Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / ح 4 ـ 5

راسم المرواني

2008-08-08




ملاحظة / موضوع الكتاب لا يجد أي مسوغ لذكر المصادر


ومن المنطقي أن نتصور بأن الملحد يبحث عن الحقيقة التي صودرت منه ، أو صودر منها ، ولذا فليس من المستغرب أن تذهب به المذاهب وتشت به الطرق ، ولنا أن نفهم إنه يبحث عن الحقيقة والتكامل بين براثن العبارات والكلمات والدليل ، على الأقل في مرحلة من مراحل حياته ويقظته ، ويمكننا أن نفهم أنه - بأقل تقدير - يبحث عن (الدليل المؤدي للحقيقة) ، أو غاب عنه الدليل ، أو هو عاجز عن إيجاد الدليل ، أو منعته الأسلاك الشائكة التي فرضها المتدينون الفاسدون أمامه عن الوصول إلى الدليل.
أما رجل الدين (الفاسد) فلديه دليل ، وأي دليل ؟ إنه الدليل القاطع القامع المقنع الذي يمكن له أن يقتنع ويقنع به العامة ، ويستقطب به البسطاء ، ويوظف به الأتباع ، ويوجههم باتجاه مصالحه وتطلعاته ونزعاته .
فأغلب الحاخامات يزجون بأتباعهم باتجاه فكرة أرض الميعاد ، وإيجاد مثابة أو ركيزة أو مملكة ينطلق منها (المسيح اليهودي) الموعود ، وهي تتمثل بفلسطين التي منها ستنطلق تعبئه الجنود لخوض حرب أو معركة (هرمجدون) ، وعليه فيجب الحفاظ على فلسطين (يهودية) بأي ثمن ، ويجب الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي ضماناً لاستكمال الأمن القومي لدولة اليهود العالمية ، كخليط بين الفكر الديني المنحرف والفكر الديني المسيّس، ولذا فهم يكفّرون كل من يقف بإزاء تحقيق (الوعد الإلهي) المرتقب .
والكثير من القساوسة يدفعون أتباعهم باتجاه الانتصاف من انتهاكات المسلمين (البرابرة) للمقدسات المسيحية في فلسطين واعتراض قوافل الحجاج المسيحيين كما حصل في الخطوات الأولى من تعبئة الفكر الديني المسيحي ضد المسلمين في الحروب الصليبية ، أو يزرعون في عقول المسيحيين عدم وجود البشارة بـ (محمد) ، ويكفِّرون المسلمين لأنهم يؤمنون بنبي (مزيف) مدعٍ ، وبالتالي فلا دين للمسلمين ولا نبي ولا بشارة ، ولمعرفة حجم وهول وقذارة الجرائم التي ارتكبت تحت راية الصليب المقدس يمكن أن نقرأ – بموضوعية وتحليل – أسباب الحروب الصليبية ، ومتابعة الحملات التبشيرية (الدينية – السياسية) المسيحية التي تستغل مجاعات المسلمين وغير المسلمين وتجبرهم على اعتناق المسيحية ، أو تدفع بهم نحو التدين المسيحي تحت قوة السلاح والقتل والتعذيب ، وآخرها أنموذج تنصير المسلمين – بالقوة - في بلغاريا ، وما حروب البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو وغيرها إلا نماذج لقذارة (الدين المسيّس) ورغبته في استئصال الطفولة والكرامة ووجود الإنسان .
والبعض من المسلمين يهدمون قبور الأولياء ويدفعون البسطاء باتجاه فكرة محاربة عبادة القبور ، ويستهترون بكل ما من شأنه أن يعزز الاحتفاء بالأشخاص الذين خدموا الإنسانية وأسسوا لمناهج تسعى لترسيخ إنسانية الإنسان ، ويكفِّرون اليهود والنصارى والمسلمين تحت ذرائع شتى ونصوص شتى وروايات شتى ، وأخطر ما في التكفير أنه يصل بالإنسان إلى مرحلة من مراحل احتقار أخيه الإنسان وعدم قبول عقد الشراكة الإنساني ، بل يصل إلى مرحلة رفض وجود الآخر في الحياة التي منحها الله للإنسان .
ولذا ففكرة التكفير محصورة بجنس من البشر هم من (المتدينين) حصراً ، وليس بين الملاحدة من يسعى لتكفير غيره ، وإن قام بعض العلمانيين – بفعل العدوى - بتكفير المتدينين (ضمناً) لأنهم يؤمنون بدين ، وعليه فالمشكلة الحقيقية تتعلق بالمتدينين والمشركين والكافرين والمنافقين وليس لها علاقة بالملاحدة أصلاً .
فغالباً ما يكون رجل الدين المنحرف هو ممن خرج عن أسس الدين الحقيقي بإرادته ، ووظفه بشكل (سلبي) لمصلحته ، ونادراً ما نجد رجلاً من رجال الدين جاهلاً بأمور دينه ، بل أغلب الأحيان نراه يعرف أحكام الدين ويجيد لعبة التقافز على هذه الأحكام بآليات (المصلحة) والـ (فحوى) والـ (اللحاظ) وغيرها ، وهو أقرب ما يكون إلى طلب الباطل وتحصيله منه الى طلب الحق وتطبيقه .
أما الملاحدة فهم غالباً من التشكيكيين ، أو المتشككين أو المتمردين أو من الذين أثر فيهم أنموذج المتدينين السيئ ، أو دفعتهم سيرة (المتشرعة) – والأصح لغوياً المشترعة وليس المتشرعة كما هو الخطأ الشائع بين طلبة العلوم الدينية - لكراهية الدين ورجال الدين وكراهية (الإله) الذي يدعم سلطة رجل الدين ، وعليه ، فتقديم أنموذج جميل محاور منفتح متفهم من رجال الدين قد يؤثر في منهج (الملحد) في التفكير ، وقد يمنحه القدرة على إعادة النظر في متبنياته (الإلحادية) التي غالباً ما تكون محض متبنيات مزاجية أو نفسية ونادراً ما تكون متبنيات فكرية محضة .
ورغم إن فكرة الـ (الإلحاد) موجودة على وجه الأرض ، ولكنها غالباً ما تأتي – كما ذكرنا أعلاه - لأسباب نفسية أو تأثيرات اجتماعية أو بيئية ، ومن الطبيعي أن نعتبر الإلحاد نتيجة طبيعية من نتائج فساد الدين والمتدينين ونتيجة متوقعة لانشغال رجل الدين عن إصلاح المجتمع ، وعجزه عن الدعوة للإصلاح الاجتماعي عبر وسائل (الحكمة) و (الموعظة الحسنة) و (المجادلة بالتي هي أحسن) ، والتي تنبع كلها من بودقة الحب ، والغضاضة ، والبشر ، واحترام وقبول الآخر ، وهذا ما أشار إليه الرسول (ص) حين قال (المؤمن دَعِبٌ لَعِب ، والمنافقُ قَطِبٌ غَضِب) ، لأن الأنبياء يعرفون بأن كل لغات العالم تحتاج إلى ترجمة ، إلاّ لغة (الابتسامة) فإنها لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمان ، وهي أقرب الأبواب للدخول الى قلوب ونفوس الآخرين .
أما ما يمارسه البعض من المتدينين من (صمت مطبق) وتمتمة (مُلِحّة) توحي بإنها من ذكر الله ، وتجاوز الجليس ، وعدم منحه فرصة للحديث ، وطرده من ساحة الحوار ، فليس معناها الحفاظ على هيبة الدين ورجل الدين وعالم الدين ، بل معناها زرع كراهية ذوي الكرامة لكل ما من شأنه أن يمثل الدين.
وعوداً على بدء ، فليس بوسع الإنسان أن يعيش دون شعور لذيذ ودافئ بأن هناك قوة عليا تسيطر على الكون وتسير به ضمن نظام دقيق ، أو - على الأقل - وجود قيمة من قيم الجمال أو الكمال قد يتخذها إلهاً ويتعبد لها - أو بها - كبديل عن فكرة الإله الداعم لسلطة الكهنوت البغيضة غالباً .
لقد كان الرسول الأكرم (ص) قد أشار إلى مسألة وجود الإله (بالفطرة) لدى الإنسان بشكل رائع وشفاف حين قال :- (كل مولود ... يولد على فطرة الإسلام ، يبقى على أمه وأبيه ، يهوّدانه أو يمجّسانه أو ينصّرانه) .
وهي إشارة لتأثير الأسرة والبيئة والمجتمع على صناعة الإنسان ، وتوجيه معتقداته ، وليس معناه – حرفياَ - إن كل مولود يولد حين يولد وهو (مسلم محمدي) بل المقصود منها إنه يولد (مسلماً وجهه لله) موحداً مؤمناً بوجود (الله) بالمعنى الأشمل ، وما الإشارة إلى التنصُّر أو التهوُّد أو التمجُّس إلا إشارة لانزياح هذا المولود نحو التغيرات والتوليفات السلبية والتحريفية التي أحدثها رجال الدين على أصل الإسلام المتمثل بكل الديانات السماوية العالمية التي أرسى دعائمها (إبراهيم) عليه السلام حين سمّانا بـ (المسلمين) ، ولأن الرسول محمد (ص) كان يرى في الإسلام المحمدي مشروعاً للعودة للإسلام الحقيقي المتمثل بالأديان السماوية الإسلامية التي سبقته ، والتي سميت بعد التحريف والتغيير باليهودية والمسيحية وغيرها وقد كانت من قبل كلها إسلامية بحته، وهو إشارة إلى وجود طوارئ الفساد على مبادئ وأسس الديانات السماوية الإنسانية التي كانت سائدة في زمن الجاهلية وما زالت ، وحسب علمي القابل للتوجيه والتصحيح فإن كلمة (اليهودية و المسيحية) لم ترد في النص القرآني بشكل يثبت هذه التسميات أو يرسخها ، بل لم ترد أسماء معتبره لأبناء هاتين الديانتين في النص القرآني لأنهم مسلمون وإن اختلفت الحقب الزمنية بين الولادات .
ولو إننا أفرغنا مقولة الرسول (ص) من هذا المعنى العام والشامل لوجدنا أنفسنا أمام نبي لا يؤمن بالأديان ولا يحترم البعثة والأنبياء ولا يؤمن بحق الإنسان في الاختيار ، وهو نوع من أنواع الإرهاب الفكري الذي تسامى رسول الله (ص) عن التعبد به أو تبنيه .
إن أهم إشارة يمكن لنا أن نستقبلها في مقولة الرسول (ص) السابقة هو التذكير بأهمية وتأثير الأب والأم في توجيه علاقة المولود بالخالق سبحانه وتعالى ، وتوجيه علاقته بالدين والتدين ، فأول الفساد في التدين يمكن أن يطال الإنسان عبر التغذية (الدينية) الفاسدة التي يمكن أن يتعرض لها الوليد الجديد ، والتي يمكن أن تنتقل له – بالعدوى – من الأم والأب والمحيط العائلي ، ولذا نجد الكثير من الآيات تؤسس لهذا المعنى حين تردد الآية التي مفادها :- (وجدنا آبائنا لها عاكفين) .
ومن هذا الفهم والوعي والمنطلق فقد أكد النص القرآني على ضرورة أن (المؤمنة لا ينكحها إلا مؤمن) أو يجب أن لا ينكحها إلاّ مؤمن ، و (الزانية لا ينكحها إلا زان) و (المشركة لا ينكحها إلا مشرك)، لغرض الحفاظ على أصل النوع (البشري) الساعي للتكامل بعيداً عن تداخلات ومفاسد (الإنسان) التي توارثها من أسلافه المفسدين .
ونتلمس طريقنا للفهم عبر وصية رسول الله (ص) المهمة التي مفادها (اختاروا لنطفكم فإن العِرق دسّاس) ، ومن نفس المنطلق يمكننا أن نفهم لماذا منح (الشارع المقدس) للزوجة حق اقتناء (خادمة) لتقوم بأعمال المنـزل البدائية والمألوفة كالطبخ والغسل وترتيب الأثاث والتنظيف ، ولم يفرض عليها – شرعاً – القيام بهذه الأعمال ، ذلك لأن الدين الحقيقي يفرق بين الخادمة من حيث هي خادمة والزوجة من حيث هي زوجة ، وألقى إليها مهام بناء الإنسان العقائدي والنفسي ، وتهيئته التهيئة اللازمة لقبول المعتقدات والتفريق بين الغث والسمين منها في أخطر مرحلة من مراحل تكوينه وتعبئته النفسية لمواجهة المجتمع وتداعياته .
وأوكل مهمة تغذية الطفل بالأخلاق وأسس الدين الناصع للأم لأنها أشد رقة وعذوبة ونعومة وحناناً وشفافية لإيصال الفكرة للطفل ، ولأنها أكثر قدرة وقابلية على التأثير بالوليد ، ومن هنا نفهم الأسس المنهجية والمنطقية في رغبة الدين في أن يحصر جهد المرأة في تربية الأطفال ، ومنحها متسعاً من التفرغ للتربية والتأثير وترك شؤون إدارة أعمال المنزل المتعلقة بالتنظيف والترتيب والطبخ وغيرها الى الخادمة ، ومنحها حق اختيار الخادمة .
ومن الأم – خصوصاً - والأب تتأتى قدرة وقابلية الإنسان لفهم وقبول فكرة الدين والتدين ومحبة الله ومحبة خلق الله ، ومنهما تبدأ رحلة الإنسان في عالم التمازج بين الدين والحياة ، ومنها تبدأ رحلته في عالم الإلحاد أو الفساد ، ومن خلالهما يكون بناء هذا الكائن في أن يبقى (إنساناً) بلا روح ، أو بشر له القدرة على تقبل المزيد من الروح والسعي نحو التكامل .
وما نطلقه من كلمة (ملحد) هي تعني ذلك الإنسان الذي لا يؤمن بوجود الله ، ولكنني أميل لتعبير أدق وهو ((إن الملحد هو الإنسان المتخاصم مع الله)) وليس الرافض لوجوده جملة وتفصيلاً ، والإلحاد هي مجرد كلمة عارية عن وجود المثال التطبيقي الواقعي والمادي ، فمهما تقمص الإنسان لباس الإلحاد فهو – أولاً وآخراً – يؤمن بوجود إله ، وهذا الإله ربما يكون (الله) المرفوض خارجياً والمقبول داخلياً ، أو ربما هو الشيطان ، أو الهوى (أفرأيت من أتخذ آلهة هواه) 43/الفرقان.، أو فكرة ، أو لوحة ، أو امرأة ، أو نظام أو أي شئ آخر ، ولكن أن يبقى الإنسان دون إله فهي فكرة تحتاج إلى دليل ، وليس لها دليل .

راسم المرواني
[email protected]

البقية في الحلقات المقبلة

البقية في الحلقات المقبلة

كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / الحلقة الخامسة

لمؤلفه / راسم المرواني / العراق


ملاحظة / موضوع الكتاب لا يجد أي مسوغ لذكر المصادر


الهروب من المتدينين
قد يشير إلينا البعض بإصبع التساؤل والاتهام قائلاً :- لماذا تسلطون الأضواء على علماء ورجال الدين ، تاركين ورائكم هذا الكم الهائل من غير المتدينين دون تجريح أو تلميح ؟
وهو بهذا التساؤل يكون قد ابتعد عن الإنصاف ، لأن الكون خال – تماماً - من غير المتدينين ، فكل البشر متدينون ، كلٌّ حسب ديانته ، وكل البشر متعلقون بآلهتهم ، كلٌّ حسب إلهه ، وكل البشر متناغمون مع أديانهم منذ الصباح وحتى إغماضه جفونهم مع هزيع الليل ، وعلى كل حال فحتى المتغافل والمتكاسل عن دينه فهو يدافع عن دينه مرة أو مرتين أو أكثر كل يوم .
فالبعض يبدأ علاقته بدينه مع ابتداء وظيفته الصباحية ، دينه دنانيره ، وإلهه تجارته ، وربّه مديره العام ، وكتابه المقدس ما يصدر عن حزبه ومسئوله ، وتراتيله تمثل ما يقوله ربه الأعلى أو إلهه المتمثل بالزعيم أو القائد أو الرئيس ، ويتعبد لربه بتعذيب المساكين حين يكون هو من أنبياء السلطة .
وقد تجد من يدافع عن مجموعة من الأديان ويعمل لها خلال يومه ، فيصلي صلاة الصبح لله متعبداً بدين المسلمين ، ويهم متجهاً نحو السوق حاملاً بضاعته المغشوشة متعبداً بدين الشياطين ، ويحلف ألف مرة -كي ينفق بضاعته - بإله منافق تاجر وظيفته تصريف البضاعة - يسميه (الله) وليس هو الله – فيتعبد بدين المخادعين ، وحين يستدين ، لا يوفي دينه بل يماطل ويناور ويسوّف ، فيدين بدين الظالمين ، أو يطفّف بالكيل فيدين بدين المطففين ، وحين يعود للبيت ، يصب جام غضبه وينفس عن تعبه عبر التنكيل بأهله وزوجه ، فيدين بدين المتجبرين ، أو يغمط حق المساكين ولا يعطي الحقوق الشرعية للفقراء فيدين بدين المرابين ، أو يذهب لينفس عن نفسه في أحد النوادي الليلية أو المقاهي (النفاقية) فيدين بدين المنافقين ، وعلى كل حال ، فهذه كلها نماذج من أديان متعددة وليست كل نماذج الأديان والتعبد ، وكلها تمتلك ذرائع من بعض رجال الدين ، ويمكن لرجل الدين أن يبرر أو يتذرع أو يفسر أو يؤوّل أو يشرح أو يفكك أو يجزئ أو يعطل أو يضيق أو يوسع النص (الديني الحقيقي) من أجل الوصول إلى حجة في تصريف أعمال مريديه أو أتباعه أو من ينفقون عليه ، وليس بوسعنا أن ننكر بأن أغلب هذه الممارسات هي من (الشرك) بأنواعه ، ولكن مشكلة البعض أنه لا يعي حقيقة أن (الكفر) هو أخطر وأكبر وألعن من الشرك ، وإن الكفر هو دين قائم بحد ذاته ، فالكافرون لهم دين ، وهو أخطر الأديان على المجتمع .
فالوصايا العشر دين ، وخلافها دين ، والمحرمات دين ، والحلال دين ، والنفاق دين ، والخديعة دين ، والتسويف دين ، والجريمة دين ، والحب دين ، والكراهية دين ، والجنس بنوعيه دين ، والشذوذ دين ، والسلطة دين ، والدنانير دين ، وكل ديدن فهو دين .
ولهذا - وكما أسلفنا - نجد إن الأنبياء والمصلحين الحقيقيين كانوا قد لقوا حتفهم على يد المتدينين ، فموسى (ع) كان قد ذاق الأمرين من فرعون الذي ادعى الربوبية ، وأتعبه ما قام به (السامري) حين صنع إلهاً عجلاً له خوار ، والسيد المسيح (ع) وقف بإزاء أساطين اليهودية المنحرفة والفاسدة ، محاولاً تقويض سلطة الكهنة واستعبادهم الناس (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) 31/التوبة ، ومقولة الرسول الأعظم (ما أوذي نبي مثلما أوذيت) تدفعنا لتمحيص الإشارات التاريخية والتي تدلنا على إنه (ص) إنما أوذي من قبل أساطين وأباطرة الدين القديم ، وكان مجمل الأذى الذي تعرض له (صلى الله عليه وآله) إنما جاء كرد فعل من قبل المتدينين القدامى وخشيتهم من تقويض إمبراطوريات الخديعة والاستغلال والمصادرة التي استعبدوا بها الناس ، وجردوهم من تطلعاتهم ، وأغلقوا أمامهم أفق المستقبل ، وعليه ، فلابد لهؤلاء المتدينين أن يقاتلوا من أجل دينهم (القديم) الذي منحهم حرية وحق وسلطة استعباد العباد وتوظيفهم بالشكل الذي يضمن لهم ديمومة العروش ، وهذا ما رأيناه في هتافات (المتدينين القدامى) حين جاءوا لحرب جيش الرسول صلى الله عليه وآله وهم ينادون (أُعلوا هُبَــل) ، ولم يقولوا (أعلوا أمية ) أو (أعلوا الجواري) أو (اعلوا أبي سفيان) أو (اعلوا قريش) أو (اعلوا تجارتكم) .

المسلمون الكسالى ..والفاسدون الناشطون
إن حقيقة الصراع الذي قرأناه عبر مسيرة الدين الإسلامي في خطواته الأولى تدلنا على إن المتدينين القدامى (قريش ومن والاهم) كانوا قد وضعوا (الله) الذي يؤمنون به والذي يسمح لهم بالتعددية (الإلهية) ويأذن لهم بطيف عريض من الآلهة التي تضمن لهم نمو ثرواتهم ، بإزاء (الله) الذي بشر به الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله ، ووضعوا الدين الذي يؤمنون به بإزاء الدين الجديد ، وعليه ، يمكننا أن نقول بوضوح ومسؤولية إن متديّني قريش القدامى لم يكن لديهم مانع من أن يشهدوا بـ (الله) إذا كان هذا الإله يتطابق مع (الله) الذي يعرفونه ، ولم يكونوا ليغضبوا ، ولم تكن غيرتهم على دينهم لتُستَفَزَ لو إن (رب محمد) الجديد منحهم أو تنازل لهم عن بعض المزايا السياسية والتجارية والاقتصادية التي تضمن لهم البقاء على ما هم عليه (المؤلفة قلوبهم أنموذجاً)، ولكن (رب) محمد لم يفتح معهم الحوار الضعيف ، ولم يحابهم ، ولم يقبل منهم ، وكانت مقولة (لا إله إلا الله) تمثل تهديداً لمصالحهم وآلهتهم التي يتاجرون بها .
فقد رأيناهم يأتون إلى الرسول (ص) ليبعثوا عبره برسالة شفهية إلى (إلهه) الذي بعثه ، فيقولون لأبي طالب (رض) :- إذا أراد محمد مالاً أغنيناه ، وإذا كان يريد مُلكاً ملكناه علينا ، وإذا ...وإذا ......إلخ ، وهو نوع من أنواع (صراع الحدود) الذي آثرت آلهة قريش أن تمارسه في بداية انبلاج صبح الدين الجديد ، وهو نوع من أنواع المناورة السياسية لدى أصحاب الدين السياسي .
وقريباً من هذا الموقف نجد موقف (أحد الصحابة) حين ينصح – بزعمه – علي بن أبي طالب بعد توليه الخلافة في أن يقر (معاوية) على إمرة الشام ريثما يأخذ له بيعة أهل الشام ، وتتسق الأمور ، وبعدها ينقض عليه ، ولكن علي بن أبي طالب يرفض ذلك ، ويعتبر هذا التصرف نوعاً من أنواع النفاق ، بل وسيلة من وسائل تسييس الدين ، والخديعة على حساب المبادئ والمثل ، ويأبى إلا أن يعزل (معاوية) حالاً ودون انتظار ، معبراً عن بداية أسلوبية جديدة في السياسة التي هي عين الدين والتي لا تؤمن بمبدأ (الميكافيللية) ولا تؤمن بالمخاتلة والمناورة وتغيير الثوابت إلى متحركات .
فالغاية عند أمير المؤمنين لا تبرر الوسيلة ، لأن الغاية والوسيلة عند علي بن أبي طالب هما من جنس واحد ، وكأنه يعيد للذاكرة موقف رسول الله (ص) من العرض الذي قدمه له كهنة آلهة الظلم من قريش ، فبرغم العرض السخي الذي قدمه أساطين قريش ولكن محمداً وإلهه لم يقبلا بالعرض الجديد ، وآثرا إلاّ تقويض إمبراطورية الربا والفساد والخديعة والظلم والطغيان ، وجاءهم الرد سريعاً حين قال رسول الله (ص) مخاطباً قريش عبر (مؤمن قريش) أبي طالب :- (يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يُظهره الله أو أهلك دونه) .
فتبلور العداء السياسي والتحزبي بين قريش وبين الكلمة التي لم يستطيعوا قبولها وهي كلمة (لا إله إلا الله) واعتبروها أثقل عليهم من جبل أبي قبيس ، فقد شعروا بأن ثورة الرسول الأعظم (ص) كانت موجهه نحو وضد (الله) الذي صنعوه وتعبوا في صناعته أيما تعب ، وبالتالي فقد غضب (الله) الذي صنعه العرب من هذه الأطروحة واستنفر طاقتهم للوقوف بوجه هذه الثورة ، وانتدب لها عملاءه من (هبل) و (مناة) والـّلات والعُزى وغيرها من آلهة العرب وآلهة اليهود والنصارى وبقية الأديان ، فاستنفرت هذه الآلهة الحجرية (والمصنعة) و (المزيفة) طاقاتها ومتعبديها ، ونشرت رايات الحرب ضد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضد الله (الجديد – القديم) الذي عاد ليقوض هذا الكم من الآلهة ويحاول أن يحيل تاريخها ووجودها إلى هباء ، بيد إننا نجد إن كل المتدينين من الذين يتعبدون بالإله الحقيقي (الله) كانوا قد تعبدوا بإله محمد الذي هو إلههم ، ولم يستوحشوا منه لأنهم يعرفونه .
إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والذي جاء من وسط المجتمع ، نزل من (غار حراء) على حين غفلة من الآلهة والمتدينين القدامى لينقضّ على السلطة الكهنوتية المقيتة ، ويقوّض إمبراطورية الإله الذي يأخذ (سهمه وحصته) من دماء المستضعفين وعرقهم ، هذا الرب الذي يروّج للعمليات الإرهابية التي يقوم بها أتباع وأشياع أبي سفيان وعتبة والوليد وأميّة وأبي جهل وغيرهم ، ويسمح لهم بالمعاملات الربوية ، ويرتاد بيوت (ذوات الرايات الحمر) ، وعليه فلابد لهذا الرب أن يستنفر أتباعه ، ويستفز سفراءه ، ويدفعهم للرد الحاسم على رجل خرج من غار حراء ممسكاً بمعول التجديد والتغيير ، يريد أن يهشم أصناماً و (آلهة) لطالما كانت محالاًً تجارية للمتدينين القدامى ، ودكاكين تدر عليهم مستلزمات القوة والسلطة والرفاه على حساب الضعفاء .



راسم المرواني
[email protected]

البقية في الحلقات المقبلة































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الحلقة الأخيرة من كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين

24-أيلول-2008

كتاب / صناعة الآلهة عند الموحدين / الحلقة 10 / 11

13-أيلول-2008

كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / الحلقتين 8 ـ 9

02-أيلول-2008

كتاب / صناعة الآلهة عند الموحدين / 6 ـ7

27-آب-2008

كتاب صناعة الآلهة عند الموحدين / ح 4 ـ 5

08-آب-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow