Alef Logo
المرصد الصحفي
              

الشاعر السوري صالح دياب: لست نادما على ترك بلد أخاف فيه من ظلي حاوره

عبد الرحيم الخصار

2009-01-13


ينتمي الشاعر السوري صالح دياب إلى جيل الثمانينات. وصل عام ألفين إلى فرنسا من بيروت، و بقي فيها. كان دياب يكتب قصائد مصاغة بعناية صائغ . كل جملة محسوب حسابها، لغة صافية، نضرة، تقطر شفافية، مع أهمية إعطاء الحرارة الروحية حقها في القصيدة التي تنبني على قاموس لغوي ضيق.
أصدر دياب مجموعة ثانية في فرنسا ،توسل فيها الافتراق عن مجموعته الشعرية الأولى ، قصائد تفصح عن انزياح بطيء يبشر بقطيعة مع تجربته الشعرية ، قطيعة تلتقي مع قطيعة في الحياة .تنقل دياب من حلب إلى اللاذقية و من اللاذقية إلى طرطوس و منها إلى بيروت، و من بيروت إلى فرنسا .
قصيدة دياب الجديدة ،بعد هاتين المجموعتين تبتعد ابتعادا عن مجموعتيه الشعريتين . لغتها تذهب إلى الحياة مباشرة ، إلى الزواج و الطلاق مرورا بالجنس و النقز من العلاقات النسائية و البحث عن العمل،و الركض وراء شراء الخبز و مستلزمات الحياة اليومية، قصائد تتخلى عما ما هو بلاغي ، و تستفيد من القص و الحكاية في الخطاب الشعري ، بخلاف تام لما عهدناه في شعره السابق. كأنما بعد ثماني سنوات من العيش بعيدا عن سوريا اختمرت لديه القطيعة الروحية لتتجلى في القصيدة .
لصالح دياب مجموعتان شعريتان هما " قمر يابس يعتني بحياتي " صدرت أيضا بالفرنسية بترجمة للشاعر المغربي محمد العمراوي و " صيف يوناني " . و دراسة نقدية بعنوان " وعاء الآلام" مقاربة لدراسة حضور الجسد في شعر المرأة العربية، و ترجمة للشاعر جامس ساكري بعنوان " كما لو كان حديقة "، و قد صدرت له أخيرا أنطولوجيا عن الشعر السوري بعنوان " نوارس سوداء " . هذا الحوار العميق و الجريء هنا يدور حول هاته الكتب وحول التصورات التي يحملها شاعر راهن عن الشعر و عن العالم و عن المشهد الثقافي السوري، و عن الماضي و الحنين و الندم :


س: في الصفحات الأولى من ديوانك الأخير :"صيف يوناني" تقول : " ذهبت إلى باريس / و دربت ندمي على الطيران " هل أنت نادم على وجودك في باريس أم على الأيام التي مرت قبل وصولك لهذه المدينة التي يحتمي بأضوائها عدد كبير من أدباء العالم؟
ج: كان الندم فاتورة عليّ دفعها على أقساط حتى نهاية حياتي. تسلل إلى القصيدة في كتابي الأول ثم الثاني.أثر الندم على قرارات حياتي المصيرية .تجربة الندم ولدت شعورا لدي بعدم الرضا مصحوبا بالكآبة و مشاعر المرارة أمام الأشياء التي لا تتحقق أو الشعور بالذنب عندما ابتعدت عن المواضيع الخاسرة . لم يكن ندما على الماضي بل وقوف على الحاضر بحزن أمام الأفعال التي قمت بها. كان إشارة إلى التقديرات الخاطئة التي قمت بها في الماضي الذي أبتعد عنه و إلى ما أقوم به الآن . كنت أعيش طيلة الوقت نادما على ما فعلته في حياتي الشخصية و الشعرية. من جهة أخرى لا أنكر أنه يحيل على أهمية التغيرات التي تطرأ على حياتي الآن .
كان ضروريا لإعادة توضيبي روحيا أمام الوقائع الماضية التي تلقي بتقاطعاتها أحيانا على الحاضر . حيث الذات ليست هي المبدعة بل عذاباتها التي تشفى أو أتوهم أنها تشفى عبر الكتابة . ربما هو الندم المبتسم كما يقول بودلير هو ما كان يرافقني . لقد كبر وترعرع من تكرار حالات فوات الأوان التي أعيشها .إنه ندم الذات على غياب الأشياء الجميلة ، و التراجع عن الأفعال التي قمت بها . في حين لم يعد يجدي معها التراجع . كان مرتبطا بسيل كبير من الخسارات الروحية و المادية.

س:الندم الذي تقصده هل يتعارض مع ما أقدمت عليه في الواقع؟
ج: الندم المبتسم هو الذي صاحبني دائما. كان فيه دائما شيء من العقلانية و الوضوح . كان ضروريا كي أرى الواقع و لا أسقط في عملية جلد النفس و رؤية تهدم صورة الذات أمام الأنا نفسها. لقد أجبرني على إعادة طرح السؤال حول مقدرتي نفسها في هذه الحياة . و هو هنا فعل فعله و صالحني مع الواقع على شراسته و وحشيته . وقد أقنعني أن الخسارات أمر واقع و حقيقي و علي قبولها براحة ضمير و دون تأفف . من هنا إنني أندم و لا أبكت ضميري تبكيتا و هنا الفرق بين الندم و تبكيت الضمير و معاقبة النفس بشراسة الذي الممكن أن يتحول إلى مرض مزمن عبر استرجاع الماضي الأليم.
جئت إلى باريس من بيروت و لم أكن أعرف شخصا واحدا، هنا ، كما لم أكن أتكلم لا الفرنسية و لا الانكليزية كسائر مواطني السوريين، ولم يكن معي سوى أربعين دولارا . لم أعد رغم دعوة البعض لي في البدايات.كنت أراهن على لا شيء. وكي أقذف بحياتي كاملة في الفراغ كان يجب أن أعيش ما عشته في بيروت و سوريا، قبل وصولي إلى هنا !!!!!!!
لقد خلصتني فرنسا من خرافة لبنان بالنسبة لنا نحن السوريين و العرب. هنا وجدت أن العالم العربي واحد لا يتجزأ إذا ما نظرنا إلى عقليته و ألية تفكيره العشائرية و الطائفية .و الماكياج الذي صنعناه للبعض ، يسقط فورا فور مغادرة العالم العربي . كان يكفي الدخول إلى أي مكتبة في باريس لرؤية حجم الفقر الثقافي الذي نعيش فيه. نادم لأنني لم أمارس الحب مع امرأة أحببتها و لست نادما على ترك مدينة بكامل ذكرياتها ، مدينة كنت أتعيش فيها بائسا عبر كتابة مقالات بالقطعة في صحيفة و ملحق لا يوزع إلا في البلد نفسه ، لأصدقاء و أحباب المسئول الثقافي .أو ترك بلد أخاف فيه من ظلي كلما تحدثت عن أي شيء و لو بين أفراد عائلتي . هنا ، تخلصت من ثقافة الاستعراض التي أتعبتني في بيروت، وثقافة الخوف في سوريا.


س: لا يحضر الماضي و عذاباته في نصوص " صيف يوناني " و لا يستوطن في القصيدة . ثمة نوع من الإنصات إلى ما هو داخلي بعيد ، كما لو أنك لا تشعر بغربة ؟ هل تحدثنا عن ذلك ؟
ج: لقد كتبت أغلب قصائد " صيف يوناني " في جزيرة كوفونيسي اليونانية ، اثر بقائي هناك فترة شهر. كنت أريد أن أتحدث عن البحر و الزرقة و الكنيسة البيضاء في أعلى الجبل فوجدتني أكتب حياتي في باريس. كانت القصائد موجزا لعذاباتي في باريس من جهة و من جهة أخرى ترجيعا للصور البعيدة التي عشتها في الماضي ، مضاءة بالظلال و التفاصيل اليونانية. سيل من مشاعر المرارة على الأشياء التي لم تتحقق ، الاغتراب الذي بدأ لحظة ترك البلاد و الهجرة. هذا الفراق سبب رعدا و صواعق في داخلي في الأيام ألأولى جراء القطيعة مع عالم بأكمله . و قد استطعت امتصاص ذلك حياتيا أما شعريا فكان علي المجيء الى اليونان كي يتحقق ذلك .
الماضي الذي يتردد أمام الأنا في شكل دائم و يعيقني على التقدم ، هو الماضي نفسه الذي يعتبر حجر أساس للانطلاق إلى الأمام .انتبهت إلى أنه ثمة فرق بين دورين يمكن أن يلعبهما الماضي و حضوره في القصيدة من أجل إضاءة المستقبل . الحاضر الذي يتقدم مرتبطا بالماضي الذي يلعب دورا في صوغه .
كان ربما يلزمني فترة حداد على الماضي. هذه الفترة عملتها في حياتي اليومية . لكنها لم تتسلل إلى القصيدة إلا كترجيعات . لم يكن هناك أي تعلق بالماضي و تفاصيله الدقيقة أبدا.


س: ابتعادك عن المكان ألاول هل ساعدك ذلك بالتخلص من سطوة الماضي و كيف أفلتت القصيدة من الحنين ؟
ج: كنت أعتقد أنني ابتعدت عن الماضي و أصبحت في ضواحيه حيث أنظر اليه من بعيد . لكنه كان يصر على ملاحقتي في منبعه و مصبه . أعترف أنه كانت و ما زالت قيادة حياتي بالنسبة لي ليس أمرا سهلا .و هذا ما يطل من خلال القصائد . حاولت في البداية عمل تطهير عرقي للماضي ،ركضا وراء التنظيرات التي قرأتها سابقا عبر شعراء و بعض دجالي مجلة شعر، و تربيت عليها . لكن الزمن أعلن لي أن ذلك مستحيلا . و أن من كان يدعو على ذلك كان من أكثر المتعلقين بماضيه بما فيه الديني المغلق . لقد تم الضحك علينا ، على جيل بأكمله . كان يجب عليّ إعادة النظر في الماضي لا قتله . و إلا سيلتهم الحاضر . أعرف جيدا أنه يمكن أن أعيش في الحاضر، هنا في باريس و لا يكون الحاضر حاضرا أبدا . و يخيل إلي مثلا أن أعيش الآن بينما الماضي هو الذي يقودني ليل نهار. كانت القصائد تطل على هذه الصور التي اعتملت في داخلي . قصائد لا يشوبها الحنين أيضا .

س: ما الذي أردت قوله إذا في نصوص " صيف يوناني "، نصوص مكتوبة بعيدا عن المكان الأول و بعيدة عن باريس أيضا ؟
ج:كان الحنين شكلا من أشكال العودة إلى الألم و التلذذ به الألم الذي يمكن أن أسقط فيه في كل لحظة, هو بمعنى ما العودة إلى البلد الذي تركته . استعمال الماضي بطريقة مؤلمة والحنين على أشياء ضاعت و لم يعد بالإمكان استعادتها . الحنين حيث تمتزج الرقة بالمرارة معا في القصيدة . كانت الذكريات تجتاحني ممزوجة بصور الحاضر و عذاباته و التي بدأت تتلوى مجيبة على حاجة داخلية ملحة . كل ذلك يؤدي إلى الالتفاف على الذات في مرحلة انتقالية حيث حاولت كمهاجر اختراع آلتي الروحية الشخصية كي أعزف عليها ، على ذكريات الطفولة ، تم و جدتني نفسي لست هناك و لست هنا . هنا حقيقة المغترب الذي لم يعد له و طن إلا الذاكرة في حين يتحول البحث عن بلاد غير موجودة بحثا عن الذات نفسها. هذا ما حاولت تسريبه في القصائد.

س: و لكن من أين يتأتى كل هذا الألم في نصوصك؟ و ما هو منبعه و أين مصبه، وما علاقته بالحنين ؟
ج: كان تعبر القصائد مشاعر المرارة مع مشاعر الرقة، الرضا مع الألم ،مشاعر مرتبطة ارتباطا عضويا بترجيعات و نداءات حسية بما عشته في حياتي عبر حواسي ،خاصة النضارة و الطقس و الروائح و طعم الأطعمة و الموسيقى . كان يتم استدعاؤها للبحث عن مثيل لها و مختلف في الآن نفسه. كان الشعر يخرج من هذه المنطقة. في القصائد مشاعر الماضي تتقاطع مع الحاضر و تعبره عبر الألم إلى المستقبل . الكلمات تسترجع ما كنته و ما أريد أن أكونه في الآن نفسه . ذكريات الماضي الطفولة و الأشخاص المقربين مني في الماضي القريب هذه الذكريات التي أعيشها عبر مشاعر القطيعة.ذهبت في" صيف يوناني " إلى تفكيك شيفرة الحياة الروحية الداخلية مصحوبة بمشاعر عدم الاندماج، هنا ، و الاندماج والعلاقات الإنسانية المتوحشة هنا في فرنسا كما في البلد الأول .شويعرة سورية مغناجة في لوديف قالت عام 2000، كيف ستبقى،يلزمك أربعون ألف فرنك في الشهر كي تعيش في باريس. و ناشط في حقوق الانسان حبسني في مكتبه ، ليلة وصولي إلى باريس .
.
س: تقول " القراصنة " هم " اليابسة التي تلوح لنا من بعيد " . تشوب النصوص مشاعر الفراغ و العبث في مناخات القصائد . كما لو أن الخلاص سيأتي عبر القتلة. هل تريد أن تقول أن الكل باطل و قبض الريح ؟
ج:الحنين بهذا المعنى لم يكن و ليد العيش في مكان ما جسديا بينما روحيا في مكان آخر او التعلق و الانتماء إلى مكان بعيد و نسيان المكان الذي أنا فيه هذا لم يحصل معي أبدا بهذه الحالة المرضية .كان نوعا من الحداد الدائم غير المنتهي أبدا . لم أكن أريده لأني لا أريد أن أصوغ بمخيلتي ناظرا إلى المكان الأول بوصفه فردوسا مفقودا يعيش معي و أحن إليه طيلة حياتي . وطني ليس هو المكان المثالي و ليس المكان الأول الذي يلتهم الجغرافيا الداخلية . الحنين يصوغ الأنا و الجغرافيا الداخلية . لقد ضيعت الحنين و بضياع الحنين ربما ضيعت جزئا من ذاتي و أفقرت العلاقة مع المواضيع الروحية الداخلية لدي. في" صيف يوناني " ثمة ما يحيل على أن التغيير أمر غير قابل للتحقق. كان الحنين يمنعني من الذهاب إلى الواقع الذي أعيشه , الحنين الذي يبعدني عن الحاضر ، كما يضع الماكياج على ماض مزخرف و مزركش يعاش في الخيال فحسب . ثمة مشاعر الفراغ و العبث التي تنتج عن الواقع الحالي . والتي تتحقق عبر الكتابة و اللغة . فيما الهوية نفسها موضع تساؤل ، هناك في المكان الأول عاشت و تعيش أجيال عدة تجري وراء قراصنة. متوهمة أنهم الأرض اليابسة .
س: بعد ديوانك الأول "قمر يابس يعتني بحياتي" و عملك الأخير "صيف يوناني" لاحظت في نصوصك الجديدة المنشورة طبعا بعد هذين التجربتين نوعا من التحول، هل تغيرت نظرتك للشعر؟ هل سقطت المفاهيم الأولى؟ هل صارت الكتابة الآن تبدو لك أوضح و أنها ممكنة دون تعب و تكلف؟
ج: منذ أن بدأت أقرأ اللغة الفرنسية لم أعد أقرأ الشعر الفرنسي .الشعر الذي كان دائما قريبا مني عبر الترجمات . صرت اقرأ فقط الترجمات الاسبانية والأمريكية و الايطالية وغيرها . أصبحت قريبا من الشعر الذي يروي . الشعر الذي يلتقي بالحياة. لم أعد مندهشا بأسماء كتبت عنها الكثير من الدراسات الأكاديمية . لقد تغيرات ذائقتي الشعرية و تغيرت معها وجهة نظري إلى ما يكتب الآن من شعر عربي ، و عالمي . أصبحت أميل إلى الشعراء الذين يسردون أو يضمنون شيئا من حياتهم في القصيدة. باعتقادي أن الحياة الشخصية هي متن كل إبداع . كلما ابتعد وقطع الكاتب عنها و ذهب نحو الصنعة المحضة كلما دفع بنصه نحو الحائط . لقد ذهبت إلى كتابة يأخذ السرد و الحكاية فيها دورا ما ، منسلخا انسلاخا عن سائر قناعاتي الفنية السابقة. أريد أن أروي و أحكي حياتي الشخصية كما هي ، دون زيادة ولا نقصان ، أحيانا. مراهنا على أن ينبثق الشعر من هذه المنطقة بالذات .. ما يهمني هو الإنصات إلى داخلي راويا إلي ما يحدث معي في الحياة !

س: تريد إذا أن تستفيد من القص و الحكاية في القصيدة، هذا ليس أمرا جديدا ...
ج: إنني أحاول في قصائدي الجديدة أن أصنع فضاء و مناخا لهما علاقة مباشرة بحياتي في شكل من الأشكال . فكل قصيدة كتبتها بعد " صيف يوناني" ، في مجموعتي الثالثة، التي لم تطبع بعد ، كتبتها عن وقائع حياتية شخصية و نفسية أعرفها تماما . أحب أن أمرر كما من الحميمية في القصيدة ، الحميمية المرفوعة شعريا في شكل غير منته و غير محدد و لا مقاييس معينة له . الحميمية التي ليست نتاج الاشتغال اللغوي . بل هي منبثقة من عالمي الروحي لحظة كتابة القصيدة نفسها . إني أكتب قصائد حياتية شخصية الآن . في الآن نفسه أرى أنه ليس على القصيدة أن تكون كالحكاية تماما . لا أريد أن أكتب قصيدة / قصة تتضمن بداية وحبكة وغير ذلك .ما أريده هو أن أكتب ما له علاقة بالاندفاع الروحي العارم. ما أحب فعله الآن ، هو وضع كم كبير من الحركة الداخلية الناتجة عن كمية التوتر النفسي مارا عبر الكلام ، كما من اللهفة داخل كل قصيدة .التي تسافر أحيانا إلى الماضي الشخصي البعيد أو تلتصق بحياتي الآن.، أو تعرج على نواحي و شوارع و زواريب مخفية في عمري . و في الآن نفسه على القصيدة أن تبقى قصيدة.

س:كيف يمكن أن يكون ذلك، إذا أنت ضد البناء في الشعر ؟
ج: أعتقد أن كل قصيدة يجب أن يكون لها سيرتها الذاتية الخاصة ، لها وحدها ، بمعزل عن القصيدة الأخرى، السيرة التي تطل على ما هو سري ينبثق من الحياتي العاري . السري الذي يحيل على الإشراق و النور الذي ينبثق من الحياة اليومية . وهنا أنا أفرق بين التفاصيل اليومية و الحياة كما هي .لكل قصيدة نورها و حياتها النورانية الداخلية رغم ارتباطها ارتباطا بالعالم الخارجي . لم اعد أطيق في الشعر الاشتغال البلاغي . و الكلام المنمق القوي الذي يسعى إلى أن يستعرض العضلات سواء أكانت لغوية أم تصويرية . بدأت أنفر نفورا من اللغة التجريدية، و من الشعر الذي يضع مسافة بينه و بين الشخص. لم أعد أطيق التحذلق اللغوي ، و التجريد و اللغة الجوفاء المتينة ، تحت ستار كتابة قصيدة نثرية ، بدأت أهرب هربا من كل ذلك ، الآمر نفسه ينسحب على حياتي اليومية أيضا ، حيث لا فلسفة ولا هم يحزنون. أجد أن كما كبيرا من الشعر الذي كتب تحت ستار الكلام و اللغة اليومية لم يكن في حقيقته إلا نتاجا لغويا فحسب . فشعراء كثيرون يكتبون تحت يافطة التفاصيل كتابات حتى ولو خلت من الاستعراض التصويري إلا أنها غارقة في الكلام الخادع بينما هي نتاج العمل اللغوي المحض ، فضلا عن استعراض الحكمة .
أغرتنا هذه الكتابة بالسهولة الخادعة التي تخفي عملا شديد العقلانية .ثمة أسماء تقف خلفها ماكينة إعلامية . وعدد من المقالات التي تنشر هنا و هناك لأسباب معينة كافية لجعل من هذا الاسم أو ذاك حاضرا و مشهورا ، لكن كل ذلك ، لا ينفع مع الزمن .ثمة أسماء تستمد حضورها من وظائفها . و إذا ما خسرت وظيفتها، لا تعود موجودة أبدا.
س: إذا أنت تعتقد أن شعراء مجلة شعر غير مقروءين، الآن ؟
ج: لم نعد نقرأ شعراء مجلة شعر الآن . رغم كل التنظيرات التي قيلت عن البعض ووصفتهم على أنهم رواد . لقد ذهب شعراء معروفون و لم يعودوا مقروءين الآن . حتى أنه لم يعد يعنينا إذا قيل لنا أنهم رواد . ليكونوا روادا و لكن شعرهم لم يثبت زمنيا رغم أنهم أحياء . كما هو الحال مع شاعر لم يتأثر به أحد من الشعراء الشباب ، باستثناء كاتب و كاتبة مشكوك في موهبتهما . ثمة أسماء تحضر بقوة على الساحة الادبية و لكنها غير مقروءة , إنها مكتفون بأن يكونوا شعراء كبارا و حسب . شعراء للدراسات النقدية . يسطر الآخرون كتبا عنهم.لم يتبق شاعر حي من شعراء مجلة شعر تقرأه الأجيال الجديدة .محمد الماغوط ، هو الوحيد المقروء الآن ، وهو ليس شاعر ا من شعراء مجلة شعر ، لقد طبعت مجلة شعر له كتابه الأول فقط.إن الرافعة الإعلامية لا يمكن أن تجعل من أحد اسما مقروءا ، أو أن تجعل شعره حيا، و هذا ما أثبته الزمن .

س: و لكن هناك كم من التنظيرات التي كتبت عن مقاييس للقصيدة النثرية . ألم يتبق منها شيء برأيك ؟
ج: يبدو لي أن التنظيرات المكرورة عن مقاييس معينة لكتابة قصيدة نثرية ساهمت سلبا على جيل الثمانينات . لقد أقنعونا عبر ضجيج إعلامي بأن مجلة شعر هي التي غيرت وجه الشعر العربي . و أن انجازاتها حاضرة و ترجماتها أيضا . لم أر في حياتي إلا عددا واحدا من مجلة شعر ، و لا أعرف ما هي هذه المجلة. لقد أقنعونا أن شعراء هذه المجلة هم الذين حطموا جدار اللغة و أنهم هم الملعونون و المارقون بينما واقعيا كان الرواد يذهبون كل أحد إلى الكنيسة.كما أضافوا أن للقصيدة النثرية ثلاثة سمات حددها رسل و أنبياء هذه القصيدة . لحسن الحظ أن الأجيال الجديدة لم تقتنع بكل هذه المقاييس و التنظيرات بل ذهبت إلى العكس تماما. لذا اتجه الجيل الجديد إلى كتابة سردية دون أن يكون له أي ارث آت من هؤلاء الذين يسمونهم روادا .كل التنظيرات التي كتبت ذهبت في الريح . الأجيال الجديدة تكتب دون التفكير بها ، و هي لا يعنيها . لا سوزان برنار و لا من أخذ عنها ، ولا من يردد من مرة إلى أخرى بضع جمل لها . الكتابات الشعرية هي المؤثرة و ليس التنظيرات .
س: كثيرون يختزلون التجارب الشعرية الجديدة بسوريا في جملة بسيطة :" إنهم أحفاد الماغوط "ما رأيك ؟
ج: مازال الماغوط بالنسبة لي يشكل سؤالا محيرا . أتساءل عن سبب بقاء نصه و استمرار جاذبية شعره . كم كبير من الكتابات سطرت عن أسماء كانت أكثر سطوة و فصاحة و قوة لغوية، لكني لم أعد أقرأهم الآن و أحسب أن الجيل الجديد، لم يعد يهتم بنصوصهم.
لزمن طويل كنت قريبا من نصوص أنسي الحاج، و شوقي أبي شقرا و أعتقد اعتقادا راسخا أنهما المؤثران و الفاعلان الحقيقيان في راهن القصيدة النثرية العربية. في الآن نفسه كنت حين أخلو إلى وحدتي أقرأ الماغوط ، و أحمل كتابه معي إلى السرير قبل النوم و أعلق مقطوعات من قصائده على الحائط . الآن تصالحت مع ذائقتي و لم يعد هذا الانقسام موجودا حول محبة شاعر معين و التنظير لشاعر آخر بوصفه المؤثر و المهم. لقد تغيرت حساسيتي الشعرية رويدا رويدا . ما كان رائدا في الماضي لم يعد الآن، لا بل إنني أنفر نفورا الآن من نصوص ينظر لها البعض بأنها اختراقية و أساس القصيدة النثرية العربية .لتكن ما تكون برأي هؤلاء ، و لكنها لغوية خشبية ميتة و لا أحد يقرأها وهي متروكة للتاريخ فحسب لا للحياة.
لاحظت أنني كنت مأخوذا بالرافعة الإعلامية شأني شأن أبناء جيلي وأن كما كبيرا من القناعات الفنية و غيرها كانت تتشكل ليس انطلاقا من النصوص بل من خلال هذه الرافعة .بينما كانت الحياة الواقعية تقول شيئا آخر، مخترقة حالة الوهم هذه ، وتعطي الماغوط أهميته الحقيقية. شعره هو الذي صنع أيقونته ولم يتأت ذلك لا من الصحافة و لا من شيء آخر.
ربما يحضر نص الماغوط في نصوص بعض شعراء السبعينات في سوريا ، أما في الثمانينات فأعتقد أن شعراء ظهروا في السبعينات هم الذين طبعوا نصوص هذا الجيل كأمجد ناصر و بسام حجار و وليد خازنذار ووديع سعادة ، فضلا عن الترجمات التي لا تقل أهميتها عن شعر هؤلاء الشعراء الذين نجدهم في نصوص البعض و ليس الماغوط الذي ربما يحضر في نصوص السبعينات.الجملة عامة و شاسعة و هي تضليلية و لا تنطبق على ما يكتب في سوريا .


س: إذا الشعر السوري ، ليس محصورا في الماغوط فحسب كمرجعية
ج: لا يمكن حصر الشعر السوري بمحمد الماغوط على الرغم من أهميته ، خصوصا بالنسبة للجيل الجديد الذي يقرأ كل شيء. أحب أن أبوح لك بأنني لم أعد أقتنع بوجود مدرسة شعرية سورية ولبنانية و كويتية و و و رغم كل التنظير . إنني انظر إلى الشعراء العرب كأفراد لهم تجاربهم الشعرية المستقلة. من غير الممكن جمع كم كبير من الشعراء و حشرهم في كيس واحد و القول أنهم أحفاد فلان و فلان. هذا الأمر لا يمكن أن ينسحب على الشعر. أصبحت مرجعياتنا خارج بلادنا ، هناك في الترجمات ، أو لدى شعراء غربيين .لا يمكن أن أنظر لتاريخ الشعر الكويتي و المطبخ الكويتي كوحدة متكاملة . التبولة اللبنانية و الفلسطينية و السورية هي تبولة واحدة و إذ أتحدث عن الفوارق ما بين التبابيل الثلاثة، سيكون ذلك ضربا من السفسطة . إنها واحدة للأسف.إنني أعتقد بوجود قصيدة نثرية عربية تكتب الآن يكتبها أفراد في مطارح مختلفة من العالم العربي ، و ليس هناك تقسيمات حادة لهذه القصيدة . ثمة فوارق فنية أحيانا عميقة في رقعة جغرافية ضيقة.أجد لبنانيا يكتب مثل مصري و سوري يكتب مثل خليجي، الفوارق رجراجة و لا يمكن حصرها و تأطيرها .

س:كيف تنظر أنت إلى ما يكتب الآن في سوريا ؟
ج: ثمة ثلاثة شعراء مازالوا أحياء من الجيل القديم و هم الماغوط و قباني و رياض الصالح حسين . كل له أسبابه . خارج هذه الأسماء الثلاثة أجدني قريبا من بعض قصائد شعراء السبعينات و ليس لتجربة معينة ، رغم أن البعض يكتب منذ نصف قرن. الزمن و الكمية لم يكونا يوما هما الأساس. لا أستطيع أن أقول أنني أحب تجربة كاملة، لكنني أقرأ بحب تجارب منذر مصري و بندر عبد الحميد ، كما يعجبني إصرار أسماء أخرى على المتابعة. لا يمكننا التخلص من سطوة الاشتغال اللغوي و التصويري و المساطر التي في أذهاننا عن القصيدة النثرية بهذه السهولة على قلتها . لقد و قعت تجربة شعراء مدينة حلب تحت هذه السطوة و لم يستطع أحد أن يفلت منها، وهي برأيي التجربة الطليعية الوحيدة في هذه الفترة . ثمة و هم مازال البعض وفيا له و هو كتابة نصوص على مقاييس تسكن في الذاكرة تحت يافطة الحياة الشخصية، الأمر الذي يعني الضحك على الذات .واقعيا هذه الكتابات كانت أبعد ما تكون عن الحياة الشخصية ، إذ لا حياة فيها. و لا تتعدى البراعة في صوغ و تصيد الصور الشعرية التي قد تتميز بالنضارة. فتحولت القصيدة إلى كشكول صور لا أكثر و لا أقل. للأسف وقع جيل الثمانينات في مدينة حلب رغم أهميته الطليعية، تحت سطوة و سلطة المقولات و بعضها محض صحافية يسطرها كتاب و شعراء في بيروت عن كون الشعر يتوازى مع الواقع و لا يتقاطع معه ، و أن القصيدة مكتفية بذاتها . الصفاء اللغوي أمر لابد منه . إلخ . و رغم شراسة الحياة و القمع الذي عاشه هذا الجيل إلا أنه لم يتجلّ شعريا في نصوصه ، وذلك بسبب عيش جيل شعري كامل في هذه المقولات .عيشه خارج حياته.

س: لماذا لا نشعر بوجود أي خصوصية محلية لما يكتب الآن في الشعر السوري ؟
ج: كنت في حزب يتخذ من سوريا اسما له ، لكن في ذلك الحزب العتيد كان أغلب الحديث يدور حول كردستان لا سوريا . من جهة أخرى كان الشعراء الحداثيون الذين كنا نعتبرهم روادا قد تحدثوا عن القطيعة مع الأب و مع الماضي.و كانت مقولاتهم أشبه بالآيات المنزلة علينا . و كانت الثقافة السائدة في الثمانينات تحاول أن تمحو أي اتصال لنا بالتراث سواء أكان فنيا أم أدبيا . لذا كان من العار علينا الاستماع أو الاتصال بالتراث أو بالثقافة الشعبية و تسريب مناخاتها مفرداتها إلى القصيدة . و العار كل العار مثلا الاستماع إلى أم كلثوم و صباح فخري و و القدود الحلبية ، وحسن حفار و أديب الدايخ وصبري مدلل وووو. كل الأفكار السائدة كانت تتكاتف من أجل قتل و ارتكاب مجازر بحق الثقافة الشعبية التي هي روح الناس في هذه البقعة من العالم .كانوا يسمون ذلك تخلفا و رجعية. ثمة أيقونات كان علينا قبولها دونما تفكير . رائد القصيدة النثرية هو أنسي الحاج ، سيدة الغناء هي فيروز إلخ .بينما واقعيا كنا نفكر بالماغوط لا الحاج من دون أن نجرؤ على الكلام و نستمع إلى أم كلثوم و محمد عبد الوهاب عندما نصفو إلى أنفسنا ،في الليل و ليس إلى فيروز.لذا معظم الكتابات التي ظهرت خلال الثمانينات ،كانت كتابات مفبركة مصاغة بمقاييس خارجية . ربما تكون الرواية أهم من الشعر في هذه الفترة ـ برأيي ـ خصوصا روايات و قصص محمد أبو معتوق و فيصل خرتش و نهاد سيريس و نيروز مالك .


س: أصدرت كتابا بعنوان" نوارس سوداء " عن القصيدة النثرية السورية .ما هي المعايير التي اتبعتها في اختيار أسماء و استثناء أخرى ؟
ج: حاولت في هذا الكتاب ، أن أقدم نماذج من القصيدة النثرية التي تكتب في سوريا بدءا من خير الدين الأسدي و علي الناصر حتى أيامنا هذه .كان الكتاب يعتمد على ذائقتي الشخصية المحضة ، تلك الذائقة التي تروق لها تجربة شعرية معينة و لا تروق لها أخرى.
اخترت برأيي الأسماء الأكثر طليعية في راهن الشعر السوري .بما فيها تلك التي لم تكن قد نشرت كتابا بعد.تلك الذائقة التي يمكن توصيفها باقترابها من الكتابات التي تخلو من الاشتغال العقلاني المحض ، و تقترب مما هو نضر و شفاف خارج الاستعراض اللغوي الذي كان نموذجه الوحيد سليم بركات في الكتاب . إن الأصوات الشعرية السورية التي استطاعت أن تثبت زمنيا، لم تكن إلا نثرية. فالذائقة الشعرية لدى القارئ تتحرك ، وتتبدل، الأمر الذي أدى إلى أن تخلي القصيدة الكلاسيكية،و قصيدة التفعيلة، الساحة للقصيدة النثرية.نتيجة لما طرأ من تحول على هذه الذائقة .
الأسماء التي اخترتها لم تذهب إلى أي عملية تجريب لغوي حاد ، على جسد اللغة ، كما لم يدفع أي شاعر ، أيضا ، بقصيدته إلى أي تطرف فانتازي .لذا تتميز قصائد المقدمة في هذه المختارات بلغتها الأليفة ،السلسة ، حتى وإن كانت حادة أحيانا لدى البعض .في شكل عام ، من اخترتهم كانوا ينطلقون ، من أحاسيسهم إلى الخطاب الشعري .وهم لا يعتمدون في كتاباتهم على أي أفكار ، يتوسلون بثها داخل نصوصهم .لذا تأخذ الحياة، موقعا ما في هذه القصائد.بالطبع ثمة استثناءات ، قليلة.فرحتي بهذا الكتاب لم تتم. بسبب إضافة الناشر و المسئول عن السلسلة لاسم لم أضعه و حذف اسم آخر. على كل ، تم حل هذا الامر باعتذار الناشر ، و تكفله بنشر الكتاب من جديد ، و أنا قبلت الاعتذار . الأسماء هي :
خير الدين الأسدي، أدونيس، عابد إسماعيل، نزيه أبو عفش، حسين بن حمزة، حكم البابا، سليم بركات، نوري الجراح، رولا حسن، دعد حداد، عبد السلام حلوم، عبد اللطيف خطاب، صالح دياب، محمد دريوس، هنادي زرقة، محمد سيدة،محمود السيد ، سنية صالح، خليل صويلح، رياض الصالح حسين، لينا الطيبي، بندر عبد الحميد، حازم العظمة، محمد فؤاد، عمر قدور، فايز مقدسي، عادل محمود، مرام المصري، محمد الماغوط، ، أورخان ميسر، منذر مصري، علي الناصر


س: لقد أصدرت كتابا عن شاعرات عربيات هو " و عاء الآلام " . على ماذا راهنت في هذا الكتاب ؟
ج: الكتاب كان مقاربة لحضور الجسد في شعر بعض الشاعرات ،بحثا عن أشكال تجلياته وصياغاته واستيهاماته، الجسد المكبوت المقنع و المهمش داخل الثقافة العربية.
و اذا كان الجسد والجنس في العائلة العربية يأخذان شكلا تاباويا فإن مجرد ذهاب المرأة الى الكتابة بوصفها فعل خلاص و حرية يفتح ثقوبا في جدار السلطة الذكورية. تستظهر الكاتبة العربية ذاتها استظهارا دون أن تترك للنص أن يستبطن ذاتها في علاقتها بنفسها وبالعالم جاعلة من الجسد بؤرة استعراضية متقطعة غير خيطية محولة إياه كتلة مفاهيم ينطمس بها,وتعمي القارئ حتى عن تذوق الخطاب نفسه الذي يتبدى ديماغوجيا. إن البؤس الشعري هو وحده الذي يختبئ خلف الاستعراض ، و هزالة التجربة الشعرية ، التي تنهض على حقائق زائفة مكبوتة.
لا حظت أن أغلب الكاتبات منفصلات تماما عن كتاباتهن و مستلبات استلابا لغويا للرجل . الجسد هنا يافطة إعلامية و ديكور ، لا أكثر و لا أقل للتسويق الاعلامي . أما حين نقرأ النصوص فهي نصوص تحيل على فقر شعري مدقع . أما الشخص فيمكن أن يعيش في دير أو في صومعة و يذهب كل أحد إلى الكنيسة و يقوم برمضان . و يحدثنا عن الجسد ، وهتك المقدس. يحدث هذا في العالم العربي ، نعم .
لقد قرأت عددا من الشاعرات العربيات . فو جدت أن مفهومهن للشعر يتحدد بطنجرة عملاقة يرمين فيها آلامهن . الأمر نفسه يمكن أن ينسحب على الرجل، لكنه يتجلى هنا في شكل أكبر . يلعب الرجل العربي دورا كبيرا في صوغ صورة المرأة العربية أمام نفسها لا بل تشكيل كتابتها، و الاستثناءات قليلة و معروفة . إن عملية تصحيح الرجل و تغيييره في نصوصها عملية شديدة الخطورة يمكن أن تسحب من المرأة خصوصا لغتها، فتشعر في النهاية أمام نص كتبه رجل ، نص فحولي ، متين لغويا. و لأننا نعرف الأشخاص شخصيا وهنا الطامة الكبرى . يريدون لنا مثلا أن نصدق أن هذه المتانة اللغوية تعود إلى فلانة . لكن فلانة تخطيء باللغة العربية فترفع و تنصب كيفما اتفق .سألت أحد الشعراء المعروفين عن أسباب تراجع كتابات إحدى الأسماء ، فقال لي : " أبوح لك. المشكلة بسيطة. قصائدها الأولى تمت مراجعتها من قبلي . أما قصائدها الجديدة فيراجعها شخص غيري هو من جيل الستينات، على ما يبدو، و من يدري قد تكتب نصا ، بعد ذلك بلغة منفلوطية إذا ما كان الرجل القريب منها يحب المنفلوطي " .
إنني سعيد جدا عندما أرى الأصوات النسائية العربية تتكاثر . المرأة العربية عانت و تعاني أكثر من الرجل من حقها أن تكون موجودة في كل مكان . لكنا علينا ألا نأخذ خربشاتها على الورق و نجعلها نصوصا متينة قواعديا و من ثم نسوقها على أنها شعر و نطلب منها أن توقع اسمها . إنها مجزرة حقيقية . لا تقبلها إلا من امحت ذاتها أمام الرجل امحاء تاما . كثير من الشاعرات العربيات يسعين أن يكن نجمات سينما وعارضات أزياء لذا نجد أن بعضهن يسوقن لصورهن و جسدهن ،و ثيابهن لا لكتابتهن .الأمر نفسه يمكن أن ينسحب على الرجل أيضا .و الاستثناءات هنا موجودة بالطبع لكنها قليلة جدا .



القدس العربي
9-1-2009





































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أوراق من شجرة الثقافة المغربية

13-آب-2009

الشاعر السوري صالح دياب: لست نادما على ترك بلد أخاف فيه من ظلي حاوره

13-كانون الثاني-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow