Alef Logo
نص الأمس
              

لماذا وقفت الرجعية ضد أبي خليل القباني

سعد الله ونوس

2006-04-23

محاولة تحليل الآلية التي تعمل بها الرجعية في حياتنا الثقافية والسياسية
بعد أن يقرأ المرء قراءة تحليلية، ما وصل إلينا من نصوص أبي خليل القباني، وهي ثماني مسرحيات (1). يبرق في ذهنه، وعلى الفور، سؤال محمل بالدهشة! لماذا وقفت الرجعية الدمشقية بهذة الشراسة ضد تجربة أبي خليل المسرحية؟

شراسة تبدت، كما تقول الوثائق
القليلة التي وصلة إلينا، في إحراق مسرحه، وتدمير كل ما بناه خلال سنوات، إضافة إلى
تحريض الصبية على ملاحقته بالسخرية والأغاني البذيئة. أي أحرقوا موهبته، وعمله،
وإمكانية العيش في دمشق فهل يمكن أن تناهض الرجعية فناناً بأشرس من ذلك! طبعاً هناك
القتل. ولكن أن يجعلوا عمل الفنان مستحيلاً وبقائه في بلاده متعذراً هو أمر شبيه بالقتل،
وأحياناً أسوء منه.
وما يثير الدهشة في هذه الهجمة الشرسة. هو أنها تبدو غير مفهومة، بل أن تحليل النصوص
التي بين أيدينا، يجعلنا نشعر أنها محيرة، وتفتقد إلى أي تبرير موضوعي، فالقيم والأفكار التي
تنطوي عليها هذه النصوص لا تتصادم، في منظور ذلك العصرـ النصف الثاني من القرن
التاسع عشر ـ إلا في الحدود الثانوية مع القيم والأفكار التي كانت سائدة في مجتمع محافظ
وتقليدي. فسلطة الحاكم المطلق. تشتمل على ما هو زمني وروحي معاً، منها ينبثق الحق
والعدل والخير، وبالتوفيق معها، أو الرضوخ لمشيئتها، يتحقق توازن الفرد، وسعادة المجتمع
لهذا فأن إي محاولة ترمي إلى مس شريعة هذه السلطة غير مقبولة ولا ممكنة أيضا. إن
السلطان، بعد أن تنجلي أمامه الحقائق، مائل دائماً كي يعوض ما خسر، وينصف من اغتصاب
له حق، ويقوم ما أعوج في مسيرة الأفراد والجماعة. وهذا المثول ضرورة لا احتمال. لأن
البيئة الاجتماعية هي أيضا بيئة ثابتة، تحكمها قيم أخلاق قديمة، وعلاقات طبقية مستقرة.
ولذا فلا غرابة أن يختم كل عمل من أعماله، ولعل مسرحية ـ متريدات أو لباب الغرام ـ
هي الاستثناء الوحيد ـ بأغنية تمجيد ودعاء للسلطان.
وقد وضح الدكتور شاكر مصطفى هذه الفكرة جيداً في كتابه ( تاريخ القصة في سورية ).....
قال: "ولم تكن الشخصيات التي يقدمها مسرح القباني سوى شخصيات الأمراء والملوك، ولا
كانت القيم والمفاهيم التي يعبر عنها سوى قيم المجتمع الإقطاعي الوسيط الذي كان لا يزال يعيش في ظل السلطان العثماني".
ثم يضيف الدكتور مستنتجاً: (وهكذا لم يكن بينه وبين المجتمع الجديد الذي كان يتكون في سورية إلا أوهى الصلة فإذا أهملته الطبيعة البرجوازية النامية، فلأنها لم تجد فيه ما يمثلها..
وإذا قسا عليهم الجمهور فلأنه ليس ثمة تجارب بينه وبينه، بينما أحتضنه السلطان وحاشيته
في النهاية، واعتذروا بالمال والراتب عن إهمالهم الأول) إلا أن هذا الاستنتاج الذي يبدو لأول
وهلة منطقياً، وهو ليس كذالك كما سنبين في ما بعد، يزيد السؤال المطروح تعقيداً وإبهاما.
فإذا كانت النصوص التي قدمها القباني لا تعبر إلا عن قيم ومفاهيم مجتمع إقطاعي رجعي
يترنح أمام ضربات برجوازية، متنورة تتكون. فلماذا قاد إذن ممثلو المجتمع الأول، المجتمع
الرجعي بتركيبه الإقطاعي الديني ذلك الهجوم العنيف على تجربة القباني. إن الذي حمل
المضبطة إلى الآستانة ليس أحد ممثلي لبرجوازية المتنورة، وإنما هو الشيخ سعيد الغبرا الذي
جمع تواقيع معظم أعيان دمشق آنذاك. تماماً وفي الوقت الذي كانت قد بدأت فيه موجة
الإرهاب الحميدي تغيب في السجون وفي قيعان البوسفور، مجموعات من الشبان الأحرار
يمثلون فعلاً برجوازية بازغة من شقوق مجتمع إقطاعي يتصدع.
إن بين تحليل الدكتور شاكر مصطفى، وبين النتيجة التي يخلص إليها تناقضا أو خللا، هو
بالذات هذا السؤال المحير: لماذا وقفت الرجعية الدمشقية بهذه الشراسة ضد تجربة أبي خليل
المسرحية ؟....
بعض الإجابات العامة والخاصة
..ونحاول أن نتقصى تفسيراً في الدراسات التي تناولت نشأة المسرح العربي بصفة عامة،
والقباني بصفة خاصة فلا نعثر إلا على تفسيرات غير مقنعة، أو تتصف بالعمومية والإبهام.
لقد عزا البعض مثلاً غضب الرجعية إلى أسباب أخلاقية. إذ أهاج المشايخ ما تضمنته
روايات القباني من مشاهد غرامية، وحوارات عن الحب وطيب الوصال. فمثل هذه المشاهد
تفسد أخلاق المتفرجين، وتشجعهم على الخلاعة والمجون.
ويعتمد هؤلاء في تفسيرهم على نص المضبطة نفسها كما أورده كامل الخلعي في كتابه
- الموسيقي الشرقي – ومما جاء فيها (أن وجود التمثيل في البلاد السورية مما تعافه النفوس
الأبية، وتراه على الناس خطباً جليلاً، ورزءا ثقيلاً "..." فيمثل على مرأى الناظرين ومسمع
المتفرجين أحوال العشاق، وما يجدونه من اللذة في طيب الوصل بعد الفراق. فتطبع في الذهن
سطور الصبابة والجنون، وتميل بالنفس إلى الغرام والشجون، والتشبه بأهل الخلاعة
والمجنون).
كذلك أورد الدكتور إبراهيم كيلاني بعض العبارات من استغاثة الغبرا أمام السلطان إذ صرخ
قائلا: " أدركنا يا أمير المؤمنين، فأن الفسق والفجور، قد تفشيا في الشام، فهتكت الأعراض،
وماتت الفضيلة، ووئد الشرف واختلطت النساء بالرجال ".
لكن هذا التفسير لا يبدو مقنعاً. فنحن نعلم أن مقاهي الشام في تلك الفترة كانت تنتشر فيها
وبكثرة خيمة "الكركوز". وفي هذه الخيمة كانت تقدم بأبات وفصول فيها الكثير من البذاءة
والألفاظ المكشوفة، أو المواقف المجانية... وتقول المصادر التاريخية أن مدحت باشا حين
ولي على دمشق، قام بجولة يتفقد فيها أحياء المدينة، والحالة الاجتماعية والروحية فيها، فلفت
نظره كثرة المقاهي التي تمثل فيها الحكايات "خيمة كركوز"، فانتقد وجهاء دمشق على هذا
المستوى المنحط، ولامهم لإقبالهم على مشاهدة هذه المناظر المخجلة. واستماعهم إلى تلك
الألفاظ البذيئة. فلماذا لم ينتفض المشايخ إذن ضد "كركوز"، ولم يطلبون بإحراق الخيمة، أو
منعها من العمل في مقاهي الشام؟ ما الذي يعلل صمتهم، وحتى إقبالهم على الحكايا الماجنة
التي تقدمها خيمة كراكوز، في حين اعتبرت بعض المشاهد الغرامية في أعمال القباني خطبا
جليلا، ورزءا ثقيلا ؟
هذا الموقف المتعارض يبرر لنا الاعتقاد بأن الدوافع الأخلاقية لم تكن إلا قناعا تخفي الرجعية
وراءه الأسباب الأعمق، وتتخذه متكأ لتصوغ هجومها، وتكسبه فعالية وقوة دون ذلك لا يمكن
فهم هذا التعارض ولا تعليله.
طبعاً، بعيد عن قصدي الحط من شأن "خيمة كركوز" أو ازدراؤها. فهي إضافة إلى أنها تمثل فناً شعبياً أصيلاً لعبت في مضمار السياسي دوراً نقدياً هاماً، عرضها مراراً وفي أمكنة عديدة للرقابة والمنع. سواء في العهد العثماني، أو إبان الاحتلال الفرنسي. وما أرمي إليه هنا، ليس المقارنة بين " كركوز" والمسرح ، وإنما محاولة تحليل الأسباب الحقيقية للهجمة التي تعرضت لها التجربة المسرحية الأولى.
ونتابع الآن بعد هذا الاستطراد الجانبي، مناقشة التفسيرات المتوفرة لدينا.
على الرغم من أن الدكتور إبراهيم الكيلاني يشير إلى حتمية الصدام بين عناصر الرجعية
وولادة المسرح، معللا ذلك بالموقف العام من كل – جديد – فأنه يرد ما لاقاه القباني إلى
ملابسات علاقة شخصية. "وكان أبا خليل بما فطر عليه من لطف الحسن، قد تنبه إلى الخطر المحدق بحركته الفنية، وهي ما تزال في مهدها، فعمد إلى استرضاء زعماء الرجعية
المتسلطين على الجهال والرعاع فقاسمهم الربح. ويظهر أن نصيب أحدهم، الشيخ سعيد الغبرا
الذي تسلط على عقول العامة ببيانه ولسنه كان ضئيلاً فشد رحاله إلى الآستانة، عاصمة
الخلافة، بعد أن أعجزته الحيلة عن محاربة أبي خليل القباني في بلده..." . وهكذا تصبح
المسألة خلافا على جعالة، أو مجرد وضاعة خلقية. وهذا التعليل – حتى لو صحت الحادثة –
أو هي من أن يكون أكثر من سبب مباشر، أو القشة التي قصمت ظهر البعير. فالعداء كان
يستعر والدليل هو اضطرار القباني إلى استرضاء كل زعماء الرجعية. ولو أستطاع أن
يسترضيهم دون الشيخ سعيد لما تدافعوا للتوقيع على المضبطة التي حملت على ما يقول
البعض المصادر 26 توقيعاً. كل أصحابها شيوخ وأعيان. ثم أن لدينا مراجعا تاريخيا آخر
يروي نهاية القباني بصورة مختلفة، وأكثر تماسكاً من الناحية المنطقية. ففي كتاب "تاريخ
الموسيقى الشرقية" يقول قسطندي رزق: (وما كادت الفرقة) - أي فرقة القباني – تمثل رواية أبي حسن المغفل، حتى قام أحد المشايخ الرجعيين وقعدوا لظهور هارون الرشيد على المسرح، على شكل أبي حسين المغفل، ورفعوا احتجاجاً بذلك إلى الحكومة العثمانية بالآستانة فأصدرت إرادة شاهانية بمنع التمثيل العربي في سورية".
إذن، حتى لو كان ثمة عداء شخصي قد نشب بين القباني والشيخ سعيد، فإن ذلك لا يشكل
العنصر الجوهري في القضية. وهو في أقصى الحالات لا يعدو، كما ذكرت منذ قليل، واحداً
من الأسباب المباشرة، لهبوب الحملة، التي كانت تختمر، وتنضج في أوساط الرجعية. وأنا
شخصياً، لأعتقد أن ما أورده قسطندي رزق يظل بين الأسباب المباشرة.
وفيما بعد سنتوقف قليلاً عند هذه الرواية. ولكن ما يعنيا الآن هو أن نسجل النتيجة التالية: كل
ما تقدم من إجابات يبدو عاجزاً عن اكتناه خفايا السؤال. كما أنه يخلط بين ما هو جوهري عرضي في تناول القضية. ولا يبقى بعد هذا إلا تفسير أخير. هو بين التفسيرات أحوجها إلى
النظرة والتحليل. وذلك لأنه يشكل النقطة التي ستقودنا إلى اكتشاف الآلية التي تعمل بها الرجعية الدينية، والكيفية التي تمارس بها ضغوطاتها وتأثيراتها في حياتنا الاجتماعية والسياسية. هذا التفسير هو الذي يثير مسألة (البدعة).

البدعة – صرخة الجهاد ضد التحول الاجتماعي
يقول الشيخ جميل الشطي في كتابه ( أعيان دمشق في القرن الرابع عشر ) في معرض
الكلام عن سعيد الغبرة (شد الرحيل إلى دار السلطان العثماني لرفع وإبطال كثير من تلك
البدع التي ظهرت في دمشق، ولاسيما تمثيل الروايات التي أضرت في الأخلاق والأموال. ولما رفع الأمر إلى السلطان عبد الحميد صدرت أرادته بمنعها وإبطالها، وكان مؤسس هذه الروايات وحامل لوائها أبا خليل القباني).
إذن، لقد اعتبرت الرجعية أن المسرح بدعة، ولهذا توجبت المبادرة إلى أبطاله، وإعلان الحرب عليه. ولكن ( البدعة) حكم لا يضبطه أي تحديد فقهي دقيق. وإنما اجتهاد كان يستنبطه منه رجال الدين ذريعة شرعية تبرر مواقفهم، وتشيل خصومهم. ولكي نفهم هذه النقطة، قد يكون من الضروري أن نحلل بما يمكن من الإنجاز، متى كان رجال الدين يشهرون سلاح البدعة ). في العهد العثماني وخاصة في القرنين الثامن والتاسع عشر؟ وأية أهداف كانوا يبتغون؟
من المعروف أن نظام الحكم العثماني كان (اوتوقراطيا) وكانت بنية النظام الاجتماعي فيه لاسيما بعد انتهاء عهد الفتوحات، وتوزيع الإقطاعات على الجيش، بينة إقطاعية متخلفة، ترتكز على تحالف وثيق بين كبار الإقطاعيون ورجال الدين. وفي هذا التحالف المبني على
توافق المصالح كان الإقطاعيون يمدون رجال الدين بكل ما يحتاجونه من نفوذ مادي ومعنوي،
وكان على هؤلاء بالمقابل أن يقدموا السند أو التبرير الأيديولوجي الذي يضمن الاستقرار والاستمرار النظام الإقطاعي القائم. يقول – لو تسكي – في كتابه (تاريخ الأقطار العربية الحديثة): "يعتبر رجال الدين الإسلامي – في العهد العثماني – دعامة النظام الإقطاعي، وكان كبار الإقطاعيين يهبون العقارات الكبيرة إلى المؤسسات الإسلامية لدعم هذا النظام. وفي فترة قوة الدولة العثمانية واستقرارها، لم يكن هذا التحالف يكلف أي عناء، أو يطرح صعوبات خاصة ولكن بدأ الأشكال، حين أخذ التفكك والفساد، نتيجة عدد من العوامل التاريخية، ينخران جسد الدولة، وبالتالي النظام الإقطاعي الذي تقوم عليه.. فقد ازداد عبء التبرير الإيديولوجي صعوبة وازداد معه رجال الدين نفوذاً. كان الصراع الاجتماعي، قد بدأ يزوبع في أرجاء الدولة المريضة. كان عليهم أن يسندوا الطبقة التي يرتكزون عليها، ويحامون عنها بكل ما يملكون من وسائل. وحين أجبرت الضرورة التاريخية دولة بني عثمان على الاختيار بين أن تنهار أو تتجاوز نظامها الإقطاعي المتفسخ بعدة إصلاحات حديثة، وشبه برجوازية، شكل رجال الدين معارضة شرسة قاومت كل "التحديث" ورفعة راية (البدعة) في وجه كل تغيير يمكن أن يمس النظام الإقطاعي القائم.
حاربوا إصلاح الجيش، وانضموا إلى شارذم الإنكشارية في ثورتهم ضد النظام العسكري الجديد. قالوا: (إن التعليم العسكري من الأمور التي لم يعرفها الإسلام. النظام الجديد بدعة، وكل بدعة حرام. وإنه من بدعة الكفار. والأخذ به ما هو إلا تشبه بالكفار... ألخ ).. كما أن محاولات الإصلاح المعدلة، المتمثلة في الخط الهمايوني عام 1839 ، وبيان التنظيمات عام 1856، رغم أنها لم تكن سوى – محاولة للتوفيق بين السلطة ذات الطابع الديني من جهة، وبين البرجوازية التجارية النامية والملاكين الأحرار من جهة أخرى (2). فقد واجهت مقاومة عنيفة من جانب الإقطاعيين وكبار الموظفين ورجال الدين.. كذلك انتظرت المطابع الأولى على أبواب استانبول فترة طويلة قبل أن تدخل إليها. فالتصوير بدعة. وكل بدعة حرام ويوجز ساطع الحصري هذا الوضع بقوله: (ومع هذا، ظل رجال الدين يتدخلون في شؤون الدولة، ويعرقلون التقدم في مختلف الميادين فمثلاً ظلوا يزعمون للناس بأن التصوير حرام بوجه عام، ويحولون بذلك دون طبع الكتب المصورة ولاسيما الكتب المدرسية (3).
وهكذا، لم تكن مسألة (البدعة إذن إلا ذريعة مطالطة يستخدمها رجال الدين لتحقيق أغراض سياسية، اجتماعية واضحة. كانت سلاحهم لإيقاف انهيار الطبقة الإقطاعية المتحالفين معها،
وتعويق نمو البرجوازية التي بدأت تكتسح أسواق المدن، وتتمدد حتى أوصال الجهاز الحكومي. ولأن هذا التحول الاجتماعي كان يمضي متسارعا بعد منتصف القرن التاسع عشر،
فإن الرجعية الدينية توسعت بالمقابل في استخدام السلاح- البدعة.
يخبرنا الشيخ جميل الشطي، كما ذكرنا آنفا أن البدع كثرت في دمشق. وهذا تعبير مموه، يعني من حيث الموضوعية التاريخية، أن البرجوازية أخذ يشتد عودها، وأنها استطاعت أن تفرض على المجتمع، ولو جزئيا، عادات وأنماط معيشية وتفكير، كلها جديدة، وهذا – الجديد – افزغ الرجعية الدينية لأنها لم تكن تعرف إلى أين ستصل موجهته، ومدى – العلمانية – التي ينطوي عليها. لهذا عندما تبين في ما بعد أن – جديد – هذه البرجوازية، بسبب نشأتها كتابعة للبرجوازية العالمية، وعجزها عن بناء اقتصاد مستقل، لن يتجاوز- القديم - جذرياً: ولن يستوعب أكثر من – علمانية – هشة ومحدودة رمت الرجعية الدينية، خوفها، وأسرعت تتحالف مع طبقة السلطة الجديدة وخلال فترة لم تطل نسبيا، وتوثق الوشائج بين الرأسماليين والتجار الجدد وبين رجال الدين. يتبادلون المنافع، ويتساندون لتعويق أي تحول اجتماعي جديد يمكن أن يهدد سلطتهم أو نفوذهم السياسي.
على أن هذه الملاحظة الأخيرة تظل جانبية في بحثنا هذا والمهم الآن هو أن نحدد على ضوء
التحليل السابق، ما هي العوامل التي جعلت الرجعية ترمي بتجربة القباني المسرحية بتهمة
البدعة. خاصة بعد أن بينا منذ البداية أن النصوص التي قدمها لم تتضمن من الناحية
السياسية، والاجتماعية ما يمس الإيديولوجية المحافظة والمتزمتة التي كانت تتبناها هذه الرجعية.


الظاهرة المسرحية هي البدعة
هنا يبدو ضروريا أن نهمل النصوص مؤقتا، كي نخص بالاهتمام الظاهرة المسرحية.
فالمسرح فن مركب لا يمكن تقليصه إلى مجرد نص. لأن مثل هذه التقليص يلغيه، أو ينفي
بنيته الجوهرية كعلاقة تفاعل بين ممثل ومتفرج، وأي دراسة تتناول تجربة مسرحية، اعتمادا
على النصوص فقط، تظل قاصرة، ولا تستطيع أن تلم بما هو جوهري فيها... أقصد
بالجوهري، البعد الاجتماعي للتجربة. هذا البعد الذي تكونه مجموعة العلاقات الحية، والتأثيرات المتبادلة بين المسرح والجمهور في زمان ومكان، لهما شرطهما التاريخي المحدد ومن هذا البعد بالذات يستمد المسرح خصوصيته كظاهرة ثقافية – حية.
أنه فن مركب، تتشابك فيه العلاقات على عدة مستويات. فهناك أولاً العرض الذي يتألف من ترابط وتحاور عناصر كثيرة : النص، الإخراج، التمثيل، الديكور، الموسيقا، هندسة مسرحية.... الخ. وهناك من ناحية ثانية الجمهور الذي يشكل شريحة اجتماعية تتباين فيها عناصر التجانس والصراع. ثم يأتي المستوى الثالث الذي يحدث فيه التماس والتفاعل بين العرض والجمهور. وما يتم على هذا المستوى الأخير يشكل الشرط المسرحي الجوهري، ويحدد بالتالي فعاليته. فأما أن يتحول التماس انقطاعا وإخفاقا، وأما يولد شحنة توحد وتغير.
في هذا المنظور تبرز لنا عوامل الخطر التي أحسها رجال الدين في تجربة القباني. فهذه
العوامل تكمن في الظاهرة المسرحية، لا في الأفكار التي كان يلقيها المشخصون، على
الخشبة. وبين هذه العوامل التي أقلقت الرجعية، وأهاجت غضبها، يمكن أن نتميز ثلاثة
عوامل رئيسية. العامل الأول هو إن ظهور المسرح كان جزء من الحركة التنور أو النهضة،
التي رافقت صعود البرجوازية في المجتمع وكان ظهوره يلبي حاجة من الحاجات الثقافية،
والاجتماعية لهذه الطبقة الصاعدة. "فالمجتمع البرجوازي الذي يتكون، ويناضل لذلك التكوين،
كان يحتاج قصصه الخاصة، حاجته إلى أسلوبه الخاص في التعبير الفكري والأدبي وفي الإنتاج الاقتصادي وفي العلاقات الاجتماعية والسياسية (4) " وليس من قبيل الصدفة أن مارون النقاش وهو مؤسس المسرح العربي، كان تاجرا مثقفا. أولع بدراسة اللغة والفنون، وقام برحلات عديدة، للتجارة من جهة، ولدراسة مظاهر الحياة في مختلف البيئات من جهة
أخرى. وفي رحلة إلى إيطاليا شاهد بعض المسرحيات، فاستهواه هذا الفن. لأنه غذى روحه
التواقة إلى المعرفة، وقدم له وسيلة للإصلاح الاجتماعي وهكذا جمع مارون بين التجارة والفن
(5) ....
والظاهرة المسرحية التي انبثقت من حركة النهضة، كانت في الوقت نفسه شكلاً ثقافياً جديدا
يعكس هذه النهضة، ويؤكد قوة الطبقة التي تضطلع بها. وفي فترة اتقدت فيها الحماسة للانفلات من سجن الانحطاط ، وبدأت أفكار اليقظة القومية تنتشر كالهزات (6)، وتنامت الرغبة في توكيد الذات واللحاق بركب المدينة. في هذه الفترة التي بدأ فيها انقلاب اجتماعي لن يتوقف.
يمكننا أن نفهم بسهولة اعتزاز أولئك الشباب المتنورين بظهور هذا الفن، ومقدرة بني وطنهم
على أجادته والإبداع فيه. وبعد أن قدم القباني مسرحية الملك وضباح (لم يفاجأ الجمهور
الدمشقي بهذا العمل الفني الجريء بقدر ما أعجب ودهش بهذه الكميضة المحلية يقدمها له
مسلم عريق) ... ويكشف محمد كردي علي في (خطط) الشام هذا الاعتزاز بصورة أجلى
وأعمق... يقول: ( فأنشأ – أي القباني – دار للتمثيل، وبدأ يضع روايات تمثلية وطنية من
تأليفه ونظمه وتلحينه، ويمثلها فتجيء دهشة الاستماع والإبصار لا تقل في الإجادة من حيث
موضوعها وأزياؤها ونغمتها ومناظرها عن التمثيل الجميل في الغرب (...) ووجه الفخر في
أبي خليل أنه لم ينقل فن التمثيل عن لغة أجنبية، ولم يذهب إلى الغرب بغرض اقتباسه، بل
قيل له أن في الغرب فنا هذه صورته فقلده).
إذن كان المسرح فن هؤلاء الذي شرعوا النهضة. كان ينتمي إلى تيارهم، ويشكل معلما من
معالم هذا (الجديد) الذي يبشرون به، ويحاولون ترسيخه في مجتمعهم. ولا يهم هنا، أن
المسرحيات لم تكن تقول أفكارهم، أو تعكس طموحاتهم السياسية، والاجتماعية. إذ يكفي أن
المسرح ولد، وأنه يبتكر أفكاراً تعبيرية جديدة، إضافة إلى أنه يقدم روايات باللغة العربية.
* * *
أما العامل الثاني، فيرتبط بالطابع الاجتماعي للظاهرة المسرحية، وقد كررت مراراً في السابق
أن البدايات الأولى للمسرح العربي، كانت صحية، فالرواد الأوائل تميزوا بادراك عميق
لشروط البيئة، وذهنية المتفرج الذي يتوجهون إليه. ولهذا لم يحاولوا نسخ التجربة المسرحية
نسخا. بل حاولوا أن يطاوعوها، ويكسبوها نكهة بيئته. وحين أفتتح مروان الناقش مسرحه
وضح هذا المقصد في خطاب توجه به إلى الحضور، فهو يريد أن يبرز لهم (مسرحاً أدبياً،
وذهباً إفرنجياً مسبوكاً عربياً) ثم يبرر اختياره للمسرح بالغنائي قائلاً: ( فترجحت آرائي
ورغباتي وغيرتي، إن الثانية- أي المسرح الغنائي تكون أحب من الأولى عند قومي
وعشيرتي. فلذلك قد صوبت أخيراً قصدي، إلى تقليد المسرح الموسيقي المجدي) إذن لم يكن
هذا التطويع، ناجحاً عن عجز أو سذاجة، بل عن وعي نفاذ بضرورة الاتصال بالجمهور
والتأثير فيه. وقد هذا القباني حذو النقاش في هذا المجال، واستطاع موظفا كل موهبة، أن
يجعل من العرض المسرحي حدثا اجتماعيا يهز سكون مدينته... وقد بلغ الإقبال عليه في
بعض الفترات (درجة أن يحتجز البائع العادي نصف المجيدي أجرة دخوله الكميضة قبل أن
يقسم من غلته ثمن طعام عائلته).... ويمكننا بسهولة أن نتصور تلك السهرات التي تجمع
جمهوراً متباينا، لا تقيده سلوكيات يابسة، أو تقليد للفرجة صارمة. يتصرف كل واحد بعفوية
تاركاً نفسه على سجيتها. أنه احتفال، أوعيد. وما بين الصالة والخشبة حاجز مخلوع، ومسافة
تصل ولا تفصل، لأنها دائماً تعج بالتعليمات، ولحظات الارتجال. في مثل هذه السهرات من
يدري ماذا يمكن أن يحدث؟ كل لحظة يمكن أن تنفجر إضافة أو تنفتح في تسلسل الرواية
فجوة. والرواية هل هو ما حفظته لنا المطابع؟ أم تلك التي كانت مثقلة بإضافات المتفرجين،
والتي اندثرت في ليلة دمشقية غابرة.
لا ريب أن تلك العرض التي كانت تحفل بالجدة والارتجال والتجارب النشيطة، تنطوي على
أكثر مما تقوله النصوص. ولهذا السبب بالذات كانت مقلقة ومخيفة. ففي غضون هذه
الاحتفالات شبه العفوية كان المتفرجون يذوقون، وربما بشهية نهمة، متعة جماعية، ويستمرئون، ولو على نحو غامض، شعوراً بالتساوي فيما بينهم. كما أنهم كانوا يتعلمون وعي حالتهم وأوضاعهم بالتدخل في سياق الرواية، والتعقيب على مواقفها، وتبادل الاستجابات المتنوعة حيالها.
إن الظاهرة المسرحية حين تتضح على هذا النحو، فتندغم خشبتها وصالتها في احتفال علي
متجدد، تحقق التأثير والتغيير بكيفية أخصب، أكثر تشعباً من تلك التي تحققها كلمة النص.
وكانت الرجعية تلاحظ بإنزعاج قوة التأثير والتغيير هذه، وحين واتتها الفرصة اغتنمتها ( كذا قد يرى الإنسان فيه – أي المسرح – من الهوا وأحاديث اللغو، ما يذهب بفكره، ويضيع الطير
عن وكره) وفي هذه الصيحة تعبير بليغ عن حالة (التمسرح) التي كان يصل إليها المتفرجين،
حتى ليبدو بعد العرض، وكأنه مسلوب الرشد، أو بدل حالة سحر .
* * *
ويرتبط العامل الثالث بما سبقه.
أنه العامل الذي يتعلق بأخطر عناصر الظاهرة المسرحية، وهو- التشخيص -. فمن المعروف
أن النظام الإقطاعية الدينية تعتمد دائماً في سيطرتها على تأكيد وتكريس الحدود الصارمة بين
الطبقات. وهي توظف شتى الوسائل لبلوغ هذا الغرض. تارة تعتمد على احتكار اللغة
والكهنة، وتارة على إسباغ قدسية إلهية على ممثليها حيناً تضفي على نفسها نبلاً وسموا لا
متناهياً، وحيناً تلجأ إلى اختلاف الزمرة الدموية. وقد تستخدم كل هذه الوسائل مجتمعة. لكن ما
يعنيها هو أن يظل هناك فضاء شاقولي يرفعها عاليا فوق الشعب. بحيث تحيطها هالة من
القدسية لا يجوز مسها، وتدعمها حتمية ربانية لا يمكن الطعن في صحتها.
من هنا تنبع خطورة - التشخيص – والكنيسة، اكتشفت قبل رجال الدين الإسلامي هذا
الخطر.. فقاومت فرقة المسرحة المرتجل في إيطاليا، وحاربت بضراوة المحاولات الشعبية
لتقديم المسرحيات – الأسرار – الدينية والسبب يكمن في أن – التشخيص – ولاسيما في جو
العرض الشعبية ينزع عن السادة هالة القدسية.... فهم يهبطون من علوهم المحفوف بالسحر
والنبل، ويتحولون أشخصاً حاضرين.. هنا أمامنا وبيننا أن الفضاء الشاقولي يتقلص، وزلة
الممثل يمكن أن تجعل الملك مضحكاً، والأمير سخيفاً. وإذا يضحك المتفرج يسقط في
أعماقه جدار من الخوف، ثم تولد التساؤلات وفي جو عروض القباني، حيث العفوية
والارتجال يلعبان أقصى حدودهما، أما كان التشخيص الملوك والأمراء يقلص حجومهم،
ويخفف من مهابتهم! إن أداء الممثل، وأتخيله لم يكن يخلو من الفجاجة، يلعب دوراً كبيراً في
تعرية هؤلاء يقفون في ذروات الهرم الاجتماعي، أو في تمزيق أقنعة القدسية والرهبة عن
وجوههم. وهذا الدور قد يكون أبلغ تعبير من أي لغة، أو الخطاب السياسي. وأتخيل هؤلاء
المتفرجين الذين كانت تضمهم سهرات القباني، وهم يتابعون ملكا يولول لأنه فقد واحداً من جواربه، لا ريب أنهم كانوا يسخرون منه، ويمطرونه، بوابل من التعليقات اللاذعة أو الماجنة.
وربما توالدت التعليقات بعضها من بعض، فنفذت إلى مقاربات مع حاضرهم. بحيث يصبح
الملك سلطاناً أو والياً أو واحد من أعيان الشام. أتصورهم يقهقهون وهم يرون الأمير يتعثر
بطرف ردائه، ويفقد توازنه على المسرح. إن الملوك والوزراء والأمراء كانوا يفقدون
دلالاتهم السامية بالتقليد. ولهذا كان - التشخيص خطباً جليلاً. فقد أسهم، وحتى لو لم يدرك
القباني ذلك، في تقويض تلك الطبقة التي كانت تقاوم الانهيار. وأخال أن المتنورين من متفرجيه، كانوا سعداء، وهم يشهدون تمزيق هالات القداسة والجبروت والنبل على خشبة مضادة، وأمام متفرجين من عامة الشعب.
ورواية قسطندي رزق عن قيام رجال الدين وعدم قعودهم بسبب ظهور هارون الرشيد على
المسرح، تبدو معقولة جداً في هذا السياق. لكن ينبغي ألا نفهم هياجهم غيرة على هارون
الرشيد. فحكايات ألف ليلة وليلة كانت تروي في ذلك العصر دون انقطاع سواء في المقاهي،
أو في البيوت، ما أثارهم هو فعل – التشخيص – ذاته. فصورة هرون الرشيد باستطالاتها،
وامتدادها، وما يحف بها من سحر، تقلصت، وأجبرت على أن تنكمش في جسد رجل عادي،
ربما كان يلثغ، أو يبالغ في الأداء، أو تبدر منه حركات مضحكة. وما ينطبق على هارون
الرشيد ينطبق على سواه. وإذا تجرؤوا اليوم وشخصوا الخليفة فما الذي يمنعهم غداً من
تشخيص أعيان دمشق، وحكام السلطنة، والعلماء ذاتهم... ويمكن بالتشخيص أن يجعلوا منهم
أضحوكة، أن يتعلم الناس التطاول عليهم.
* * *
هذه العوامل الثلاثة هي التي ترادفت، دفعت الرجعية الدينية إلى اتهام تجربة القباني بالبدعة،
ومن ثم إلى استلال سيفها، وأغماده في صدر تلك التجربة الريادية وهذه العوامل التي
ميزناها بالتحليل الظاهرة المسرحية، لا بتحليل النصوص، هي بالذات التي تضفي على
التجربة تقدميتها، وتدمجها في موجهة النهضة التي تتدفق، ولأن الدكتور شاكر مصطفى أهمل
الظاهرة وأهتم بالنصوص فقط، لم يستطيع أن يتبين الوجه التقدمي لمسرح القباني، وارتباطه
الوثيق بالطبقة التي كانت تتكون ولا أن يقدم تفسيرا مقنعا للحملة المسعورة التي شنتها الدينية الرجعية ضده، صحيح لم يخف أحد لمساندته القباني أو الوقوف إلى جانبه، لكن ينبغي ألا ننسى متى وجهت الضربة. كان ذلك بعد عزل مدحت باشا، وبدء الإرهاب الحميدي.. في تلك الفترة التي كان على الشباب النهضة فيها أن يتستروا، أو يغيبوا في ظلمات السجون لقد كظمت الرجعية غيظها طوال إعلان القانون الأساسي وولاية مدحت باشا. ولكن عندما بدأت الردة الحميدية انتقضت مستغلة هذا الردة، ومحاولة من جديد أن ترمم بنيانها المضعضع... لقد انتصرت على القباني... إلا أنها لم تستطع أن تنتصر على التاريخ...

الهوامش:
(1) علمت أن هناك مخطوطات أخرى متوفرة، ولكنها لن تنشر بعد.
(2) لونسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث.
(3) ساطع الحصري: البلاد العربية والدولة العثمانية.
(4) شاكر مصطفى: تاريخ القصة في سورية.
(5) راجع المسرحية في الأدب العربي الحديث – للدكتور محمد يوسف نجم.
(6) في تعليق صغير على مسرحيتي (سهرة مع أبي خليل القباني) نشره الأستاذ عادل أبو شنب في مجلة المعرفة – العد 147، قال: ثم... إن الإدعاء بأن عصر أبي خليل القباني كان عصر المطالبة بالاستقلال، وبزوغ القومية العربية إدعاء في غير محله والشواهد التاريخية تدل على أن الدعوات التي كانت سائدة وقتئذ كانت تنحصر في المطالب الاصلاحية داخل إطار السلطنة؟). ويبدو أن الأستاذ عادل أبو شنب يعتمد على الإلهام في أحكامه التاريخية، أكثر مما يعتمد على الواقع.. وأخشى الآن أن يكون الإلهام وحده هو مصدر دراسته في التراث وميادين أخرى. وأن بين يدي من الشواهد ما يمكن أن يجرح كبرياء إلهامه.. وأورد هنا شاهدين فقط على بزوغ القومية العربية والنزوع إلى الاستقلال، حتى قبل ظهور تجربة القباني. يقول لونسكي في كتابه – تاريخ الأقطار العربية الحديث- (ففي الاجتماعات السرية التي كان يعقدها أعضاء الجمعية العلمية العربية، بعد أن أستنأفت عام 1868 نشاطها الذي كان قد توقف بسبب أحداث 1860 تحول النقاش حول البعث الثقافي إلى دعوات حارة لكفاح من أجل الاستقلال. وفي إحدى هذه الاجتماعات تلا ابراهيم اليازجي أشعاراً وطنية انتشرت بصورة واسعة في سورية ولبنان، وغنى إبراهيم اليازجي في أشعاره هذه مجد العرب التليد، وندد بالتعصب ودعا إلى إسقاط النير التركي. وكانت هذه الدعوة حماسية للقيام بانتفاضة باسم الوطن العربي). ويورد نفس المصدر: (وقد أدى الاستياء العميق الجذور ضد عهد الظلم إلى تأليف جمعية سرية في بيروت في عام 1875 ضمت فئة من المثقفين العرب وترأس الجمعية إبراهيم اليازجي وفارس تمر، وكانت للجمعية فروع في دمشق وطرابلس والسويداء. ووزعت بعض المناشير (...) ودعا منهاجها إلى استقلال سوريا ولبنان... الخ).
كما يذكر أنيس المقدسي في كتابه (العوامل الفعالة في الأدب العربي الحديث): والنهضة العلمية قد بدأت في سوريا ولبنان بتنشيط بعض أعلام الحكام كراشد باشا ومدحت باشا وأحزابهما، فتهيأ من كل ذلك بواعث أدبية تعبر عن أحلام العرب وخوالجهم القومية). .. ثم يعرض بعد ذلك للقصائد التي تحض على النهوض القومي والاستقلال، والتي كانت تعلق في الجمعيات، أو تلصق كمناشير على أبواب المساجد والكنائس، في بيروت ودمشق... وعلى كل إذا كان لدى السيد –أبو شنب- وقت للقراءة، وإذا كانت المصادر التاريخية يمكن أن تكبح جموح إلهامه، فإني أحيله بالإضافة إلى المصدرين السابقين إلى كتاب سطور في رسالة – لعادل الصلح وكتاب – نشوء الفكرة القومية- لساطع الحصري.

ملحق الثورة الثقافي - العدد 32 -1976















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

لماذا وقفت الرجعية ضد أبي خليل القباني

23-نيسان-2006

مناقشة لأراء أدونيس حول الثورة والشعر

08-نيسان-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow