Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

الأشياءُ التي تركتِ وراءَكِ / جون ريفنسكروفت ـ ت

فاطمة ناعوت

2008-03-17

لم يكن بوسعي النظرُ إلى سلّة الغسيل طوال الأسبوع الماضي. مازالت ملأى بأشيائكِ. أنا خائفٌ منها, خائفٌ مما قد أجده داخلها. ملابسكِ الداخلية، مشدّات الصدر، بنطلون الركض. جواربك. أنا واثق تقريبًا أن الجورب الذي أهديتك في عيد ميلادك الأخير كان هناك. الجورب ذو التطريز عند الكاحل برمز الين الأنثويّ. لو رأيتُ الجورب ثانية، لا أعرف ماذا سيفعل بي. لذا، كلما أردتُ استخدام التواليت، أدرتُ وجهي للجدار، ورحتُ أحدّق في تشكيلات البلاطات. أتظاهر أنني في عالم آخر ليس به سلال غسيل.

لكنها هناك، أعلمُ أن سلالَ الغسيل موجودة دائما. في البيت الذي تركتِني فيه، سلالُ الغسيل موجودة في كل مكان. كلما استعملتُ التواليت، أعلم أنني على بُعد خطوة من أشيائنا، أشيائك الخبيئة تهتفُ بي. الأشياء التي خلّفتِها وراءكِ. لذلك، سوف أتعامل معها اليوم بحسم. اليوم سأُفرّغُ السلّة. وها هي الطريقة التي سيتم بها الأمر:
سأجد قطعتين من ملابسك، بلون أصفر فاتح وشرائط حول الخصر. بها شعرتان مجعدتان من شعرك. سأضعها في راحة يدي لبرهة، ثم آتي بقصاصة ورق. أفردُ الشعرتين على الورقة وأحاول أن أقيسهما. ذلك أفضل ما يمكن فعله، أوقن أن فعلَ ذلك سيجعلني في حال أفضل. مثل ذاك اليوم الذي أعاد فيه البوليس أغراضك الشخصية. قلتُ: شكرًا لكم، كم أنتم طيبون، وبعدما مضى رجال البوليس، تناولتُ ميزانَ المطبخ وشريط القياس ورحتُ أزن أغراضك وأقيسها. هل تذكرين مفاتيحك؟ وزنهم 78 جراما، كان الأكبر (مفتاح سيارتك) بطول 73 مليمترا.
شعرتاك وغدتان عنيدتان قليلا. تتصرفان على نحوٍ سيء. كلما شددتهما تلتفان حول إصبعي من جديد. لا جدوى، لن ينصاعا ما أريد. لكن هل تبدوان مألوفتين؟ سوف أنجح في النهاية. إحدى الشعرتيْن بطول 24 مليمترا، والأخرى 5.27 مليمترا. سأقيس بعضًا من شعيراتي لأقارن. ستبدو أطول بكثير، وأتساءل ما إذا كان هذا بسبب اختلاف الصفات بين الذكر والأنثى؟ أم أن الشعيرتيْن اللتيْن وجدتهما تصادَف أن كانتا قصيرتين؟
سألصق شعرتيك على الورقة، واحدةً جوار الأخرى، أغطيهما بشرائح السيلوتيب، وأدوّن تفاصيلهما. ثم أضع الورقة في مظروف أكتب عليه بخطٍ أنيق "شعيرات كاثي(2)" ، ثم أضعه في صندوق، في محاذاة بقية الأشياء التي نجحتُ في إنقاذها من الغرق.
أخيرًا، في نهاية ساعة الليل الأخيرة، سوف يغدو المنزل كبيرًا جدًا، ولن يكون بوسعي النوم، لا شيءَ بالتلفزيون سوى بعض برامج البورنو الخفيفة وعروض المسابقات، لذلك سوف أُخرج الصندوقَ من مخبئه، بهدوء، أستنشقُ، أمتص أريجَكِ الخاص بشفتيّ وأنفي ولساني وأصابعي. الأبواب الخارجية، هكذا أفكر بها. الأشياء التي تركتِ وراءكِ هي البوابات الخارجية، مداخل الذكريات، ممرات الوميض والتغيّرات. أتجاوز هذه، وتلك، لأجد نفسي في بقعة مختلفة منك. بقعة مختلفة منّا. خاتمُ الزفاف. حين ألتقطه، لا أتذكّر مكتب "باكستون" لتوثيق الزواج، ولا كعكة الزفاف ذات الخمسة عشر إسترلينيًّا، كانت شديدة الصلابة حتى إننا لم نستطع تقطيعها، ولا أتذكّر حقيقةَ أنك لم تستطيعي قول كلمة "عائقٌ شرعيّ". تلك الأشياء تأتي لاحقًا. الذي أتذكّره أولا هو اللحظة التي قذفتِ فيها بالخاتم، الخاتم الذي اشتريته من أجلك، ومرّرتُه حول إصبعك. طوحتِ به في وجهي. وأتذكّر كيف ضاع منّا وانتهى به الحال في وعاء الكلب- وبعدها بلحظات، داخل الكلب ذاته. وأتذكّر الراحة على وجهك حين خرج أخيرًا من الناحية الأخرى. أتذكّر كيف جعلتِ الماء الصافي ينسابُ فوقه في حوض المطبخ لتنظفيه من غائط الكلب، تضحكين قائلة: "يجب أن يصبحَ هذا الأمرُ رمزًا."
وكنتِ محقّةً، فقد كان. لكنني لا أذكر أي رمزٍ تقصدين يا كاثي. لا أذكرُ ماذا يعني ذلك. ربما يعني لا شيء، ربما كما قلتِ مرةً، الأمرُ كله نكتةٌ كونيّة.
رغم ذلك، سوف أستمرُ في تجميع الأشياء. الأسبوع الماضي وجدت قلامةً من ظفر إصبع قدم كانت مختفية تحت حوض الحمّام. بها أثر من طلاء أظافر أحمر، لهذا عرفت أنها لك. وكذلك – أظن في اليوم ذاته– صادفتُ قائمةَ مشترياتٍ مجعدةً في جيبِ معطفك، وكذا إحدى شخبطاتك: أرنبُ رسومٍ متحرّكة مرسوم بعشوائية على ورقة صفراء- تضعينها داخل الكتاب كي تحددي أين وقفتِ. "هاري بوتر" و حجر الفلاسفة. الكتاب الأخير الذي كنتِ تقرئينه، لكن الأرنبَ أخبرني أنكِ لم تنتهي منه. وصلتِ إلى صفحة 29 – تمامًا مثل عمرك. هل يعني ذلك شيئا؟
لا أظن يا كاثي. لكنني سوف أحتفظ بالكتاب والعلامة وقلامة الظفر وبالشعيرات وبمفتاح سيارتك وخاتم الزفاف وكل القطع الحزينة الآسفة التي تركتِها خلفكِ. سوف أحفظها جميعا في صندوقي. وسوف أعملُ قدر إمكاني على الاحتفاظ بالشيء الأشد حزنًا والأشد أسفًا منها جميعا. سوف أحتفظُ بنفسي.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow