Alef Logo
الآن هنا
              

إعادة الاعتبار للرأسمالية مصلحة وطنية

حسام مطلق

2008-08-30


غالبا ما يفسر الناس الإمبريالية على أنها الامتداد الطبيعي للرأسمالية, أي أن الرأسمالية لابد وأن تتحول إلى إمبريالية, أو لابد وأن تتعاون معها, هذا غير صحيح, الرأسمالية هي ممارسة اقتصادية فيها الكثير من الصنعة الوطنية, إنها توظيف للمال الوطني بواسطة الأفراد للصالح الوطني, الاشتراكية التي مارسنها كانت خاطئة في فهم أهمية الدور الرأسمالي في صناعة الاقتصاد الوطني, الاشتراكية العربية, كما كل الأيديولوجيات العربية, هي رد فعل, ترجمة لنصوص, أو في أحسن الأحوال اندفاع عاطفي يفتقر إلى عنصر الأصالة الذي يجب أن يميز كل فكر يراد له أن يخدم أمة أو مجتمع.
من هذا الخلل وقع التصادم بين الاشتراكية العربية وبين الرأسمالية العربية أو للدقة البرجوازية العربية, التي كانت الحالة الجنينية للرأسمالية العربية المنتظرة, ذاك التصادم قاد إلى هجرة الأموال والعقول الاقتصادية وإلى تحويل الاقتصاد الوطني إلى حالة تجريبية لنظريات أوصلت الأمور إلى حال فقر لا تنفك الأرقام والإحصاءات تقدم المجتمعات العربية كواحدة من أكثر مجتمعات العالم فقرا وبطالة وهذا دون أمل قريب في تغيرات جذرية.
تسليما بخطر الإمبريالية لابد من توضيح سريع يميزها عن الرأسمالية وينفي الربط الذي يصل حد اليقين في أذهان البعض بينهما : الإمبريالية هي توظيف اقتصاد الدول لصالح نخبة في مجتمع آخر, فيما الرأسمالية هي توظيف رأسمال وطني لصالح نخبة في نفس المجتمع. كيف تصبح الرأسمالية ملائكية ولا تتحول إلى ممارسة شيطانية؟. الأمر بسيط : لضبط الرأسمالية كل ما عينا فعله هو تطبيق نظام ضرائبي واضح وحازم وذي صيغة تصاعدية عبر جملة قوانين تعرف بمصطلح " anti-trusts " التي تسمح للدولة بمكافحة التمركز المالي, وإن بشكل محدود, ولكنها تمكنها من تحقيق سيطرة فاعلة في توجيه العوائد المالية المتحققة من المشروع الاقتصادي بما يكفل عموم الفائدة على شريحة واسعة من المواطنين محافظة على العصب الاقتصادي, من حيث الأصول المالية, بيد النخبة المتميزة في الأداء الاقتصادي.
بذلك نكون قد حققنا قصدنا في الأمرين معا, الحفاظ على النخب الاقتصادية فاعلة في الساحة الاقتصادية الوطنية بعقولها وأموالها والثاني هو تمكين الطبقة الاجتماعية الواسعة من الاستفادة من العوائد المتحققة من كفاءة أداء تلك النخب.
الفلاح ليس أفضل من يفهم الأرض, ولا العامل أفضل من يصون الآلة, تلك دعاوى عاطفية آن أن نلقيها جانبا, الفلاح يجب أن يحصل على حد أدنى من الأجر وعلى تأمين اجتماعي وآخر صحي وعلى حقوق تمثيلية في الهيئات المدنية والدستورية التي تقود عملية التشريع في البلاد وأن يكون لأطفاله مستقبل واضح بعيش كريم, هذا لا خلاف فيه, ولكنه ليس الأفضل للتخطيط الاقتصادي, وهذا ينطبق على العامل.
نحن بحاجة إلى استلهام النموذج الاسكندنافي في التوجيه الاقتصادي حيث يتحرك المال بدورة اقتصادية عادلة بعيدا عن العاطفة وتصفية الحسابات والشعارات الناصرية التي فهمت الاشتراكية على أنها أداة توظيف سياسي لحشد التعاطف الجماهيري على حساب المستقبل الوطني . التطبيق الناصري للاشتراكية, الذي ما يزال سيد الحياة العامة بين ظهرانينا, يشبه من حيث مستو الوعي شرح مونتسيكو للتطبيق " الديمقراطي " حيث الأمور مختزلة ببرلمان يمنح السلطة وملك لا يستطيع احد عزله, الأمور في هذه المرحلة من الوعي تشبه شيخ وحجاب يرد العين.
لا يمكن لوطن أن يكون منيعا ما لم يكن أبناءه محصنون في لقمة عيشهم, والقوانين التي لا تزال تستلهم المبادرات الارتجالية في الحل لا تساعد على استقرار يحتاجه التوظيف المالي الكبير والواسع.
من المؤسف أننا إلى اليوم نقرأ في الصحف السورية عن فسح وزارة التجارة لاستيراد المادة الفلانية, وعن الترخيص لمشاريع من نمط كذا, تلك كلها مضيعة للوقت, حددوا شرط الصفة السورية بنسبة كذا للاستثمارات الكبيرة وبيان المصدر المالي للطرف الثاني ضمانا لعدم التغلغل الأمني وأخرجوا من اللعبة, الكلام للسلطة السياسية. أو اقسموا أنفسكم فريقين, أول اقتصادي يمارس مهام المال فقط وأخر سياسي يمارس اللعبة الكبرى. لن ينجح اقتصاد يختبئ خلف القرار السياسي من سقطاته عن المحاسبة, والمحاسبة في الاقتصاد لا تكون بغير الابتلاع, الخاسر في الاقتصاد يأكله السمك الأكبر, هذا هو قانون السوق, البقاء للأقوى, والقوة تحدد بالممارسة الاقتصادية المتقنة لا بالمحسوبية, فالأهم أن يبقى للدولة نفس العوائد الضريبية التي تجعلها قادرة على القيام بواجباتها الثلاث الأساسية التي حددها آدم سميث : 1- حماية المجتمع من الخارج " أي الجيش والمنظومة الأمينة الإستخباراتية ومجموع العلاقات الخارجية التعاونية " 2- حماية الأفراد " أي العدالة والتأمينات الاجتماعية وفرص العمل والشرطة " 3- الإنشاءات الخدمية الصرفة " أي الجسور وما لا يحقق بطبيعته عوائد اقتصادية ولكنه من ضرورات المجتمع والحياة المدنية بما فيه الرقابة البيئة ". فيما عدا ذلك فإن السلطة السياسية تكون في حالة توسع إلى غير دائرتها الاختصاصية وهي بذلك تمارس مهام ليست من خبرتها ولا في طاقتها أن تحقق عليها رقابة وآخر أمثلة هذا الهدر في الطاقات ما قيل أنه لجان مراقبة الأسعار في رمضان ضبطا للأسعار, ترى هل هذا دور السلطة السياسية؟. وأي ضمانة أن الأمر لن يتحول إلى اقتسام التاجر والمراقب للرفع السعري الذي سيدفعه الموطن مضاعفا من جراء الفساد المستشري الذي يعيق سلامة تطبيق كل قانون مهما كانت نية إصداره حسنة؟. أفكر بتاجر يقول لجاره : شو قصة لجان المراقبة الي عم يحكوا عنها ؟. الجار : يعني ليرة لجيبك وليرة لجيب المراقب. التاجر : طيب والمواطن شو وضعوا؟. الجار: ولو !!! المواطن هو الدفيع.
يجعل ميل ستيوارت ممارسة السلطة لصفات متجاوزة للضرورات الثلاث السابقة سببا في الفساد الاجتماعي كونها تصبح محركا لآمال الناس ومخاوفهم, وهذا برأي احد أسباب الفشل الذي نعانيه, ليس فقط اقتصاديا بل على عدة مستويات.
أدرك أن سيطرة السلطة السياسية على المفتاح الاقتصادي هي من ركائز النظرية الأمنية التي تحكم بها سيطرتها على الأوراق الداخلية اجتماعيا لضمان ترجيح كفة الولاء بتقلب الأوضاع سلبا أو إيجابا, ولكن تلك الأوراق قد تتحول إلى جالب للنقمة إن استمر الميل في التفاوت المعيشي بين الناس إلى الانحدار نحو هوة ساحقة تقيم صرح طبقية جديدة تختلف عن الطبقية التي انطلق النظام لمحاربتها في مشروعه التأسيسي من حيث الأسماء والوجوه لا من حيث المفاعيل, أي بدلا من طبقت العامل والفلاح المنتهكة الحقوق من قبل الإقطاعي والبرجوازي انتقلنا إلى طبقية المسئول والمرتشي والانتهازي المتسيد على المواطن العادي, الوضع القائم يستحضر قول ستندال في توصيف ما آلت إليه الثورة الفرنسية من انحراف " ضاحية سان جيرمان صارت هي مصدر البرجوازية والمصرف أصبح رمز نبالة الطبقة البرجوازية الجديدة ", فهذا ما تؤل إلية الأمور حين يوظف ضابط المخابرات البنك والقرض المصرفي لصالح الغرض السياسي, وتاليا, الشخصي للسلطوي المنتفع.
ففي حين هدف الاشتراكية أن يكون العيش الكريم مصان للمواطن العادي نرى آلية منح القروض تعيد توزيع المال البنكي لصالح نفس الطبقة المسيطرة على الحياة السياسية, فالقرض المصرفي لا يخدم المشروع الصغير ومحاربة البطالة إلا في عناوين التوصيف, ذلك أنه حتى حين تفرض الجهات الخارجية على السلطات المحلية مثل هذا التوزيع لا يخفى على أحد مدى الانتهاك الذي يمكن أن يقع في أولويات الصرف عبر طبيعة الأوراق الثبوتية المطلوبة للاستحقاق, فما دام رموز السلطة السياسية غارقون حتى آذانهم في المنفعة المالية وصلاحياتهم غير مقننة بفعل نفوذ الأجهزة الأمنية التي ترتكز بدورها إلى المخصيين في التقييم والمتابعة فإن القروض المصدرة " للمواطن " هي بحقيقتها مصدرة لجيوب الفساد أو لإعادة إنبات الإخصاء الأخلاقي للمواطن ضمانا للولاء السياسي بدلا من أن تؤدي مهمتها في خلق بنيوية نفسية سليمة , لقد أصبح البنك رمزا جديدا لنبالة جديدة كما قال " Stendhal ".
إن استمرار تأثير السلطة السياسية على الحياة الاقتصادية بأدق تفاصيلها وفي غير الخدمة العامة يغذي عناصر الفساد و يضع محاربة الفساد في قالب لفظي تلاعبي على شاكلة مقولة المتنبي " فيك الخصام وأنت الخصم والحكم ", هذا الأمر حذر منه ميل ستيوارت بالقول " أية وظيفة مضافة للسلطات التي تمارسها الحكومة تتسبب في جعل تأثيراتها على آمال ومخاوف الجماهير أوسع وأكثر انتشاراً، مما يؤدي إلى تحويل الجزء الأكثر فاعلية وطموحاً من الجماهير إلى متطفلين على الحكومة ", والتطفل لا يعني الهدر المالي حصرا بل الانحطاط الأخلاقي أيضا, أي الخلل البنيوي حتى في معاير الولاء الوطني.
لا بد من اتخاذ خطوات أسرع لتحرير الأسواق عبر انسحاب السياسة من الحياة الاقتصادية لتمكين توطين أكبر للمال الوطني ضمن شروط الأمان المستقبلي التي يتطلبها كل استثمار, على أن يحدث هذا بتوازي مع مكافحة واضحة للفساد تتبناها جهات صحفية محلية صرفة أو وطينة في الجوار, والفائدة من ذلك هي ألا تكون السلطة السياسية برموزها السيادية مجال سخط المتضررين من التصحيح الاقتصادي, واقصد هنا تشتيت حقد الغارقين في الفساد, وإعطائهم, أقصد رموز الفساد, الفرصة الزمنية الضاغضة كي يعودوا إلى دمج سرقاتهم بالسقف القانوني سريعا تصحيحا للمسار الاقتصادي الذي يؤسس للحالة الضريبية كمصدر أساسي لدخل الدولة.
ليس الغرض من التطبيق المشار إليه أعلاه هو ممارسة انتقامية من السارقين والفاسدين بل الرغبة في إعادة توجيه دفة الاقتصاد نحو الحالة الصحية, الإقطاعي كما البرجوازي كانا من اللصوص, والباشا والوالي من قبلهما, واليوم المسئول والمرتشي, تلك من حقائق التاريخ, المجتمعات تتطور ليس بتصفية الحسابات مع الماضي, ذاك كان الخطأ الناصري, بل هي تتطور بتصحيح المسارات عبر إعادة تدوير المال للصالح العام.
نحن بحاجة إلى إيجاد فرص عمل كريم لثلث الشعب السوري, فاستقلال الفرد الاقتصادي هو ما يجب أن نخطط له لا استمرار تذويب الفرد في الأسرة الأبوية إلى ما لانهاية, وهذا يعني ضمنا أن تمتلك المرأة استقلالها الاقتصادي أيضا تحقيقا للفرد القوي من حيث البناء النفسي.
حين أقول فرص عمل أنا لا أتحدث عن ثور الساقية الذي يعمل من ساعات الفجر الأولى حتى يرتد إلى فراشه أخر الليل كالقتيل, تلك ليست الحياة لتي نريدها للمواطن السوري, أنا أتحدث عن عمل بأجر معقول يصون الكرامة ويحقق معدلا من الرفاه لا يقل عن دول الجوار الفاقدة أصلا لأي مصدر من مصادر الدخل غير التحصيل الدقيق للضرائب.
هناك جملة أفكار أولية تبدأ بالعقار, وربما تساهم أيضا في حل مشكلة السكن فالعائد المالي سوف يسمح ببناء وحدات سكنية شبابية وتأمين وسائل مواصلات لمواقعها البعيدة عن مركز المدينة, والاقتراح أن تقسم المدن إلى دوائر ضريبية, وسط تجاري دائرة ثانية وثالثة وهكذا.
في كل دائرة هناك عدة شرائح, أي المحال التجارية الواقعة على الشوارع الرئيسة تحصل منها ضريبة مقطوعة كذا بقياس مساحة المتر المربع, والمصنفة في الشريحة الثانية هي التي تبعد عن الشارع الرئيس مسافة كذا وقس عليه للمكاتب وحتى الدور السكنية لدفع سكانها لمغادرة كل وسط تجاري في كل دائرة, مما سيخلق تدريجيا فصلا مناسبا للسمة المدنية فتصبح دور السكن في الوسط التجاري هي دور للتأجير للغرض السياحي أو للخبراء والسفارات, أي تحويلها إلى استثمار تجاري, وهذا يعني أن يُحَصَل عن تأجيرها ضريبة مقطوعة كتلك التي تحصل من المحال التجارية بغض النظر عن دفاتر التاجر أو دورته المالية ومهنته, وهذا تحقيقا لضرورة خروج الضعيف من حيث الفكرة و الإدارة من مجال التنافس التجاري لصالح الأكثر جدوى وتنظيما, والأهم طبعا أن الميزان التجاري للدولة سوف يرسم على أسس واضحة لأن الإحصاء العمراني يكفي لكتابة الكثير من الأرقام بدقة تفتقر إليها اليوم الدوائر التخطيطية في مستلزمات رؤيتها المستقبلية خصوصا أذا اعتمدنا إضافة الضريبة موزعة على مدار السنة إلى عداد الماء و الكهرباء مما سيعني تهرب ضريبي يصل للصفر, فلا يتخيل مشروع تجاري أو استثمار عقاري بدون ماء وكهرباء, ولا يتخيل معدل استهلاك كهربائي ومائي عال بدون أن يكون العقار موضوع استثمار تجاري.
بنفس الطريقة ليس على الدولة أن تحصل ضرائبها من الصناع والمستوردين وفقا لدفاترهم بل وفقا لطاقتهم الإنتاجية, أي كما يضيف الصانع قيمة كذا كتكاليف كهرباء وعمالة إنما على أحدهم أن يضيف إلى إنتاجه قيمة كذا ضريبة مقطوعة, وبدورها تخضع لشرائح متعلقة بحاجة المجتمع للمنتجات ولبعض الشروط الأخرى من البحث العلمي وتبني الكوادر الطلابية وغيره من التصنيفات التي باتت معروفة للجميع. ولن ننسى أننا بتبني الشريحة الضريبة بالاستناد إلى الطاقة الإنتاجية ندفع المستثمر الصناعي لأداء وظيفته الاجتماعية ذلك أن المصنع الذي يحصل على تسهيلات المدن الصناعية وغيرها من ميزات الحماية الوطنية عليه أن يدير مشروعه بالمقابل بغية تحقيق عوائد الفرصة البديلة لا العائد البرجوازي القائم على مزاجية المالك, المال له غرض اجتماعي يتجاوز ملكية الفرد.
هذا الضغط يحقق مصلحة إبعاد الضعيف سريعا من السوق ويسهل إعادة تصويب المشروع الوطني, ولا يعد هذا تدخلا في الحياة الاقتصادية لان الشرط لا يمس حرية المبادرة الفردية ولكنه يدفعها كي تكون أكثر اجتماعية كما أنه يصون الضريبة من التلاعب ويقدم للمخطط الاقتصادي لدى البنوك المقرضة أرقام دقيقة تقيم عليها حساباتها.
نفس الصيغة تصح على الأراضي الزراعية حيث يمكن تقسيمها وفقا لخصوبتها إلى شرائح وكل دونم, كمثال, يدفع عنه ضريبة مقطوعة, وما على المزارع إلا أن يكون أكثر حكمة في إدارته لمشروعه أو أن يتنازل عنه لصالح الشركات الزراعية الكبرى, وهو ما سوف يحصل مع أصحاب العقارات أيضا.
هذه الاقتراحات, على ما تحمله في ظاهرها من قسوة, هي الآلية الصحيحة للوصول إلى مشاريع وطنية بربحية مثالية قادرة على المنافسة ليس فقط في العائد بل في مستوى الخدمة السياحية أيضا وهو ما سيؤمن صمودا قويا في وجه الغزو الذي لابد وأن يقع في النهاية مهما استمر الهروب منه.
تلك الاقتراحات هي الطريقة الأفضل لدفع المستثمر للاستعانة بالكفاءة العقلية والمهنية لتتمحور حولها الحركة الاقتصادية, كما هو حاصل في الغرب, فلا يبقى المشروع خاضعا لمزاجية المالك, لأن المالك ما لم يكن حكيما في الاختيار و الإدارة سرعان ما سيدفعه الفشل إلى التحول إلى موظف في مشروع آخر ضمن شروط الأمان الاجتماعي من الضمان الصحي والاجتماعي وغيرها من التطبيقات التي تصون كرامة الجميع ولكنه في الخارطة النهائية سوف يأخذ موقعه المناسب الذي أفرزته له الصفات الطبيعية وهذا يعني أن تتحول النخبة تدريجيا إلى نخبة عقلية لا نخبة وراثية فقط.
هربرت سبينسر يقول : الطبيعة تعمل من ناحية على التخلص ممن هم دون الحد الأدنى من مستويات التطور وتعمل من ناحية أخرى على إخضاع الباقين لانضباط التجربة بما يكفل نمو عنصر يكون في آن متفوقا وفقا لظروف الوجود و قادرا على التصرف بانضباط التجربة, غريزيا أو بالوعي, الأساس أن يساير التطور.
شرحه هذا الذي يستخدم فيه مصطلحات قد ينصرف الذهن إلى أنها تأتي من كتاب لداروين هو في الحقيقة يصف بها عمل المجتمع وتطوره.
غير خاف على احد أن المشروعات الاقتصادية الكبرى عالميا تدار من قبل اختصاصيين بمرتبات عالية ولا يعدو دور الملاك التنزه ومراقبة الوضع العام, وهذا التخصص هو ما يعطي المشروع الغربي الكفاءة النهائية في تسيد الاقتصاد العالمي, غانيك عن الدور الاجتماعي في توفير فرص العمل بأعداد كبيرة وبدخل واضح المعالم بدلا من المشروعات الصغيرة التمويل والتي يتطلب الحصول على قرضها البنكي شروط خاصة من الإخصاء المخابراتي .
ليس دور المخطط الوطني أن يمارس الرعوية لصالح صاحب المال, فحمايته الشخصية ليست موضوع التخطيط, ماله هو الموضوع, وليس عليه أن يبني خططه انطلاقا من حالة عاطفية تركتها في نفوسنا شعارات مثل " الأرض لمن يعمل بها " , إن التوجه يجب أن يكون لوطنية الاستثمارات الكبرى من جهة وإلى تفعليها اقتصاديا بالصيغة الأمثل من جهة ثانية, فهذا ما يحقق وقفة في وجه التمدد الامبريالي المنتظر ومن جهة ثانية يصون المواطن في عيش كريم, أما من المالك فتلك لا عبرة لها ما دام في نهاية اليوم الجميع سيجد دخلا بحد أدنى يضمن الكرامة ويبقى باب الارتقاء في الدخل مفتوحا لمن لديهم الملكات الذاتية الاستثنائية.
ليس علينا أن نخشى من الرأسمالية, هي الأقدر على أداء الوظيفة الاقتصادية, ما علينا أن نخشاه هو الامبريالية ورغبتها في السيطرة على موارد الشعوب, ومن وسائلها لتحقيق ذلك أن تتوسع الهوة المعيشية بين أبناء المجتمع فقرا وغنى, لا وسطية وغنى, فتُسَخر النقمة لصالحها, المجتمعات المتوازنة معيشية تعذر على المشروع الامبريالي أن يعبث في دواخلها, وحدها المجتمعات الفقيرة تسقط بشكل مدوي وبطريقة الانهيار في القبضة الامبريالية, جورجيا مثال.
بإعادة الاعتبار للرأسمالية الوطنية كوظيفة وطنية يقوم عليها البناء الاقتصادي نحن نبني حصانة من المد الامبريالي لا العكس, فمهما تأخر الانفتاح الاقتصادي, بدءً أو سيراً, ففي النهاية ما لم يكن الوطن محصنا بمشروعات كبيرة من النمط الرأسمالي مستولية على كل المظاهر الاقتصادية, لا شديدة الربحية فقط كحال سيرياتيل, سوف يكون الاستثمار الضعيف صيدا سهلا للتصيد الإمبريالي.
الإصدارات القانونية الحامية للمال الوطني تقوي المقاومة الرأسمالية للإمبريالية ولكنها تصبح بلا جدوى في تحصين الاستثمارات المحدودة, خصوصا إن تذكرنا أن المافيا هي احد أدوات الإمبريالية في غزوها لاقتصاديات الدول الضعيفة, والمافيا فاعلة جدا مع المشروعات الفردية ولكنها بطبيعتها لا تقوى على النيل من المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالبنوك, تأثيرها في هكذا حالة ينال شخوص من الداخل ولا ينال العمل ودوره الوطني, اللهم إلا أن يكون هناك غطاء سياسي, وقد شهدنا محاربة السيد بوتين لدور المافيا في تصريف المال الروسي.
حسام مطلق

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الحدس والفكر الإنساني

12-كانون الأول-2008

الواحدية في تاريخ الفلسفة‏

04-تشرين الأول-2008

إعادة الاعتبار للرأسمالية مصلحة وطنية

30-آب-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow