد على الأنبياء ، كاليهودية والصابئية والمسيحية والإسلام ، وقد يضيف لها البعض الزرادشتية ، وقد يتعداها البعض أكثر .
أمير المؤمنين (ع) هنا يبث لنا إرهاصات الزمن الآتي التي تنبئ بفشل المراحل الأولى للمتدينين في تحقيق وحدة الإله ووحدة الدين بمفرداته ، ووحدة مصدر الكتب المنـزلة ، ووحدة منبعث الأنبياء ، فيشير عناية المجتمع ويوجهه نحو عمق آخر غير عمق الدين والتدين ، وهو عمق الانتماء للإنسانية الأكثر جاذبية في استقطاب النفس من الانتماء للدين .
فأن تأتي دعوة من شخص يعتنق اليهودية ويدعو لوحدة الأديان ، فإن أول عقبة ستتلجلج في صدور وأذهان البعض أنه يهودي ، وروايات المسلمين وموروثاتهم كلها تدل على إن حتى النبي صلى الله عليه وآله لم يكن – وحاشاه - ينادي اليهودي باسمه أو بكنيته ، بل يناديه بامتهان بقوله (ص) :- يا يهودي ، وأغلبنا مكتنـز بفكرة إن (أشد الناس عداوة للذين آمنوا الذين قالوا إنا هوداً) هكذا علّمنا المفسرون ، وهكذا تعلمنا من موروثاتنا ، وليس لنا الحق في مناقشة الموضوع ، وليس لنا حق السؤال ، فقد يسأل الناس عن أشياء (إن تُبدَ) لهم تسوءهم ، وعليه فليس أمامنا سوى الرضوخ لما يقوله المفسرون ، دون الالتفات إلى قصدية اللغة ، ودون الاهتمام بتفسير القرآن بالقرآن ، وليس من واجبنا ، بل ليس من حقنا ولا حتى من صلاحياتنا أن نبحث عما أراده الله في آياته الرائعة ، وحتى لو تقافزنا على صلاحياتنا فليس من حقنا أن نبث استنتاجاتنا للمجتمع وأن نعبر عن اكتشافاتنا ، وليس من حقنا أن نعرض بضاعتنا في الأسواق العامة ، فكأن القرآن قد نزل جملة وتفصيلاً على (المفسرين) حصراً ، وما علينا سوى أن نكون ببغاوات تردد الكلمات دون أن تفهم تجلياتها .
وبالنسبة لأغلب المسلمين فإن الكم الهائل من الموروثات والأدبيات جعلتهم يمقتون أي (يهودي) لمجرد أنه يهودي ، مستندين إلى تراكمات تاريخية ، تعززها الكثير من الممارسات غير الإنسانية التي اضطلع بها الساسة اليهود أو متدينو السياسة من (الصهاينة) ضد المسلمين والمسيحيين الأبرياء في فلسطين ، والتي تنبثق عن تسييس الديانة اليهودية باتجاه المصالح ، وهذا ما أغلق أمام المسلمين بوابة الحوار أو إمكانية اختراق واستقطاب اليهود أو مناقشتهم ، وضيع على المسلمين فرصة التناغم والتواصل مع اليهود المناهضين للصهيونية والمدافعين عن حق الإنسان في الوجود ، والذين مازالوا – رغم اتهامامهم بالتصهين - يدفعون ثمن ولائهم للإنسانية من دمائهم أو راحتهم .

راسم المرواني
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الحلقة الأخيرة من كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين

24-أيلول-2008

كتاب / صناعة الآلهة عند الموحدين / الحلقة 10 / 11

13-أيلول-2008

كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / الحلقتين 8 ـ 9

02-أيلول-2008

كتاب / صناعة الآلهة عند الموحدين / 6 ـ7

27-آب-2008

كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / ح 4 ـ 5

08-آب-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow