Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

ملف الكاتبة الإيرلندية آن إينرايت – حائزة على مان بوكير 2007

صالح الرزوق

2008-02-07

** صورة النثر المعاصر في إيرلندا
يبدو أن الصورة في إيرلندا ، بما يخص النثر و قضاياه ، أشبه ببندول ساعة ، يقيس الوقت ، و تعاقب المشاعر و الطقوس و الطبيعة ، بين برناسية ( أوسكار وايلد ) و الملحمية الحزينة لـ ( جيمس جويس ).
لقد اهتم وايلد بعالم الدسيسة غير الإيديولوجية ، بالأحرى الصراع الأخلاقي لدى الإنسان و ربما كان هذا اختزالا لصراع الإكليروس و العالم. و بالمقابل عبّر جويس عن هذه الروح الصدامية نفسها ، و لكن على مستوى التكنيك. مستوى المفاهيم التي تنتج الأفكار و المعتقدات ، و الصور و الظلال ، ثم الخطاب و صيرورته.
و لا شك إن هذا الثنائي بشّر بطوفان من الآلام المبرّحة ، و ضمن للكاتب وعالمه حصانة ضد التطبيع. بمعنى أن الكتابة كانت تمحو اللغة، و في نفس الوقت تندثر من دائرة الأخلاق.

لم تتوقف أصول النثر الإيرلندي عند هذه الأبواب المصمتة و البكماء. و بالعكس استطاعت مع بدايات الألفية الثالثة أن تحاصر الحياة بأقنعة مرعبة ، همها تبديل العلاقة ما بين الدال و المدلول.
و إنه في أعقاب الأعمال الكبرى لهنري جيمس ، و التي كانت تعتمد على تصورات رمزية لوصف عالم متسلسل و منطقي ، أو بالأحرى لفك اللغة الغامضة – في مستوى الأحاسيس ، من عالم تصوفي و بعيد ، عناصره ثابتة و لكن فهمنا له متبدل و غير ممكن ، بدأ النثر في إيرلندا يتعامل مع واقعه و مع طبيعتنا بأسلوب العدّاء الإغريقي.
لقد وضع البشرية على المحك.
أفراد قلقون و ضائعون ، ينهمكون في اكتشاف أنفسهم ( و هذا ينطبق بالضرورة على معنى وعيهم بالمكان ) ، و أفراد حزينون و صداميون و هم دائما يبحثون عن الموجود بصيغته الاجتماعية.
و لكن هذا التفاقم المستتر بين الأنا و الروح ، سواء من ناحية التعريف بالفرد و الجماعة ، كان يحتمل أيضا الهم الأول و الأساسي ، لما نحن نطلق عليه اسم ( الذات ) ، و لما يسميه نيبول ( الزواج الأممي ).
لقد أسرف النثر في إيرلندا مؤخرا بالتفتيش عن الصوامت ، و هي الأشياء التي تفقد باستمرار أسماءها. و أقصد بذلك المعنى التراجيدي للخلاص ، أو درب الآلام الذي كفل للروح صورة وثنية.
في هذه الحالة كانت المفردات مجرد انعكاس لمشاعر غير موجودة ، أحاسيس برسم التحقق ، و لمصلحة قيامة شريرة ، لا تضمن الغبطة للروح عن طريق الغياب فقط ، و لكنها تعبّر عنها بصورة – تصور أسطوري.
و بهذا الشكل تبدلت الحكمة التي تربط ضيق العبارة باتساع المعنى . الرؤيا. و أصبح الهم أساسا في حدود معاناة وجودية ، نستهلك بها اللغة ، و ندمر بها الطبيعة ، و لكننا نبعث أنفسنا من أخلاق إلى غرائز ، و من نضال إلى ذات ، و من حواس للتواصل إلى رماد.
باختصار ، إننا نهبط من قطار التاريخ لندمج المتون مع تفسيراتها ، أو النفس مع منطقه.

** من أهم الإيرلنديين المعاصرين الذين يهتمون بالصيغة النثرية في الكتابة : ويليام تريفور ، إدنا أوبراين ، رودي دويل ، كولم تويبن ، آن إينرايت ، إلخ........................................................

مسرح الآلام - قصة : آن إينرايت

للسوائل الجنينية رائحة تشبه الشاي. حينما أخبر مارتن بذلك يرد قائلا " يتبادر لذهني أنه شاي فقط ". تجد العديد من السوائل الجنينية في الوحدة رقم 3 . على الأقل ثلاثة منا انفجرت لديهن أكياس الماء بعد الظهيرة، و مع اقتراب المساء جلسنا ننقط في أقماط من القطن و نراقب بعضنا ، بغيرة ، و نتوقع إشارات تدل على العذاب.
الحمل له رائحة مثل العشب. نوع من هذا القبيل. لا شك أنه ينشر رائحة شيء ينمو ، رائحة محسوسة و محببة تعود إلى تلك الفصيلة من الأعشاب ، و القطن المكوي ، و بول الأسباراجوس. و لكن رائحة الشاي باشرت بالانتشار. هناك مكيالات عديدة منها.
أنا أشبه غلاية من نوع بريكو و لكن بصنبور مفتوح. إنه يتدفق طوال الوقت ببطء ، و دون توقف. و لعدة ساعات أنا بانتظار أن يتوقف. و إن فوضى السرير تزعجني فعلا. و تزعج منظفة المنزل و تلميذة المدرسة التي لا تزال في داخلي. إن الشراشف النظيفة التي سلموها لي هي من شأن المدرسة ، و إن جميع الممرضات تتحولن أمامي إلى راهبات.
و انفجار كيس المياه أمر مريح. لقد فعلت الممرضة ما بوسعها من أداء ساحر لتصبح الملاءات تحتي ، بينما كل الأشياء المتبقية تطوى إلى الوراء ، و الطبيبة المولدة قامت بدور رائع بواسطة قماش الحياكة. كان هناك شيء يوحي بالضغط على الأغشية ، ثم انفجار. حمل ذلك الراحة و تمام الرضى و إن اندفاع المياه الحارة االذي أعقب ما حصل دفعني إلى الضحك. لا أعتقد أن كثيرا من النساء تضحكن في هذه المرحلة و في الوحدة رقم 3 ، و لكن لماذا كلا ؟. لقد كنا على الطريق.
بعدئذ ، لم يكن أمامنا غير الانتظار. و مع التقدم بالوقت بعد المساء ، تم إغلاق الستائر الوردية حول السرير. كان العنبر مملوءا بالأنفاس. الشهيق الحاد و الزفير الذي يشبه الأنين ، مع أننا كنا نائمات ، أو نمارس الجنس في رقادنا. إحدى النسوة تنهدت من وراء ستارتها. و من السرير المجاور لي ارتفع صوت نصف مخنوق للجهاز الذي يسجل نبضات الجنين ، انتفاضة صوتية كأن أحدهم يسحبها من الأعماق ، أعقب ذلك زفرة و جريان دموي إلكتروني لإمرأة لا أراها.
ثم الشاي. شاي حقيقي. طلب من الرجال أن يغادروا ، لسبب من الأسباب ، و لكن النساء وقفن حول منضدة في منتصف العنبر. هناك امرأة تعاني من ارتفاع في الضغط الشرياني ، و اثنتان مصابتان بالسكر ، و امرأة في أول فترة الحمل تعاني من دوار مزعج و كان عليها دائما أن تخضع للعلاج بالسحاحة.
و هناك أيضا على الأقل ثلاث نسوة على الحافة ، و لكنهن في الأسرّة و لم تزمعن على تناول الطعام. كنت أشعر بالإثارة و لدي رغبة بالكلام. دائما أحب المقارنة بين أردية النوم – و لقد احتجت لفترة طويلة قبل العثور على هذا ، و أنا بتمام الغبطة به ، و لكن بعد النهوض في أعقاب الوجبة الأساسية ، لاحظت أن ظهره ملوث بمياه حمراء. و هكذا بدأت أمقت الوحدة رقم 3 .
بعد الشاي حان وقت كرة القدم. البرتغال ضد فرنسا و كلما تحقق هدف ، كان الرجال جميعا يخرجون من خلف الستائر لمشاهدة لقطة الإعادة. ثم يعودون إلى النسوة المتألمات و المتأوهات. كنت أحتفظ بالستائر مفتوحة و أراقب مارتن و هو يتابع المباراة. كنت أهتم بسيرورة الطلقات المتتالية ، لو أنها طلق. في 9 : 35 نظر مارتن لي من فوق مسند كرسيه. و رفع لي إبهامه و كأنه يخبرني : " أليست هذه مفاجأة ؟. في وقت نقل المبارة بالتلفزيون !". في 9 : 35 و 20 ثانية كنت ، لأول مرة ، أعاني من آلام مبرحة. شعرت أنه حانق لأنني فوّت المبارة عليه. كنت أتكلم معه بصوت هادئ يعلو قليلا على صخب المباراة.
حضرت امرأة بثوب النوم لتتبادل معي الكلام. كانت ضخمة. سألتها إن هي على وشك الوضع الليلة ، و لكنها قالت لست على وشك حتى أيلول ، و هو بعيد بحوالي ثلاثة شهور. إنها المرأة التي ترقد بجواري ، حيث ماكينة النبضات. لم يتمكنوا من العثور على دقات قلب الجنين بسبب البدانة. لقد وقفت عند ظهر السرير و ذكرت قائمة الأعراض التي تمر بها. كانت حضرت من تيبيراري و هي سوف تخضع لقيصرية في الأسبوع الـ 31 . حاولت أن أتعاطف معها ، و لكن أعتقد أنني أمقتها. إنها بالنسبة لي تعتبر نقطة ضعف في هذه الغرفة.
كلما أتعرض للطلق كنت أغادر الفراش ، متيقنة أنه عليّ أن أمضي إلى دورة المياه ، و لكن ما من غذاء في بطني ، ليس هناك شيء منه و لعدة أيام مضت. أنا في مرحلة ما قبل المخاض بلغة الأمريكيين ، و هذا شيء له أسماء ذكورية عند الإيرلنديين. قالت لي طبيبة التوليد المشرفة على حالتي قبل أسبوع حين أتيت : " لو بمقدورك الكلام خلالها ، هذه ليست طلقات ". و لكن كنت متأكدة أنني في الطريق إليها.
في هذا الأسبوع ، قالت إنها سوف تحرضني لأن ضغط دمي مرتفع ، و لكن ربما هذه صدقة بسيطة منها . قبل عدة أيام كنت أفكر بولادة طبيعية ، و الآن أفضل التخدير العام. كنت أريد إراحة رأسي على وسادة و أنا على الطريق ، ببطن منتبجة.
ردت امرأة على الموبايل و قالت : " كلا يا أماه ! لم يحصل بعد. توقفي عن الاتصال! لا شيء حتى الآن ". كان الألم يفتك بامرأة على مبعدة سريرين و الستائر مسدلة عليها. و حينما انفتحت ، كان بمقدورك أن تخبري أنها مسرورة. آه ، هذا هو الموضوع كله. لا بد أن الأمر كذلك. أنا سوف ألد طفلا . ثم المزيد من طاحونة الآلام ، هذه هي الحياة . كانت القابلة القانونية تقول لها " يا لك من فتاة طيبة ! فتاة مهذبة ". و كان الزوج يلم متاعها . ثم بمعونة الآخرين انتقلت من هذه الردهة - هذا الجحيم – تلك هي الوحدة رقم 3 . سرير آخر فارغ : اللعنة . هل هي في آلام المخاض أيضا ؟..
قال مارتن : " لقد ذهبت على أية حال . و هي تتوكأ على الجدار ".
هنا مسرح الآلام. إنها مسابقة في العذاب ( و ها أنا أخسرها ). قال مارتن لا بد أن بيكيت سوف يعجب بالوحدة رقم 3 . كنا نتساءل فيما إذا كان هذا هو أسوأ مكان في العالم ، و لكن استقر رأينا على منح الجائزة لمحطة باص ناسكا ، و التي مررنا بها في الطريق إلى البيرو يثياب رقيقة.
كل سراويلي الرقيقة ممزقة و أنا أجلس عارية على الملاءة ، التي تبدو ملفوفة بشكل كومة كبيرة تحتي. بطني تقلصت ثم ارتخت. و حينما وضعت يدي عليها ، تأكدت من وجود الطفل ، إنه قريب جدا الآن من بشرتي. و كنت أعلم أنها بنت. ها أنا أشعر بكتفها و ذراعها. و لسبب ما أفكر حاليا بأرنب ميت. أتساءل هل عيناها مفتوحتان ، و هل هي برسم الانتظار ، مثلي. لقد أحببت هذه الطفلة بطريقة بطيئة و بليدة ، و لكن في هذه اللحظة تنتابني رغبة عارمة في داخلي لها ، لهذه الطفلة بالذات – الطفلة التي ألمسها من وراء بشرتي ، و أقول : " آه، متى سوف أراك ؟".
ربما هذه هي العبارة التي في الذهن طوال الليل ، و لكنها في الواقع أنشودة تتكرر في رأسي. " من يرسلها إلى البيت و يسندها على الجدار ؟ ثملة ! ثملـ...ـة تماما ". و ها أنا أعد بالعكس من خمسة ، كلما ضرب الألم ، ثم من خمسة مجددا. هل أنا في المخاض ؟. هل هذا العذاب يكفي ؟. " لو بمقدورك الكلام ، ليس هناك مخاض ". و هكذا أحاول أن أواصل الكلام ، و لكن مع الساعة الحادية عشرة أطفئت الأنوار ، و بدأت أشعر بالنعاس ، كلما هدأت الطلقات. و هذا يستغرق ثلاث أو خمس دقائق في كل مرة ، و كان مارتن يسقط في براثن النوم و هو فوق الكرسي.
توجب على عنق الرحم أن يقوم بخمس خطوات : عليه أن يدفع نحو الأمام ، أن يكون قصيرا ، و طريا ، و رقيقا ، و أن يكون كذلك مفتوحا على وسعه. منذ حوالي أسبوع ذكرت طبية التوليد أمامي هذه القائمة و أخبرتني أنني انتهيت من ثلاث خطوات فعلا. و مع وصول الليل حاولت أن أتذكر ماذا تبقى علي لأنجزه ، و لكن لم أتمكن من تذكر الترتيبات. و هنالك دائما ، كلما ضغطت على أناملي التي أستخدمها في التعداد بين ثنايا الملاءات ، تبقى نقطة واحدة في المنسيات. يا للرحم . يا للرحم. هل هو طري و لكنه ليس قصيرا. ؟. هل هو طري و رقيق ، و لكنه لا يدفع إلى الأمام بعد؟..
هل هو قصير و قاس ، و لكنه في أية حال مفتوح؟. لم يكن ينتابني أي شعور أن هذه ليست قائمة ، و لكنها خطوات متسلسلة. لقد فقدت طرف خيط الأسباب و النتائج في وقت واحد. يا للرحم. يا للرحم. سوف يتفتح كما تتفتح الغيوم. ثم تشرق الشمس من خلالها . سوف تتفتح مثل إنسان العين ، مثل عدسة الكامير حين تنكشف من الوراء. أنا أنتبه له و هو يصبح رقيقا ، إن الأوعية الرفيعة تتمدد و تتكسر. ها أنا أراه يتفتح و كأنه يأتي من عالم غريب. و أراه يتفتح ببساطة مثل باب ليس لديك علم أنك تفتحينه حتى لحظة الوصول إلى منتصف الغرفة.
بمقدوري رؤية ذلك كله ، و لكن رحمي كان مغلقا. مسدودا.
في 2 : 30 مساء استسلمت و ذهب مارتن ليستفسر عن البيثاداين المضاد للآلام . كنت أعلم أنه مسموح لي بجرعتين فقط ، و كنت أفضل الاحتفاظ بالاحتمال الثاني للولادة. و لكن من أعماق قلبي كنت أدرك أنني في الطريق لحقنة مخدرة في العمود الفقري. لم أعلم لماذا رغبت بتجنبها ، أفترض أن هذا من فعل ماشيزمو النسوة الإيرلنديات.
Mn? na hÉireann. MN?? na hÉireann. ( 1 ). . خمسة أربعة ثلاثة إثنان... واحد. خمسـ..سـ..سـة أربعة ثلاثة إثنان واحد. خمسة. أربعة. ثلاثة. إثنان. واحد.
ثم استسلمت و بدأت بالنحيب ، كانت فترة ( ما ) بين الطلق غير محتملة. و لم يحضر البثيداين في وقته.
و في الساعة 3 صباحا سمعت صوت نعيب من أسفل الممرات ، و فهمت كم كنت قريبة من عنبر المخاض. كان الصخب جسيما و فكتوريا : و هو يشق دربه في عتمات المستشفى. كأن إحداهن ترفع عقيرتها بنغمة السبرانو.
لا أعتقد أن هذا محتمل. و لكن لن أستغرب لو أن ظروف هذه المرأة تقودها إلى الجنون ، أو أن الطفل لقي حتفه. هذا ما دار في ذهني ، و أنا أكتب هذه السطور الآن.
اقتربت خطوات و لكن ليس من أجلي. إنها من أجل المرأة القادمة من تيبيراري و التي كانت تنوح ، و تهدر قدرا هائلا من المواد المخاطية. لقد كانت ترقد في الغرفة المجاورة. هدأتها الممرضة. وددت لو أقول لها بعقيرة مرتفعة إن حالتها جيدة ، و أنها سوف تلجأ عما قريب لعملية قيصرية لعينة ، مضى علي 45 دقيقة منذ أدركت أنني لن أتمكن من ذلك ، فالألم الذي كنت أقوده أصبح على وشك أن يقودني ، و لا بد من معونة لأسيطر عليه ، و إلا سوف أتهشم تماما ، لا شك أنني أفقد زمامي – بمعنى روحي و بأسلوب واقعي تماما ، لا بد أنني سأزهق روحي.
في 3 : 30 صباحا حصلت على الباثيداين. و في أعقاب ذلك ، توقفت عن العد في الفترة التي تفصل بين الاستراحة من الطلقات ، و حاولت أن أرتب أنفاسي. كنت أنوح ، و بفم مفتوح قليلا. تحكمت بذلك. و تقريبا شعرت بالمتعة. و ها أنا الآن أنام معظم الوقت ، و بين الفترات الحرجة. لقد استسلمت. . حررت قاربي الصغير من السلاسل و سمحت له بالإبحار مع التيار.
في 5 صباحا حضرت امرأة أخرى و أخبرت مارتن لينصرف إلى المنزل ، ثم نشبت مشادة خافتة و بطيئة حينما أعلنت احتجاجي ( نحن في النهاية على مقاعد المدرسة ). و صرحت لها أنني بحاجة إليه هنا ، و هي ردت : هناك فرشات للنوم في غرفة في أسفل الصالة. آه. لماذا لم تقل ذلك من قبل ؟. ربما كانت غاضبة. بلغت الساعة 5 صباحا. و أنا أعتمد على الباثيداين ، في نهاية أسبوع حافل من اليقظة ، إن هذه المرأة من طراز قديم ، و لها سمات بليدة. واو. تبادلنا القبلات. و غادر. منذ الآن سوف أكون تحت رحمة الألم ، و لن أفتح عيني حينما تدق ساعة العذاب.
على ما أعتقد كنت أئن طوال وقت الفطور. وعدوني بفراش في عنبر المخاض عندما تحل الساعة العاشرة و النصف. لذلك بمقدوري أن أتوقف عن الأنين و أباشر بالصراخ ، و لكن على ما يبدو لن يحدث ذلك. جلست منتصبة القامة و ابتسمت لكل العنبر ، هذا شيء ممتاز ، و لكن خشيت أنهن سوف تلاحظن انخفاض وتيرة الطلق ، و يجب علي أن عيد الكرة مع كل شيء من البداية. ثم عادت الطلقات ، و تملص بدني من أثر الباثيداين ، أنفقت الدقائق التي أعقبت العاشرة و النصف محتارة من أسباب غضبي ، و مندهشة من المشاعر البغيضة التي تنتابني. هل هذه هي أسوأ 100 ثانية مررت بها ؟. ما هو الحال في الـ 100 ثانية القادمة – لنعمل على اختبارها.
في الظهيرة ، طلقة أخيرة و اضطررنا لمغادرة الوحدة 3 . كل العنبر اهتم بالموضوع و نحن نغادر ، و تمنى لنا أخرى قوية . إنها في الطريق حتما. و علمت أنني كنت أئن طوال الليل ، و أمنع كل هاته النسوة من الرقاد.
كانت الحجرة في عنبر المخاض بحمام خاص و سرير أوتوماتيكي. أعجبني منظر القابلة ، إنها نوع من النساء ترغبين بمرافقتها لشرب عدة مكاييل من الجعة. كانت مرهقة. سألتني لو أن وراء ولادتي أية خطة معينة فأجبت أود لو تجري الأمور بطريقة طبيعية قدر الإمكان.
قالت : " حسنا ، هذه بداية حسنة ". و لكن قد يكون في ذلك ما يدعو إلى السخرية ، هذا لو وضعنا في عين الاعتبار قماش الحياكة ، و الباثيداين ، و الآن نقاط الأوكسايتوسين.
ذهب مارتن ليحزم أشياءنا ، و بدأت بالكلام. كانت هي نصف صامتة و ساخرة. لعدة شهور ، كنت أعتقد لو بمقدوري التمحيص قليلا ، الدردشة قليلا مع القابلة ، سوف يساعدني ذلك على التخلص من أمور عالقة في الذهن – و لكنها لم تكن تحب اللعب بالكرة. توقفت عن الدردشة و بدأت بالبكاء. فقالت : " هل أنت بخير ؟". قلت لها : " أعتقد يجب أن لا أشرد حتى هذه الدرجة ـ هذا ما في الأمر ". و هكذا شعرت بها تطمئن و هي تقف خلفي.
لا أتذكر الخطوات التالية ، و لكن أذكر الضوء الباهت و الأبيض. و كذلك أذكر إحساسي بالغرفة ذاتها. كنت أشعر بتبدل في مزاج و نوايا النساء اللواتي اعتنين بي . إحساس واضح و قوي. كأنه صورة في لوحة.
لكل ابتسامة في الصورة معنى : و الطريقة التي توزع بها الناس في الفراغ ، و الإيماءات التي قاموا بها. توقفت عن الكلام. كانت القابلة ورائي ، ترتب بعض الأشياء على عمود معدني. و لكن مارتن غير ظاهر. و هناك صمت مطبق في الغرفة.
إنها تفكر بشيء ما. إنها ليست مسرورة. و الجو هنا يعمه الهدوء و السلام.
أو : إنها تحاول أن تربط الإبرة بالصمام. كان مارتن على الجهة اليمنى. على ما يبدو أنني متعاونة و لكن لم أحرك يدي بطريقة مناسبة. لذلك لم تصل الإبرة إلى الوريد و خلّفت هذه وراءها بقعة كانت تتسع. محاولة أخرى. لم أكن مهتمة تماما بالألم من جراء الإبرة.
أو : امرأة تدخل ، و تنظر لي ، و ترمق ما بين فخذي. و تقول : " أحسنت !" ، ثم تغادر مجددا. ربما دخلت إلى الغرفة الخطأ.
حتى لو أن الجرعة منخفضة ، للأوسكايتوسين مفعول عاجل. إنه يتحرك في أجهزتي ، و الطلقات تتجمع بسرعة : هذا الحمار الذي يرفسني منزعج حقا. تذهب القابلة لتسريع السحاحة فأقول لها : " لا تلمسي ذلك حتى أحصل على الحقنة المخدرة ". هذه نكتة.
تمد امرأة رأسها من الباب ، ثم تدخل . تقول شيئا للقابلة ، و لكن فعلا كانتا تتجاذبان الحديث حول شخص آخر. تستدير نحوي بنصف التفاتة و تبتسم. هناك شيء خاطئ بخصوص إحدى اختبارات الدم. تخبرني بذلك ، ثم تقول للقابلة : بمقدورنا أن نبدأ في أية حال. تسترخي القابلة. أحيانا هم لا يعطون الحقنة المخدرة. حتى لو رغبت بواحدة. ليس بمقدورهم ذلك. و إلا حاز الجميع على صباح رديء.
تذهب القابلة إلى الهاتف ، يساعدني مارتن لأستدير إلى الجانب الآخر . الطلقات حاليا ، تقريبا ، متواصلة. في غضون دقائق ، امرأة بثوب العمليات الأخضر تصل إلينا. تقول : " هاي . أنا مستشارتك لتخفيض الآلام ". تمد يدها من الخلف و تصافحني. هذه امرأة تعشق عملها.
حضن مارتن كعبي قدمي و دفع الركبتين نحو صدري ، بينما كانت هي تغرس الإبرة في عمودي الفقري ، و تتحدث بصوت جهوري و مبسط ، و بسرعة أيضا. أنا أهدأ الآن . خمسة ، أزمجر ، ( و قد أدهشهم ذلك . خمسة ماذا ؟) أربعة. ثلاثة. ( آه ، يا لك من امرأة طيبة! هذا هو ما في الموضوع !) إثنان.
واحد.خمسة. أمسكوا بي كحيوان يحاول أن يسدد رفسة قوية ، و لكنني لست حيوانة ، أنا أسلك بهذه الطريقة ، أنا أتصرف كذلك. و حينما انتهيت من الأمر ، أخبرتني المخدرة أنه ربما أمامي عشر دقائق أخرى قبل أن يسري مفعوله. لم يكن أمامي عشر دقائق إضافية ، رغبت لو أنقل لها هذا القول ، ولكن لحسن الحظ ، كان الألم قد بدأ بالخفوت.
بدأت الغرفة تدخل في دوامة. وكانت الطبيبة المخدرة تمسح ثوبها الفضفاض و تبتسم. لا شك أنها تستحق الإمتنان ، و لكنني تقدمت بالشكر للقابلة ، لأنها حسبت الوقت بالضبط. أخبرتني القابلة أنها على وشك النهاية ، و أن سارة سوف تعتني بي منذ الآن. هذا نوع هامشي من الخيانة. و لكنني أشعر به في الأعماق. الجميع يتخلون عني و يغادرون . مارتن يذهب للبحث عن شطيرة و سارة تسكب مكعبات ثلجية فوق بطني لتتأكد من حدود المخدر و فعاليته. ليس هناك قدر إضافي من الألم.
سارة رائعة : اللباقة ذاتها. إنها نمط جيد من النساء في جميع تصرفاتها. ربما وصل الوقت إلى الواحدة و النصف و في هذه الأضواء البيضاء ، من دون ألم ، كنت أمر بأحلك أوقات العمر. طبيبة التوليد أورلا أخبرتني أن الرحم يتسع بفتحته من زيرو و حتى ثمانية سنتمترات ، و في لمح البصر سوف يصل إلى حده. السماء تزهق روحها ، و الشمس تشرق ، مارتن يعود من الكانتين ، و يراقب الآلات و هي تسجل الألم الذي لا أعاني منه حاليا. ثم يقول : الطلقات ليست عند المؤشر في الوقت الحالي ، تبادلنا أطراف الحديث و ضحكنا ، و سريعا قالت سارة يتوجب علي أن أضغط. حتى الآن و على امتداد 20 ساعة تخبرنني النسوة أن سلوكي ممتاز ، لم أصدق ذلك . كنت أعلم كيف أتصرف، لقد فعلت ذلك في أحلامي. طلبت لو أجلس منتصبة القامة في السرير قليلا ، ارتفع السرير مع صوت. طلبوا من مارتن " أن يسحب الساق " ، و بتهذيب قبل ذلك. فقالت سارة : " آه ، شكرا " ،و سحبت الساق الأخرى، و حضنتها – كانت عظام الساق تستند على أضلاعها. ادفعي ! كلاهما انحنيا باتجاهي.
انتظري ذروة الطلقات ، أمسكي بها و امتطي ظهر الموجة. بدأت أشعر بالرأس ، كان واسعا بطريقة مؤثرة و تحت عظام العانة. بمقدوري أن أشعر به و هو يتملص مني. نظرت إلى مارتن. كل هذه الفترة – هنا بانتظارك هدية ، أيها السيد ، هذه الهدية لك – و لكنه كان مشغولا مع نهاية هذا المخاض. عادت أورلا ، كان الجميع يشجعونني كأنهم كوكبة من هواة كرة القدم ، تابعي ! تابعي ! واحدة أخرى الآن و اضغطي ! فتاة طيبة ! أستطيع أن أسمع دقات قلب الطفل في شاشة الجنين ، ثم الصمت المروع و أنا أتابع الضغط.
بعدئذ ، و قبل أن أتكهن بذلك و بفترة طويلة ، قالت سارة : " أرغب منك أن تشهقي الآن . اشهقي ". و هبط الطفل ، الطفل هناك. قالت أورلا ، نعم ، أنا أرى الرأس. طلبت من مارتن أن ينظر إلى لون شعر رأسه (نكتة ؟) . و ضغطة أخرى. سألت هل أستطيع أن ألمس ، هناك قمة الرأس ، نحيل و حار و – أكثر ترويعا – طري. بعشوائية قبضت على أصبع مارتن لأتأكد أنها نظيفة. وطلبت منه أن يتحسس كم هو طري و ناعم . بعد – قدر غير يسير من الإبهام – نعود للضغط.
تمد سارة يدها بمقص مفلطح الشفرات و مارتن يراقب ، أنا أسمح لكلتا ساقي بالإنهاك. نحن في منتصف ضغطة أخرى. أرفس ، و هو يحضنني مجددا. طلبت أورلا بصيغة الأمر: " انظري إلى الأسفل ، و انظري كيف يولد طفلك ". أنكس رأسي بقدر ما يمكن ، و ألاحظ مؤخرة رأس الطفل الوليد ، كان يمر بسهولة من وراء الخط الأفقي للبطن. إنه أسود و أحمر ، و مبلل.
في الضغطة التالية ، يستدير ببطء. و من هنا نبدأ – هذا هو طفلي ، بروفيل طفلي. قبسات من تركيز مكثف ، الأنف مرفوع ، الفم و العينان مطبقتان بإحكام. هذا وجه رجل أعمى . و هو يفيض بالنشاط و الحيوية . في الضغطة اللاحقة تقبض سارة على الكتفين و ترفع الطفل نحو الخارج و إلى الأعلى – و في منتصف هذه الحركات يفتح فمه ، بكل بساطة ، و يستنشق أول نفس. ببراءة تامة يباشر بالتنفس.
" إنها بنت " قالت سارة بعد ذلك ، لقد كنا هادئين و خاشعين حينما رأت النور. و لكن لم أرغب بفضح أول فكرة وردت في الذهن – و هي " حقا ؟. هل أنت متأكدة ؟". كانت أعضاء الأنوثة الجديدة منتفخة و حمراء و تبدو إلى حد ما غريبة على البصر ، و الحبل السري كان بما يدعو الدهشة رماديا و حلزونيا كأنه عمود من عصر الباروك. أضف لذلك ، كان الحياء يغمرني . كيف أعبّر عن هذه المقدمات ؟. و على ما أظن قلت في النهاية : " آه ، خطر في ذهني أنها ستكون بنتا ". و أعتقد أنني أضفت قائلة : " آه ، تعالي نحوي يا عزيزتي ". استلمتها ، ، و كانت منقوشة بشيء يشبه قشدة الجبنة أو ما هو أكثر من ذلك. وضعتها على معدتي و سحبت قميصي الصيفي لأفسح لها جزءا من صدري. فتحت عينيها لأول مرة ، و نظرت في وجهي ، كان إنسانا عينيها مغمومين بالضباب. طرفت بعينيها و تلاقت نظراتنا. كانت في أشد القلق و الاشتباه مني ، و تبدو ملامحها كتيمة ، لقد فطرت قلبي.
قص مارتن الحبل السري ، كأنه يتشرف بافتتاح حفل غداء ، و بعد أن تخلصت من المشيمة ، قبضت عليها أورلا ، و لفتها حول يدها باحتراف مهني ، هذه شبكة مدماة و تغطيها الأوبار ، و لكنها أثقل من ذلك و أكثر نعومة. كانت الطفلة طويلة القامة ، و لوجهها ملامح متشابهة مع ما لدي. لم أكن مستعدة لما يحصل : لقد أدهشتني. قلت : " إنها تشبهني ". و قال مارتن ( نكتة قديمة ) : " بلى ، و لكن لها ساقان مثلي ". ثم ، تم لفها بالأقمطة المتينة بواسطة ملاءة زرقاء ، و هذه نعمة لها ، لقد كنت بالكاد أحتمل كيف تبدو ضئيلة ، و في مرحلة لاحقة ، تسللوا جميعا ، البقية الذين التأم شملهم قالوا " يا إلهي ". رددنا هذا مرارا. قدمت لها الثدي ، فرضعت منه. قال مارتن : " يا إلهي ". نظرت نحوه و كأنني أقول : " حسنا ، ماذا كنت تتوقع ؟". ثم طلبت أمي بالهاتف ، فقالت : " مرحبا بك في أسعد أيام حياتك ". و بدأت بالبكاء. كنت أعتقد أن هذه إشارة على أن الكيل طفح . في صورة التقطت آنذاك ، كنت أبدو براغماتية و أليفة ، و كأنني للتو قمت بتنظيف الفرن و على وشك أن أعتني بالثلاجة.
لم أستيقظ تماما حتى دفعوني بكرسي متحرك في العنبر. كانت الطفلة تبدو أمام هذا المشهد المتبدل سعيدة و متنبهة. كانت واضحة جدا و على الحافة. لقد غمرتها الحياة ، إنها تنعم بالحياة الفوارة. كان وجهها مثلثا قليلا و عيناها حادتين كالأوراق ، و كانت تلقي نظراتها على ما حولها ، و تحاول أن تتشبه بالعالم. بعد ساعتين ذهبت إلى الحمام. حينما نظفت ما بين ساقي ببالغ الدهشة لاحظت أن كل شيء متخدر و هش. تساءلت لماذا هي الأحوال كذلك. ثم تذكرت أن رأس المولودة خرج من هنا ، في الواقع لقد غادر من هنا. و حينما استعدت وعيي ، كنت بحضرة ممرضة. كانت تجلس على كرسي المرحاض بمحاذاتي في الحمام. كان الدوش لا يزال يمطر بالمياه. و كنت مبلولة . قالت لي : " يا لك من محظوظة. أنت بعنايتي ". و أعتقد قلت لها : " للتو ولدت ابنتي "، و لكن ربما حاولت أن أتفوه بهذه العبارة ، إنما لم ألفظ حرفا واحدا على الإطلاق.


يتبع

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة :

17-نيسان-2021

قصائد مختارة لمارلين مونرو

03-تشرين الأول-2020

قصة / كانون الأول / كريستال أربوغاست

12-أيلول-2020

مدينة من الغرب اقصة : تميم أنصاري ترجمة

22-آب-2020

قصائد لهنري راسوف ترجمة :

20-حزيران-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow