Alef Logo
دراسات
              

آلام الحلاج

هشام الصميعي

خاص ألف

2006-11-20

رغم قلة المصادر التاريخية و الأدبية التي تطرقت الى حياة و فكر الحلاج فان هدا المتصوف الذي صلب ببغداد في دي الحجة من سنة922 بعد اتهامه بالزندقة. لا يلبث أن ينبعث مجددا في التقافة المعاصرة كطائر الفينيق ينفض رماده عن جناحاته ليحلق في سماء رحبة. وبالتزام أدبي قل نظيره يجسد الحلاج نمودجا للمتقف الحر الدي لا يقبل انصاف الحلول في مواجهته للظلامية و التحجر. ومن خلال محنته أعطى الحلاج للفكرة و الكلمة جدواها ومضمونها الحقيقي الى أبعد الحدود. ولو تعلق الأمر في دلك التضحية بالجسد الفاني على حد سيف الاستبداد ومواجهة شرنقة التزمت الكريهة في سبيل الاحتفاض بحرية الفكر والايمان كمبدا تابت لايقبل المساومة.
كان الحسين ابن منصور الحلاج يصلي بسورة البقرة ويتمها في ركعتين و يصوم الدهر ، ماهرا في الفقه ، عالما بالحديت و السنن. و كان يناجي الله في الصحو و عند البيات أن يعيد له نفسه لأنها هامة في حب الخالق الى درجة التماهي. كان الحلاج يبكي المجامع في الأسواق ، و الجوامع ادا حدت، و كان أحب القول الى نفسه هو قوله : ما وحد الله غير الله و ما عرف حقيقة التوحيد غير رسول الله و ليس على و جه الدنيا كفر الا تحته ايمان .
و مع كل هدا و داك قتل بتعصب متعصبين استباحوا دمه بشكل سافر في فصول من الاجرام و التفنن في سفك الدم يروي لنا تفاصيلها الأخيرة أبي بكر الشبلي قال: قصدتُ الحلاج وقد قُطعت يداه ورجلاه وصلب على جذع فقلت له: ما التصوف. فقال: أهون مرقاة منه ما ترى. فقلت له: ما أعلاه. فقال: ليس لك به سبيل، ولكن سترى غداً، فإنّ في الغيب ما شهدته وغاب عنك.
فلما كان وقت العشاء جاء الإذن من الخليفة أن تضرب رقبته. فقال الحرس: قد أمسينا: نؤخّر إلى الغد. فلما كان من الغد أُنزل من الجذع وقُدّم لتُضرب عنقه فقال بأعلى صوته: حسب الواحد إفراد الواحد له. ثم قرأ (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق).
وقيل هذا آخر شيء سُمع من الحلاج . ثم ضربت عنقه ولفّ في بارية وصُبّ عليه النفط وأُحرق جسده وحمل رماده على رأس منارة لتنسفه الريح. بهده الطريقة البشعة قتل الحلاج و لم يصلنا من افكاره التي استشهد لأجلها سوى الندر من ما درته الرياح و هي تنتر رماد جسده الدبيح عبر أرجاء الزمن المغدور. و لو نصبت محكمة اليوم لادانة قاتلي الحلاج و لو فتحت صفحة للمصالحة في تاريخنا العربي المملوء بجرائم المتطرفين واضطهاد المتقفين لأمر الادعاء باعدام الخليفة المدعو أبو الفضل الجعفر الدي اعدم في عصره الحلاج سنة308 هجرية.
دلك ان المؤرخ ابن الطقطقي يخبرنا عن درجة التراء الفاحش و الفسق الدي كان يعيش في ظله خليفة المسلمين هدا والدي يقول عنه الطقطقي انه كان في قصوره أحد عشرة خادم مخصي من السودان و الروم و كانت خزانته مترعة بالجواهر النفيسة ، و من جملتها الفص الياقوت التي اشتراها بتلتمائة ألف دينار أي ما يعادل اليوم مليون دولار فيما كان الدراويش من الرعية يتلوون جوعا في البقاع .
و لطالب الادعاء بالبرائة للحلاج من تهمة الزندقة التي برر بها الظلاميون في تحالفهم مع الاستبداد اعدام الحلاج لقوله المأتور : من ظنّ أن الالهيّة تمتزج بالبشريّة أو البشرية بالإلهية فقد كفر. فإن الله تعالى تفرّد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم، فلا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشبهونه بشيء من الأشياء. وكيف يُتصوَّر الشبه بين القديم والمحدَث. و لو كان الحلاج حيا لما قبض حقه في التعويض و لصفح عن جلاديه لتسامحه المتعالي الدي ميزه عن قاتليه و هو القائل






إلى شيء من الـحـيف

حبيبي غير مـنـسـوبٍ
ب فعل الضيف بالضيف

سقاني مثـلـمـا يشـر
دعا بالنطع والـسـيف

فلـمـا دارت الـكـأس
مع التنين في الصـيف

كذا من يشـرب الـراح

لماذا صلب الحلاج وباي ذنب قتل؟ اختلف المفكرون في سبب محنة الحلاج فمنهم من قال أنه لقي حتفه لمجرد كلمة لقوله أنا الحق او لمجرد جملة جائت بها وشاية أبي يزيد البسطامي من أنه سمع الحلاج يقول: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني أي لتشبته بمدهب الحرية الباطنية في التصوف والدي يتعارض جملة مع نظام الاستبداد بالرأي الدي بصم الانظمة الاسلامية في كل عصورها .
ويبدو في وجهة أخرى أن هدا التبرير كان يشكل ظاهر التهمة فقط أما باطنها فهو ما يورده ابن الساعي في كتابه أخبار الحلاج وهو يتضمن تفاصيل آخر الأيام التي عاش فصولها الحلاج في محنته بين السجن و التنكيل قال الحلاج لأحد مريديه : يا بنيّ إنّ بعض الناس يشهدون لي بالكفر ويريدون قتلي، وبعضهم يشهدون لي بالولاية بحسن الظن بي . مما لا يدع مجالاللشك من كون محاكمة الحلاج كانت سياسية محضة و لم تكن مجرد محاكمة فكرية نجمت عن الاشتباه في القول و التجديف أو الكهنوتية التي اتهمه بها خصومه السياسيون .
وفي هدا الاتجاه يرى بعض الباحتين المعاصرين بأن الحلاج دلك المتصوف الكبير يبدو في مرآة أخرى كناقد مناوء لتحجير المقولات الفقهية وفرض الوصاية الدينية على ظروف الحياة الاجتماعية و السياسية في عصره . بينما رآى آخرون في الحلاج شخصية حكيمة وساخرة في عصره وخطرة على النظام العام قد تهدم ايديولوجية الحكم التي كانت سائدة شخصية تورية كالحلاج استاء منها خصومه السياسيون ورأوا في أفكارها خطة مرسومة لاصلاح الضرائب .
و بدى الحسين ابن منصور لرجال الدين في فكرته حول إسقاط الفرائض تعبيراً عن كفره ودليلا على إلحاده لكن بالمقابل يجمع جل المتصوفة و المفكرين ورجالادين على اعجابهم الشديد بحب الحلاج لله عز وجل ورسوله الكريم الدي الف تعلقا به الحلاج اجمل انشودة في مدحه من خلال كتاب الطواسين .
و في أدب العصر الوسيط نجد خطاً يزداد وضوحاً في العصر الحديث: إذ يُعتبر هدا الرأي الحلاج ثائراً في وجه ضيق الأفق الفكري لدى المتحجرين من رجال الدين في عصره ، من خلال ما راكمته تجربته الشخصية في الاتصال بالله عبر حلقات التصوف ، تلك التجربة الروحية الحية التي لا تجعل بينالله و العبد اية وسائط وهي النظرة التي تاتر بها الإمام الغزالي نفسه فيما بعد، عندما هجر وظيفته التعليمية في المدرسة النظامية ببغداد، بسبب ما وجد عليه حال زملاءه من رجال الدين حيت كانوا منغمسين في نزاعات وخلافات لا طائل من ورائها حول مسائل فقهية سطحية، دون أن يتوفروا على الإيمان الحي المتجدد . أما في الشعرالايراني و الأدب الهندي خاصة ما بعد العصرالوسيط فان الحلاج يظهر في تلاوينه كمنتفض أراد زحزحت النظرة المتحجرة للايمان والتمتل التسطيحي عن حقيقة الوجود والخالق وبدلك يصبح الحلاج أول مجدد ديني حاول زعزعة المفهوم التقليدي للايمان في عالمنا الاسلامي . لكنه لم يسلم من نير الاستبداد و التعصب أخوات الظلامية و اللاتسامح .
وادا الحلاج سئل بأي دنب قتل؟


















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هل لدينا ديموقراطية؟

05-كانون الثاني-2007

آلام الحلاج

20-تشرين الثاني-2006

حزب الله انتصر آه ...حزب الله انهزم و نص

30-أيلول-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow