Alef Logo
ضفـاف
              

كلامٌ لإياد في لحظة سكر

رائد وحش

2008-01-25

كبير العائلة الذي لم نره إلا في صدور المجالس، وفي مقدمة الوفود في الأعراس والمآتم، زارنا في صباحٍ غاب فيه أبي، وهي المرة الأولى التي يشرفنا فيها بلا مناسبة.
منذ وطأ العتبة أمرنا بالخروج ليحدّث أمنا بشأنٍ خاص. راقبناه من الكوة الواطئة، كان يتفحص المكان، ومسبحته تطقطق بتوترٍ. وحين قدمت أمنا الشاي تناوله، وثقبها بنظرة أربكتها، فقامت متحججةًَ بأمر ما، وقف وشد قامتها، وطرحها، لينام فوقها.
رجفتْ ربكنا، أمنا التي عرّاها بعنفٍ كانت مكتومة الصوت، وهو يلحسها ككلب، صاعداً هابطاً عليها. شاركناها، من وراء الكوة، الدموع، واحتاج أصغرنا عشرين سنة ليفهم الواقعة، دون أن يجرأ أحد منا على سؤال آخر حول ما جرى.
عندما صرتُ جاهزاًً لقتله، سبقني إليه السرطان.
بيانٌ في الخسّة
انقلعي أيتها البراءة، اخرجي من حياتي، فلا حاجة لي بك. لا أريدك يا حقيرة، غادري وإلا رميتك من الشباك. إياكِ وأن تناقشيني، كلمة أخرى وأجعلك فرجة للناس. هيا.. تفو عليكِ.. على شرفك يا شرموطة!
من الآن فصاعداً أنا ثعلب، لن أكون ذلك الوديع مهما توسطت عند معارفنا، لن آخذ شأناً لأحد، فكلهم أحذية، وأنتِ وريفتي في الزبالة.
أعلن كراهيتي وحقدي ونذالتي في هذا البيان، لمن تهمه مسألة زيادة وغد جديدٍ على مليارات الأوغاد، ولمن يفرح بتفاقم الخساسة ها أنذا معك يداً، واليدُ الأخرى تمسك بالسكين.
أحذّر الجميع من تبدّلي، فأنا الآن أضاهيكم قذارةً سأنتهك بيوتكم، وأفضح أعراضكم، فالكراهية أسلوبي. أحذّرّ ولم التحذير؟ فلآخذكم غدراً، وليكن الفتى الذي ظننتموه نبعاً، اعتباراً م اللحظة، بالوعة.
اقتربوا مني لترووا أنفسكم في الفخ، بل لتروا الفخ عن كثبٍ، فأنا مرآتكم.

لوحة مرتجلة
عندما أسمعُ عزف شبّابةٍ يجيء المشهد التالي: بيت وحيدٌ في وعرة بركانية، غرفهُ متلاصقة بشكل أفقي، وأمامه شجرة زيتون متآكلة.
كأنما هذه الشجرة تطمش إحدى عنيّ، فما يظهر ليس أكثر من ثلثي البيت، والثلث المتبقي لاختبار خيال المشاهد في القدرة على الترميم.
لا أعرف حقاً هل الشبّابة من يرسم هذا المشهد؟ أم أنّ هذا البيت عازف الشبابة الغائب؟

خيال الشخص

1
في مدينة لا أعرفها، ولتكن بعلبك أو قرطاج أو الإسكندرية. وفي ساعة لا أستطيع تحديدها، ولتكن الساعة صفراً. كنتُ ملكاً على عرشٍ من العاج، آمر حاجبي بجلب دزينة حبشيات لسهرة اليوم، لأعود وأملي على قائد الجند أمراً بإعدام أسرى الحرب الأخيرة، وإرسال رؤوسهم مقطوعةً إلى ذويهم كتحية.
في مدينة أعرفها، وفي ساعة العمل الأخيرة، كنت دائخاً من التعب، وأنتظر المحاسب لاستلام راتبي الشهري.

2
أهذي بشموع سوداء، لهبها أسود، وهالاتها من سواد، وإذا أُشعلت يصير النهار ليلا ًً..

3
أخالني، في كنزات الصوف، خروفاً، فأقضي الشتوية بالثغاء، ولعل هذا ما يمنحني الدفء. وفي السترة الجلدية اقتنع بأنني عجل أو تيس، وفي قمصان القطن أو الحرير، تتلبسني شهوة نباتية، من ولوج المآبر لمياسمي، فيتقطر مني الندى.

4
حديقة حيواناتي المنوية مفتوحة للزوا ر، وكل نطفة في قفص.
كأسٌ دون حبٍّ في فندقٍ فارهٍنزلاء الفندق حمقى، إنهم يكتفون بجمال المكان ورفاهية خدماته، كي يضمنوا إقامة طيبة، أما أنا، الطارئ.. الدخيل، فأرى جماله وخدماته في المرأة الطويلة بفستان أسود، تحنو بكل ما فيها من غريزة الأمومة على كمان يؤوئ كرضيع، فتصب في الكؤوس موسيقى، بدل المشروبات.
تقف طويلةً كانتظاري لها، وكمانها يفرد أوراقه، فيما غالبية الرواد بالكاد يرونها، أو يسمعون موسيقاها حتى .
نكايةً بالجميع، الوزير وأعوانه، و الضابط وزوجته المسترجلة، وأعضاء غرفة تجارة المدينة.. نكاية بكلّ هؤلاء أشرب الكأس تلو الكأس بصحتها، وأنادي بحرقة التأثر: برافو يا بانة! مثلي مثل ملوعي أم كلثوم، في وصلتها الشهرية، يصرخون بالتناوب: عظمة يا ست!
كأس بصحة بانة، وآخر لاستعادة تراجيديا سيرتها، منذ مات أبواها في حادث مرور، نجتْ منه لأنهما أودعاها عند جدتها التي ماتت من حزنها عليهما، فسلّم الجيران الصغير لملجأ أيتام، سرعان ما هربتْ منه، لأن مشرفيه لا يحّبون الموسيقى، ولم يكن لينقذها من التشرد إلا موسيقي مصاب بعقدة لوليتا.
أنتظرها للانتهاء من العزف، والعودة إلى غرفتها التي أورثها إياها ذلك الموسيقيّ. غرفة طليتها بالكلس لتلائم اللون الموحد للمقبرة التي تطل عليها نافذتها الوحيدة.
يحدث عادة أن يطلبها هرم رغبةً باسترجاع بعض الرطوبة في أعضائه الجافة، مقابل بضعة دولارات، أقوم شخصياً بمساومته عليها. أكثر من يقهرني، في عملها الإضافي هذا هم السياح، فأغلبهم ثقال الدم، ومعقدون بشكل مرعب. دائماً يطلبونها بعد جولة الأحياء القديمة التي توقظ فيهم سعاراً استشراقياً، فيحبون تجريب ما قرؤوه في طبعة (الليالي العربية)، مع لحم شرقيّ طازج. يرتبون التمثيلية بحجز قسم مؤثث بموبيليا الأرابيسك، ومفروش بالطنافس، ومبهرجِ بالبروكار والأغواني. مرّة يلبسونها ملاءة سوداء، لا تظهر منها إلا العينان، ويطلبون مني التقاط صور لوجوههم الملتصقة بمؤخرتها، وهم يهلوسون: أوه..واو! ومرة يلبسونها بدلة رقص بلدية، ويطردونني خارجاً ليستأثروا بخلعات خصرها على معزوفة(رقصة ستي). تبعصني تلك الحماسة التي يبدونها، وتكذبها الواقيات الذكرية التي يضعونها.
مهما تكون الأسباب لا نتأخر عن الحب، في غرفتنا الصغيرة، لئلا تستوحش جارتنا المقبرة. فور وصولنا، تتناول بانة الكمان، وتفتح النافذة لتعزف ما لا تعزفه في أي مكان، لي وللمقبرة: الدلعونة الحورانية . تاركةً إياي أجهز سطل الماء الفاتر، كما تحبّه، لأعريها، وأليّفها هي والكمان، فتكون الذروة الموسيقية طيران فقاعات صابون، مع حركات القوس السريعة، من الكمان ومنها ومني، إلى النافذة، ففضاء القبور، وعلى كل فقاعة صور صغيرة لي ولها وللكمان.
بصراحة، لا أعرف اسمها تلك الفتاة بفستانها الأسود، تحنو، بكل ما فيها من غريزة الأمومة، على كمان بني يؤوئ كرضيع . لم أرها من قبل، ومع ذلك أكتب عنها كلّ هذا الافتراء.








تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عام الجليد (مقطع من رواية)

30-تشرين الثاني-2019

عام الجليد + جزء من رواية

16-تشرين الثاني-2019

قصة الحيوان الرباعي

09-تشرين الثاني-2019

عام الجليد (مقطع من رواية)

02-تشرين الثاني-2019

أشهر بائع صحف في دمشق: عادل عبد الله: الفقر سرق حزني!

30-أيار-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow