Alef Logo
ابداعات
              

سينما / فيلم (باب المقام) عندما تصبح أغاني أم كلثوم مدعاة للقتل

خليل صويلح

2006-04-08

المسافة التي تفصل بين فيلمي "أحلام المدينة" (1984)، و"باب المقام" (2004) الشريط الأخير لمحمد ملص (عرض في دار الأوبرا في دمشق منذ أيام)، تستدعي استرجاع الشغل البصري والسرد الروائي لهذا المخرج السوري الذي ترك بصمة خاصة في تاريخ هذه السينما الشحيحة في إنتاجها (الفيلم إنتاج سوري –تونسي-فرنسي)، وتتجلى هذه البصمة في اللمسة الشاعرية التي تميز أفلامه، على رغم أن ما يؤكده باستمرار حال العنف التي تسيطر على أبطاله وتقود مصائرهم إلى ضفاف أخرى، وما يجمع شريطه الأول بالأخير أنهما ينطلقان من حال مدينة في مفصل تاريخي، الأولى كانت (دمشق) في مرحلة الوحدة السورية المصرية وزمن جمال عبد الناصر المحتشد بالعزة القومية والأحلام، والثانية (حلب) في مفصل تاريخي آخر ببعد سوسيولوجي، ينبئ بعنف يتمظهر بأشكال مختلفة، انطلاقاً من حادثة شرف، كانت تناولتها صحيفة سورية في صفحة الحوادث، ملخصها أن امرأة متزوجة، تشغف بالغناء (أغاني أم كلثوم على نحو خاص)، فتأخذ بالتردد على محل "شمس الأصيل" لبيع الأشرطة والأسطوانات القديمة، الأمر الذي يعزز شكوك أشقاءها بتحريض من العم، في سلوكياتها الأخلاقية، لتنتهي حياتها بالقتل دفاعاً عن الشرف.

الأمثولة التي التقطها محمد ملص بمهارة (شاركه خالد خليفة في كتابة السيناريو)، هي: كيف لمدينة عريقة مثل حلب، اشتهرت تاريخياً بالطرب والغناء، أن تصل إلى هذا الدرك في تراجع الذائقة السمعية (سبق لمحمد ملص أن قدم شريطاً تسجيلياً عن المنشد الحلبي صبري مدلل)، ما يجعل الغناء وراء الأبواب المغلقة شبهة أخلاقية، ويدخل في باب العيب والحرام. وتالياً فإن السؤال المضمر هو: إذا كانت رغبة بسيطة كهذه تلقى صاحبتها مثل هذا المصير الأسود،فما مصير قضايا اكبر؟
إيمان "لعبت الدور سلوى جميل" اعتبرت أن شغفها بأغاني أم كلثوم، خصوصاً "رق الحبيب"، و"شمس الأصيل"، حق صغير من حقوقها، بمباركة زوجها سائق التاكسي المولع بنشرات الأخبار، كخطين متوازيين في مسار السرد: الاشتغال على جمال الروح من جهة، ومواكبة الحدث السياسي من جهة أخرى، وكأن استماع إيمان إلى الأغاني القديمة كتعبير عن جمال آفل، وانخراط زوجها في المظاهرات التي تستدعي شعارات قومية (ترفع صورة جمال عبد الناصر)، محاولة يائسة لاستعادة زمن مشبع بالأمل، في مواجهة زمن قاس وجدران كتيمة تخنق هبوب نسائم أخرى تنعش الأرواح المحبطة.
ينفتح المشهد الأول على صورة بانورامية لحلب وقلعتها في الليل، لتتكشف عن شعارات متناقضة وبرامج انتخابية مزيفة، وعالم سفلي يختلط فيه وحل القاع بوحل التخلف الاجتماعي، إذ تبرز صورة العم "رياض ورداني" وأبنائه، وهم يديرون مجموعة مطاعم، بينها مطعم لشواء الدجاج، وهذه المفردة "الدجاج" تومض في أكثر من إشارة في الشريط إلى الشبه في المصير بين هذه المخلوقات ومصير "إيمان" المؤجل والمعلن منذ الثلث الأول للشريط، إلى أن تنتهي ذبحاً على يد شقيقها الجامعي، وبطلقة رصاصة من مسدس عمها، ورصاصة ثانية تحطم جهاز التسجيل بوصفه أحد أسباب ضلالها. وكأن تجوال الكاميرا "أدار التصوير طارق بن عمار" في شوارع حلب بعيداً من عمارتها الأصيلة، بمثابة استكمال لأسباب الإدانة، والمشاركة الجماعية في الجريمة، وتخليها عن دورها القديم في إعلاء شأن السماع والطرب لمصلحة التطرف والعنف الأعمى. في أحد المشاهد تتسلل إيمان لزيارة مطربة قديمة تدعى"بديعة"، كانت مشهورة في حلب، تعرفت إليها في محل بيع الاسطوانات، فيرافقها ضجيج أغان شعبوية مبتذلة، وأحياناً صوت شعبان عبد الرحيم، في إحالة دالة، إلى انحطاط الذائقة الحلبية كجزء من انحطاط شامل (ربما علينا أن نتذكر هنا الحادثة الشهيرة، عندما قدم محمد عبد الوهاب إلى حلب، ليخوض أصعب امتحان في الغناء أمام جمهور مدينة الطرب)، لكن هذه الزيارة عجلت في حتفها، إذ كان شقيقها يراقب تحركاتها، واعتبر دخولها إلى هذا البيت شبهة أخلاقية تبرر قتلها.
ما يؤخذ على السيناريو اشتغاله "التلفزيوني" أحياناً فيما يخص التواطؤ العائلي على قتل "إيمان"، فالرسالة وصلت باكراً للمتلقي، الأمر الذي قلل عنصر المفاجأة في مسار الشريط، طالما إن حادثة القتل معلنة.
كان الإيطالي فرانشيسكو روزي اشتغل على ثيمة مشابهة في فيلمه "قصة موت معلن" عن رواية بالاسم نفسه لغبرييل غارسيا ماركيز، من دون أن يخسر بصرياً عناصر الجذب والتشويق، فالمادة الخام لشريط "باب المقام" مثيرة ولا شك، لكنها كانت بحاجة إلى تحرير مونتاجي صارم، سواء لجهة تكثيف الحوار وغربلته، أم لجهة فوضى الأغاني التي بدت عشوائية، ولا تحمل بعداً يعزز الشحنة الدرامية والحكائية، خصوصاً بوجود أغنية من مقام "رق الحبيب"، هذه الأغنية التي كان بالامكان اعتبارها بؤرة الفيلم ومحور مشاغله الجمالية (كان المقترح الأول لعنوان الفيلم-شمس الأصيل).
يلحظ المشاهد خلال الشريط تماوج مشاهد من "أحلام المدينة" مثل منظر ارتطام رأس المرأة بالباب المغلق، ومشاهد السوق، ومشاهد البوح، إلى ولع محمد ملص بالمرايا والأبواب والنوافذ التي تكشف عن العوالم الداخلية الكتيمة لمصائر النساء على نحو خاص، فالفيلم في المآل الأخير يكشف بعنف واقع المرأة السورية والعربية عموماً، وهي تتوارى قسراً وراء القضبان في أقصى حالات العسف والإقصاء والنفي.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

وحشة إبراهيم حسو

12-حزيران-2009

أمل عمران: البنت «الصّايعة» التي أغرمت بشكسبير

18-نيسان-2009

غادة السمان: المهنة «متمرّدة»

27-أيلول-2008

عن حنّا مينه... زوربا البحري في قلب العاصفة

08-آب-2008

يهودي في دمشق... يبشّر بالتعايش بين الأديان!

15-أيلول-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow