Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب: الحب بين المسلمين والنصارى في التاريخ العربي.لعبد المعين الملوحي

د.محمد عبد الرحمن يونس

2009-01-24


عرفت المجتمعات العربية الإسلامية والمسيحية، عبر تاريخها الطويل علاقات اجتماعية وإنسانية متميزة، إذ انفتح الإسلام على المسيحية وحافظ على حرمة المسيحيين، واحترم علاقاتهم وعاداتهم ومعتقداتهم، ولم يشعر المسيحيون بالخطر على معتقداتهم مع مجيء الإسلام، إذ تثبت النصوص التاريخية الكثيرة أن المسيحيين وقفوا من المسلمين موقفاً ودياً، وحموا المسلمين الذين هاجروا إلى ديارهم فراراً من المشركين من أهل مكة، ويذكر الطبري في تاريخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه الذين تعرضوا لأذى المشركين:« لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ فيها ملكاً لا يُظلم أحد عنده، وهي أرض صدقٍ حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه.» ص 20. وقد قام النصارى بحماية المسلمين مرة أخرى في الهجرة الثانية إلى الحبشة.
وقد تعدّت العلاقات الإسلامية المسيحية نطاق التعامل الاجتماعي والإنساني، والعلاقات الوديّة القائمة على احترام المعتقدات والآراء، لتصبح أكثر حميمية، إذ نشأت بين الرجال والنساء في المجتمعين الإسلامي والمسيحي علاقات حب قوية أدّت في بعض حالاتها إلى الزواج، وكان لهذه العلاقات دور في امتزاج المجتمعين الإسلامي والمسيحي، وبالتالي دور في بنية هذين المجتمعين على المستوى الإنساني والحضاري والاجتماعي والثقافي.
ويأتي كتاب الباحث والشاعر عبد المعين الملوحي ليلقي ضوءاً على بنية العلاقات المسيحية الإسلامية، وليعرض حالات من الحب الشديد بين الرجال والنساء في هذين المجتمعين، وليقلّب صفحات طويلة من كتب التراث العربي التي سجلت أخبار هذه العلاقات. وقد اعتمد الملوحي في كتابه مصادر تاريخية عديدة، استقى من خلالها هذه الأخبار، ولعلّ من أهمّ هذه المصادر:
1- الموشى لمحمد بن أحمد الوشّاء (000 -325هـ/000 -937م ) ، وطوق الحمامة لعلي بن حزم الأندلسي، ( - 384456 هـ/1064 – 984م )، ومصارع العشّاق لجعفر بن أحمد السرّاج البغدادي (500-417 هـ/1106-1027 م )، وذمّ الهوى لعبد الرحمن بن علـي (ابن الجوزي) ،
( 579-508هـ/1201-1114 م ) ، وروضة العاشق لأحمد بن سليمان المتوفى سنة 635 هـ، و: منازل الأحباب ومنارة الألباب لمحمود سلمان الحلبي (725-644 هـ/1325-1247 م )، والواضح المبين في من استشهد من العاشقين لمغلطاي بن قريح ( 712 - 689 هـ/1361-1290 م ). وديوان الصبابة لأحمد بن يحيى بن حجلة التلمساني (776-735 هـ/1375-1325 م ) ، وأسواق الأشواق لإبراهيم بن عمر البقاعي ( 885-809 هـ/1480-1406 م )، وتزيين الأسواق في أخبار العشاق لداوود الأنطاكي (1008-000 هـ/1600-000 م) ، بالإضافة إلى كتب أخرى عديدة.
في البداية يعلل الملوحي سبب اختياره لكلمة النصارى في عنوان كتابه: « الحبّ بين المسلمين والنصارى في التاريخ العربي » قائلاً: « المسيحيون ينتسبون إلى المسيح، والنصارى ينتسبون إلى الناصري، إّنهما اسمان لمسمّى واحد، والخلاف عليهما خلاف لفظي.» ، ص 6 .
يقسم الملوحي كتابه إلى مقدمة طويلة تبدو أكبر من أيّ فصل من فصول الكتاب، وأربعة أبواب وخاتمة.
الباب الأول يضمّ فصولاً قصيرة، في حين نجد أنّ الأبواب:
الثاني والثالث والرابع تتخلّى عن نظام الفصول، ليصبح الفصل منها عنواناً رئيساً، يتحدّث فيه المؤلف عن فكرة أو عن ظاهرة معيّنة.
في المقدّمة يرى الملوحي أنّ الحبّ عندما يقع بين الناس تتساقط الحدود والسدود، سدود الطبقة والعرق واللون والدين ولا يبقى إلاّ الإنسان. ص 9 . ثم ينتقل، وتأسيساً على مصادره العديدة، ليثبت بعض تعريفات الحبّ كما وردت في هذه المصادر، فالحبّ عند ابن حزم الأندلسي في كتابه: (طوق الحمامة): «أوله هزل وآخره جدّ، دقّت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلاّ بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عزّ وجلّ.». ويضيف ابن حزم قائلاً:« وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنّه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة، في أصل عنصرها الرفيع (…) ومن الدليل على هذا أيضاً أنك لا تجد اثنين يتحابّان، إلاّ وبينهما مشاكلة واتفاق في الصفات الطبيعية ،لا بدّ من هذا -وإن قلّ- وكلّما كثرت الأشباه زادت المجانسة، وتأكّدت المودة، فانظر هذا تراه عياناً، وقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يؤكّده:«الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».» . ص12 - 11 .
أمّا الجاحظ فإنّه يعرّف الحبّ قائلاً: «هو دواء يصيب الروح ويشتمل على الجسم بالمجاورة.» ص 12 .
أمّا الحبّ في معجم لاروس الكبير فيعني:«ميل القلب نحو شخصٍ أو شيء يجذبه إليه». ص 12 .
ويضيف المعجم قائلاً:«لم ير الفلاسفة القدماء في الحبّ- بمعنى الكلمة- إلاّ الرغبة الجسدية، ولكن سقراط وأفلاطون وأرسطو والفلاسفة الرواقيين وبلوتارك رأوا فيه عواطف أكثر رفعة ورقة». ص13 .
أمّا أنواع الحبّ وفق تحديدات هذا المعجم فهي:
1- حبّ الوطن، وهو الحبّ الأول بعد حبّ الله-كما يقول فيرلين.
2- الميل الطبيعي أو العاطفي الذي يدعو أحد الجنسين إلى الجنس الآخر.
3- الحبّ الحرّ: وهو الذي لا يتقيّد بإنسان واحد، بل يجد ما يرضيه في كلّ جسد.
4- الحبّ اللحمي أو الشهواني: الذي لا يرى في المحبوب إلاّ الجسد واللحم.
5- الحبّ الصوفي: وهو الذي يتجه إلى الله بدلاً من الاتجاه إلى الأرض.
6- حبّ الإنسانية: وهو الذي يسمو عن المصالح الفردية والطبقيّة ويرتفع إلى الإنسان في كلّ مكان.
7- حبّ الذات: وهو العاطفة التي تدفعنا إلى حفظ ذاتنا وتطوّر فرديتنا، وهو في شكله السامي يحثّنا على إرضاء أكثر ميولنا غيريّة واجتماعية، وليس حبّ الذات مناقضاً لحبّ الآخرين. ص 14 .
وما يهمّ كتاب الملوحي من هذه الأنواع التي حددها معجم لاروس هو تحديداً الحبّ العاطفي الجسدي الذي يصبح عشقاً لجسد المحبوب، والذي عرفه التاريخ بين المسلمين والنصارى في العهود الماضية. ومن علامات الحبّ العاطفي الجسدي تلك التي يحددها ابن حزم الأندلسي قائلاً:«وللحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي: فأولها إدمان النظر-والعين باب النفس المشرّع (المفتوح) وهي المنقبة عن سرائرها..فترى الناظر لا يطرف، يتنقّل بتنقّل المحبوب وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس(…) ومنها الإقبال بالحديث فما يكاد يقبل على سوى محبوبه، ولو تعمّد ذلك(…) والإنصات إلى حديثه إذا حدّث(…) وتصديقه وإن كذب، وموافقته إن ظلم، والشهادة له وإن جار، واتباعه كيف سلك (…) ومنها الإسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه، والتعمد للقعود بقربه، والدنو منه، والتباطؤ في المشي عند القيام عنه.» ص 14 .
أمّا علامات الحبّ عند محمد بن أحمد الوشّاء فتصبح:« نحول الجسم وطول السقم واصفرار اللون، وقلّة النوم وخشوع النظر، وإدمان الفكر وسرعة الدموع، وإظهار الخشوع وكثرة الأنين، وإعلان الحنين، وانسكاب العبرات وتتابع الزفرات، ولا يخفى المحبّ وإن تستّر، ولا ينكتم هواه وإن تصبّر». ص 16 .هذا وقد عرفت المصادر التاريخية والأدبيّة القديمة أسماء عديدة للحب منها:«الصبابة-المقة-الوجد-الدنف-الشجو-الوصب-الكمد-الأرق والسهر-الحنين-الودّ-الخلّة-الغرام-الوله». ص17 . أمّا أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني فيحدد في كتابه:«ديوان الصبابة» أهمّ أسماء الحبّ، ودرجاته، وهي:
«1-الهوى: وهو ميل النفس.
2-العلاقة: وهو الحبّ الملازم للقلب.
3-الكلف: وهو شدّة الحبّ وأصله من الكلفة وهي المشقّة.
4-العشق: وهو فرط الحبّ، والعاشقة وهي اللبلابة تخضرّ وتصفر وتعلق بالذي يليها من الشجر.
5-الشغف: وهو إصابة شغاف القلب أي حبّة القلب.
6-الشعف (بالعين) وهو إحراق الحب للقلب.
7-الجوى: وهو الهوى الباطن.
8-التتيّم: وهو أن يستعبده الحبّ.
9-التبتل: وهو أن يسقمه الهوى.
10-التدله: وهو ذهاب العقل من الهوى.
11-الهيام: أن يهيم على وجهه لغلبة الهوى عليه» ص16 .
وفي الفصل الأول من الباب الأول الموسوم بـ:«المسلمون والصليب»، يثبت الملوحي نصوصاً تاريخية تؤكّد أن الصليب، وهو شعار المسيحية، أثار خيال الشعراء في مقطوعات شعريّة كثيرة، فها هو الشاعر مدرك بن علي الشيباني يتمنى أن يكون صليباً في عنق حبيبته حتى يظل يشمّ طيبها، ويحظى بقربها. يقول:









تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب
يا ليتني كنت له صليباً



أكون منه أبداً قريباً


الفساد هو الآفة الكبرى في المجتمعات العربية المعاصرة

07-أيلول-2009

أبو الطيب المتنبي

08-شباط-2009

ثنائية الواقعي والتخيلي في حكايات ألف ليلة وليلة

01-شباط-2009

كتاب: الحب بين المسلمين والنصارى في التاريخ العربي.لعبد المعين الملوحي

24-كانون الثاني-2009

قراءة في رياح وأجراس فهد الخليوي

28-تشرين الأول-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow