Alef Logo
يوميات
              

خِلسةُ المُختلِّس

فاطمة ناعوت

2008-11-28


هل الكتابةُ فنٌّ؟ طبعا، لكن ليس كثيرا. هل القراءةُ فنٌّ؟ أعظمُ الفنون وأمتعُها. ثمة قارئٌ يقرأ النصَّ، أدبيا كان أو فلسفيا أو علميا، فلا ينالُ إلا معلومةً هنا وفكرةً هناك. تلك قراءةُ الموتى. وثمة قارئٌ يعرفُ كيف يجعلُ كلَّ كلمةٍ يقرأها مُلهِمةً وفاتحةَ دربٍ ومِفصلَ طريق. متعةً، لا عقليةً وروحيةً، بل فيزيقية أيضا. تلك قراءةُ الفنِّ، أو فنُّ القراءة. جرّبْ أن تقرأ وكأنك تتلصص على الكاتب وهو في لحظة انتشاء عُليا. فالكاتبُ حين يكتبُ قصيدةً أو قصةً أو حتى أطروحةً فلسفية، لا شك يكون في لحظة نشوة. وأنتَ حين تقرأه تحصدُ متعتيْن، لا واحدة. متعةُ إعمالِ العقل، ومتعةُ مراقبة إنسان يتمتع. كأنك تمسكُ مِشرطا وتُشرِّحُ مخَّه. لتتلصّصَ على خِزانته فتفتحَ أدراجها السريّةَ وتختلسَ النظرَ لأشيائه. أيّة متعة! أحيانا تفوقُ المتعةُ مقدرتَك على تحمّلها، فتترك الكتابَ وتنهض لتتمشى في الغرفة حتى تتزن، ثم تعاود القراءة. لا شك الأمرُ يعتمد بالأساس على المادة المكتوبة وعلى كاتبها، فبعضُ إبداع كافكا وزوسكيند وبودلير وفوكنر، وحتى من الكلاسيكيين مثل بوشكين وتشيكوف تجعلك تتوقف عدة مرات أثناء القراءة وتنظر إلى السقف حتى توقفَ سيلَ المتعة التي تضربك من هنا وهناك وأنت غيرُ قادر على استيعابها بنفس سرعة ضربها لك! تتوقف. لتمنحَ نفسك زمنا يسمح لعقلك بامتصاص الجمال واستقطاره قطرةً قطرة. قصصُ إبراهيم أصلان، حتى القصيرة منها، لم أقدر أبدا على قراءتها دفعةً واحدة. لابد أن أنهض مرةً أو مرتين لألتقط أنفاسي دقائقَ وأمرّر الوقت في أشياءَ تافهةٍ، مثل عمل كوب شاي أو النظر من الشرفة أو حتى تأمل كفّ يدي في بلاهة. ليس صحيحا، كما يشاع، أن النصَّ الممتع يجعلك تركضُ في القراءة وتلهثُ وراء الصفحات. ربما ينطبق هذا على النصِّ المثير، وليس الممتع. مثل الروايات البوليسية أو تلك التي تتلاحق أحداثُها في تتابع وتراكم حتى تصل إلى ذروة النص، ثم النهاية. أنت تقرأ سريعا لأنك تريد أن تعرف ماذا سيفعل البطل، وليس لأن النصَّ جميلٌ فنيًّا. ذاك أن كثيرا من فرائد الأدب لا يحمل أية أحداث أو حبكة. رواياتُ فرجينيا وولف وجيمس جويس، ومسرحياتُ هارولد بنتر وصمويل بيكيت، وقصصُ أصلان لا تحملُ أحداثا، بل لقطاتٍ فريدةً ولحظاتٍ وجوديةً لا تتكرر. تحمل، كما يقول الشاعر، رائحةَ الوردةِ وليس الوردةَ، تحملُ ابتسامةَ الطفلِ، وليس الطفلَ، صوتَ خرير الماء، وليس الماء، تحمل الحُبَّ والحزنَ والفرح، وليس الحبيبَ والحزينَ والسعيد. أي تحملُ أثرَ الشيء وظلَّه، وليس الشيءَ نفسه. هي نصوصٌ لا تجعلك تفهم، فليس هذا وظيفةَ النص الأدبي، بل هي تزيدك حيرةً وسؤالا وهَمًّا! ذلك هو إعجازُها. النقصُ والكمال معا. الوجعُ واللذةُ معا؟ هل يجتمعان؟ نعم. شيء يشبه الضرسَ الموجوعَ الذي نضغط عليه ليزدادَ الوجعُ وتزداد اللذةُ بالوجع. يقول رولان بارت في كتابه "لذة النص": "إن فرنسيًّا من أصل اثنين لا يقرأ، وهذا يعني أن نصف فرنسا محرومة من لذة النص." لكن إحصاءات الأمم المتحدة تقول إن الفردَ العربيّ يقرأ "ربع صفحة" سنويا!!! يا إلهي! لماذا وكيف سمحنا لأنفسنا أن نضحي بلذّة كبرى اسمها "القراءة"؟

المصري اليوم

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

يا الله، من رسم الخطوط حول الدول؟ ترجمة:

07-تشرين الأول-2017

«الشاعر» هاني عازر

20-تموز-2014

نوبل السلام لأقباط مصر

28-حزيران-2014

هنركب عجل

18-حزيران-2014

النور يعيد السيدة العجوز

11-حزيران-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow