Alef Logo
كشاف الوراقين
              

مع نصّ: "مع إنّكَ غيرُ عاديّ" للكاتبة: نوريّة العبيديّ

زياد جيوسي

2008-11-14


في بداية الحديث عن النّصّ، علينا الإنتباه إلى العنوان: "مع إنّكَ غيرُ عاديّ"، فهنا نجد مخاطبة مباشرة لشخص مجهول، وكأنّها توجّه أصبعها وتشير إليه بضمير المخاطب أنت، وليس مهمًّا أن يكون معلومًا كيّْ نستطيع أن نحلّق مع النّصّ الّذي أبدعته الكاتبة نوريّة العبيديّ من العراق. وما يلفت النّظر في الجزء الأوّل من النّصّ، أنّ الكاتبة تخرج من سياق العنوان ومخاطبة الشّخص المجهول، إلى وصف آخر يفاجئ القارئ الّذي يتوقّع من خلال قراءة العنوان أن يبدأ النّصّ بالتّحدّث مع ذاك المجهول، فهي تصف طاحونة غريبة، طاحونة مجهولة أيضًا بضمير الغائب "هي"، رغم عدم وجود الضّمائر إلاّ كمستتر. وهذا ما سنلمسه في الجزء الثّالث من النّصّ؛ حيث يكون الضّمير " أنا". والطّاحونة قد ترمز من خلالها إلى الحياة والأزمات الّتي تتلّون بألوان شتّى "تتناثرُ منها المساحيقُ"، فهذه الطّاحونة "تطحنُ كلَّ شيءٍ،"، ولا تتوقّف حتّى أنّها إن لم تجد ما تطحنه من "البذور والقشور"، والبذور رمز دائم للحياة وانبثاقها من قلب الموت، تتّجه الطّاحونة إلى "الزّهور النّديّة"، دلالة على الإستمراريّة بعمليّة السّحق والطّحن، ومن هنا وجدت أنّ الرّمزية تشير للحياة من خلال فهمي للنّصّ.
وما يؤيّد الفكرة لجوء الكاتبة إلى أسلوب التّأكيد من خلال الإنتقال من الفقرة الأولى إلى الفقرة الثّانية بكلمة ميّزتها بلون مختلف عن الكتابة وهي: "وتدور"، لتنتقل بنا للقسم الثّاني من النّصّ، حيث تسعى للهروب من هذه الطاحونة "ألقيت نفسي.. هربًا منها"، فتلجأ للّيل هربًا من النّهار. ولكن حتّى الليل بعناصره "قمرٍ ونجمةٍ وسماءٍ وروحي"- كلّ واحد منها تسحقه الطّاحونة.
وهنا تلجأ الكاتبة مرّة أخرى إلى الإنتقال إلى الجزء الثّالث- بعبارة تتميّز باللون والتّنسيق عمّا سبقها ويليها، فتقول: "فبحثت بعيدًا.. لربّما". فالكاتبة بعد أن وضعتنا من خلال العنوان بصورة المخاطبة للمذكّر المجهول، ثمّ انتقلت لوصف الطّاحونة، ثمّ الهروب بلا جدوى من الطّاحونة، تعود بنا لمن خاطبته بالعنوان، فربما كان هو "من يملك أن يكون ملجأً "، فهو من تبلغنا منذ البداية "أُبلغُ أنَّه غيرُ عاديّ"، فهو الأمل الّذي "له أن يغيّر الأمور!!!".
الكاتبة تصرّ بنصّها أن تواصل المفاجأة، فبعد أن تنقّلت بنا من وصف الطّاحونة وهروبها منها، ووضعت القارئ بجوّ نفسيّ قلِق، ثمّ الوصول للملجأ غير العادي، حتى نشعر بأنّ النّهاية قد اقتربت من خلاله- ذلك غير العادي، تنقلنا بأسلوب الصّدمة المباشرة إلى القسم الجديد من النّصّ، فتضع كعادتها النّقلة المتميّزة باللون والتّنسيق فتقول فيها: "يا لحسرتي.. نسيت". فتعود للطّاحونة من جديد بدون ذكرها بالاسم فتقول: "أنّي أُحِطْتُ بخُبْرِها"، وهي الّتي " لها أن تترك حروف اسمي!!! في شفاهها نازفات"،لتنقلنا إلى النتيجةمن خلال كلمة تميزها كالعادة في الانتقال بين المقاطع لتقول: "إذا.. "، فتخاطب الأمل الّذي اعتبرته غير عاديّ بقولها: "عاديّ إن أنت لم تقدم.. ولم تعلن التّحدّي"، فتحيله في لحظة إلى المواجهة والى أن يختار التّحدّي فيكون غير عاديّ، أو اللاتحدّي فيصبح عاديًّا، رغم التماس العذر له، وتصل بنا إلى الخاتمة بقولها: "لن تتغيّر الأمور وستظلّ تدور، وأنا أدور".
وهكذا نجد أنّ الكاتبة تمكّنت من شدّ القارئ من خلال نصّ متميّز، لم تترك له فسحة من الوقت للهروب ورمي النّصّ جانبًا. فقد اعتمدت أسلوب المفاجأة بين أقسام النّصّ، ولم تترك المجال للحدس أن يصيب بما يمكن أن يكون متوقّعًا في كلّ قسم من أقسام نصّها، وتمكنت من خلال عمليّة الانتقال بين الأقسام بكلمات لوّنتها باللون الأحمر، من شدّ القارئ واجتذابه والانتقال بسرعة للغوص في القسم التّالي. وفي الوقت نفسه لم تلجأ إلى أسلوب التّتابع بسرد الحدث، فعملت على القيام بنقلات غير متوقّعة أعطت للنّصّ جمالاً خاصًّا ومتميّزًا، فكان كلّ قسم عبارة عن لوحة تشكِّل جزءًا من لوحة أكبر وأشمل. ولجأت إلى أسلوب متميّز من خلال استخدام الضّمائر المستترة، أنت، هي، أنا، لتعود لضمير المخاطب غير المستتر"أنت"، وكأنّها كانت تشير بأصبعها إلى وجهه، بلّْ أخال الصّرامة تظهر في ملامح الوجه مع نظرة إشفاق أو سخرية مستترة، حتّى تصل بنا إلى النّتيجة غير المتوقَّعة بأنّ الطّاحونة "ستظلّ تدور"، بعد أن أصبح الأمل غير العاديّ.. مجرد عاديٍّ.
"رام الله المحتلة 792008"

أقرأ النص في إبداعات
نصّ: "مع إنّكَ غيرُ عاديّ"
تتناثرُ منها المساحيقُ


لا تتعب!
تطحنُ كلَّ شيءٍ،
البذورَ،
والقشورَ،
وان لم تجد،
فالزهورَ النديّة........!
وتدور،،،
طاحونةٌ غريبة،
ألقيتُ نفسي،
هربا منها ...
من قطارالنهار
لعلي أعيش في ظلِّ سحرِ القمر!
فما وجدتُ
سوى وحشتي
حيثُأَخَذَتْ إليها القمر
بعد أن فكّكّتْ عناصرَ اللّيل
إلى قمرٍ ونجمةٍ وسماءٍوروحي!
لتسحق كلٍّ على حدة... !!
فبحثتُ بعيدا،،،
لربما...
يكون حيث أكون
من يملك أن يكون ملجأً !
أُبلغُ منه تحديا
أُبلغُ أنَّه غيرُ عادي
فيحملني على جنحِ عصفورةٍ
أو يخبأني في سِبْرِغَوْرٍ
له أن يغيّر الأمور!!!
يا لَحَسْرَتي،،،
نسيتُ
أنّي أُحِطْتُ بخُبْرِها
وأُحطتُ أنَّ لها،
أنْ تصِلَلأجنحةِ الجناحْ،
وأن تغورَ لعُمقِ العُمق !
لها أن تتركَ حروفَ اسمي !!!
في شفاهِها
نازفات !
وإذنْ؟؟؟
عادي.....
إنْ أنتَلمْ تُقْدِمْ !
ولم تُعلن التحديّ،
فأَبلَغْتُكَ مني عُذرا،
فلنْ انظرَلإحجامِكَ على أَنّه إحجامٌ
فانا لا أرضى أبداً،
أن أُرهِقكَ من أمرِكَعُسرا
فَ
على الحسرةِ ألفُ آه،،،،،،،،،،
لن تتغير الأمور
وستظل تدور،
وأنا أدور.











تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

بين هذا ليل وآدم باسل زايد إبداع متجدّد

04-آذار-2009

مع نصّ: "مع إنّكَ غيرُ عاديّ" للكاتبة: نوريّة العبيديّ

14-تشرين الثاني-2008

من وحي "خميلُ كَسَلِها الصّباحيّ" للكاتبة: منى ظاهر

07-تشرين الثاني-2008

أرصفة رام الله والعشاق

24-أيلول-2008

سمر حزبون / إبداع العدسة والجسد

13-آب-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow