Alef Logo
ابداعات
              

لا تفكر بي غداً أثناء المعركة

سامر محمد اسماعيل

2009-02-22


إبرة، ماسورة خيطان، كيس أسود، فرشاة أسنان، حبل، قلم أزرق، قلم أحمر، دفتر صغير، قطعة قماش بيضاء، كأس، صحن، شوكة، سكين، مشرط، أزرار، كمامة، مطرة ماء، مزيتة، حذاءان، بطانيتان، بيجاما، شحاطة.
كلونيا، عدة حلاقة، بدلة إضافية، أعواد قطنية لتنظيف الأذن، مسامير، ثياب عادية، فاحص كهربائي، مقص أظافر، مقلاة، طنجرة، سبيرتو، شاش، قطن طبي، لاصق جروح، بيل، بطاريات، بشكير، صابون، جوارب عدد 2، حذاء رياضة، شورت، ملعقة، ناموسية- صورة لك تبتسمين بين الحربة وكيس الطلقات يضغط بشدة على محياك البهيج، بينما أنا أهرول بحقيبة دسست فيها وعن عمد تذاكر ركوب باص باب توما وبالعكس، قد لا تفيدني الآن بشيء لاسيما أنني بعيد عن نقطة انطلاق تلك الباصات الخرافية، فالرحلة الآن تكاد تكون حاسمة باتجاه خطوط الدفاع الأولى. ‏
العسكريون بحقائب فولاذية لا تشبه حقائب مَنْ يرتعون على نعيم الأرصفة، تحت أعمدة الإنارة، وفي «النايت كلوبات»؛ لا يعرفون شيئاً الآن عن حقائبنا الثقيلة التي نركض بها في الجبال البعيدة المقفرة، مرة فوق الشوك والحنظل، وأخرى على أسنة الصخور، تلك الحقيبة لا تشبه حقيبتي التي تركتها في البيت، حقيبتي الخفيفة ذات الطلعة البهية، بلون باذنجاني، والتي كانت مهداً لمجموعات شعرية وتذاكر لحضور السينما والمسرح؛ أقلام، أوراق بيضاء، وجرائد يومية. ‏
حقيبتي الآن مختلفة تماماً، فلكل زمان حقائب ورجال، فبينما أضع حقيبتي الخفيفة في أمانات دار الأوبرا، لا يمكنني الآن أن أُنزل هذه الحقيبة عن ظهري، إنها جزء مني، جزء خطير و«سري للغاية»، فالعدو يتربص بحقيبتي قبل أن يتربص بي؛ هو يتساءل عن ذخيرتي، عتادي، قدرتي على التحمل، ولياقتي العالية في الركض، وقدرتي على المناورة في القتال القريب، حيث حقيبتي كافية تماماً لقتل كثيرين منهم، ويمكنني أن أبدل طبيعتي الصامتة متشرداً وحقيبتي التي أمست الآن من رومانسياتي البائدة. ‏
أنا وبوجه مطاطي يتدلى من فمي أنبوب لتصفية الهواء، فبين لحظة وأخرى سيعمد العدو لضربة كيماوية أو جرثومية؛ إنهم يمتلكون أسلحة بيولوجية مخيفة قادرة على تخريب الأعصاب، وعلى إبادة القوى الحية المعادية، وهي أنا هذه المرة، فيما تستقر حقيبة الباذنجان الوديعة في ركن قصي من بيت في أطراف العاصمة؛ لا يمكن على وجه التحديد أن أكون خفيفاً لدرجة حضور عرضكم المسرحي؛ حيث الحفر الفردية حقائب أخرى لنا؛ من منا حقيبة للآخر؟ فالتحقيب هنا ليس من الحقبة؛ بل للتغليف المستمر، التستر التام على المحتويات السرية، وحيث يمكنني أن أُخرج حربتي المحلاة بالسمّ لطعن أول من سأفاجئه عند أكمةٍ أو تحت هضبة، بينما تضغط الحقيبة مجدداً على شهوتي ورغبتي بالتخفف، كان من الصعب أن أكون معكم لحضور المسرحية، أو حتى الكتابة عنها أو مناقشتها معكم على نار قهوةٍ مسائية، فأنا الآن «مُحقَّب تماماً» على نحوٍ تعبوي أتابع بمنظاري الليلي تحركات العدو؛ أنفاسه؛ نأماته؛ شخيره المتقطع. ‏
في الليل أزدرد السردين والشو.. ربَّا، أما في النهار فأتابع الركض؛ بدأت أشعر بالخفة، بدأت حمولتي تصبح جزءاً مني، حتى أنني لم أعد أشعر بذلك الثقل، لكن عندما عمدت في تلك الليلة إلى حلاقة ذقني رأيت صورتكِ كرفاهية غابرة، كان ذلك موجعاً أن أراكِ بين أكوام العتاد، وكان عليّ مباشرةً« من الحركة» أن أحجل وأنطّ وأقفز وأزحف أطواراً من قرد داروين وحتى «فهد» نبيل المالح؛ أتدحرج وأتكور وأثب، أتقحم وأزمجر بغضب، تاركاً وجهك الحبيب مغطساً بزيت السلاح، بينما أتصاعد أنا بإيقاع الرقصة الروسية كافراً بـ «سترافينسكي» و«تشايكوفسكي» ناهيك عن «تشيخوف» و«ستانسلافسكي» وربما لن أحتفل مع «ميخائيل كلاشينكوف» بعيد مولده الخامس والثمانين، لا أعرف حتى الآن كيف يستطيع هذا الرجل أن ينام قرير العين! ‏
ما الذي جلب هذه الصورة إلى هنا؟ ‏
كان عليّ أن أعترف بخطئي، نحن هنا لسنا في نزهة علمية، أو رحلة تخييم للعشاق، والولهانين، تحديداً المغامرين منهم. ‏
نفّذت عقوبتي بحذافيرها، ثم رميت بتذاكر باصات باب توما وبالعكس تفقدت أشيائي، ثم عاودت الركض لمدة أربع ساعات متواصلة، كان لزاماً عليّ وبطريقة «كونديرا» في روايته الأبطأ أن أزيد السرعة لأنسى تماماً حماقتي الإضافية، فالبطء الذي مارسته جعلني ثقيلاً غليظاً ومتظارفاً إلى حد الفجاجة. ‏
حقيبتي الآن ليست تلك الباذنجانية، إنها للفتك والهتك والتدمير، لا يمكن الآن الذهاب إلى عروض مهرجان السينما حيث ينتعل المثقفون حقائب مختلفة، ولا يضطرون لأقنعة واقية من الضربات البيولوجية، أو كيس أسود لأسر أعدائهم، فهم خفيفون إلى درجة الهلام، ويمكن للمثقفات منهم؛ أن يحملن على مضض زجاجة مياه معدنية ليشربن بين الفصلين أو بعد انتهاء العرض؛ تماماً مقابل الواجهة الزجاجية للمسرح، ولن يحتجن بالتأكيد للرصاص أو القنابل للإيقاع بأحبائهن؛ حيث حقائبهن ملأى بالبسكويت المغطس و«الديودوران» والعلكة، بينما يخرج المثقفون بوجوه كئيبة شاحبة وممتقعة، إذ لم يعجبهم فيلم «الجندي رايان» إنهم يفضلون «التايتانيك» أو «شكسبير في الحب». ‏
في اللحظة ذاتها كان علينا نحن المتربّصين والمُتربّص بنا، أن نأكل البطاطا المسلوقة، وننتظر الأوامر للنوم مع حقائبنا، تبعاً لنوبات الحراسة؛ تماماً كما في فيلم «حلاق سيبيريا» حيث يُصرّ البطل على حبه لموتزارت رغم العقوبات التي يتلقاها من قائده المباشر في القطعة؛ سأصرّ الآن على انتزاع حقائب المثقفين كلها؛ المتثاقفين منهم، من على ظهورهم الضعيفة، أجزم أنهم لن يستطيعوا المشي من غير تلك الحقائب.. ‏
‏ سامر محمد إسماعيل




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

وجوه نزيه أبو عفش حول مائدة العشاء الأخير

16-حزيران-2018

سعد يكن: المايسترو

30-نيسان-2016

الوشم في مواجهة ذهنية التحريم الجسد العربي مكتوباً ومقروءاً

07-كانون الأول-2015

المثقفون السوريون.. أمراء حرب أم قادة ثورة

19-كانون الثاني-2015

.. الطلبة كبش فداء ورشة مسرحية سورية لم تبدأ بعد!!

19-كانون الثاني-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow