Alef Logo
شعر معاصر
              

جورج تراكل قصائد وسيرة حياة

قاسم طلاع

2006-11-29

ولد جورج تراكل في اليوم الثاني من شهر شباط عام 1887 في مدينة سالسبورغ ( Salzburg ) ومات منتحرا ، بعد أن تناول كمية كبيرة من الكوكايين على أثر انهيار عصبي نتيجة المعايشة اليومية لبشاعة الحرب العالمية الأولى أثناء الخدمة العسكرية، كصيدلي، بين الليلة الثالثة والرابعة من شهر تشرين الثاني من عام 1914 في كراكاو في مستشفى ( Garnison ) للأمراض العقلية.
جورج تراكل الذي لم يتمكن في الحصول على شهادة الثانوية وتركه أو بالأحرى فصله من المدرسة لعدم حصوله على درجات كافية تؤهله في الاستمرار في الدراسة، تمكن في هذه الفترة ( 1904ـ1906 )، عندما كان عضوا في حلقة أبولو ( Apollo ) الأدبية ثم حلقة مينرفا ( Minerva )، من كتابة أولى قصائد الشعر التعبيرية ( Expressionismus ).

عاش الحياة البوهيمية ، إذ كان يتردد على المقاهي ومحلات الخمر وبيوت الدعارة وتناوله المخدرات خصوصا " الأفيون " ثم استنشاقه للكلوروفورم. لقد كانت أحاديثه حول رغبته في " الانتحار " جعلت منه داخل الحلقات الشعرية شخصية غريبة ونادرة وبالتالي منعزلة على نفسها.

بعد ممارسته مهنة الصيدلة وإتقانها، بدأ بدراستها في جامعة فيينا ( 1908ـ1910 ). وعندما أنهى هذه الدراسة، وأتناء ما كان يبحث عن عمل، تعرف في مدينة انسبروك على لودفيغ فيكر ( Ludwig Ficker ، مسئول مجلة " Brenner " الأدبية، التي كانت تصدر كل نصف شهر، وبتشجيع منه ( أي من فيكر ) بدأ بنشر قصائده فيها. وفي أثناء هذا ارتبط بعلاقات جيدة مع كل من الكاتب والشاعر النمساوي كارل كراوس ( 28.4.1874ـ12.7.1936 ) الرسام والكاتب أسكار كوكشكا ( 1.3.1886ـ 22.2.1980 ). وقبل وفاته بفترة قصيرة تعرف على الشاعرة الألمانية الزا لاسكر شيلر ( 11.2.1869 ـ 22.1.1945 ).
أول ديوان صدر له كان في عام 1913، يحمل عنوان " شعر " ( Gedichte )، ثم تبعها مجموعة قصائد أخرى صـدرت عام 1915، أي بعد وفاته بسنة تقريبا، حمـلت عنـوان " سباستيان في الحلم " (Sebastian im Traum ).

يعتبر تراكل، رغم الحياة القصيرة التي عاشها، واحد من أبرز شعراء النمسا بل العالم، الذين كانوا يمثلون المدرسة التعبيرية، إلى جانب الكاتب النمساوي فرانس فيرفل " Werfel " ( 10.9.1890ـ26.8.1945 )، ريلكه وهوغو فون هوفمانستال " Hofmannsthal " ( 1.2.1874ـ15.7.1929 ). وقال الفيلسوف الألماني مارتين هايديغير ( Martin Heidegger ) : " أنه عندما قرأ قصيدة " أليس " ( Elis )، ذكرته بقصيدة " المغني الأعمى " لهولدرين ( Hölderlin ) والمقصود قيمتها الفنية.وليس من صدف الأمور أن تهتم دور النشر بما نظم من قصائد شعرية وجمعها في دواوين صدرت بعد مماته، إذ نشرت أولى مجاميعه الشعرية عام 1919 باسم " قصائد شعرية " ( Die Dichtungen )، تلتها بعد ذلك بسنة تقريبا مجامعين ثانية بعنوان " خريف العزلة " ( Der Herbst des Einsamen ) ثم تلتها مجموعة أخرى مختارة من أشعاره تحمل اسم تراتيل المعتكفة " Die Gesänge des Abgeschiedenen ".

إلى جانب الشعر كتب تراكل النص المسرحي ( دراما ذات الفصل الواحد ـ Einakter ) متأثرا بابسن و سترندبيرغ " Strindberg " ، وعرضت له مسرحية " Totentag " عام 1906 في مدينة سالسيورغ ( Salzburg ) ونالت نجاحا كبيرا، ألا أن الفشل الذي مني به من عرض مسرحيته الثانية " Fata Morgana " جعلته يتوقف عن الكتابة للمسرح كليا، وكان " موت دون جوان " آخر نص أراد كتابته، ألا أنه أهمله ولم يعود إليه ثانية ( الجدير بالإشارة هنا أن نصوص هذه المجموعة من المسرحيات ضاعت ولم يعثر عليها لحد الآن ).
وفي هذه السنة أيضا، أي عام 1906، ظهر له موجز لمشروع أدبي بعنوان " أرض الحلم " ويعتبر أول عمل أدبي كشف عن المواضيع التي أراد جورج تراكل الولوج إليها، والتي ستظهر بشكل واضح ومستمر، بعد ذلك، في أعماله المتأخرة، التي تميزت بوصف زمن الطفولة وضياعها والعودة إلى ذكريات حزينة والحنين إلى ماض كان يتمنى لو عاشه وتعايش معه من جديد:
" المدينة الصغيرة في عمق الوادي سوف لن أراها ثانية ( مرة أخرى )ـ نعم... في داخلي أحمل خجلا أو رهبة من العودة زيارتها( إليها ). أعتقد أنني لن أستطع حتى لو داهمني الحنين إلى تلك الأشياء التي لازالت خالدة في داخلي من بقايا الماضي، لأنني أعرف، أن البحث عن شيء قد اختفى ولم يترك أثرا، فهو مجهود لا طائل منه... سوف لن أجد هناك أثرا لتلك الذكريات التي لازالت تعيش في داخلي...."

أما في الشعر، فقد تأثر جورج تراكل بالرمزيين الفرنسيين وخصوصا بالشاعرين الفرنسيين " Paul Verlaine" ( 30.3.1844 ـ 8.1.1896 ) والشاعر " Charles Baudelaire ( 9.4.1821 ـ 31.8.1867 ) والفيلسوف الألماني فريدرك نيتشه ( 15.10.1844 ـ 25.8.1900 ) والكاتب الروسي دوستويفسكي ( 11.11.1821 ـ 9.2.1881 ) . إلا أن الذي ترك تأثيرا كبيرا عليه وعلى شعره، ولفترة طولية، كان الشاعر الفرنسي آرثر رامبو ( 20.10.1854 ـ 10.11.1891 )، الذي تعرف عليه عن طريق نصوص شعرية ترجمها " K.L.Ammer " له عام 1908 ، مما دفع بعض النقاد إلى القول بأن تراكل لم يتأثر بشاعرية رامبو فقط، وإنما، أيضا، بنمط حياته كونه كان مدمن على تناول المخدرات اللامبالاة في سلوكيته اليومية التشاؤمية... الانعزالية... الوحدة والخوف ثم تدمير الذات والموت رموزا أخذت حيزا كبيرا في قصائده.

في الشتاء
Im Winter

الحقل يشع ضوءا
وبارد.
السماء وحيدة
ومرعبة.
الغربان تحوم حول بركة ماء.
والصيادون يتركون الغابة.

صمت يقطن في قمة شجرة معتمة.
أشعة ضوء تتسلل من الأكواخ.
وبين آونة وأخرى، من بعيد ،
تسمع
جلجلة زلاقة الثلج،
وببطء يبدأ القمر الرمادي بالطلوع.

حيوان بري، بهوادة، ينزف، عند حافة غابة،
وغربان تتراقص في بقع صغيرة من الدم.
حشائش طويلة نحيفة مصفرة،
صقيع... دخان....
خطوة في غابة صغيرة خالية.

ألحان إكليل الزهور
Rosenkranzlider

إلى الأخت

أينما تذهبين سيكون هناك خريف ومساء،
وحيوان بري أزرق، هذا الذي تحت الأشجار يدوي،
وبركة مياه مهجورة في المساء.

بصوت واطئ رحلة الطيور تدوي،
والحزن يعلو عبر حاجبيك المقوس
وابتسامتك الرقيقة تدوي.

ألله قد ثنى جفنك.
ونجوم تبحث ليلا، عن طفل الجمعة الحزينة،
على جبهة جبينك المقوس.


قرب الموت

آه... أيها المساء،
الذي في ظلام قرية الطفولة يحث خطاه.
البركة تحت أشجار الصفصاف
تملأ نفسها بتنهدات الكآبة الملوثة بالحزن.

آه... أيتها الغابة،
التي، بصمت، تغلق العيون العسلية،
هنالك من أيادي مهجورة
يخر الأرجوان ، في يومه الهائم، صريعا.

آه... أيها الموت،
الذي يجالسني، دعنا نصلي سوية.
في هذه الليلة يذوب على وسائد دافئة
اصفرار رائحة بخور في أوصال محبوبة
نحيفة.

آمين

عفونة تنزلق عبر غرفة متداعية،
ظلال على أوراق جدران،
في مرآة معتمة تبرز نفسها عظام أيدينا المنخورة حزينة ( كئيبة )

لؤلؤ اسمر ينساب من بين الأصابع الميتة.
في السكون
يفتح ملاك عيون الخشخاش الزرقاء.

أزرق هو الليل أيضا
ساعة موتنا، ظلال عزرائيل،
الذي يطفئ ضوء حديقة صغيرة.











تعليق



عماد الحيدري

2015-01-03

تحية طيبة,النقطة الأساسية في حياة تراكل والأكثر مأسوية هي علاقاته العائلية وبالخصوص علاقته - المحرمة- على الأرجح مع أخته الأصغر, والتي كانت مصدر لتأنيب الضمير طوال حياته ودفعت به الى اليأس, خصوصا عندما ارتابطت أخته بعلاقة غرامية مع أقرب أصدقائه. أعتقد أن هذه التفاصيل بالغة الأهمية لفهم طبيعة شعره

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نصوص نمساوية / كريستوف فيلهلم آيغنر ترجمة:

26-أيلول-2009

كلمات منثورة

22-أيلول-2009

حروف فابيان هافنر

15-أيار-2009

نصوص من الأدب النمساوي

07-آذار-2009

نصوص من الدب النمساوي / توماس بيرنهارد

17-كانون الأول-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow